الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مدة، وبرع في المذهب حتى قال العماد محمد بن أبي سعد صدر الري في عصره: أبو المحاسن القاضي شافعي عصره. وكان يقول: لو احترقت كتب الشافعي أمليتها من حفظي. وقال السبكي: كان يلقب فخر الإسلام، وله الجاه العريض في تلك الديار والعلم الغزير والدين المتين، والمصنفات السائرة في الآفاق، والشهرة بحفظ المذهب يضرب المثل باسمه في ذلك. قتل سنة إحدى وخمسمائة.
موقفه من المشركين:
قال الذهبي: قال معمر بن الفاخر: قتل بجامع آمل يوم جمعة حادي عشر المحرم، قتلته الملاحدة يعني الإسماعيلية. (1)
الغزالي (2)(505 هـ)
محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي أبو حامد الغزالي الشيخ الإمام صاحب التصانيف والذكاء، لازم إمام الحرمين فبرع في الفقه في مدة قريبة ومهر في الكلام والجدل، تعاطى الفلسفة وخاض فيها وليس له علم بالآثار ولا خبرة بالسنن النبوية القاضية على العقل، وقد ألف في الرد عليهم كتاب التهافت، ووقع في بعض ضلالهم وغلا فيها حتى قال عنه أبو بكر بن العربي: شيخنا أبو حامد بلع الفلاسفة وأراد أن يتقيأهم فما استطاع. ودخل
(1) السير (19/ 262).
(2)
السير (19/ 322 - 346) والمنتظم (17/ 124 - 127) والكامل في التاريخ (10/ 491) ووفيات الأعيان (4/ 216 - 219) والوافي بالوفيات (1/ 273 - 277) والبداية (12/ 185 - 186).
التصوف وصنف فيه أغلب تواليفه المشهورة، أخذ عليه فيها مواضع وساءت به الظنون حتى أمر سلطان المغرب ابن تاشفين بحرق كتبه بفتوى الفقهاء. كان من أذكياء العالم في كل ما يتكلم فيه وساد في شبيبته حتى إنه درس بالنظامية ببغداد في سنة أربع وثمانين وله أربع وثلاثون سنة فحضر عنده رؤوس العلماء فتعجبوا من فصاحته واطلاعه. رحل إلى دمشق وبيت المقدس مدة ثم إلى نيسابور فدرس بنظاميتها ثم عاد إلى طوس فأقام بها وابتنى رباطا واتخذ دارا حسنة وغرس فيها بستانا أنيقا ورجع عما كان فيه من الكلام والفلسفة والتصوف وأقبل على تلاوة القرآن وحفظ الأحاديث الصحاح، حكى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره. وكانت وفاته يوم الاثنين الرابع عشر من جمادى الآخرة سنة خمس وخمسمائة.
إن الكلام على الغزالي يحتاج إلى تفصيل أكثر لما فيه من تشعب. ويكفينا نحن في بحثنا هذا الإشارة، لأن القصد بيان المواقف السلفية والعقبات التي تعرضت لها العقيدة السلفية. وكان أبو حامد هذا من الذين كان ضررهم على العقيدة الإسلامية على العموم واضحا، ولا ينكر هذا إلا مكابر أو معاند، أو صاحب هوى. فما يزال المسلمون يتجرعون سموم كتبه التي خلفها ما بين باطنية مدسوسة أو ظاهرة. وقد هيأ الله لهذه الأمة من يفضح مثل هذه الأباطيل. فمن المضنون به على غير أهله إلى مشكاة الأنوار إلى إحياء علوم الدين ومع الأسف قد انتشرت كتبه المليئة بالضلال انتشارا فاحشا لا نظير له، وقد فرح بها الدجاجلة والمغرضون.
أما المضنون به على غير أهله فقد أفرد بالرد عليه كتاب مستقل، وسيمر بنا إن شاء الله. وقد بين شيخ الإسلام في غير ما موضع من كتبه ما فيه من الضلال وأكتفي بنقل عبارة له في درء التعارض: كصاحب الكتب المضنون بها على غير أهلها ومن مشى خلفه من القائلين بالوحدة المطلقة والاتحاد. (1)
وأما مشكاة الأنوار فقد ردَّ عليها الشيخ في كثير من كتبه، انظر الدرء. (2)
وأما إحياء علوم الدين فقد رد عليه جماعة من أهل العلم عددهم يفوق الحصر، وقد أمر سلطان مراكش ابن تاشفين بحرقه بفتوى أهل العلم في عصره. وسيمر بنا ذلك إن شاء الله.
نماذج من مواقف العلماء من أبي حامد وكتبه:
قال الغزالي: وحد الاقتصاد بين هذا وهذا دقيق غامض لا يطلع عليه إلا الموفقون الذين يدركون الأمور بنور إلهي لا بالسماع. ثم إذا انكشفت لهم أسرار الأمور على ما هم عليه ونظروا إلى السمع والألفاظ الواردة فيه فما وافق ما شاهدوه بنور اليقين قرروه وما خالف أولوه. فأما من يأخذ هذه الأمور كلها من السمع فلا يستقر له قدم.
قال شيخ الإسلام: هذا الكلام مضمونه أنه لا يستفاد من خبر الرسول صلى الله عليه وسلم شيء من الأمور العلمية، بل إنما يدرك ذلك كل إنسان بما حصل له من المشاهدة والنور والمكاشفة. وهذان أصلان للإلحاد، فإن كل ذي مكاشفة
(1)(5/ 82).
(2)
(1/ 317) و (5/ 354) و (6/ 223).
إن لم يزنها بالكتاب والسنة وإلا دخل في الضلالات. (1)
وقال الإمام ابن الجوزي في التلبيس: وجاء أبو حامد الغزالي، فصنف لهم كتاب الإحياء على طريقة القوم وملأه بالأحاديث الباطلة وهو لا يعلم بطلانها، وتكلم في علم المكاشفة وخرج عن قانون الفقه، وقال: إن المراد بالكوكب والشمس والقمر اللواتي رآهن إبراهيم صلوات الله عليه أنوار هي حجب الله عز وجل، ولم يرد هذه المعروفات. وهذا من جنس كلام الباطنية. وقال في كتابه المفصح بالأحوال: إن الصوفية في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتا ويقتبسون منهم فوائد، ثم يترقى الحال من مشاهدة الصورة إلى درجات يضيق عنها نطاق النطق. (2)
التعليق:
قال جامعه: هذه نقطة من بحر، وكم كنت أتمنى أن تفرد هذه الكتب بالرد والبيان في رسائل علمية جامعية مركزة حتى يعلم الناس خبثها وما فيها من السموم والأفاعي المفتكة. (3)
- قال الذهبي في السير: وأدخله سيلان ذهنه في مضايق الكلام، ومزال الأقدام، ولله سر في خلقه. (4)
- وفيها قال: ومما نقم عليه ما ذكر من الألفاظ المستبشعة بالفارسية في
(1) درء التعارض (5/ 348).
(2)
التلبيس (ص.205).
(3)
وقد يسر الله إخراج كتاب في بيان ضلالات ما في الإحياء تحت عنوان: 'الأسباب الحقيقية لحرق إحياء علوم الدين' فليراجعه من أراد الاستزادة، والله الموفق للصواب.
(4)
السير (19/ 323).
كتاب كيمياء السعادة والعلوم وشرح بعض الصور والمسائل بحيث لا توافق مراسم الشرع وظواهر ما عليه قواعد الملة، وكان الأولى به -والحق أحق ما يقال- ترك ذلك التصنيف، والإعراض عن الشرح له، فإن العوام ربما لا يحكمون أصول القواعد بالبراهين والحجج، فإذا سمعوا شيئا من ذلك، تخيلوا منه ما هو المضر بعقائدهم، وينسبون ذلك إلى بيان مذهب الأوائل. (1)
وفيها: ولأبي المظفر يوسف سبط ابن الجوزي في كتاب رياض الأفهام في مناقب أهل البيت قال: ذكر أبو حامد في كتابه سر العالمين وكشف ما في الدارين فقال في حديث: «من كنت مولاه، فعلي مولاه» (2) إن عمر قال لعلي: بخ بخ، أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة. قال أبو حامد: وهذا تسليم ورضى، ثم بعد هذا غلب عليه الهوى حبا للرياسة، وعقد البنود، وأمر الخلافة ونهيها، فحملهم على الخلاف، فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمنا قليلا، فبئس ما يشترون، وسرد كثيرا من هذا الكلام الفسل الذي تزعمه الإمامية، وما أدري ما عذره في هذا؟ والظاهر أنه رجع عنه، وتبع الحق، فإن الرجل من بحور العلم، والله أعلم. هذا إن لم يكن هذا وضع هذا وما ذاك ببعيد، ففي هذا التأليف بلايا لا تتطبب، وقال في أوله: إنه قرأه عليه محمد بن تومرت المغربي سرا بالنظامية، قال: وتوسمت فيه الملك.
قال الذهبي: قد ألف الرجل في ذم الفلاسفة كتاب التهافت، وكشف
(1) السير (19/ 326).
(2)
أخرجه: أحمد (1/ 118) والترمذي (5/ 591/3713) وقال: "هذا حديث حسن صحيح". والنسائي في الكبرى (5/ 134/8478)، وصححه ابن حبان (15/ 375 - 376/ 6931).
عوارهم، ووافقهم في مواضع ظنا منه أن ذلك حق، أو موافق للملة، ولم يكن له علم بالآثار ولا خبرة بالسنن النبوية القاضية على العقل، وحبب إليه إدمان النظر في كتاب رسائل إخوان الصفا وهو داء عضال، وجرب مرد، وسم قتال، ولولا أن أبا حامد من كبار الأذكياء، وخيار المخلصين، لتلف. فالحذار الحذار من هذه الكتب، واهربوا بدينكم من شبه الأوائل، وإلا وقعتم في الحيرة، فمن رام النجاة والفوز، فليلزم العبودية، وليدمن الاستغاثة بالله، وليبتهل إلى مولاه في الثبات على الإسلام وأن يتوفى على إيمان الصحابة، وسادة التابعين، والله الموفق، فبحسن قصد العالم يغفر له وينجو إن شاء الله.
وقال أبو عمرو بن الصلاح: فصل لبيان أشياء مهمة أنكرت على أبي حامد: ففي تواليفه أشياء لم يرتضها أهل مذهبه من الشذوذ، منها قوله في المنطق: هو مقدمة العلوم كلها، ومن لا يحيط به، فلا ثقة له بمعلوم أصلا. قال: فهذا مردود، إذ كل صحيح الذهن منطقي بالطبع، وكم من إمام ما رفع بالمنطق رأسا. (1)
- وفيها أيضا: وقد رأيت كتاب الكشف والإنباء عن كتاب الإحياء للمازري، أوله: الحمد لله الذي أنار الحق وأداله، وأبار الباطل وأزاله، ثم أورد المازري أشياء مما نقده على أبي حامد، يقول: ولقد أعجب من قوم مالكية يرون مالكا الإمام يهرب من التحديد، ويجانب أن يرسم رسما، وإن كان فيه أثر ما، أو قياس ما، تورعا وتحفظا من الفتوى فيما يحمل الناس عليه، ثم يستحسنون من رجل فتاوى مبناها على ما لا حقيقة له، وفيه كثير
(1) السير (19/ 328 - 329).
من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم لفق فيه الثابت بغير الثابت، وكذا ما أورد عن السلف لا يمكن ثبوته كله، وأورد من نزغات الأولياء ونفثات الأصفياء ما يجل موقعه، لكن مزج فيه النافع بالضار، كإطلاقات يحكيها عن بعضهم لا يجوز إطلاقها لشناعتها، وإن أخذت معانيها على ظواهرها، كانت كالرموز إلى قدح الملحدين. (1)
- وفيها: وقال: وذهبت الصوفية إلى العلوم الإلهامية دون التعليمية، فيجلس فارغ القلب، مجموع الهم يقول: الله الله الله، على الدوام، فليفرغ قلبه، ولا يشتغل بتلاوة ولا كتب حديث. قال: فإذا بلغ هذا الحد، التزم الخلوة في بيت مظلم، وتدثر بكسائه، فحينئذ يسمع نداء الحق:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)} (2) و {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1)} (3).
قال الذهبي: سيد الخلق إنما سمع (يا أيها المدثر) من جبريل عن الله، وهذا الأحمق لم يسمع نداء الحق أبدا، بل سمع شيطانا، أو سمع شيئا لا حقيقة من طيش دماغه، والتوفيق في الاعتصام بالسنة والإجماع. (4)
- وفيها: قال أبو بكر بن العربي في شرح الأسماء الحسنى: قال شيخنا أبو حامد قولا عظيما انتقده عليه العلماء، فقال: وليس في قدرة الله أبدع من هذا العالم في الإتقان والحكمة، ولو كان في القدرة أبدع أو أحكم منه ولم
(1) السير (19/ 330).
(2)
المدثر الآية (1).
(3)
المزمل الآية (1).
(4)
السير (19/ 333 - 334).
يفعله، لكان ذلك منه قضاء للجود، وذلك محال. ثم قال: والجواب أنه باعد في اعتقاد عموم القدرة ونفي النهاية عن تقدير المقدورات المتعلقة بها، ولكن في تفاصيل هذا العالم المخلوق، لا في سواه، وهذا رأي فلسفي قصدت به الفلاسفة قلب الحقائق، ونسبت الإتقان إلى الحياة مثلا، والوجود إلى السمع والبصر، حتى لا يبقى في القلوب سبيل إلى الصواب، وأجمعت الأمة على خلاف هذا الاعتقاد، وقالت عن بكرة أبيها: إن المقدورات لا نهاية لها لكل مقدر الوجود، لا لكل حاصل الوجود، إذ القدرة صالحة، ثم قال: وهذه وهلةٌ لَا لَعًا لَها، ومزلة لا تماسك فيها، ونحن وإن كنا نقطة من بحره، فإنا لا نرد عليه إلا بقوله.
قال الذهبي: كذا فليكن الرد بأدب وسكينة. (1)
- وفيها: ولأبي الحسن بن سكر رد على الغزالي في مجلد سماه: إحياء ميت الأحياء في الرد على كتاب الإحياء. (2)
- وفيها: وللإمام محمد بن علي المازري الصقلي كلام على الإحياء يدل على إمامته، يقول: وقد تكررت مكاتبتكم في استعلام مذهبنا في الكتاب المترجم بإحياء علوم الدين، وذكرتم أن آراء الناس فيه قد اختلفت، فطائفة انتصرت وتعصبت لإشهاره، وطائفة حذرت منه ونفرت، وطائفة لكتبه أحرقت، وكاتبني أهل المشرق أيضا يسألوني، ولم يتقدم لي قراءة هذا الكتاب سوى نبذ منه، فإن نفس الله في العمر، مددت فيه الأنفاس، وأزلت
(1) السير (19/ 337).
(2)
السير (19/ 342).
عن القلوب الالتباس: اعلموا أن هذا رأيت تلامذته، فكل منهم حكى لي نوعا من حاله ما قام مقام العيان، فأنا أقتصر على ذكر حاله، وحال كتابه
…
وأما مذاهب الصوفية، فلا أدري على من عول فيها، لكني رأيت فيما علق بعض أصحابه أنه ذكر كتب ابن سينا وما فيها، وذكر بعد ذلك كتب أبي حيان التوحيدي، وعندي أنه عليه عول في مذهب التصوف
…
وفي الإحياء من الواهيات كثير. قال: وعادة المتورعين أن لا يقولوا: قال مالك، وقال الشافعي، فيما لم يثبت عندهم. ثم قال: ويستحسن أشياء مبناها على ما لا حقيقة له
…
ثم قال: وقال: من مات بعد بلوغه ولم يعلم أن البارئ قديم، مات مسلما إجماعا. قال: فمن تساهل في حكاية الإجماع في مثل هذا الذي الأقرب أن يكون الإجماع في خلافه، فحقيق أن لا يوثق بما روى، ورأيت له في الجزء الأول يقول: إن في علومه ما لا يسوغ أن يودع في كتاب، فليت شعري أحق هو أو باطل؟. فإن كان باطلا، فصدق، وإن كان حقا، وهو مراده بلا شك، فَلِمَ لا يودع في الكتب، ألغموضه ودقته؟. فإن كان هو فهمه، فما المانع أن يفهمه غيره؟ (1)
- وذكر شيخ الإسلام في المنهاج رجوع أبي حامد الغزالي من الكلام والتصوف قال: وكذلك أبو حامد في آخر عمره استقر أمره على الوقف والحيرة، بعد أن نظر فيما كان عنده من طرق النظار: أهل الكلام والفلسفة، وسلك ما تبين له من طرق العبادة والرياضة والزهد، وفي آخر عمره اشتغل
(1) السير (19/ 340 - 342).