الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد الرحمن محمد بن عبد العزيز النبلي وآخرين. وعنه جماعة منهم أبو عبد الله الفراوي، وزاهر الشمامي، وأحمد بن سهل المسجدي. سمع الحديث الكثير في البلاد وفي بغداد، وخرج إلى الحجاز فأقام بمكة أربع سنين، وعاد إلى نيسابور فجلس للتدريس ثلاثين سنة، وقد سلم إليه التدريس والمحراب والمنبر والخطابة ومجلس التذكير يوم الجمعة، وكان يحضر درسه كل يوم نحو ثلاثمائة، وتخرج به جماعة من الأكابر، حتى درسوا في حياته. قال أبو إسحاق الفيروز أبادي: تمتعوا من هذا الإمام، فإنه نزهة هذا الزمان، يعني أبا المعالي الجويني. كان من أئمة أهل الكلام، فتاب منه وتبرأ من أهله، ورجع إلى مذهب السلف. توفي رحمه الله ليلة الأربعاء بعد العشاء الخامس والعشرين من ربيع الآخر سنة ثمان وسبعين وأربعمائة.
موقفه من الجهمية:
هذا الرجل تركه أبوه وعمره عشرون سنة مع أن أباه رجع إلى عقيدة السلف ونبذ الأشعرية، ولا أدري كيف لم يستفد عبد الملك من أبيه عبد الله الذي تقدم الحديث عنه. والمهم أن أبا المعالي تربى على الأشعرية وعلم الكلام وترعرع في ذلك، حتى أصبح العمدة عند الأشاعرة على الخصوص وعند علماء الكلام على العموم، وألف لهم كتبا أصبحت المصدر الأول للعقيدة الأشعرية، منها 'الإرشاد' وقد طبع، و'الشامل' وهو الذي سماه شيخ الإسلام بـ'زبور الأشاعرة'، والحق أنه قطع الطريق على الأشعري وأصحابه، وأصبحت العقيدة الأشعرية مستمدة على ما قعده أبو المعالي. والكلام على أبي المعالي يحتاج إلى تأليف خاص، والمهم عندنا الإشارة إلى المواقف السلفية،
ومن كان واقفا عقبة أمام العقيدة السلفية، فكان هذا الرجل من أكبر العقبات التي واجهت العقيدة السلفية واسمع ما يقوله في السلف وكتبهم.
قال أبو المعالي: إن أئمة السنة وأخيار الأمة بعد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم، لم يودع أحد منهم كتابه الأخبار المتشابهات، فلم يورد مالك رضي الله عنه في الموطأ منها شيئا مما أورده الآجري وأمثاله، وكذلك الشافعي وأبو حنيفة وسفيان والليث والثوري ولم يفتوا بنقل المشكلات.
ونبغت ناشئة ضروا بنقل المشكلات وتدوين المتشابهات، وتبويب أبواب ورسم تراجم على ترتيب فطرة المخلوقات، ورسموا بابا في ضحك الباري، وبابا في نزوله وانتقاله وعروجه ودخوله وخروجه، وبابا في إثبات الأضراس، وبابا في خلق الله آدم على صورة الرحمن، وبابا في إثبات القدم والشعر القطط، وبابا في إثبات الأصوات والنغمات، تعالى الله عن قول الزائغين.
قال: وليس يعتمد جمع هذه الأبواب وتمهيد هذه الأنساب إلا مشبه على التحقيق أو متلاعب زنديق. (1)
التعليق:
انظر إلى هذا الحقد على السلف وكتبهم حتى جعله يخترع ما لم يوجد، ولا خطر ببال، وأين هذه الدعاوى في كتاب الآجري الذي مثل به. ودعواه أن الأئمة لم يوردوا شيئا من أحاديث الصفات جهل واضح. وقد
(1) الفتاوى الكبرى (5/ 291).
بين شيخ الإسلام ذلك بيانا مفصلا في الفتاوى الكبرى. (1)
وكانت بضاعة أبي المعالي في الحديث قليلة وربما منعدمة.
يقول الإمام الذهبي: كان هذا الإمام مع فرط ذكائه وإمامته في الفروع وأصول المذهب وقوة مناظرته، لا يدري الحديث كما يليق به، لا متنا ولا إسنادا. ذكر في كتاب البرهان حديث معاذ في القياس فقال: هو مدون في الصحاح متفق على صحته. (2)
التعليق:
فمن كان حاله كما وصف الذهبي، هل له أن يقول إن الأئمة لم يوردوا شيئا من أحاديث الصفات. فكل فن له أربابه، ومن تكلم فيما لا يحسنه كان ساقط الحجة.
وقوعه في الحيرة لمخالفة عقيدة السلف في العلو:
- قال محمد بن طاهر: حضر المحدث أبو جعفر الهمذاني مجلس وعظ أبي المعالي، فقال: كان الله ولا عرش، وهو الآن على ما كان عليه. فقال أبو جعفر: أخبرنا يا أستاذ عن هذه الضرورة التي نجدها، ما قال عارف قط: يا ألله إلا وجد من قلبه ضرورة تطلب العلو لا يلتفت يمنة ولا يسرة، فكيف ندفع هذه الضرورة عن أنفسنا، أو قال: فهل عندك دواء لدفع هذه الضرورة التي نجدها؟ قال: يا حبيبي ما ثم إلا الحيرة. ولطم على رأسه، ونزل، وبقي
(1)(5/ 292 - 307).
(2)
السير (18/ 471).
وقت عجيب، وقال فيما بعد: حيرني الهمذاني. (1)
- ونقل أن أبا المعالي تاب ورجع إلى عقيدة السلف نحسن الظن به أنه رجع في نيته إلى عقيدة السلف، ولكن العبارة التي يستدل بها من قال إنه رجع في كتابه المسمى العقيدة النظامية، والعبارة عبارة عن التعبير عن التفويض لا عن الإثبات وهذه هي العبارة بعينها من العقيدة النظامية قال: اختلفت مسالك العلماء في الظواهر التي وردت في الكتاب والسنة، وامتنع على أهل الحق فحواها فرأى بعضهم تأويلها والتزم ذلك في القرآن وما يصح من السنن وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرب تعالى، والذي نرتضيه رأيا وندين الله به عقد اتباع سلف الأمة، فالأولى الاتباع والدليل السمعي القاطع في ذلك إجماع الأمة حجة متبعة وهو مستند معظم الشريعة وقد درج صحب الرسول صلى الله عليه وسلم على ترك التعرض لمعانيها ودرك ما فيها وهم صفوة الإسلام المستقلون بأعباء الشريعة
…
(2)
- ومن أقواله في رجوعه عن الكلام إلى الحديث والآثار ما جاء في السير: قال الحافظ محمد بن طاهر: سمعت أبا الحسن القيرواني الأديب -وكان يختلف إلى درس الأستاذ أبي المعالي في الكلام- فقال: سمعت أبا المعالي اليوم يقول: يا أصحابنا: لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي ما بلغ ما اشتغلت به.
(1) السير (18/ 474 - 475).
(2)
العقيدة النظامية (ص.23) والسير (18/ 473).
- وحكى الفقيه أبو عبد الله الحسن بن العباس الرستمي قال: حكى لنا أبو الفتح الطبري الفقيه قال: دخلت على أبي المعالي في مرضه، فقال: اشهدوا علي أني قد رجعت عن كل مقالة تخالف السنة وأني أموت على ما يموت عليه عجائز نيسابور. (1)
- قال ابن الجوزي: وكان أبو المعالي الجويني يقول لقد جلت أهل الإسلام جولة وعلومهم وركبت البحر الأعظم وغصت في الذي نهوا عنه كل ذلك في طلب الحق وهربا من التقليد والآن فقد رجعت عن الكل إلى كلمة الحق عليكم بدين العجائز فإن لم يدركني الحق بلطيف بره فأموت على دين العجائز ويختم عاقبة أمري عند الرحيل بكلمة الإخلاص فالويل لابن الجويني. وكان يقول لأصحابه يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي ما بلغ ما تشاغلت به. (2)
- قال المازري في شرح 'البرهان' في قوله: إن الله يعلم الكليات لا الجزئيات: وددت لو محوتها بدمي. وقيل: لم يقل بهذه المسألة تصريحا، بل ألزم بها لأنه قال بمسألة الاسترسال فيما ليس بمتناه من نعيم أهل الجنة، فالله أعلم. قلت -أي الذهبي-: هذه هفوة اعتزال، هجر أبو المعالي عليها، وحلف أبو القاسم القشيري لا يكلمه، ونفي بسببها، فجاور وتعبد، وتاب - ولله الحمد- منها، كما أنه في الآخر رجح مذهب السلف في الصفات
(1) السير (18/ 474) ومجموع الفتاوى (5/ 11).
(2)
تلبيس إبليس (104 - 105).