الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آثاره السلفية:
1 -
'كتاب الشواهد في إثبات خبر الواحد'.
2 -
'كتاب الإنصاف في أسماء الله تعالى'. (1)
موقفه من الخوارج:
- قال أبو عمر: كان للخوارج مع خروجهم تأويلات في القرآن ومذاهب سوء مفارقة لسلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، الذين أخذوا الكتاب والسنة عنهم، وتفقهوا معهم، فخالفوا في تأويلهم مذاهبهم الصحابة والتابعين وكفروهم، وأوجبوا على الحائض الصلاة، ودفعوا رجم المحصن الزاني، ومنهم من دفع الظهر والعصر، وكفروا المسلمين بالمعاصي، واستحلوا بالذنوب دماءهم، وكان خروجهم فيما زعموا -تغييرا للمنكر ورد الباطل- فكان ما جاءوا به أعظم المنكر وأشد الباطل إلى قبيح مذاهبهم، مما قد وقفنا على أكثرها، وليس هذا والحمد لله موضع ذكرها، فهذا أصل أمر الخوارج، وأول خروجهم كان على علي رضي الله عنه فقتلهم بالنهروان، ثم بقيت منهم بقايا من أنسابهم ومن غير أنسابهم على مذاهبهم، يتناسلون ويعتقدون مذاهبهم، وهم بحمد الله -مع الجماعة مستترون بسوء مذهبهم، غير مظهرين لذلك ولا ظاهرين به- والحمد لله، وكان للقوم صلاة بالليل والنهار، وصيام، يحتقر الناس أعمالهم عندها، وكانوا يتلون القرآن آناء الله والنهار، ولم يكن يتجاوز حناجرهم ولا تراقيهم، لأنهم كانوا يتأولونه بغير علم بالسنة المبينة، فكانوا قد حرموا فهمه
(1) التذكرة (3/ 1129).
والأجر على تلاوته، فهذا والله أعلم -معنى قوله: لا يجاوز حناجرهم- يقول: لا ينتفعون بقراءته، كما لا ينتفع الآكل والشارب من المأكول والمشروب بما لا يجاوز حنجرته.
وقد قيل: إن معنى ذلك: أنهم كانوا يتلونه بألسنتهم ولا تعتقده قلوبهم، وهذا إنما هو في المنافقين. (1)
حكم من شق عصا المسلمين:
- قال أبو عمر: أجمع العلماء على أن من شق العصا وفارق الجماعة، وشهر على المسلمين السلاح، وأخاف السبيل، وأفسد بالقتل والسلب، فقتلهم وإراقة دمائهم واجب، لأن هذا من الفساد العظيم في الأرض، والفساد في الأرض موجب لإراقة الدماء بإجماع، إلا أن يتوب فاعل ذلك من قبل أن يقدر عليه، والانهزام عندهم ضرب من التوبة، وكذلك من عجز عن القتال، لم يقتل إلا بما وجب عليه قبل ذلك. ومن أهل الحديث طائفة تراهم كفارا على ظواهر الأحاديث فيهم مثل قوله صلى الله عليه وسلم:«من حمل علينا السلاح فليس منا» (2) ومثل قوله: «يمرقون من الدين» (3)، وهي آثار يعارضها غيرها فيمن لا يشرك بالله شيئا، ويريد بعمله وجهه، -وإن أخطأ في حكمه واجتهاده- والنظر يشهد أن الكفر لا يكون إلا بضد الحال التي يكون بها
(1) فتح البر (1/ 458 - 459).
(2)
أحمد (2/ 329) والبخاري (12/ 192/6873) ومسلم (1/ 98/98 - 99 - 100 - 101) عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم، منهم ابن عمر وأبو موسى وأبو هريرة وغيرهم.
(3)
تقدم تخريجه ضمن مواقف أبي سعيد الخدري سنة (63هـ).
الإيمان، لأنهما ضدان. (1)
- وقال رحمه الله: والمعنى فيه (2) عند أهل الفقه والأثر: أهل السنة والجماعة: النهي عن أن يكفر المسلم أخاه المسلم بذنب، أو تأويل لا يخرجه من الإسلام عند الجميع، فورد النهي عن تكفير المسلم في هذا الحديث وغيره بلفظ الخبر دون لفظ النهي، وهذا موجود في القرآن والسنة، ومعروف في لسان العرب.
وفي سماع أشهب: سئل مالك عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال لرجل يا كافر فقد باء بها أحدهما» (3)، قال: أرى ذلك في الحرورية، فقلت له: أفتراهم بذلك كفارا؟ فقال: ما أدري ما هذا؟ ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: «من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما» ، قوله صلى الله عليه وسلم:«سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» (4)، وقوله صلى الله عليه وسلم:«لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» (5) وقوله: «لا ترغبوا عن آبائكم، فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم» (6). ومثل هذا كثير من الآثار التي وردت بلفظ التغليظ، وليست على ظاهرها عند أهل
(1) فتح البر (1/ 473).
(2)
أي حديث ابن عمر مرفوعا: «من قال لأخيه يا كافر فقد باء بهما أحدهما» . أخرجه: أحمد (2/ 11و18و44) والبخاري (10/ 514/6104) ومسلم (1/ 79/111 [60]) والترمذي (5/ 22/2637).
(3)
انظر الذي قبله.
(4)
أحمد (1/ 439) والبخاري (1/ 110/48) ومسلم (1/ 81/116 - 117) والترمذي (4/ 353/1983) والنسائي (7/ 137 - 139/ 4115 - 4124) وابن ماجه (1/ 28/69) عن ابن مسعود وسعد وأبي هريرة رضي الله عنهم.
(5)
البخاري (1/ 217/121) ومسلم (1/ 81/118) وأبو داود (5/ 63/4686) والترمذي (4/ 486/2193) والنسائي (7/ 126 - 128/ 4135 - 4143) وابن ماجه (2/ 1300/3942) عن جماعة من الصحابة: جرير، ابن عمر، ابن عباس
…
رضي الله عنهم.
(6)
البخاري (12/ 54/6768) ومسلم (1/ 80/113).
الحق والعلم، لأصول تدفعها أقوى منها من الكتاب والسنة المجتمع عليها، والآثار الثابتة أيضا من جهة الإسناد، وهذا باب يتسع القول فيه ويكثر، فنذكر منه ههنا ما فيه كفاية -إن شاء الله-، وقد ضلت جماعة من أهل البدع من الخوارج والمعتزلة في هذا الباب، فاحتجوا بهذه الآثار ومثلها في تكفير المذنبين.
واحتجوا من كتاب الله بآيات ليست على ظاهرها، مثل قوله عز وجل:{ومن لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)} (1) وقوله: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)} (2) وقوله: {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32)} (3) وقوله: {إن هم إِلَّا يَخْرُصُونَ (20)} (4) وقوله: {وهم يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)} (5) ونحو هذا. وروي عن ابن عباس في قول الله عز وجل: {ومن لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)} قال: ليس بكفر ينقل عن الملة، ولكنه كفر دون كفر. وقد أوضحنا معنى الكفر في اللغة في مواضع من هذا الكتاب، والحجة عليهم قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ
(1) المائدة الآية (44).
(2)
الحجرات الآية (2).
(3)
الجاثية الآية (32).
(4)
الزخرف الآية (20).
(5)
الكهف الآية (104).
يَشَاءُ} (1). ومعلوم أن هذا بعد الموت لمن لم يتب، لأن الشرك ممن تاب منه -قبل الموت- وانتهى عنه غفر له، كما تغفر الذنوب كلها بالتوبة جميعا، قال الله عز وجل:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (2).
وقد وردت آيات في القرآن محكمات، تدل أنه لا يكفر أحد إلا بعد العلم والعناد، منها قول الله عز وجل:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71)} (3) و {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70)} (4) وقوله: {وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)} (5) وقوله: {ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ} (6) وقوله: {مهما تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132)} إلى قوله: {فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133)} ، ثم قال على إثر ذلك: {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ
(1) النساء الآية (48) والآية (116).
(2)
الأنفال الآية (38).
(3)
آل عمران الآية (71).
(4)
آل عمران الآية (70).
(5)
آل عمران الآية (75).
(6)
النساء الآية (153).
كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135)} (1)، ثم قال:{وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76)} (2)، ثم ذكر الأمم فقال:{وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ (5)} (3) ثم ذكر الأمم فقال: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53)} (4)
ولذلك قال: {تشابهت قُلُوبُهُمْ} (5). {وخضتم كَالَّذِي خَاضُوا} (6). وقال: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} (7)، وقال: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا
(1) الأعراف الآيات (132 - 135).
(2)
المؤمنون الآية (76).
(3)
غافر الآية (5).
(4)
الذاريات الآيتان (52و53) ..
(5)
البقرة الآية (118).
(6)
التوبة الآية (69).
(7)
الصف الآية (5).
بَيْنَهُمْ} (1) وقال: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)} (2) وقال: {بل جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (70)} (3) وقال: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} (4) وقال: {شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} (5) وقال: {فلما جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42) اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ} الآية (6) وقال: {وشاقوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى} (7) وقال: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} (8) إلى آيات كثيرة في معنى ما ذكرنا، كلها تدل على معاندة الكفار، وأنهم إنما كفروا بالمعاندة والاستكبار، وقال عز وجل:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)} (9) وقوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} (10)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من مات لا يشرك بالله
(1) الشورى الآية (14).
(2)
البقرة الآية (22).
(3)
المؤمنون الآية (70).
(4)
الجاثية الآية (23).
(5)
التوبة الآية (17).
(6)
فاطر الآيتان (42و43).
(7)
محمد الآية (32).
(8)
النمل الآية (14).
(9)
الإسراء الآية (15).
(10)
التوبة الآية (115).
شيئا دخل الجنة، ومن مات وهو يشرك بالله شيئا فهو في النار» (1).
وجعل الله عز وجل في بعض الكبائر حدودا جعلها طهرة، وفرض كفارات في كتابه للذنوب من التقرب إليه بما يرضيه، فجعل على القاذف جلد ثمانين إن لم يأت بأربعة شهداء، ولم يجعله بقذفه كافرا، وجعل على الزاني مائة، وذلك طهرة له، كما قال صلى الله عليه وسلم في التي رجمها:«لقد خرجت من ذنوبها كيوم ولدتها أمها» . وقال صلى الله عليه وسلم: «من أقيم عليه الحد فهو له كفارة، ومن لم يقم عليه حده فأمره إلى الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه» (2) وما لم يجعل فيه حدا فرض فيه التوبة منه، والخروج عنه إن كان ظلما لعباده، وليس في شيء من السنن المجتمع عليها ما يدل على تكفير أحد بذنب، وقد أحاط العلم بأن العقوبات على الذنوب كفارات، وجاءت بذلك السنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاءت بكفارة الأيمان والظهار والفطر في رمضان، وأجمع علماء المسلمين أن الكافر لا يرث المسلم، وأجمعوا أن المذنب -وإن مات مصرا- يرثه ورثته، ويصلى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين. وقال صلى الله عليه وسلم:«من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا ونسك نسكنا فهو المسلم، له ما للمسلم وعليه ما على المسلم» (3)، وقال صلى الله عليه وسلم:«الندم توبة» (4) رواه عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم،
(1) البخاري (3/ 110/1237) ومسلم (1/ 94/92).
(2)
الدارمي (2/ 182) وذكره الهيثمي في المجمع (6/ 268) وقال: "رواه الطبراني وأحمد بنحوه وفيه راو لم يسم وهو ابن خزيمة، وبقية رجاله ثقات".
(3)
البخاري (2/ 448/955) ومسلم (3/ 1553/1961).
(4)
أحمد (1/ 376 - 423 - 433) وابن ماجه (2/ 1420/4252) والحاكم (4/ 243) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وأقره الذهبي.
وقال: صلى الله عليه وسلم «ليس أحد من خلق الله إلا وقد أخطأ أو هم بخطيئة، إلا يحيى بن زكرياء» (1)،
وقال صلى الله عليه وسلم: «لولا أنكم تذنبون وتستغفرون لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم، إن الله يحب أن يغفر لعباده» (2).
ومن هذا قول الأول:
إن تغفر اللهم تغفر جما
…
وأي عبد لك لا ألما
فهذه الأصول كلها تشهد على أن الذنوب لا يكفر بها أحد، وهذا يبين لك أن قوله صلى الله عليه وسلم:«من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما» ، أنه ليس على ظاهره، وأن المعنى فيه النهي عن أن يقول أحد لأخيه: كافر، أو يا كافر.
قيل لجابر بن عبد الله: يا أبا محمد، هل كنتم تسمون شيئا من الذنوب كفرا أو شركا أو نفاقا؟ قال: معاذ الله، ولكنا نقول: مؤمنين مذنبين، روي ذلك عن جابر من وجوه، ومن حديث الأعمش عن أبي سفيان قال: قلت لجابر: أكنتم تقولون لأحد من أهل القبلة: كافر؟ قال: لا، قلت: فمشرك؟ قال: معاذ الله، وفزع!.
وقد قال جماعة من أهل العلم في قول الله عز وجل: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} (3)، هو قول الرجل لأخيه: يا كافر، يا فاسق، وهذا موافق لهذا الحديث، فالقرآن والسنة ينهيان عن
(1) أحمد (1/ 254 - 292 - 295 - 301 - 320) وفيه علي بن زيد ..
(2)
أحمد (5/ 414) ومسلم (4/ 2105/2748) والترمذي (5/ 512/3539).
(3)
الحجرات الآية (11).
تفسيق المسلم وتكفيره ببيان لا إشكال فيه.
ومن جهة النظر الصحيح الذي لا مدفع له، أن كل من ثبت له عقد الإسلام في وقت بإجماع من المسلمين، ثم أذنب ذنبا أو تأول تأويلا، فاختلفوا بعد في خروجه من الإسلام، لم يكن لاختلافهم بعد إجماعهم معنى يوجب حجة، ولا يخرج من الإسلام المتفق عليه إلا باتفاق آخر، أو سنة ثابتة لا معارض لها.
وقد اتفق أهل السنة والجماعة -وهم أهل الفقه والأثر- على أن أحدا لا يخرجه ذنبه -وإن عظم- من الإسلام، وخالفهم أهل البدع، فالواجب في النظر أن لا يكفر إلا من اتفق الجميع على تكفيره، أوقام على تكفيره دليل لا مدفع له من كتاب أو سنة. (1)
- قال رحمه الله: وأما قوله: «وأن لا ننازع الأمر أهله» (2)، فاختلف الناس في ذلك، فقال قائلون: أهله أهل العدل والإحسان والفضل والدين، فهؤلاء لا ينازعون لأنهم أهله، وأما أهل الجور والفسق والظلم، فليسوا له بأهل، ألا ترى إلى قول الله عزوجل لإبراهيم عليه السلام قال:{إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)} (3) وإلى منازعة الظالم الجائر، ذهبت طوائف من المعتزلة وعامة الخوارج. وأما
(1) فتح البر (1/ 475 - 480).
(2)
أحمد (3/ 441) والبخاري (13/ 238/7200) ومسلم (3/ 1470/1709) والنسائي (7/ 155/4160) وابن ماجه (2/ 957/2866) من حديث عبادة بن الصامت.
(3)
البقرة الآية (124).