الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الْجِزْيَةِ أَنَّ لِلْإِمَامِ مَنْعَهُمْ مِنْ إظْهَارِ جَنَائِزِهِمْ نَهَارًا (وَكَذَا) يَجُوزُ (وَقْتَ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَتَحَرَّهُ) مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّ لَهُ سَبَبًا مُتَقَدِّمًا أَوْ مُقَارِنًا وَهُوَ الْمَوْتُ، فَإِنْ تَحَرَّاهَا كُرِهَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَظَاهِرُهُ التَّنْزِيهُ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّحْرِيمِ كَمَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا عُلِمَ بِالنَّهْيِ، وَعَلَى الْكَرَاهَةِ حُمِلَ خَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ عُقْبَةَ. «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهَا مَوْتَانَا، وَذَكَرَ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَاسْتِوَائِهَا وَغُرُوبِهَا»
وَظَاهِرُ ذَلِكَ اخْتِصَاصُهُ بِالْأَوْقَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالزَّمَانِ دُونَ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْفِعْلِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ قَالَ: وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ وَالْحَدِيثُ وَالْمَعْنَى يَدُلُّ لِذَلِكَ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: الصَّوَابُ التَّعْمِيمُ وَهُوَ كَمَا قَالَ.
وَنَقْبُرَ بِضَمِّ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا: أَيْ نَدْفِنَ (وَغَيْرُهُمَا) أَيْ اللَّيْلِ وَوَقْتِ الْكَرَاهَةِ (أَفْضَلُ) أَيْ فَاضِلٌ حَيْثُ أَمِنَ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ التَّغَيُّرِ لَوْ أَخَّرَ لِغَيْرِهِمَا لِسُهُولَةِ الِاجْتِمَاعِ وَالْوَضْعِ فِي الْقَبْرِ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ إنَّمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَفْضِيلِ غَيْرِ أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ عَلَيْهَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ، وَلَا يُتَّجَهُ صِحَّتُهُ فَإِنَّ الْمُبَادَرَةَ مُسْتَحَبَّةٌ يَرُدُّهُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْحَيْثِيَّةِ، وَيَحْصُلُ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ الْمَسْبُوقَةِ بِالْحُضُورِ مَعَهُ قِيرَاطٌ مِنْ الْأَجْرِ، وَيَحْصُلُ مِنْهُ بِهَا وَبِالْحُضُورِ مَعَهُ إلَى تَمَامِ الدَّفْنِ لَا لِمُوَارَاةٍ وَحْدَهَا قِيرَاطَانِ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ، فَلَوْ صَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ حَضَرَ وَحْدَهُ وَمَكَثَ حَتَّى دُفِنَ لَمْ يَحْصُلْ الْقِيرَاطُ الثَّانِي كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لَكِنْ لَهُ أَجْرٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَوْ تَعَدَّدَتْ الْجَنَائِزُ وَاتَّحَدَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً تَعَدَّدَ الْقِيرَاطُ بِتَعَدُّدِهَا كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَبِهِ أَجَابَ قَاضِي حَمَاةَ وَالْبَارِزِيُّ وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
نَعَمْ لَوْ صَلَّى مِنْ غَيْرِ حُضُورٍ مَعَهَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
النَّهْرِيِّ (قَوْلُهُ: وَقْتَ كَرَاهَةِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي حَرَمِ مَكَّةَ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ التَّنْزِيهُ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: نَقْبُرُ) بَابُهُ ضَرَبَ وَنَصَرَ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: الصَّوَابُ التَّعْمِيمُ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالزَّمَانِ وَالْفِعْلِ (قَوْلُهُ الْمَسْبُوقَةِ بِالْحُضُورِ) أَيْ مِنْ مَنْزِلِهِ مَثَلًا (قَوْلُهُ قِيرَاطَانِ) أَيْ مِنْهُمَا الْقِيرَاطُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: فَلَوْ صَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ حَضَرَ) أَيْ وَحْدَهُ مَشَى وَحْدَهُ إلَى مَحَلِّ الدَّفْنِ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ سَارَ مِنْ مَوْضِعِ الصَّلَاةِ مَعَ الْمُشَيِّعِينَ (قَوْلُهُ: بِتَعَدُّدِهَا) يَنْبَغِي أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ مَشَى مَعَ الْكُلِّ مِنْ مَوَاضِعِ خُرُوجِهِمْ إلَى أَنْ صَلَّى عَلَيْهِمْ دَفْعَةً لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الْقِيرَاطَ إنَّمَا يَحْصُلُ لِمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْمَشْيِ إلَى الْمُصَلَّى وَبَيْنَ الصَّلَاةِ.
نَعَمْ لَا يَحْتَاجُ لِهَذَا التَّصْوِيرِ عَلَى النُّسْخَةِ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ: وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ) فِي نُسْخَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ: نَعَمْ لَوْ صَلَّى مِنْ غَيْرِ حُضُورٍ مَعَهَا حَصَلَ لَهُ قِيرَاطٌ دُونَ مَنْ كَانَ مَعَهَا اهـ.
وَأَوْضَحُ مِنْهُ لَهُ أَجْرٌ فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ أَنْسَبُ بِقَوْلِهِ فِيمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ؛ لَكِنْ لَهُ أَجْرٌ فِي الْجُمْلَةِ.
وَعِبَارَةُ ابْنِ الْعِمَادِ فِي كِتَابِ الذَّرِيعَةِ فِي إعْدَادِ الشَّرِيعَةِ: الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ قَالَ صلى الله عليه وسلم «مَنْ شَهِدَ الْجِنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ، قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ» وَلِمُسْلِمٍ «أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ» قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم
ــ
[حاشية الرشيدي]
[الدَّفْنُ لَيْلًا]
قَوْلُهُ: وَعَلَى الْكَرَاهَةِ) كَانَ الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ: وَعَلَى التَّحَرِّي حُمِلَ خَبَرُ مُسْلِمٍ إلَخْ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: وَلَا يَكُونُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ، إلَى أَنْ قَالَ: إنْ لَمْ يَتَحَرَّهَا وَإِلَّا كُرِهَ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ خَبَرُ مُسْلِمٍ إلَخْ، فَكَأَنَّ الشَّارِحَ تَوَهَّمَ رُجُوعَ الضَّمِيرِ فِيهِ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِمَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: الْمَسْبُوقَةُ بِالْحُضُورِ مَعَهُ) هَذَا شَرْطٌ لِكَمَالِ الْقِيرَاطِ لَا لِأَصْلِهِ بِدَلِيلِ الِاسْتِدْرَاكِ الْآتِي، وَهَذَا بِخِلَافِ الْحُضُورِ بِالنِّسْبَةِ لِلدَّفْنِ كَمَا يَأْتِي فَإِنَّهُ شَرْطٌ لِأَصْلِ الْقِيرَاطِ لَا لِكَمَالِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الصَّلَاةَ أَعْظَمُ مِنْ مُجَرَّدِ حُضُورِ الدَّفْنِ فَكَانَتْ مُحَصِّلَةً لِلْقِيرَاطِ بِمُجَرَّدِهَا وَإِنْ لَمْ يَكْمُلْ إلَّا بِسَبْقِ الْحُضُورِ مَعَهَا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَكِنْ لَهُ أَجْرٌ فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلدَّفْنِ، أَمَّا قِيرَاطُ الصَّلَاةِ فَقَدْ حَصَلَ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ صَلَّى مِنْ غَيْرِ حُضُورٍ إلَخْ) هَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ الْمَسْبُوقَةِ بِالْحُضُورِ مَعَهُ
حَصَلَ لَهُ قِيرَاطٌ دُونَ مَنْ كَانَ مَعَهَا
(وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُ الْقَبْرِ) أَيْ تَبْيِيضُهُ بِالْجِصِّ وَهُوَ الْجِبْسُ، وَيُقَالُ هُوَ النُّورَةُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَلَهُ قِيرَاطَانِ: أَيْ قِيرَاطٌ مَضْمُومٌ إلَى الْأَوَّلِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 9] إلَى قَوْلِهِ {وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} [فصلت: 10] أَيْ يَوْمَيْنِ مَضْمُومَيْنِ إلَى الْأَوَّلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [فصلت: 11] إلَى قَوْلِهِ {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 12] فَالْمَجْمُوعُ سِتَّةُ أَيَّامٍ، وَهَذَا الْقِيرَاطُ ذَكَرَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى جَمِيعِ عَمَلِ الْمَيِّتِ، وَذَلِكَ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ عَمَلِ الْمَيِّتِ، أَوْ هُوَ قِيرَاطٌ مِنْ أَنْوَاعِ عَمَلِهِ: أَيْ نَوْعٌ وَاحِدٌ مِنْ أَنْوَاعِ عَمَلِهِ لِأَنَّا إذَا عَدَدْنَا الْأَعْمَالَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْمَيِّتِ مِنْ تَحْوِيلِهِ إلَى الْقِبْلَةِ، وَتَلْقِينِهِ الشَّهَادَةَ، وَقِرَاءَةِ سُورَةِ يس، وَتَغْمِيضِهِ وَنَزْعِ ثِيَابِهِ وَتَسْجِيَتِهِ بِثَوْبٍ خَفِيفٍ وَوَضْعِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ عَلَى بَطْنِهِ وَتَغْسِيلِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إلَى حِينِ يُدْفَنُ كَانَتْ أَنْوَاعُ ذَلِكَ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ هَكَذَا قَالَ، وَمَا قَالَهُ وَتَكَلَّفَهُ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَهُ أَنَّ مَنْ حَضَرَ الْمَيِّتَ مِنْ حِينِ يُحَوَّلُ إلَى الْقِبْلَةِ إلَى حِينِ يُدْفَنُ يَكُونُ لَهُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ قِيرَاطًا وَهُوَ خِلَافُ نَصِّ الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ فِي بَابِ الصَّيْدِ مِنْ بَابِ الِاثْنَيْنِ: قَالَ السَّرَّاجُ بْنُ الْمُلَقِّنِ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَنْ شَهِدَ جِنَازَتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَصَلَّى عَلَيْهِمَا صَلَاةً وَاحِدَةً أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ قِيرَاطٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ اتِّحَادُ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ رَبَطَ الْقِيرَاطَ بِوَصْفٍ وَهُوَ حَاصِلٌ فِي كُلِّ مَيِّتٍ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْصُلَ دَفْعَةً أَوْ دَفَعَاتٍ اهـ كَلَامُهُ.
ثُمَّ قَالَ: أَعْنِي ابْنَ الْعِمَادِ: وَتَعَدُّدُ الْقِيرَاطِ فِيهَا لِتَعَدُّدِ الْأَمْوَاتِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ بَابَ الْكَرَمِ وَاسِعٌ، وَلَفْظُ الْحَدِيثُ «مَنْ صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ فَلَهُ قِيرَاطٌ مِنْ أَجْرٍ فَإِنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ» فَإِنَّ الْأَوَّلَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ عُمُومَ الشُّمُولِ، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «فَإِنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ» يَعْنِي قِيرَاطَ الصَّلَاةِ وَقِيرَاطَ الدَّفْنِ اهـ.
ثُمَّ رَأَيْت مَنْقُولًا مِنْ الْبَدَائِعِ لِابْنِ الْقَيِّمِ مَا نَصُّهُ: لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا عَلَى مَعْرِفَةِ الْقِيرَاطِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَتَّى رَأَيْت لِابْنِ عَقِيلٍ كَلَامًا قَالَ: الْقِيرَاطُ نِصْفُ سُدُسِ دِرْهَمٍ مَثَلًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هُنَا جِنْسَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِيهِ ثَوَابُ الْإِيمَانِ وَأَعْمَالُهُ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِهِ، وَلَيْسَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ مَا يَبْلُغُ هَذَا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمَعْهُودِ، وَهُوَ الْأَجْرُ الْعَائِدُ إلَى الْمَيِّتِ، وَيَتَعَلَّقُ بِالْمَيِّتِ صَبْرٌ عَلَى الْمُصَابِ فِيهِ وَبِهِ وَتَجْهِيزُهُ وَغُسْلُهُ وَالتَّعْزِيَةُ بِهِ وَحَمْلُ الطَّعَامِ إلَى أَهْلِهِ وَتَسْكِينُهُمْ، وَهَذَا مَجْمُوعُ الْأَجْرِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْمَيِّتِ، فَكَانَ لِلْمُصَلِّي وَالْجَالِسِ إلَى أَنْ يُقْبَرَ مَجْمُوعُ الْأَجْرِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْمَيِّتِ سُدُسُ دِينَارٍ وَنِصْفُ سُدُسِهِ اهـ بِتَصَرُّفٍ.
قُلْت: كَانَ مَجْمُوعُ الْأَجْرِ الْحَاصِلِ عَلَى تَجْهِيزِ الْمَيِّتِ مِنْ حِينِ الْفِرَاقِ إلَى وَضْعِهِ فِي لَحْدِهِ وَقَضَاءِ حَقِّ أَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ دِينَارًا، فَلِلْمُصَلِّي عَلَيْهِ فَقَطْ مِنْ هَذَا الدِّينَارِ نِصْفُ سُدُسٍ، فَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ وَتَبِعَهُ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ مِنْهُ وَهُمَا سُدُسُهُ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ نِسْبَةُ الْقِيرَاطِ إلَى الْأَجْرِ الْكَامِلِ فِي نَفْسِهِ وَكُلَّمَا كَانَ أَعْظَمَ كَانَ الْقِيرَاطُ مِنْهُ بِحَسَبِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ زَرْعٍ نُقِصَ مِنْ أَجْرِهِ أَوْ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ» فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا وَهُوَ سُدُسُ أَجْرِ عَمَلِهِ ذَلِكَ، وَيَكُونُ صِغَرُهُ وَكِبَرُهُ بِحَسَبِ قِلَّةِ الْعَمَلِ وَكَثْرَتِهِ، فَإِذَا كَانَ لَهُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ حَسَنَةٍ مَثَلًا نُقِصَ مِنْهَا كُلَّ يَوْمٍ أَلْفُ حَسَنَةٍ، وَعَلَى هَذَا الْحِسَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلُهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ كَذَا النُّسْخَةُ، وَصَوَابُهُ أَلْفَا حَسَنَةٍ اهـ مَا رَأَيْته مَنْقُولًا عَنْ الْبَدَائِعِ.
وَالْحَاصِلُ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ قِيرَاطَ الْجِنَازَةِ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ قِيرَاطًا، وَالْكَلْبُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي الْفَتْحِ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ «مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً فَلَهُ قِيرَاطٌ» زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ: «مِنْ الْأَجْرِ» .
وَالْقِيرَاطُ بِكَسْرِ الْقَافِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَصْلُهُ قِرَّاطٌ بِالتَّشْدِيدِ؛ لِأَنَّ جَمْعَهُ قَرَارِيطُ، فَأُبْدِلَ مِنْ أَحَدِ حَرْفَيْ تَضْعِيفِهِ يَاءً.
قَالَ: وَالْقِيرَاطُ نِصْفُ دَانِقٍ، وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: الدَّانِقُ سُدُسُ الدِّرْهَمِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْقِيرَاطُ جُزْءًا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ الدِّرْهَمِ.
وَأَمَّا صَاحِبُ النِّهَايَةِ فَقَالَ: الْقِيرَاطُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الْبَيْضَاءُ الْجِيرُ وَالْمُرَادُ هُنَا هُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا (وَالْبِنَاءُ) عَلَيْهِ كَقُبَّةٍ أَوْ بَيْتٍ لِلنَّهْيِ عَنْهُمَا.
وَخَرَجَ بِتَجْصِيصِهِ تَطْيِينُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلزِّينَةِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا خُشِيَ نَبْشُهُ فَيَجُوزُ بِنَاؤُهُ وَتَجْصِيصُهُ حَتَّى لَا يَقْدِرَ النَّبَّاشُ عَلَيْهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الدِّينَارِ وَهُوَ نِصْفُ عَشَرَةٍ فِي أَكْثَرِ الْبِلَادِ، وَفِي الشَّامِ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا.
وَنَقَلَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْقِيرَاطُ نِصْفُ سُدُسِ دِرْهَمٍ أَوْ نِصْفُ عُشْرِ دِينَارٍ، وَالْإِشَارَةُ بِهَذَا الْمِقْدَارِ إلَى الْأَجْرِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْمَيِّتِ مِنْ تَجْهِيزِهِ وَغُسْلِهِ وَجَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، فَلِلْمُصَلِّي عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ قِيرَاطٌ، وَلِمَنْ شَهِدَ الدَّفْنَ قِيرَاطٌ، وَذَكَرَ الْقِيرَاطَ تَقْرِيبًا لِلْفَهْمِ لَمَّا كَانَ الْإِنْسَانُ يَعْرِفُ الْقِيرَاطَ، وَيَعْمَلُ الْعَمَلَ فِي مُقَابَلَتِهِ وَعُدَّ مِنْ جِنْسِ مَا يُعْرَفُ وَضُرِبَ لَهُ الْمَثَلُ بِمَا يَعْمَلُ اهـ.
وَلَيْسَ الَّذِي قَالَ بِبَعِيدٍ.
وَقَدْ رَوَى الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا «مَنْ أَتَى جِنَازَةً فِي أَهْلِهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، فَإِنْ تَبِعَهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، فَإِنْ صَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، فَإِنْ انْتَظَرَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطٌ» فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْجِنَازَةِ قِيرَاطًا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مَقَادِيرُ الْقَرَارِيطِ، وَلَا سِيَّمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَشَقَّةِ ذَلِكَ الْعَمَلِ وَسُهُولَتِهِ، وَعَلَى هَذَا فَيُقَالُ: إنَّمَا خَصَّ قِيرَاطَيْ الصَّلَاةِ وَالدَّفْنِ بِالذِّكْرِ لِكَوْنِهِمَا الْمَقْصُودَيْنِ، بِخِلَافِ بَاقِي أَحْوَالِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهَا وَسَائِلُ، وَلَكِنَّ هَذَا يُخَالِفُ ظَاهِرَ سِيَاقِ الْحَدِيثِ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ الْمُتَقَدِّمِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فَإِنَّ فِيهِ أَنَّ لِمَنْ كَانَ مَعَهَا حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا قِيرَاطَيْنِ فَقَطْ، وَيُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْقِيرَاطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِمَنْ شَهِدَ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ لِمَنْ بَاشَرَ الْأَعْمَالَ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْمَيِّتُ فَافْتَرَقَا، وَقَدْ وَرَدَ لَفْظُ الْقِيرَاطِ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ: فَمِنْهَا مَا يُحْمَلُ عَلَى الْقِيرَاطِ الْمُتَعَارَفِ.
وَمِنْهَا مَا يُحْمَلُ عَلَى الْجُزْءِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ النِّسْبَةُ، فَمِنْ الْأَوَّلِ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ مَرْفُوعًا «إنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ بَلَدًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ» وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «كُنْت أَرْعَى الْغَنَمَ لِأَهْلِ مَكَّةَ بِالْقَرَارِيطِ» قَالَ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ: يَعْنِي كُلَّ شَاةٍ بِقِيرَاطٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: قَرَارِيطُ جَبَلٍ بِمَكَّةَ، وَمِنْ الْمُحْتَمَلِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي الَّذِينَ أُوتُوا التَّوْرَاةَ أُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، وَحَدِيثُ الْبَابِ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيمَنْ اقْتَنَى كَلْبًا نُقِصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ.
وَقَدْ جَاءَ تَعْبِيرُ مِقْدَارِ الْقِيرَاطِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهُ مِثْلُ أُحُدٍ كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ، وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مِثْلُ قَرَارِيطِنَا هَذِهِ؟ قَالَ: لَا بَلْ مِثْلُ أُحُدٍ» قَالَ النَّوَوِيُّ: لَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِ الْقِيرَاطِ فِي الْحَدِيثَيْنِ تَسَاوِيهُمَا لِأَنَّ عَادَةَ الشَّارِعِ تَعْظِيمُ الْحَسَنَاتِ وَتَخْفِيفُ مُقَابِلِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الذَّرَّةُ جُزْءٌ مِنْ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ حَبَّةٍ، وَالْحَبَّةُ ثُلُثُ الْقِيرَاطِ، وَالذَّرَّةُ تَخْرُجُ مِنْ النَّارِ فَكَيْفَ بِالْقِيرَاطِ؟ قَالَ: وَهَذَا قَدْرُ قِيرَاطِ الْحَسَنَاتِ، فَأَمَّا قِيرَاطُ السَّيِّئَاتِ فَلَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: الْقِيرَاطُ فِي اقْتِنَاءِ الْكَلْبِ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ عَمَلِ الْمُقْتَنِي لَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِيرَاطِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءٍ مَعْلُومَةٍ عِنْدَ اللَّهِ، وَقَدْ قَرَّبَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْفَهْمِ بِتَمْثِيلِهِ الْقِيرَاطَ بِأُحُدٍ.
قَالَ الطِّيبِيِّ: قَوْلُهُ مِثْلُ أُحُدٍ تَفْسِيرٌ لِلْمَقْصُودِ مِنْ الْكَلَامِ لَا لِلَفْظِ الْقِيرَاطِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِنَصِيبٍ كَثِيرٍ مِنْ الْأَجْرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ لَفْظَ الْقِيرَاطِ مُبْهَمٌ مِنْ وَجْهَيْنِ، فَبَيَّنَ الْمَوْزُونَ بِقَوْلِهِ مِنْ الْأَجْرِ، وَبَيَّنَ الْمِقْدَارَ الْمُرَادَ مِنْهُ بِقَوْلِهِ مِثْلُ أُحُدٍ.
وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: أَرَادَ تَعْظِيمَ الثَّوَابِ فَمَثَّلَهُ لِلْعِيَانِ بِأَعْظَمِ الْجِبَالِ خَلْقًا وَأَكْثَرِهَا إلَى النُّفُوسِ الْمُؤْمِنَةِ حُبًّا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي قَالَ فِي حَقِّهِ «إنَّهُ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» اهـ.
وَلِأَنَّهُ أَيْضًا قَرِيبٌ مِنْ الْمُخَاطَبِينَ يَشْتَرِكُ أَكْثَرُهُمْ فِي مَعْرِفَتِهِ، وَخَصَّ الْقِيرَاطَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَقَلَّ مَا يَقَعُ بِهِ الْإِجَارَةُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَوْ جَرَى ذَلِكَ مَجْرَى الْعَادَةِ مِنْ تَقْلِيلِ الْأَجْرِ بِتَقْلِيلِ الْعَمَلِ اهـ
(قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِتَجْصِيصِهِ تَطْيِينُهُ مُعْتَمَدٌ) أَيْ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ بِنَاؤُهُ وَتَجْصِيصُهُ) يَنْبَغِي وَلَوْ فِي الْمُسْبَلَةِ، وَيَنْبَغِي أَيْضًا أَنَّ مِنْ ذَلِكَ مَا يُجْعَلُ مِنْ بِنَاءِ الْحِجَارَةِ عَلَى الْقَبْرِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُنْبَشَ قَبْلَ بِلَى الْمَيِّتِ لِدَفْنِ غَيْرِهِ،
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .