الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآخرة «1» ، وقال أبو حيّان: المعنى: يعطى في الآخرة كلّ من كان له فضل في عمل الخير زيادة تفضّل بها المولى عز وجل (على ما كان له) ، وعلى هذا فالضّمير في «فضله» يرجع إلى الله عز وجل، ويجوز أن يرجع الضّمير إلى «كل» أي إلى ذي الفضل في الدّنيا، ومن ثمّ يكون المعنى: يعطى جزاء ذلك الفضل الّذي عمله في الدّنيا لا يبخس منه شيء «2» ، والفضل في الحديث الشّريف:«إنّ لله ملائكة سيّارة فضلا» (بضمّ الضّاد وتسكينها) معناه: زائدين عن الملائكة المرتّبين مع الخلائق «3» .
الفضل اصطلاحا:
قال الرّاغب: الفضل: كلّ عطيّة لا تلزم من يعطي «4» .
وقال الجرجانيّ: الفضل: هو ابتداء إحسان بلا علّة «5» .
أنواع الفضل:
قال الرّاغب: الفضل إذا استعمل لزيادة شيء على آخر فأنواعه ثلاثة:
الأوّل: فضل من حيث الجنس كفضل الحيوان على النّبات.
الثّاني: فضل من حيث النّوع كفضل الإنسان على غيره من الحيوان.
الثّالث: فضل من حيث الذّات كفضل إنسان على آخر.
ولا سبيل للنّاقص في النّوعين الأوّلين أن يزيل نقصه وأن يستفيد الفضل، كالفرس والحمار لا يمكنهما أن يستفيدا الفضل الّذي للإنسان، أمّا النّوع الثّالث فقد يكون:
أ- عرضيّا فيوجد السّبيل إلى اكتسابه وذلك كفضل المال أو الرّزق وما أشبههما.
ب- قد يكون ذاتيّا كفضل الرّجل على المرأة، وذلك بما خصّ الله به الرّجال من الفضيلة الذّاتيّة وبما أعطاهم من المكنة والمال والجاه والقوّة، ومن هذا أيضا فضل بعض النّبيّين على بعض بما فضّلهم الله به «6» ، وهذا القسم لا يمكن اكتسابه كالنّوعين الأوّلين لعدم تعلّقه بمشيئة المفضّل أو المفضول عليه.
أمّا إذا استعمل لفظ الفضل في معنى الكمال فإنّ لعلماء «الأخلاق» فيه رأيا خاصّا يمكن استنباطه من تعريفهم للإنسان الفاضل، فمن هو الإنسان الفاضل؟
الإنسان الفاضل: هو- في رأي الماورديّ- من غلبت فضائله رذائله فقدر بوفور الفضائل على قهر الرّذائل فسلم من شين النّقص، وسعد بفضيلة التّخصيص «7» ، ولا يكون ذلك إلّا بمجاهدة النّفس،
(1) تفسير ابن كثير 2/ 451.
(2)
تفسير البحر المحيط لأبي حيان 5/ 202 (بتصرف يسير) .
(3)
النهاية لابن الأثير 3/ 455.
(4)
المفردات للراغب ص 382 (ت: كيلاني) .
(5)
التعريفات للجرجاني ص 174.
(6)
المفردات للراغب ص 382.
(7)
لعل المراد بالتخصيص هنا «الكمال» المتمثل في قهر الغرائز البهيمية بالعقل الذي منحه الله له وخصّه به دون سائر المخلوقات، أو أن المراد هو التخصيص بالكمالات دون النقائص.
وهذه المجاهدة هي الّتي أطلق عليها الشّيخ دراز مصطلح «جهد المدافعة» ويراد بها: تلك العمليّة الّتي نضع فيها في مواجهة الميول الخبيثة الّتي تحثّنا على الشّرّ قوّة مقاومة قادرة على دفع تأثيرها «1» .
أمّا ابن مسكويه فإنّه يعرّف الإنسان الفاضل بأنّه: الإنسان الخيّر صاحب الإحسان الذّاتيّ الّذي يبقى ولا ينقطع ويتزايد على الأيّام ولا ينتقص «2» ، ومن كانت هذه سيرته فإنّه يسرّ نفسه، ويسرّ به غيره، ويختار كلّ إنسان مواصلته ومصادقته، فهو صديق نفسه، والنّاس أصدقاؤه، وليس يضادّه إلّا الشّرّير «3» ، ومن النّاس من يصطنع المعروف لأجل الخير نفسه، ومنهم من يصطنعه لأجل الذّكر الجميل، ومنهم من يصطنعه رياء فقط، وأعلى هؤلاء مرتبة من صنع الخير لذاته، وصاحب هذه الرّتبة لا يعرف الذّكر الجميل والثّناء الباقي. ومن سار بهذه السّيرة واختارها لنفسه فقد أحسن إليها وأنزلها في الشّرف الأعلى وأهّلها لقبول الفيض الإلهيّ، وإذا كان بهذه الحال فهو لا محالة يفعل سائر الخيرات، وينفع غيره ببذل الأموال والسّماحة بجميع ما يتشاح النّاس عليه «4» .
إنّ الّذي أشار إليه ابن مسكويه هنا من صفة الإنسان الفاضل قد عبّر عنه الشّيخ دراز بأنّه: «الجهد المبدع» وذكر أنّ لهذا الجهد ثلاث درجات:
الأولى: الاختيار الإراديّ المتمثّل في البحث الجادّ عن الحلّ الّذي يجب أن نأخذ أنفسنا به ولا نكل أمر تحديد إرادتنا إلى تصاريف الطّبيعة الخارجيّة ولا إلى حركات فطرتنا الدّاخليّة، وإنّما نسمو فوق جميع الاعتبارات الظّاهرة والباطنة، ويعقب هذا البحث الجادّ إرادة واختيار لهذا الحلّ، وكلّ ما هو دون ذلك فعجز وخور.
الثّانية: وتتمثّل في اختيار الصّالح، ولا بدّ هنا من استلهام روح الشّرع والتّطابق مع قواعده، وقد يحدث في الواقع أن يكون أحد الحلول كافيا ليوصف بأنّه صالح، وأن يكون هناك حلّ آخر أقلّ من أن يستحقّ هذا الوصف، مثال ذلك «الصّدقة» فهذه المساعدة الماليّة الّتي يريد المتصدّقون أن يقدّموها للفقراء قد تختلف على ما لا يحصى من الدّرجات تبعا لكرمهم ابتداء من الفلس»
وانتهاء بهبة الثّروة كلّها، ولكنّ الشّرع الأخلاقيّ في الإسلام لم يدع الأمور فوضى، فالحدّ الأدنى هو الزّكاة المفروضة والحدّ الأقصى هو ثلث الثّروة الكلّيّة، وواجب المسلم (الفاضل) أن يتحاشى الطّرفين المحرّمين، فلا يقلّ عن مقدار الزّكاة ولا يزيد عن الثّلث وهو الحدّ الأقصى المباح.
الثّالثة: تتمثّل هذه المرحلة الثّالثة من الجهد
(1) دستور الأخلاق في القرآن الكريم ص 594.
(2)
وهذا بخلاف الإحسان العارض الذي ليس بخلقيّ ولا هو سيرة لصاحبه فإنه ينقطع ويقع فيه اللّوم. انظر: تهذيب الأخلاق لابن مسكويه ص 126.
(3)
أطلق الجاحظ على «الإنسان الفاضل» عند كل من الماوردي وابن مسكويه اسم «الإنسان التام» وعرّفه بأنّه: هو الذي لم تفته فضيلة ولم تشنه رذيلة، انظر: تهذيب الأخلاق للجاحظ ص 49.
(4)
باختصار وتصرف عن تهذيب الأخلاق لابن مسكويه ص 12- 28.
(5)
الفلس عملة ذات قيمة متدنية وجمعها فلوس.