الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موقفه من الجهمية:
له من الآثار السلفية: 'رؤية الله' وقد حققه محفوظ الرحمان.
هِبَة الله اللَاّلَكائِي (1)(418 هـ)
أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الرازي، وهو طبري الأصل الحافظ المجود، المفتي الشافعي اللالكائي. درس الفقه على مذهب الشافعي عند أبي حامد الإسفراييني وبرع فيه. سمع من عيسى بن علي الوزير وأبي طاهر المخلص وعلي بن محمد القصار وعدة. وروى عنه أبو بكر الخطيب وابنه محمد بن هبة الله وأبو بكر أحمد بن علي الطريثيثي وعدة.
قال ابن كثير: كان يفهم ويحفظ، وعني بالحديث فصنف فيه أشياء كثيرة، ولكن عاجلته المنية قبل أن تشتهر كتبه، وله كتاب في السنة وشرفها، وذكر طريقة السلف الصالح في ذلك.
توفي سنة ثمان عشرة وأربعمائة.
موقفه من المبتدعة:
له من الآثار السلفية:
'شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة'، وقد طبع الكتاب والحمد لله رب العالمين بتحقيق صديقنا الشيخ أحمد سعد حمدان، ويعتبر الكتاب من أكبر المصادر في العقيدة السلفية وقد نفعنا الله به في هذا البحث المبارك.
(1) السير (17/ 419 - 420) وتاريخ بغداد (13/ 70 - 71) والكامل في التاريخ (9/ 364) وتذكرة الحفاظ (3/ 1083 - 1085) والبداية والنهاية (12/ 26) وشذرات الذهب (3/ 211).
- ومن طيب أقواله فيه ما ذكره في المقدمة قال: أما بعد: فإن أوجب ما على المرء: معرفة اعتقاد الدين وما كلف الله به عباده من فهم توحيده وصفاته وتصديق رسله بالدلائل واليقين والتوصل إلى طرقها والاستدلال عليها بالحجج والبراهين.
وكان من أعظم مقول وأوضح حجة ومعقول: كتاب الله الحق المبين ثم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الأخيار المتقين ثم ما أجمع عليه السلف الصالحون ثم التمسك بمجموعها والمقام عليها إلى يوم الدين ثم الاجتناب عن البدع والاستماع إليها مما أحدثها المضلون.
فهذه الوصايا الموروثة المتبوعة والآثار المحفوظة المنقولة وطرايق الحق المسلوكة والدلائل اللايحة المشهورة والحجج الباهرة المنصورة التي عملت عليها الصحابة والتابعون ومن بعدهم من خاصة الناس وعامتهم من المسلمين واعتقدوها حجة فيما بينهم وبين الله رب العالمين.
ثم من اقتدى بهم من الأئمة المهتدين واقتفى آثارهم من المتبعين واجتهد في سلوك سبيل المتقين وكان مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
فمن أخذ في مثل هذه المحجة وداوم بهذه الحجج على منهاج الشريعة أمن في دينه التبعة في العاجلة والآجلة، وتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، واتقى بالجنة التي يتقي بمثلها ليتحصن بجملتها ويستعجل بركتها ويحمد عاقبتها في المعاد والمآل إن شاء الله.
ومن أعرض عنها وابتغى الحق في غيرها مما يهواه أو يروم سواها مما تعداه أخطأ اختيار بغيته وأغواه، وسلكه سبيل الضلالة، وأرداه في مهاوي
الهلكة فيما يعترض على كتاب الله وسنة رسوله بضرب الأمثال ودفعهما بأنواع المحال والحيدة عنهما بالقيل والقال مما لم ينزل الله به من سلطان ولا عرفه أهل التأويل واللسان ولا خطر على قلب عاقل بما يقتضيه من برهان ولا انشرح له صدر موحد عن فكر أو عيان فقد استحوذ عليه الشيطان وأحاط به الخذلان وأغواه بعصيان الرحمن حتى كابر نفسه بالزور والبهتان. (1)
- ثم قال: فما جنى على المسلمين جناية أعظم من مناظرة المبتدعة، ولم يكن لهم قهر ولا ذل أعظم مما تركهم السلف على تلك الجملة يموتون من الغيظ كمدا ودردا، ولا يجدون إلى إظهار بدعتهم سبيلا، حتى جاء المغرورون ففتحوا لهم إليها طريقا وصاروا لهم إلى هلاك الإسلام دليلا حتى كثرت بينهم المشاجرة وظهرت دعوتهم بالمناظرة وطرقت أسماع من لم يكن عرفها من الخاصة والعامة حتى تقابلت الشبه في الحجج وبلغوا من التدقيق في اللجج فصاروا أقرانا، وأخدانا، وعلى المداهنة خلانا وإخوانا بعد أن كانوا في الله أعداء وأضدادا وفي الهجرة في الله أعوانا يكفرونهم في وجوههم عيانا ويلعنونهم جهارا، وشتان ما بين المنزلتين، وهيهات ما بين المقامين.
نسأل الله أن يحفظنا من الفتنة في أدياننا وأن يمسكنا بالإسلام والسنة ويعصمنا بهما بفضله ورحمته.
فهلم الآن إلى تدين المتبعين وسيرة المتمسكين وسبيل المتقدمين بكتاب
(1) أصول الاعتقاد (1/ 7 - 9).
الله وسنته والمنادين بشرايعه وحكمته الذين قالوا: {آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53)} (1). وتنكبوا سبيل المكذبين بصفات الله وتوحيد رب العالمين فاتخذوا كتاب الله إماما وآياته فرقانا، ونصبوا الحق بين أعينهم عيانا وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم جنة وسلاحا واتخذوا طرقها منهاجا، وجعلوها برهانا فلقوا الحكمة ووقوا من شر الهوى والبدعة، لامتثالهم أمر الله في اتباع الرسول وتركهم الجدال بالباطل ليدحضوا به الحق.
يقول الله عزوجل فيما يحث على اتباع دينه، والاعتصام بحبله، والاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)} (2). وقال تبارك وتعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} (3) وقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ
(1) آل عمران الآية (53).
(2)
آل عمران الآية (103).
(3)
الزمر الآية (55).
ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} (1) وقال: {فَبَشِّرْ عباد (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)} (2) وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)} (3) وقال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)} (4).
ثم أوجب الله طاعته وطاعة رسوله فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أطيعوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20)} (5) وقال تعالى: {مَنْ أطاع الرسول فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (6) وقال تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} (7) وقال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ
(1) الأنعام الآية (153).
(2)
الزمر الآيتان (17و18).
(3)
آل عمران الآية (31).
(4)
يوسف الآية (108).
(5)
الأنفال الآية (20).
(6)
النساء الآية (80).
(7)
النور الآية (54).
فَوْزًا عَظِيمًا (71)} (1) وقال: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفائزون (52)} (2). وقال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (3) قيل في تفسيرها: إلى الكتاب والسنة ثم حذر من خلافه والاعتراض عليه فقال: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} (4) وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)} (5) وقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)} (6).
وروى العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة دمعت منها الأعين ووجلت منها القلوب فقلنا: يا رسول الله موعظة مودع فبما
(1) الأحزاب الآية (71).
(2)
النور الآية (52).
(3)
النساء الآية (59).
(4)
النساء الآية (65).
(5)
الأحزاب الآية (36).
(6)
النور الآية (63).
وروى عبد الله بن مسعود قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا ثم خط خطوطا يمينا وشمالا ثم قال: «هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه -ثم قرأ- {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (2)» .اهـ (3)
وعن ابن مسعود قال: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم.
فلم نجد في كتاب الله وسنة رسوله وآثار صحابته إلا الحث على الاتباع وذم التكلف والاختراع. فمن اقتصر على هذه الآثار كان من المتبعين وكان أولاهم بهذا الاسم، وأحقهم بهذا الوسم، وأخصهم بهذا الرسم "أصحاب الحديث" لاختصاصهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، واتباعهم لقوله وطول ملازمتهم له، وتحملهم علمه، وحفظهم أنفاسه وأفعاله، فأخذوا الإسلام عنه مباشرة، وشرايعه مشاهدة، وأحكامه معاينة من غير واسطة ولا سفير بينهم وبينه واصله. فجاولوها عيانا، وحفظوا عنه شفاها وتلقفوه
(1) أخرجه: أحمد (4/ 126) وأبو داود (5/ 13 - 15/ 4607) والترمذي (5/ 43/2676) وقال: "حسن صحيح". وابن ماجه (1/ 16/43) والحاكم (1/ 95 - 96) وقال: "صحيح ليس له علة ". ووافقه الذهبي.
(2)
الأنعام الآية (153).
(3)
تقدم تخريجه ضمن مواقف الإمام مالك سنة (179هـ).
من فيه رطبا، وتلقنوه من لسانه عذبا، واعتقدوا جميع ذلك حقا وأخلصوا بذلك من قلوبهم يقينا. فهذا دين أخذ أوله عن رسول الله مشافهة لم يشبه لبس ولا شبهة ثم نقلها العدول عن العدول من غير تحامل ولا ميل، ثم الكافة عن الكافة، والصافة عن الصافة، والجماعة عن الجماعة أخذ كف بكف وتمسك خلف بسلف كالحروف يتلو بعضها بعضا ويتسق آخرها على أولاها رصفا ونظما.
فهؤلاء الذين تعهدت بنقلهم الشريعة وانحفظت بهم أصول السنة فوجبت لهم بذلك المنة على جميع الأمة والدعوة لهم من الله بالمغفرة فهم حملة علمه، ونقلة دينه، وسفرته بينه وبين أمته، وأمناؤه في تبليغ الوحي عنه فحري أن يكونوا أولى الناس به في حياته ووفاته.
وكل طائفة من الأمم مرجعها إليهم في صحة حديثه وسقيمه، ومعولها عليهم فيما يختلف فيه من أموره.
ثم كل من اعتقد مذهبا فإلى صاحب مقالته التي أحدثها ينسب وإلى رأيه يستند، إلا أصحاب الحديث فإن صاحب مقالتهم: رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم إليه ينتسبون، وإلى علمه يستندون، وبه يستدلون، وإليه يفزعون وبرأيه يقتدون، وبذلك يفتخرون، وعلى أعداء سنته بقربهم منه يصولون فمن يوازيهم في شرف الذكر؟ ويباهيهم في ساحة الفخر وعلو الاسم؟.
إذ اسمهم مأخوذ من معاني الكتاب والسنة يشتمل عليهما لتحققهم بهما أو لاختصاصهم بأخذهما فهم مترددون في انتسابهم إلى الحديث بين ما
ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه فقال تعالى ذكره: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} (1) فهو القرآن، فهم حملة القرآن وأهله وقراؤه وحفظته -وبين أن ينتموا إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم نقلته وحملته فلا شك أنهم يستحقون هذا الاسم لوجود المعنيين فيهم لمشاهدتنا أن اقتباس الناس الكتاب والسنة منهم واعتماد البرية في تصحيحهما عليهم لأنا ما سمعنا عن القرون التي قبلنا ولا رأينا نحن في زماننا مبتدعا رأسا في اقراء القرآن وأخذ الناس عنه في زمن من الأزمان ولا ارتفعت لأحد منهم راية في رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما خلت من الأيام ولا اقتدى بهم أحد في دين ولا شريعة من شرايع الإسلام والحمد لله الذي كمل لهذه الطايفة سهام الإسلام وشرفهم بجوامع هذه الأقسام وميزهم من جميع الأنام حيث أعزهم الله بدينه ورفعهم بكتابه وأعلى ذكرهم بسنته وهداهم إلى طريقته وطريقة رسوله فهي الطايفة المنصورة والفرقة الناجية والعصبة الهادية والجماعة العادلة المتمسكة بالسنة التي لا تريد برسول الله صلى الله عليه وسلم بديلا ولا عن قوله تبديلا ولا عن سنته تحويلا ولا يثنيهم عنها تقلب الأعصار والزمان ولا يلويهم عن سمتها تغير الحدثان ولا يصرفهم عن سمتها ابتداع من كاد الإسلام ليصد عن سبيل الله ويبغيها عوجا ويصدف عن طرقها جدلا ولجاجا ظنا منه كاذبا وتمنيا باطلا: أنه يطفي نور الله والله متم نوره ولو كره الكافرون. (2)
(1) الزمر الآية (23).
(2)
أصول الاعتقاد (1/ 19 - 26).