الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موقفه من القادسي الرافضي:
قال أبو بكر الخطيب: حضرته يوم الجمعة بعد الإملاء، وطالبته بأن يريني أصوله، فدفع إلي عن ابن شاذان وغيره أصولا كان سماعه فيها صحيحاً، ولم يدفع إلي عن ابن مالك شيئا، فقلت له: أرني أصلك عن ابن مالك. فقال: أنا لا يشك في سماعي من ابن مالك، أسمعني منه خالي هبة الله ابن سلامة المفسر 'المسند' كله. فقلت له: لا تروين هاهنا شيئا إلا بعد أن تحضر أصولك وتوقف عليها أصحاب الحديث، فانقطع عن حضور الجامع بعد هذا القول، ومضى إلى مسجد براثا فأملى فيه، وكانت الرافضة تجتمع هناك، وقال لهم: قد منعني النواصب أن أروي في جامع المنصور فضائل أهل البيت. ثم جلس في مسجد الشرقية واجتمعت إليه الرافضة ولهم إذ ذاك قوة، وكلمتهم ظاهرة، فأملى عليهم العجائب من الأحاديث الموضوعة في الطعن على السلف. (1)
موقفه من الجهمية:
عقيدة الخطيب ودفاعه عن العقيدة السلفية:
جاء في مقدمة مختصر العلو: قال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله: وهنا يطيب لي بهذه المناسبة أن أنقل من بعض المخطوطات فصلا رائعا من كلام بعض علماء السلف مما لم يطبع حتى الآن -فيما علمت- وهو للخطيب البغدادي الحافظ المؤرخ المشهور، وقد ذكر المصنف طرفا
(1) تاريخ بغداد (8/ 17) وانظر السير (18/ 11 - 12).
منه في ترجمته كما يأتي فرأيت أن أذكره هنا بنصه إتماما للحجة على الخلف الذين يتوهم الكثير منهم أن القول بوجوب الإيمان بحقائق الصفات ومعانيها كما يليق بالله تعالى هو مذهب تفرد به ابن تيمية ومن اقتدوا به فيها، ولم يعلموا أنه رحمه الله تابع لهم في ذلك وإنما فضله في بيانه وشرحه له وإقامة الأدلة عليه بالمنقول والمعقول، ودفع الشبهات عنه، وإلا فهو سلفي المعتقد وهو الواجب على كل مسلم ولذلك بادرنا إلى نشر كتاب الذهبي هذا الذي بين يديك لتعلم به ما قد يكون خافيا عليك كما خفي على غيرك. فكان ذلك سببا قويا من أسباب الابتعاد عن العقيدة السلفية والطريقة المحمدية.
قال الحافظ الخطيب رحمه الله تعالى: أما الكلام في الصفات فإن ما روي منها في السنن الصحاح مذهب السلف رضوان الله عليهم اثباتها وإجراؤها على ظواهرها ونفي الكيفية والتشبيه عنها، وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله سبحانه، وحققها من المثبتين قوم فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف، والقصد إنما هو سلوك الطريقة المتوسطة بين الأمرين، ودين الله بين الغالي فيه والمقصر عنه. والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات ويحتذي في ذلك حذوه ومثاله، فإذا كان معلوما أن إثبات رب العالمين عز وجل إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف. فإذا قلنا: لله تعالى يد وسمع وبصر، فإنما هي صفات أثبتها الله تعالى لنفسه ولا نقول: إن معنى اليد: القدرة ولا أن معنى السمع والبصر: العلم ولا نقول: إنها
جوارح ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات للفعل ونقول: إنما وجب إثباتها لأن التوقيف ورد بها ووجب نفي التشبيه عنها لقوله تبارك وتعالى: {ليس كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} (1) وقوله عز وجل: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد (4)} (2)
ولما تعلق أهل البدع على عيب أهل النقل برواياتهم هذه الأحاديث، ولبسوا على من ضعف علمه، بأنهم يروون ما لا يليق بالتوحيد ولا يصح في الدين، ورموهم بكفر أهل التشبيه وغفلة أهل التعطيل، أجيبوا بأن في كتاب الله تعالى آيات محكمات يفهم منها المراد بظاهرها وآيات متشابهات لا يوقف على معناها إلا بردها إلى المحكم، ويجب تصديق الكل والإيمان بالجميع فكذلك أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم جارية هذا المجرى ومنزلة على هذا التنزيل، يرد المتشابه منها إلى المحكم ويقبل الجميع، وتنقسم الأحاديث المروية في الصفات ثلاثة أقسام: منها أخبار ثابتة أجمع أئمة النقل على صحتها لاستفاضتها وعدالة ناقليها فيجب قبولها والإيمان بها، مع حفظ القلب أن يسبق إليه اعتقاد ما يقتضي تشبيها لله بخلقه، ووصفه بما لا يليق به من الجوارح والأدوات والتغير والحركات. القسم الثاني: أخبار ساقطة بأسانيد واهية وألفاظ شنيعة أجمع أهل العلم بالنقل على بطولها فهذه لا يجوز الاشتغال بها ولا التعريج عليها. والقسم الثالث: أخبار اختلف أهل العلم في أحوال نقلتها فقبلهم البعض دون
(1) الشورى الآية (11).
(2)
الإخلاص الآية (4) ..
الكل، فهذه يجب الاجتهاد والنظر فيها لتلحق بأهل القبول أو تجعل في حيز الفساد والبطول. (1)
قلت: وهذه العقيدة التي نقل الشيخ، من مخطوطات الظاهرية، نقل الذهبي بعضها في سير أعلام النبلاء. (2)
التعليق:
أليس هذا هو الذي سماه شيخ الإسلام في الحموية بعنوان: الأصلان والمثلان، ثم فصل القول رحمه الله في ذلك، فأين ابن تيمية والخطيب؟ الأول عاش في القرن الخامس والثاني عاش في القرن الثامن؟ ويقرر الثاني ما قرره الأول، وسيبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها لأنه ما ثبت ولا وجدنا أحدا ولا سمعنا أن فلانا تاب من العقيدة السلفية ولكن العكس، التاريخ والتراجم طافحة بتوبة فلان كان على مذهب المتكلمين أو الفلاسفة. فلذا السلفي يكون ثابت العقيدة، ثابت المواقف، غير متلون ولا متقلب كما قال هرقل لما سأل أبا سفيان عن أصحاب رسول الله: أيرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا. قال: وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب. (3)
(1) مختصر العلو (46 - 48) والتذكرة (3/ 1142 - 1143).
(2)
السير (18/ 283 - 284).
(3)
أحمد (1/ 262 - 263) والبخاري (1/ 42/7) ومسلم (3/ 1393/1773) مطولا والترمذي (5/ 65 - 66/ 2717) والنسائي في الكبرى (5/ 265/8845) مختصراً.