الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (1) وقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} (2) وكل هذا مدح وثناء وتعظيم وتشريف، فوجب علينا إمساك ذلك فيهم. (3)
موقفه من الجهمية:
واعلم أن الوصف له تعالى بالاستواء اتباع النص، وتسليم للشرع، وتصديق لما وصف نفسه تعالى به، ولا يجوز أن يثبت له كيفية، لأن الشرع لم يرد بذلك، ولا أخبر النبي عليه السلام فيه بشيء، ولا سألته الصحابة عنه، ولأن ذلك يرجع إلى التنقل والتحول وإشغال الحيز والافتقار إلى الأماكن، وذلك يؤول إلى التجسيم، وإلى قدم الأجسام، وهذا كفر عند كافة أهل الإسلام، وقد أجمل مالك رحمه الله الجواب عن سؤال من سأله: الرحمن على العرش استوى، كيف استوى؟ فقال: الاستواء منه غير مجهول، والكيف منه غير معقول، والسؤال عن هذا بدعة، ثم أمر بإخراج السائل. (4)
- وقال معلقا على قوله: [له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، لم يزل بجميع صفاته وأسمائه، تعالى أن تكون صفاته مخلوقة، وأسماؤه محدثة
…
]
قال القاضي رضي الله عنه: اعلم أن هذا الذي قاله رحمه الله، هو الدين
(1) آل عمران الآية (110).
(2)
التوبة الآية (100).
(3)
شرح عقيدة الإمام مالك الصغير (ص.135 - 136).
(4)
شرح عقيدة الإمام مالك الصغير (ص.28).
الصحيح، والمذهب المستقيم، الذي من حاد عنه ابتدع وضل، وفيه رد على المبتدعة والرافضة وغيرهم من ضروب المبتدعة النافين لصفات ذاته تعالى من علمه وقدرته، وسائر صفاته، والزاعمين أنه لا علم له، ولا قدرة ولا حياة، والجاعلين كلامه من صفات فعله، وأنه بمثابة سائر الأعراض التي تبيد وتفنى، وأنه من جنس كلام البشر ولغات الأمم، والقائلين بأن الله تعالى كان في أزله بلا اسم ولا صفة، وأن عباده هم الذين خلقوا له الأسماء والصفات، والبغداديون منهم الذين انتهى علمهم في هذا الوقت إلى طريق البلخي: أن الله ليس بسميع بصير على الحقيقة، وأن وصفه نفسه بذلك مجاز واتساع، وعلى معنى العلم له، دون أن يكون سميعا على الحقيقة أو بصيرا، ردا لقوله سبحانه:{إن اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20)} ، وقوله تعالى منبها على وجوب ذلك، ومنع نفيه عنه، مخبرا عن إبراهيم عليه السلام (القائل) لأبيه على عبادة الأصنام:{لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42)} (1) فسوى بين الله وبين الأصنام، فكان لأبي إبراهيم على قوله أن يقول له في جواب هذا: فَإلَاهُكَ لايسمع ولا يبصر
…
(2)
- وقال القاضي رحمه الله: فأما قوله: [إنه تعالى كلم موسى بكلامه الذي هو صفة ذاته]، إلى آخر ما قاله في ذلك، فهو الكلام في أن القرآن غير مخلوق، وهو إجماع كافة أهل السنة وأئمة الملة، قبل الجهمية، ومن نشأ
(1) مريم الآية (42).
(2)
شرح عقيدة الإمام مالك الصغير (ص.29 - 30).
بعدهم من أتباعهم المبتدعة. (1)
- وقال في الشفاعة: فمذهب أهل السنة وأئمة الملة، والأخبار متواترة به على المعنى وإن اختلفت ألفاظه
…
ثم ذكر بعض الأحاديث وقال: ومن المعتزلة من يتأول أخبار الشفاعة ولا يقدم على ردها وجحدها كما يفعل إخوانه، وقد تأولوها على ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه أراد أن الشفاعة لمن واقع الصغائر وهو مجتنب للكبائر، وهذا لا معنى له، لأن صاحب الصغيرة إذا فعلها مع اجتناب الكبائر لم يستحق العقاب، ومتى عوقب كان عندهم ظلما وجورا، فما معنى الشفاعة في أن لا يعذب من لا يستحق العذاب؟ وهل هذا إلا قول بالشفاعة في أن لا يظلم تعالى ولا يجور. وهذا تكلف يحمل النفس على رد الشرع وجحد السنة.
والتأويل الثاني: أن الشفاعة لمرتكب الكبائر التائب منها، والنادم على فعلها، وهذا تلو الأول في السقوط، لأن التوبة سقطت لاستحقاق العقاب، فأي تأثير للشفاعة؟!
والثالث -وهو أقربها-: إن قالوا: إن الشفاعة للمؤمنين المجانبين للكبائر، وليست شفاعة في إسقاط عقاب مستحق عليهم، لكن في الزيادة لهم في الثواب على قدر ما استحقوه بأعمالهم. وهذا ادعاء لما لم يرد به خبر ولا شرع، ورد لما ورد، لأن الشفاعة التي وردت بها الأخبار، إنما هي في
(1) شرح عقيدة الإمام مالك الصغير (ص.34).
القرآن لأهل الكبائر والرغبة إلى الله في العفو عنهم والتجاوز، وهذا غير ما قالوه، والكلام هنا في هذه الشفاعة التي هذا مقصودها فنحن نثبتها، وهم ينفونها، فما تأولوه ليس يخرجهم عن ردها، والله أعلم. (1)
- قال القاضي رحمه الله: [قوله: إن الله خلق الجنة والنار]: هذا قول سلف الأمة وأئمة الحديث والسنة، وأنها الجنة التي كان بها آدم، وأهبط منها، وهي جنة الخلد التي يدخلها المؤمنون في الآخرة. وقد دل عليه الكتاب والسنة. فأما الكتاب: فقوله تعالى: {وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} إلى قوله: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} (2) وهذا يفيد كونها مخلوقة، وأنه قد سكنها وأخرج منها. وقوله تعالى:{اهْبِطُوا مِنْهَا} وإن كانت لم تخلق لكان هابطا من غيرها لا هابطا منها، وخالف المعتزلة في ذلك إلى مذاهب تخالف ما وصفناه، واعلم أنهم ليس يقدمون على إنكار ذلك، وأن الله خلق جنة أسكن بها آدم نبيه وزوجته، ولكن يقولون: ليست هي دار الخلد وجنة المأوى.
إلى أن قال: ودليل أهل السنة على خلقهما، قوله تعالى:{اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} (3) فإن قالوا: لسنا ننكر أن الله تعالى خلق جنة ونارا، ولكن الخلاف هل هي جنة المأوى التي وعد الله عباده، أو غيرها؟ قلنا: عنه جوابان:
(1) شرح عقيدة الإمام مالك الصغير (ص.80 - 81).
(2)
البقرة الآيتان (35و36).
(3)
البقرة الآية (35) والأعراف الآية (19).
أحدهما: أنه لا يعرف في الشرع لا في الكتاب ولا في السنة، ولا عن أحد من السلف: أن الله خلق جنة غير الجنة التي ذكر أنه أعدها لأوليائه، فمن ادعى جنة غيرها احتاج إلى دليل سمعي، لأن العقل لا مجال له في ذلك، وإنما تتأولون أنتم هذا التأويل لا بتوقيف ولا بسمع منكم.
والثاني: أنه لو كان الأمر على ما قلتموه لكان قوله: الجنة والإشارة إليها بلام التعريف يفيد: المعهودة، ولا جنة معهودة في الشرع إلا التي وعدها الله لأوليائه. ويدل على ذلك قوله تعالى:{* وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)} (1) وقوله: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} يعني وجودها. (2)
- وقال: وأما الدليل على وجود (3) رؤيته تعالى في الآخرة، فهو السمع المحض الذي لا مجال للعقل فيه، وهو أدلة الكتاب والسنة المتواترة فيها، منها قوله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} (4) قال أصحابنا: والنظر في كتاب الله يرد على وجوه: منها النظر بمعنى التفكر والاعتبار، مثل قوله تعالى:{أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17)} (5) وقوله تعالى:
(1) آل عمران الآية (133).
(2)
شرح عقيدة الإمام مالك الصغير (ص.82 - 84).
(3)
قال في هامشه: كذا، ولعلها "وجوب". (م. ب).
(4)
القيامة الآيتان (22و23).
(5)
الغاشية الآية (17).
{أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6)} (1) وما إلى ذلك، يريد: أفلم يعتبروا ويتفكروا. ومنها: النظر بمعنى الانتظار، ومنه قوله تعالى {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)} (2) أي منتظرة، ومنها: الإنظار، وهو الإمهال، كقوله تعالى:{انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} (3) يريد: أمهلونا، وهو يقرب من معنى ما قبله، ومن أصحابنا من يخرج هذه الأقسام من مجملات القول نظرا، ومنها التعطف والرحمة كقوله تعالى:{ولا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ} (4) يريد: ولا يتعطف عليهم، ومنها: رؤية البصر كقوله تعالى: {وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا} (5) يريد: انظرها بعينك.
والقسم الأول غير جائز، لأن الآخرة ليست بدار اعتبار وتفكر، وكذلك الانتظار، لأن ذلك يوجب إضمارا في الظاهر ونقله إلى المجاز بغير دليل، لأن ما ينتظر فيه ليس بمذكور، والظاهر يوجب تعلق النظر به تعالى، وكذلك القسم الثالث، وهو الإنظار، لأنه لا يجوز أن يقال: قد أنظرنا ربنا وأمهلنا، وكذلك القسم الآخر الذي هو التعطف والرحمة، لا يجوز أن يقع منها لله تعالى، فلم يبق إلا ما قلناه من رؤية البصر، ووجه آخر، وهو أن النظر إذا قرن بما لذكر الوجه والبصر
(1) ق الآية (6).
(2)
النمل الآية (35).
(3)
الحديد الآية (13).
(4)
آل عمران الآية (77).
(5)
البقرة الآية (259).