الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إعَادَتُهُمَا إذَا عَادَ لِلْإِسْلَامِ. .
ثُمَّ لَهُمَا مَرَاتِبُ خَمْسٌ: صِحَّةٌ مُطْلَقَةٌ وَصِحَّةٌ مُبَاشِرَةٌ وَوُقُوعٌ عَنْ النَّذْرِ أَوْ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَوُجُوبِهِمَا، وَلِكُلِّ مَرْتَبَةٍ شُرُوطٌ، فَيُشْتَرَطُ مَعَ الْوَقْتِ الْإِسْلَامُ وَحْدَهُ لِلصِّحَّةِ وَمَعَ التَّمْيِيزِ لِلْمُبَاشَرَةِ وَمَعَ التَّكْلِيفِ لِلنَّذْرِ وَمَعَ الْحُرِّيَّةِ لِوُقُوعِهِ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتِهِ وَمَعَ الِاسْتِطَاعَةِ لِلْوُجُوبِ، وَقَدْ شَرَعَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ فَقَالَ (وَشَرْطُ صِحَّتِهِ) أَيْ صِحَّةُ مَا ذَكَرَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (الْإِسْلَامُ) فَقَطْ فَلَا يَصِحَّانِ مِنْ كَافِرٍ وَلَا عَنْهُ أَصْلِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْعِبَادَةِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ جَمْعٍ صِحَّةُ حَجِّ مُسْلِمٍ بِالتَّبَعِيَّةِ، وَإِنْ اعْتَقَدَ الْكُفْرَ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ اعْتِقَادُهُ مِنْهُ لَغْوٌ.
نَعَمْ إنْ اعْتَقَدَهُ مَعَ إحْرَامِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ كَنِيَّةِ الْإِبْطَالِ، وَهِيَ هُنَا تُؤَثِّرُ فِي الِابْتِدَاءِ دُونَ الدَّوَامِ وَبِذَلِكَ يُجْمَعُ بَيْنَ قَوْلِ الرُّويَانِيِّ بِالْبُطْلَانِ وَقَوْلِ وَالِدِهِ بِالصِّحَّةِ، وَعَلَّلَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا قَالَهُ بِمَا يُفْهَمُ مِمَّا تَقَرَّرَ، وَتَوَقُّفُهَا عَلَى دُخُولِ الْوَقْتِ مَعْلُومٌ مِنْ كَلَامِهِ الْآتِي فِي الْمَوَاقِيتِ وَعَلَى مَعْرِفَةِ الْأَعْمَالِ وَالْعِلْمِ بِهَا بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا عَالِمًا أَنَّهُ يَفْعَلُهَا عَنْ النُّسُكِ، فَلَوْ جَرَتْ اتِّفَاقًا لَمْ يَصِحَّ مَرْدُودٌ فِيهِمَا بِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي الْأَوَّلِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ لِإِمْكَانِ الْعِلْمِ بِهَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ هُنَا تَعْيِينُ الْمَنْوِيِّ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فِيهِمَا وَفِي الثَّانِي بِأَنَّ غَيْرَ الْإِحْرَامِ مِنْ الْأَرْكَانِ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ تَخُصُّهُ فَالْوَاجِبُ فِيهِ عَدَمُ الصَّارِفِ لَا الْقَصْدُ.
(فَلِلْوَلِيِّ) أَيْ وَلِيِّ الْمَالِ (أَنْ يُحْرِمَ عَنْ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ) ؛ لِأَنَّ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ إذْ لَا نِيَّةَ لَهُ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَرَفَعَتْ امْرَأَةٌ إلَيْهِ صَبِيًّا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ» وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «فَأَخَذَتْ بِعَضُدِ صَبِيٍّ وَرَفَعَتْهُ مِنْ مِحَفَّتِهَا» وَالْغَالِبُ أَنَّ مَنْ يُحْمَلُ بِعَضُدِهِ وَيُخْرَجُ مِنْ الْمِحَفَّةِ لَا تَمْيِيزَ لَهُ، وَيُكْتَبُ لِلصَّبِيِّ ثَوَابُ مَا عَمِلَهُ مِنْ الطَّاعَاتِ وَلَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ إجْمَاعًا.
(وَ) أَنْ يُحْرِمَ (عَنْ الْمَجْنُونِ) الْوَلِيُّ قِيَاسًا عَلَى الصَّبِيِّ سَوَاءٌ أَبَلَغَ مَجْنُونًا أَمْ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ، وَسَوَاءٌ أَحَجَّ الْوَلِيُّ عَنْ نَفْسِهِ أَمْ أَحْرَمَ عَنْهَا أَمْ لَا فَيَنْوِي الْوَلِيُّ بِقَلْبِهِ جَعْلَ كُلٍّ مِنْهُمَا مُحْرِمًا أَوْ يَقُولُ أَحْرَمْت عَنْهُمَا، وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُمَا وَلَا مُوَاجَهَتُهُمَا بِالْإِحْرَامِ وَلَا يَصِيرُ الْوَلِيُّ بِذَلِكَ مُحْرِمًا
وَيَجُوزُ لِلْوَلِيِّ الْإِحْرَامُ عَنْ الْمُمَيِّزِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى غَيْرِ الْمُمَيِّزِ دَفْعًا لِمَا عَسَاهُ أَنْ يُتَوَهَّمَ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْإِحْرَامِ عَنْهُ لِمُنَافَاةِ حَالِهِ الْعِبَادَاتِ، وَلَوْ أَذِنَ لِلْمُمَيَّزِ فِي الْإِحْرَامِ جَازَ فَإِنْ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَمُرَادُهُ بِالصَّبِيِّ الْجِنْسُ الصَّادِقُ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ عَدَمَ صِحَّةِ إحْرَامِ غَيْرِ الْوَلِيِّ كَالْجَدِّ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ بِهِ مَانِعٌ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْحَجِّ فِي أَوَّلِ سِنِي الْيَسَارِ
(قَوْلُهُ: أَوْ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ) هِيَ الرَّابِعَةُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ فَيَشْتَرِطُ إلَخْ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ بِالْوَاوِ (قَوْلُهُ: فَيَشْتَرِطُ مَعَ الْوَقْتِ) أَيْ الْمَعْلُومِ مِنْ بَابِ الْمَوَاقِيتِ الْآتِي (قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ اعْتَقَدَهُ مَعَ إحْرَامِهِ) يَخْرُجُ مَا لَوْ اعْتَقَدَهُ مَعَ إحْرَامِ وَلِيِّهِ فَلَا أَثَرَ لَهُ (قَوْلُهُ: وَهِيَ هُنَا تُؤَثِّرُ إلَخْ) وَمِثْلُ ذَلِكَ الصَّوْمُ وَالِاعْتِكَافُ فَلَا يَنْقَطِعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِنِيَّةِ الْإِبْطَالِ (قَوْلُهُ مَرْدُودٌ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْأَعْمَالِ وَالْعِلْمِ
(قَوْلُهُ: أَيْ وَلِيِّ الْمَالَ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ لِأَنَّ فِيهِ مَعُونَةً عَلَى حُصُولِ الثَّوَابِ لِلصَّبِيِّ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مَنْدُوبٌ وَمَعْلُومٌ أَنَّ إحْرَامَهُ عَنْهُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ تَجْرِيدِهِ مِنْ الثِّيَابِ (قَوْلُهُ: وَلَك أَجْرٌ) أَيْ عَلَى تَرْبِيَتِهِ فَلَا يُنَافَى أَنَّ الْأُمَّ لَا وِلَايَةَ لَهَا أَوْ يُقَالُ يَجُوزُ أَنَّهَا كَانَتْ وَصِيَّةٌ (قَوْلُهُ: ثَوَابُ مَا عَمِلَهُ) أَيْ أَوْ عَمِلَهُ بِهِ وَلِيُّهُ حَجّ
(قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ) لَكِنَّهُ يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ عَنْهُمَا فِي غِيبَتِهِمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَرْتَكِبَا شَيْئًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ لِعَدَمِ عِلْمِهِمَا وَيُمَكَّنُ الْوَلِيُّ مِنْ مَنَعَهُمَا اهـ سم فِي شَرْحِ الْغَايَةِ (قَوْلُهُ: حُضُورُهُمَا) أَيْ وَلَوْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ ثُمَّ بَعُدَ ذَلِكَ عَلَى وَلِيِّهِ إحْضَارُهُ لِأَعْمَالِ الْحَجِّ فَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَا تَرَتَّبَ عَلَى مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ أَوْ مُنِعَ مِنْ الْوُصُولِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَذِنَ لِلْمُمَيِّزِ) أَيْ الْوَلِيُّ مِنْ أَبٍ أَوْ جَدٍّ إلَخْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
مَا يَأْتِي.
[شُرُوط صِحَّة الْحَجّ وَالْعُمْرَة]
(قَوْلُهُ: أَوْ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ) هِيَ الرُّتْبَةُ الرَّابِعَةُ وَتُفَارِقُ مَا قَبْلَهَا فِي الرَّقِيقِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ شَرَعَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ) أَيْ مَا عَدَا صُورَةَ النَّذْرِ
(قَوْلُهُ أَوْ يَقُولُ أَحْرَمْت عَنْهُمَا) أَيْ بِقَلْبِهِ أَيْضًا
مَا أَوْهَمَهُ ظَاهِرُ الْخَبَرِ الْمَارِّ مِنْ جَوَازِ إحْرَام الْأُمِّ عَنْهُ فَأَجَابُوا عَنْهُ بِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا وَصِيَّةً، أَوْ أَنَّ الْأَجْرَ الْحَاصِلَ لَهَا بِاعْتِبَارِ أَجْرِ الْحَمْلِ وَالنَّفَقَةِ لِعَدَمِ التَّصْرِيحِ فِي الْخَبَرِ بِأَنَّهَا أَحْرَمَتْ عَنْهُ، أَوْ أَنَّ الْوَلِيَّ أَذِنَ لَهَا فِي الْإِحْرَامِ عَنْ الصَّبِيِّ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ.
وَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ الْوَلِيُّ ثُمَّ أَعْطَاهُ لِمَنْ يَحْضُرُ بِهِ النُّسُكَ صَحَّ جَزْمًا، وَيُعْلَمُ مِنْ اعْتِبَارِ وِلَايَةِ الْمَالِ عَدَمُ صِحَّةِ إحْرَامِهِ عَنْ مُغْمًى عَلَيْهِ كَمَرِيضٍ يُرْجَى بُرْؤُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ بِسَبَبِ الْإِغْمَاءِ.
قَالَ الْإِمَامُ: وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ عَبْدِهِ الْبَالِغِ: أَيْ الْعَاقِلِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُحْرِمُ عَنْ الصَّغِيرِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ: وَقَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ: الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَتَزْوِيجِهِ، وَالْإِسْنَوِيُّ رَأَيْتُ فِي الْأُمِّ الْجَزْمَ بِالصِّحَّةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالصَّغِيرِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ كَلَامَ الْأُمِّ مَحْمُولٌ كَمَا أَفَادَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَلَى غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَهُوَ مَا فَهِمَهُ السُّبْكِيُّ، وَبِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَمَنْعَ تَزْوِيجِهِ بِأَنَّ الْمَدَارَ هُنَا عَلَى تَحْصِيلِ الثَّوَابِ فَسُومِحَ بِهِ مَا لَمْ يُسَامَحْ بِهِ ثَمَّ، وَمِنْ ثَمَّ جَازَ لِنَحْوِ الْوَصِيِّ هُنَا الْإِحْرَامُ عَنْ الصَّبِيِّ لَا تَزْوِيجُهُ، وَوَلِيُّ الصَّبِيِّ يَأْذَنُ لَقِنِّهِ أَوْ يُحْرِمُ عَنْهُ حَيْثُ جَازَ إحْجَامُهُ.
ثُمَّ إذَا جَعَلَ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ مُحْرِمًا بِإِحْرَامِ الْوَلِيِّ أَوْ مَأْذُونِهِ أَوْ بِإِحْرَامِهِ وَهُوَ مُمَيِّزٌ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ فَعَلَى الْوَلِيِّ مَنْعُهُ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَعَلَيْهِ إحْضَارُهُ الْمَوَاقِفَ كُلَّهَا وُجُوبًا فِي الْوَاجِبَةِ وَنَدْبًا فِي الْمَنْدُوبَةِ كَعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ لِإِمْكَانِ فِعْلِهَا مِنْهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ) أَيْ عَنْهُ أَوْ بِسَبَبِهِ (قَوْلُهُ: وَيَعْلَمُ مِنْ اعْتِبَارِ إلَخْ) أَيْ الْمَارِّ فِي قَوْلِهِ أَيْ وَلِيُّ الْمَالِ (قَوْلُهُ عَنْ مُغْمًى عَلَيْهِ) يَنْبَغِي تَخْصِيصُهُ بِمَا إذَا رَجَى زَوَالَهُ عَنْ قُرْبٍ، وَالْأَصَحُّ إحْرَامُهُ عَنْهُ كَالْمَجْنُونِ عَلَى مَا يُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ فَإِنَّ مَحِلَّهِ حَيْثُ رَجَى زَوَالَهُ عَنْ قُرْبٍ
(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ عَبْدِهِ) وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَحْرَمَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ بِلَا إذْنٍ هَلْ يَصِحُّ إحْرَامُهُ وَلِلسَّيِّدِ تَحْلِيلُهُ أَمْ لَا لِكَوْنِهِ مَمْنُوعًا مِنْ الْفِعْلِ بِلَا إذْنٍ؟ جَزَمَ بِالصِّحَّةِ سم فِي شَرْحِ الْغَايَةِ حَيْثُ قَالَ: يَصِحُّ مُبَاشَرَةُ الْعَبْدِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ سَيِّدُهُ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي بَابِ الْإِحْصَارِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: أَنْ يُحْرِمَ عَنْ عَبْدِهِ الْبَالِغِ) وَيَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِي الْمُبَعَّضِ الصَّغِيرِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ نَظِيرُ مَا يَأْتِي فِي النِّكَاحِ، وَحِينَئِذٍ فَيُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَسَيِّدُهُ مَعًا لَا أَحَدُهُمَا وَإِنْ كَانَتْ مُهَايَأَةً إذْ لَا دَخْلَ لَهَا إلَّا فِي الْأَكْسَابِ وَمَا يَتْبَعُهَا كَزَكَاةِ الْفِطْرِ لِإِنَاطَتِهَا بِمَنْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ وَتَحْتَمِلُ صِحَّةُ إحْرَامِ أَحَدِهِمَا عَنْهُ وَلِلسَّيِّدِ إذَا كَانَ الْمُحْرِمَ الْوَلِيُّ تَحْلِيلُهُ. وَالْأَوَّلُ الْأَقْرَبُ اهـ حَجّ وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم. قَوْلُهُ وَالْأَقْرَبُ قَدْ يَسْتَشْكِلُ، الْأَوَّلُ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَتَأَتَّى إحْرَامُهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا جَائِزَ أَنْ يُرَادَ بِهِ جَعْلُ جُمْلَتِهِ مُحْرِمًا إذْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إذْ وِلَايَتُهُ عَلَى بَعْضِ الْجُمْلَةِ لَا عَلَى كُلِّهَا، وَلَا جَعْلُ بَعْضِهِ مُحْرِمًا إذْ إحْرَامُ بَعْضِ الشَّخْصِ دُونَ بَعْضٍ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَعَيَّنَ إذْنُ أَحَدِهِمَا لِلْآخِرِ فِي الْإِحْرَامِ عَنْهُ لِيَكُونَ إحْرَامُهُ عَنْ جُمْلَتِهِ بِوِلَايَتِهِ وَوِلَايَةُ مُوكِلِهِ اهـ.
أَقُولُ: أَوْ يَتَّفِقَا عَلَى أَنْ يَتَقَارَنَا فِي الصِّيغَةِ بِأَنْ يُوقِعَاهَا مَعًا (قَوْلُهُ: لِنَحْوِ الْوَصِيِّ) أَيْ وَاحِدًا كَانَ أَوْ مُتَعَدِّدًا ثُمَّ فِي التَّعَدُّدِ إنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَقِلًّا صَحَّ إحْرَامُ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا إنَّ تَرَتَّبَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِلًّا لَمْ يَصِحَّ إحْرَامُ أَحَدِهِمَا إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ فَيَكُونُ مُبَاشِرًا عَنْ نَفْسِهِ وَوَكِيلًا عَنْ الْآخِرِ، وَلَهَا الْإِذْنُ لِثَالِثٍ يُحْرِمُ عَنْ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَيَكُونُ وَكِيلًا عَنْهُمَا فِي الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ يَأْذَنُ لِقِنِّهِ) أَيْ الصَّبِيِّ (قَوْلُهُ: جَازَ إحْجَاجُهُ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يُفَوِّتْ مَصْلَحَةً عَلَى الصَّبِيِّ وَإِلَّا لَزِمَ عَلَيْهِ غُرْمُ زِيَادَةٍ عَلَى نَفَقَةِ الْحَضَرِ
(قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ إحْضَارِهِ الْمَوَاقِفَ كُلَّهَا) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا أَحْضَرَهُ الْأَجْنَبِيُّ لَا يُعْتَدُّ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ) لَمْ يَمُرَّ لَهُ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ ذَلِكَ وَكَأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّهُ قَدَّمَ أَوْ مَأْذُونُهُ عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَلِلْوَلِيِّ كَمَا فِي كَلَامِ غَيْرِهِ أَوْ أَنَّهُ ذَكَرَهُ هُنَاكَ وَسَقَطَ مِنْ الْكَتَبَةِ
(قَوْلُهُ: حَيْثُ جَازَ إحْجَاجُهُ) أَيْ الْعَبْدِ بِأَنْ لَمْ يُفَوِّتْ مَصْلَحَةً عَلَى الصَّبِيِّ، وَإِلَّا لَزِمَ عَلَيْهِ غُرْمُ زِيَادَةٍ عَلَى نَفَقَةِ الْحَضَرِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا
وَلَا يُغْنِي حُضُورُهُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا كَمَا ذَكَرَ أَمْرَهُ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ أَفْعَالِ النُّسُكِ كَغُسْلٍ وَتَجَرُّدٍ عَنْ مَخِيطٍ وَلُبْسِ إزَارٍ وَرِدَاءٍ أَوْ غَيْرِهَا وَإِنَابَةٍ عَنْهُ فِيمَا عَجَزَ عَنْهُ فَيُنَاوِلُهُ هُوَ أَوْ نَائِبُهُ الْحَجَرَ لِيَرْمِيَ بِهِ إنْ قَدَرَ وَإِلَّا رَمَى عَنْهُ بَعْدَ رَمْيِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَإِلَّا وَقَعَ لِلرَّامِي وَإِنْ نَوَى بِهِ الصَّبِيَّ.
وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ: يُسَنُّ وَضْعُ الْحَصَاةِ فِي يَدِهِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيَرْمِي بِهَا، وَإِلَّا فَيَأْخُذُهَا مِنْ يَدِهِ ثُمَّ يَرْمِي بِهَا، وَلَوْ رَمَاهَا عَنْهُ ابْتِدَاءً جَازَ، وَكَذَلِكَ إذَا قَدَرَ عَلَى الطَّوَافِ أَوْ السَّعْيِ عَلَّمَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا طَافَ وَسَعَى، وَلَوْ أَرْكَبَهُ دَابَّةً اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ سَائِقًا أَوْ قَائِدًا إنْ كَانَ الرَّاكِبُ غَيْرَ مُمَيَّزٍ، وَلَا يَكْفِي السَّعْيُ وَالطَّوَافُ مِنْ غَيْرِ اسْتِصْحَابِهِ وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُمَا بِهِ بَعْدَ فِعْلِهِمَا عَنْ نَفْسِهِ نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي الرَّمْيِ، إذْ مَبْنَى الْحَجِّ عَلَى عَدَمِ التَّبَرُّعِ بِهِ مَعَ قِيَامِ الْفَرْضِ، وَلَوْ تَبَرَّعَ وَقَعَ فَرْضًا لَا تَبَرُّعًا، وَيُصَلِّي عَنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ وَالطَّوَافِ اسْتِحْبَابًا، وَيُشْتَرَطُ لِلطَّوَافِ طَهَارَتُهُ مِنْ الْخَبَثِ وَسَتْرُ عَوْرَتِهِ، وَكَذَا وُضُوءُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُمَيِّزًا كَمَا اعْتَمَدَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَيُغْتَفَرُ صِحَّةُ وُضُوئِهِ هُنَا لِلضَّرُورَةِ كَمَا اُغْتُفِرَ صِحَّةُ طُهْرِ مَجْنُونَةٍ انْقَطَعَ حَيْضُهَا لِتَحِلَّ لِحَلِيلِهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّشْبِيهِ أَنَّ الْوَلِيَّ يَنْوِي عَنْهُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ طُهْرِ الْوَلِيِّ وَسَتْرِ عَوْرَتِهِ أَيْضًا
وَإِذَا صَارَ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ مُحْرِمًا غَرِمَ وَلِيُّهُ دُونَهُ زِيَادَةَ نَفَقَةٍ احْتَاجَ إلَيْهَا بِسَبَبِ النُّسُكِ فِي السَّفَرِ وَغَيْرِهِ عَلَى نَفَقَةِ الْحَضَرِ إذْ هُوَ الْمَوْقِعُ لَهُ فِي ذَلِكَ كَمَا يَغْرَمُ مَا يَجِبُ بِسَبَبِهِ كَدَمِ قِرَانٍ أَوْ تَمَتُّعٍ أَوْ فَوَاتٍ، وَكَفِدْيَةِ شَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ كَفِدْيَةِ جَمَاعَةٍ وَحَلْقِهِ وَقَلْمِهِ وَلُبْسِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بِذَلِكَ وَبِهِ صَرَّحَ حَجّ (قَوْلُهُ: وَلَا يُغْنِي حُضُورُهُ) أَيْ الْوَلِيُّ وَقَوْلُهُ عَنْهُ أَيْ الصَّبِيِّ (قَوْلُهُ لِيُرْمَى بِهِ إلَخْ) أَفْهَمَ أَنَّهُ لَوْ اسْتَقَلَّ بِالرَّمْيِ بِنَفْسِهِ لَا يَكْفِي وَهُوَ قِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ (قَوْلُهُ: بَعْدَ رَمْيِهِ إلَخْ) قَضَيْتُهُ أَنَّ الْمُنَاوَلَةَ لَا يُشْتَرَطُ لِلِاعْتِدَادِ بِهَا كَوْنُ الْمُنَاوِلِ رَمَى عَنْ نَفْسِهِ، وَبَحَثَ حَجّ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ رَمَى عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّ مُنَاوَلَةَ الْحَجَرِ مِنْ مُقَدَّمَاتِ الرَّمْيِ فَتُعْطَى حُكْمُهُ اهـ (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَوَى بِهِ الصَّبِيُّ) قَضَيْته أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ الصَّرْفُ وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ عَنْ الرَّامِي لِصَرْفِهِ إيَّاهُ بِقَصْدِ الرَّمْيِ عَنْ الصَّبِيِّ (قَوْلُهُ فِي يَدِهِ) أَيْ الصَّبِيِّ (قَوْلُهُ: اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ إلَخْ) أَيْ الْوَلِيُّ وَمِثْلُهُ مَأْذُونُهُ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُمَا) أَيْ السَّعْيَ وَالطَّوَافَ (قَوْلُهُ: بَعْدَ فِعْلِهِمَا عَنْ نَفْسِهِ) قَضَيْته اشْتِرَاطُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ مُبَاشِرًا لِلْأَعْمَالِ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ لَمَّا اُشْتُرِطَتْ مُصَاحَبَةُ الْوَلِيِّ لَهُ نَزَلَتْ مَنْزِلَةُ فِعْلِهِ، وَقَدْ يَشْكُلُ عَلَى هَذَا مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا حَمَلَ مُحْرِمًا لَمْ يَطُفْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَدَخَلَ وَقْتُ طَوَافِهِ وَنَوَاهُ الْحَامِلُ لِلْمَحْمُولِ وَقَعَ لِلْمَحْمُولِ ثُمَّ يَطُوفُ الْحَامِلُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الطِّفْلَ لَمَّا لَمْ يُعْتَدُّ بِإِحْرَامِهِ مُسْتَقِلًّا أُلْغِيَ فِعْلُهُ وَنَزَلَ فِعْلُ الْحَامِلِ مَنْزِلَةَ فِعْلِ الْمَحْمُولِ فَلَوْ أَوْقَعْنَاهُ عَنْ الطِّفْلِ لَزِمَ إلْغَاءُ فِعْلِ الْحَامِلِ مَعَ أَنَّ الْقَصْدَ إنَّمَا هُوَ فِعْلُهُ بِخِلَافِ مَا سَيَأْتِي فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا لَهُ قَصْدٌ صَحِيحٌ وَتَعَارَضَ فِعْلَاهُمَا غَلَبَ جَانِبُ الْمَحْمُولِ فَأُلْغِيَ مَعَهُ فِعْلُ الْحَامِلِ عَلَى نَفْسِهِ لِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ الدَّابَّةِ أَوْ أَنَّ مَا هُنَا مُصَوِّرٌ بِمَا لَوْ أَطْلَقَ وَمَا يَأْتِي مُصَوِّرٌ بِمَا إذَا قَصَدَ الْمَحْمُولَ وَحْدَهُ.
وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْجَوَابَ مَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ ثُمَّ مِنْ قَوْلِهِ وَسَوَاءٌ فِي الصَّغِيرِ حَمَلَهُ وَلِيُّهُ الَّذِي أَحْرَمَ عَنْهُ أَمْ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَكَذَا وُضُوءُهُ إلَخْ) وَإِذَا وَضَّأَهُ الْوَلِيُّ وَالْحَالَةُ مَا ذُكِرَ ثُمَّ بَلَغَ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَهُوَ بِطَهَارَةِ الْوَلِيِّ أَوْ كَانَ مَجْنُونًا فَأَفَاقَ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمَا نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهَا لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ مُعْتَدٌّ بِهَا أَوْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُصَلِّيَ بِهَا؟ تُرَدَّدَ فِيهِ سم عَلَى حَجّ ثُمَّ قَالَ: يُحْتَمَلُ الْأَوَّلُ وَيُحْتَمَلُ الثَّانِي وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ اهـ.
أَقُولُ: وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الشَّارِعَ نَزَّلَ فِعْلَ وَلِيِّهِ مَنْزِلَةَ فِعْلِهِ فَاعْتَدَّ بِهِ وَصَارَ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ طُهْرِ الْوَلِيِّ) اُنْظُرْ الْحِكْمَةَ فِي اشْتِرَاطِهِمَا مِنْ الْوَلِيِّ مَعَ أَنَّهُ آلَةٌ لِلطَّوَافِ بِغَيْرِهِ فَهُوَ كَالدَّابَّةِ، وَقَدْ يُقَالُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمَّا اُشْتُرِطَتْ مُصَاحَبَتُهُ لَهُ نَزَلَ مَنْزِلَةَ الْمُبَاشَرَةِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: كَمَا يَغْرَمُ مَا يَجِبُ بِسَبَبِهِ إلَخْ) أَيْ وَهُوَ مُمَيِّزٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْحَاصِلِ
وَتَطَيُّبِهِ سَوَاءٌ أَفْعَلَهُ بِنَفْسِهِ أَمْ فَعَلَهُ بِهِ الْوَلِيُّ وَلَوْ لِحَاجَةِ الصَّبِيِّ لِمَا مَرَّ مَعَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قِيلَ لَهُ نِكَاحًا؛ لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ قَدْ تَفُوتُ، وَالنُّسُكُ يُمْكِنُ تَأْخِيرُهُ إلَى الْبُلُوغِ، وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ لُزُومِ جَمِيعِ ذَلِكَ لِلْوَلِيِّ إذَا كَانَ مُمَيِّزًا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صُرِّحَا بِهِ كَغَيْرِهِمَا خِلَافًا لِمَا فِي الْإِسْعَادِ تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ، وَمَا فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ أَنَّ فِدْيَةَ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ عَلَى الْمُمَيِّزِ لَعَلَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى مَرْجُوحٍ وَهُوَ صِحَّةُ إحْرَامِهِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ لِيُوَافِقَ كَلَامَهُمْ، وَقَوْلُ الْقَائِلِ تَبَعًا لِلزَّرْكَشِيِّ بِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَى الصَّبِيِّ ثُمَّ تَحَمَّلَهَا عَنْهُ الْوَلِيُّ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْأَصَحَّ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ الصَّبِيَّ لَا يَكُونُ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ بَلْ فِي الْمَجْمُوعِ هُنَا أَنَّهَا فِي مَالِ الْوَلِيِّ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي الْإِسْعَادِ عَلَى التَّفْرِيعِ الْمَارِّ، وَلَا يُنَافِي مَا قَرَّرْنَاهُ قَوْلُهُمْ يَضْمَنُ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ الصَّيْدَ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ فِي غَيْرِ مَحْرَمٍ بِأَنْ أَتْلَفَهُ فِي الْحَرَمِ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ مِنْ الْوَلِيِّ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى فَعَلَ مَحْظُورًا وَهُوَ غَيْرُ مُمَيِّزٍ فَلَا فِدْيَةَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ مُمَيِّزٍ بِأَنْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ نَاسِيًا فَكَذَلِكَ، وَمِثْلُهُ الْجَاهِلُ الْمَعْذُورُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَإِنْ تَعَمَّدَ أَوْ حَلَقَ أَوْ قَلَّمَ أَوْ قَتَلَ صَيْدًا وَلَوْ سَهْوًا فَالْفِدْيَةُ فِي مَالِ الْوَلِيِّ، وَفَارَقَ الْوُجُوبَ هُنَا فِي مَالِ الْوَلِيِّ أُجْرَةُ تَعْلِيمِهِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ حَيْثُ وَجَبَتْ فِي مَالِ الصَّبِيِّ بِأَنَّ مَصْلَحَةَ التَّعْلِيمِ كَالضَّرُورَةِ وَإِذَا لَمْ يَفْعَلْهَا الْوَلِيُّ فِي الصَّغِيرِ احْتَاجَ إلَى اسْتِدْرَاكِهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ بِخِلَافِ الْحَجِّ، وَلَوْ فَعَلَ بِهِ أَجْنَبِيٌّ وَلَوْ لِحَاجَةٍ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ كَالْوَلِيِّ، وَيُفْسَدُ حَجُّ الصَّبِيِّ بِجِمَاعِهِ الَّذِي يُفْسَدُ بِهِ حَجُّ الْكَبِيرِ (وَإِنَّمَا تَصِحُّ مُبَاشَرَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِ الْمُمَيِّزِ) وَلَوْ صَغِيرًا أَوْ رَقِيقًا كَبَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ (وَإِنَّمَا يَقَعُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ) وَعُمْرَتِهِ بِالْمُبَاشَرَةِ أَوْ النِّيَابَةِ (إذَا بَاشَرَهُ) الْمُسْلِمُ (الْمُكَلَّفُ) أَيْ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ (الْحُرُّ) وَإِنْ لَمْ يُكَلَّفْ بِالْحَجِّ إذْ هُوَ مُكَلَّفٌ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَيُجْزِي)(حَجُّ الْفَقِيرِ) وَكُلُّ عَاجِزٍ حَيْثُ اجْتَمَعَ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ وَالتَّكْلِيفُ كَمَا لَوْ تَكَلَّفَ الْمَرِيضُ حُضُورَ الْجُمُعَةِ أَوْ الْغَنِيُّ خَطَرَ الطَّرِيقِ وَحَجَّ.
وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ تَعْبِيرَهُ بِالْمُبَاشَرَةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ إذْ النِّيَابَةُ عَنْ غَيْرِهِ لِمَوْتٍ أَوْ عَضْبٍ كَذَلِكَ، وَلَوْ تَكَلَّفَ الْفَقِيرُ الْحَجَّ وَأَفْسَدَهُ ثُمَّ قَضَاهُ كَفَاهُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ تَكَلَّفَ وَأَحْرَمَ بِنَفْلٍ وَقَعَ عَنْ فَرْضِهِ أَيْضًا فَلَوْ أَفْسَدَهُ ثُمَّ قَضَاهُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ (دُونَ حَجِّ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ) إذَا كَمَّلَا بَعْدَهُ إجْمَاعًا لِخَبَرِ «أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ فَعَلَيْهِ حِجَّةٌ أُخْرَى، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ثُمَّ عَتَقَ فَعَلَيْهِ حِجَّةٌ أُخْرَى» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ.
وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْحَجَّ وَظِيفَةُ الْعُمْرِ لَا تَكَرُّرَ فِيهِ فَاعْتُبِرَ وُقُوعُهُ فِي حَالَةِ الْكَمَالِ، فَإِنْ كَمُلَا قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الْوُقُوفِ بِالْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ وَهُمَا فِي الْمَوْقِفِ وَأَدْرَكَا زَمَنًا يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْوُقُوفِ أَوْ بَعْدَهُ ثُمَّ عَادَا لَهُ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهِ أَجْزَأَهُمَا لِخَبَرِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مُعْظَمَ الْحَجِّ فَصَارَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ قِيلَ لَهُ نِكَاحًا) أَيْ فَإِنَّ مُؤَنَ النِّكَاحِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ دُونَ الْوَلِيِّ (قَوْلُهُ وَلَوْ لِحَاجَةٍ) كَأَنْ رَآهُ بَرْدَانًا مَثَلًا فَأَلْبَسَهُ (قَوْلُهُ لَزِمَتْهُ) أَيْ الْأَجْنَبِيُّ (قَوْلُهُ: الَّذِي يَفْسُدُ بِهِ حَجّ الْكَبِيرُ) أَيْ بِأَنْ كَانَ عَامِدًا عَالَمًا مُخْتَارًا، وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ مِنْ مَالِ الْوَلِيِّ إذَا تَعَمَّدَ الْحَلْقُ أَوْ الْقَلَمُ إلَخْ وُجُوبُ الْقَضَاءِ هُنَا أَيْضًا مِنْ مَالِ الْوَلِيِّ (قَوْلُهُ: الْحُرُّ) أَيْ وَلَوْ بِالتَّبَيُّنِ وَإِنْ كَانَ حَالَ الْفِعْلِ قِنًّا ظَاهِرًا اهـ حَجّ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ صَبِيًّا ظَاهِرًا وَتَبَيَّنَ بُلُوغُهُ كَمَا شَمْلَهُ عُمُومُ قَوْلِهِ وَلَوْ بِالتَّبَيُّنِ (قَوْلُهُ وَلَوْ تُكَلَّفَ وَأَحْرَمَ بِنَفْلٍ) اُنْظُرْ مَا صُورَتُهُ، وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِأَنْ يَقْصِدَ حَجًّا
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَوْ النِّيَابَةُ) عَطْفُ هَذَا عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِالْمُبَاشَرَةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الشَّرْطَيْنِ الْآتِيَيْنِ شَرْطَانِ فِي الْمَحْجُوجِ عَنْهُ وَيُصَرِّحُ بِهِ أَيْضًا قَوْلُهُ الْآتِي، وَإِنْ لَمْ يُكَلَّفْ بِالْحَجِّ إذْ هُوَ مُكَلَّفٌ فِي الْجُمْلَةِ وَحِينَئِذٍ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إذَا بَاشِرَهُ قَوْلُهُ أَوْ أَنَابَ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا فَهِمَهُ الشِّهَابُ حَجّ مِنْ جَعْلِ الشَّرْطَيْنِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ شَرْطَيْنِ فِي الْمُبَاشِرِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ كَمَا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَةِ كَلَامِهِ فِي تُحْفَتِهِ (قَوْلُهُ إذْ النِّيَابَةُ عَنْ غَيْرِهِ لِمَوْتٍ أَوْ عَضْبٍ كَذَلِكَ) هَذَا لَا يَصِحُّ تَرْتِيبُهُ عَلَى أَنَّ تَعْبِيرَ الْمُصَنِّفِ بِالْمُبَاشَرَةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَلَا مَا قَدَّمَهُ هُوَ فِي حَلِّ الْمَتْنِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ، فَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: إذْ مَنْ وَقَعَتْ الِاسْتِنَابَةُ عَنْهُ لِمَوْتٍ أَوْ عَضْبٍ كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَوْ بَعْدَهُ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ) كَانَ الْأَصْوَبَ
كَمَا لَوْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُدْرِكْ الْوُقُوفَ وَيُعِيدُ مَنْ ذَكَرَ السَّعْيَ إنْ كَانَ قَدْ سَعَى بَعْدَ الْقُدُومِ لِوُقُوعِهِ فِي حَالِ النُّقْصَانِ وَيُخَالِفُ الْإِحْرَامَ فَإِنَّهُ مُسْتَدَامٌ بَعْدَ الْكَمَالِ.
وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ إجْزَاؤُهُ عَنْ فَرْضِهِ أَيْضًا إذَا تَقَدَّمَ الطَّوَافُ أَوْ الْحَلْقُ وَأَعَادَهُ بَعْدَ إعَادَةِ الْوُقُوفِ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ تَجِبُ إعَادَتُهُ لِتَبَيُّنِ وُقُوعِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَلَوْ كَمَّلَ مَنْ ذَكَرَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ فَهُوَ كَمَا لَوْ كَمَّلَ قَبْلَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ: أَيْ وَيُعِيدُ مَا مَضَى قَبْلَ كَمَالِهِ، بَلْ لَوْ كَمَّلَ بَعْدَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ كَفَى فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا لَوْ أَعَادَ الْوُقُوفَ بَعْدَ الْكَمَالِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الرَّوْضِ، وَالطَّوَافُ فِي الْعُمْرَةِ كَالْوُقُوفِ فِي الْحَجِّ اهـ.
وَوُقُوعُ الْكَمَالِ فِي أَثْنَاءِ الْعُمْرَةِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَارِّ، وَالطَّوَافُ فِيهَا كَالْوُقُوفِ فِي الْحَجِّ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ بِإِتْيَانِهِ بِالْإِحْرَامِ فِي حَالِ النَّقْصِ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ كَامِلًا؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ وَلَا إسَاءَةَ، وَفَارَقَ الْكَافِرَ الْآتِيَ إذَا لَمْ يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ بِأَنَّهُ كَانَ قَادِرًا عَلَى إزَالَةِ نَقْصِهِ حِينَ مَرَّ بِهِ، وَحَيْثُ أَجْزَأَهُ مَا أَتَى بِهِ عَنْ فَرْضِ الْإِسْلَامِ وَقَعَ إحْرَامُهُ أَوَّلًا تَطَوُّعًا، وَانْقَلَبَ عَقِبَ الْكَمَالِ فَرْضًا عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ. .
وَفِيهِ عَنْ الدَّارِمِيِّ: لَوْ فَاتَ الصَّبِيَّ الْحَجُّ فَإِنْ بَلَغَ قَبْلَ الْفَوَاتِ فَعَلَيْهِ حِجَّةٌ وَاحِدَةٌ تُجْزِئُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالْقَضَاءِ، أَوْ بَعْدَهُ لَزِمَهُ حَجَّتَانِ حِجَّةٌ لِلْفَوَاتِ وَأُخْرَى لِلْإِسْلَامِ، وَيَبْدَأُ بِحِجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ أَفْسَدَ الْحُرُّ الْبَالِغُ قَبْلَ الْوُقُوفِ حَجَّهُ ثُمَّ فَاتَهُ أَجْزَأَتْهُ وَاحِدَةٌ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالْفَوَاتِ وَالْقَضَاءِ، وَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ لِلْإِفْسَادِ وَأُخْرَى لِلْفَوَاتِ. وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ جَمْعٍ مِنْ الْأَصْحَاب مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ دَمٍ عَلَى الرَّقِيقِ قَيَّدَهُ الزَّرْكَشِيُّ بَحْثًا بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ قَضَاءٌ عَنْ وَاجِبِ نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ أَفْسَدَهُ وَإِلَّا وَجَبَ، قَالَ: بَلْ يَنْبَغِي وُجُوبُهُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الصِّفَةِ الْمُعَلَّقَةِ هِيَ عَلَيْهَا تَنْزِيلًا لِلْمُتَوَقَّعِ مَنْزِلَةَ الْوَاقِعِ، وَاسْتَظْهَرَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
غَيْرَ الْقَضَاءِ فَيَكُونُ نَفْلًا مِنْ حَيْثُ الِابْتِدَاءِ وَوَاجِبًا مِنْ حَيْثُ حُصُولِ إحْيَاءِ الْكَعْبَةِ بِهِ فَيَلْغُو ذَلِكَ الْقَصْدُ وَيَقَعُ عَنْ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ) أَيْ وَقَعَ عَنْ فَرْضِهِ (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يُدْرِكْ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ (قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ إجْزَاؤُهُ) أَيْ الْحَجِّ (قَوْلُهُ: إذَا تَقَدَّمَ الطَّوَافُ أَوْ الْحَلْقُ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُمَا لَوْ تَقَدَّمَا وَأَعَادَهُمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ لَا يُجْزِئُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ وَقَعَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فَكَانَ حَجَّهُ ثَمَّ فِي حَالَةِ نُقْصَانِهِ، لَكِنْ فِي حَجّ مَا نَصُّهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجْزِيهِ عَوْدُهُ وَلَوْ بَعْدَ التَّحَلُّلَيْنِ وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَهُمَا وَهُوَ مُحْتَمَلٌ فَيُعِيدُ مَا فَعَلَهُ بَعْدَ وُقُوفِهِ لِيَقَعَ فِي حَالِ الْكَمَالِ، وَعَلَيْهِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ إحْرَامُهُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ فَلْيُرَاجَعْ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَلْقِ وَالطَّوَافِ تُجْزِئُ إعَادَتُهُمَا وَيُعْتَدُّ بِهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ.
وَقَوْلُهُ الطَّوَافُ: أَيْ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرٌ أَنَّهُ تَجِبُ إعَادَتُهُ) أَيْ فَلَوْ لَمْ يُعِدْ اسْتَقَرَّتْ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ فِي ذِمَّتِهِ لِتَفْوِيتِهِ لَهَا مَعَ إمْكَانِ الْفِعْلِ عَلَى مَا اسْتَقَرَّ بِهِ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ كَمَّلَ قَبْلَهُ) أَيْ فَيَكْفِيهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَتِهِ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ بَعْدَ: أَيْ وَيُعِيدُ مَا مَضَى قَبْلَ كَمَالِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ شَرْحًا لِكَلَامِ الْمَجْمُوعِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ حَجّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: إنَّ الْمُتَّجَهَ الِاكْتِفَاءُ بِمَا أَدْرَكَهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَتِهِ، فَلَعَلَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ أَيْ وَيُعِيدُ إلَخْ صَرْفٌ لِكَلَامِ الْمَجْمُوعِ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَهُ أَنَّ مَا فَعَلَهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ حَيْثُ لَمْ يُعِدْهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ (قَوْلُهُ: عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَارِّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ كَمَّلَ مَنْ ذَكَرَ إلَخْ
(قَوْلُهُ: لَوْ فَاتَ الصَّبِيَّ الْحَجُّ) أَيْ بِأَنْ أَحْرَمَ بِهِ وَفَاتَهُ الْوُقُوفُ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ (قَوْلُهُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ دَمٍ عَلَى الرَّقِيقِ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ) أَيْ بِأَنْ عَلَّقَ سَيِّدُهُ إعْتَاقَهُ عَلَى مَا يُمَكِّنهُ فِعْلُهُ أَوْ كَانَ مُكَاتَبًا وَقَدَرَ عَلَى
ــ
[حاشية الرشيدي]
أَنْ يَقُولَ أَوْ نَفَرًا، ثُمَّ عَادَ لِأَنَّ هَذَا قَسِيمُ قَوْلِهِ وَهُمَا فِي الْمَوْقِفِ لَا قَسِيمُ قَوْلِهِ قَبْلَ الْخُرُوجِ وَقْتَ الْوُقُوفِ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ (قَوْلُهُ: إذَا تَقَدَّمَ الطَّوَافُ أَوْ الْحَلْقُ) أَيْ عَلَى الْكَمَالِ، وَكَذَا لَوْ تَقَدَّمَا مَعًا كَمَا فِي التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَمَّلَ مَنْ ذُكِرَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ) يَعْنِي فِي الْعُمْرَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ: فَهُوَ كَمَا لَوْ كَمَّلَ قَبْلَهُ) أَيْ فَتُجْزِئُهُ عُمْرَتُهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ (قَوْلُهُ: وَيُعِيدُ مَا مَضَى) أَيْ مِنْ الطَّوَافِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَوُقُوعُ الْكَمَالِ فِي أَثْنَاءِ الْعُمْرَةِ إلَخْ) هَذَا فِيهِ نَوْعُ تَكْرَارٍ مَعَ مَا قَبْلَهُ إلَّا أَنَّهُ أَعَمُّ مِنْهُ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ فَاتَ الصَّبِيَّ الْحَجُّ) يَعْنِي مَنْ أَحْرَمَ صَبِيًّا لِيَتَأَتَّى قَوْلُهُ فَإِنْ
الشَّيْخُ بَحْثَهُ الثَّانِيَ دُونَ الْأَوَّلِ، وَقَدْ يَسْتَبْعِدُ الثَّانِيَ أَيْضًا إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى هَذَا التَّنْزِيلِ.
نَعَمْ يُؤَيِّدُهُ الْفَرْقُ الْمُتَقَدِّمُ بَيْنَ الْكَافِرِ وَغَيْرِهِ، إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِفُحْشِ الْكُفْرِ وَمُنَافَاتِهِ لِلْعِبَادَةِ بِذَاتِهِ فَلَا يُقَاسُ غَيْرُهُ بِهِ. .
قَالَ: وَسَكَتَ الرَّافِعِيُّ عَنْ إفَاقَةِ الْمَجْنُونِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالصَّبِيِّ فِي حُكْمِهِ انْتَهَى. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلهمْ لَوْ خَرَجَ بِهِ وَلِيُّهُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْفَرْضِ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَفَاقَ وَأَحْرَمَ وَأَتَى بِالْأَرْكَانِ مُفِيقًا أَجْزَأَهُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَسَقَطَ عَنْ الْوَلِيِّ زِيَادَةُ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مَا عَلَيْهِ، وَإِلَّا لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْهَا وَلَا يَسْقُطُ عَنْ الْوَلِيِّ ذَلِكَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي: إذْ لَيْسَ لَهُ السَّفَرُ بِهِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْإِفَاقَةِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ لِسُقُوطِ الزِّيَادَةِ عَنْ الْوَلِيِّ لَا لِلْوُقُوعِ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ كَنَظِيرِهِ فِي الصَّبِيِّ، وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ: إنْ كَانَ مُدَّةُ إفَاقَةِ مَنْ يُجَنُّ وَيُفِيقُ يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنْ الْحَجِّ وَوُجِدَتْ فِيهَا الشُّرُوطُ الْبَاقِيَةُ لَزِمَهُ الْحَجُّ وَإِلَّا فَلَا هَذَا، وَاَلَّذِي فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مُفِيقًا وَقْتَ الْإِحْرَامِ وَالطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ وَالسَّعْيِ.
وَلَوْ أَحْرَمَ كَافِرٌ مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ جَاوَزَهُ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَزِمَهُ دَمٌ إنْ حَجَّ مِنْ سَنَتِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَمِثْلُهُ فِيمَا ذَكَرَ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ كَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ.
(وَشَرْطُ) أَيْ وَشُرُوطِ (وُجُوبِهِ) أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (الْإِسْلَامُ وَالتَّكْلِيفُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالِاسْتِطَاعَةُ) إجْمَاعًا، وَقَالَ تَعَالَى {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97]
ــ
[حاشية الشبراملسي]
تَوْفِيَةِ النُّجُومِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُسْتَبْعَدُ الثَّانِي) هُوَ الْمُتَعَمَّدُ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْإِفَاقَةِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ إلَخْ (قَوْلُهُ: فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ) هُوَ مَا قَبْلُ إلَّا فِي قَوْلِهِ وَإِلَّا لَمْ يَجْزِهِ عَنْهَا (قَوْلُهُ: مُفِيقًا وَقْتَ الْإِحْرَامِ) هُوَ ضَعِيفٌ أَوْ يُقَالُ هَذَا مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا لَمْ يُحْرِمْ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَيَأْتِي بِالْأَعْمَالِ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ أَبِي الدَّمِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَحْرَمَ كَافِرٌ مِنْ الْمِيقَاتِ) أَيْ بِأَنْ تَلَبَّسَ بِإِحْرَامٍ بَاطِلٍ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ فِيمَا ذَكَرَ الصَّبِيُّ) يُتَأَمَّلُ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَفَارَقَ الْكَافِرُ الْآتِي إلَخْ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ السَّابِقِ وَقَدْ يُسْتَبْعَدُ إلَخْ، ثُمَّ رَأَيْت بِهَامِشِ نُسْخَةٍ وَعَلَيْهِ تَصْحِيحُ مَا نَصَّهُ: أَيْ إذَا جَازُوا مَعَ الْإِرَادَةِ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ لِأَنَّهُ فِيمَا إذَا كَانَ بِدُونِ إذْنِهِ اهـ.
وَبِهِ يَنْدَفِعُ التَّنَافِي فِي الْمُجَاوَزَةِ لَكِنْ يَبْقَى الْكَلَامُ فِيمَا لَوْ أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ ثُمَّ بَلَغَ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ إحْرَامُهُ بِدُونِ إذْنِ الْوَلِيِّ، وَيُمْكِنُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
بَلَغَ قَبْلَ الْفَوَاتِ
(قَوْلُهُ: وَسَكَتَ الرَّافِعِيُّ عَنْ إفَاقَةِ الْمَجْنُونِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ عَنْهُ) أَيْ هَلْ يُجْزِئُهُ الْحَجُّ مَثَلًا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَوْ لَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي نِسْبَةِ السُّكُوتِ فِي هَذَا لِلرَّافِعِيِّ غَفْلَةٌ عَمَّا سَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ عَنْ الشَّيْخَيْنِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ حَجّ (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالصَّبِيِّ فِي حُكْمِهِ) يَعْنِي تَفْصِيلَهُ الْمُتَقَدِّمَ أَوَائِلَ السِّوَادَةِ وَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ هَذَا عِنْدَهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْإِفَاقَةِ إلَخْ) هُوَ وَجْهُ عَدَمِ الْمُنَافَاةِ وَهُوَ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ تَأْوِيلٌ لَا تَقْبَلُهُ الْعِبَارَةُ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ حَجّ (قَوْلُهُ: فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ) أَيْ شِقِّ الْمَنْطُوقِ (قَوْلُهُ: هَذَا وَاَلَّذِي فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ إلَخْ) أَيْ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ عَقِبَ كَلَامِ ابْنِ أَبِي الدَّمِ وَهُوَ كَمَا قَالَ إنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ الشَّارِحِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَحْرَمَ كَافِرٌ مِنْ الْمِيقَاتِ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ إحْرَامَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ (قَوْلُهُ: ثُمَّ أَسْلَمَ) أَيْ وَأَحْرَمَ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: فَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَا جَامِعَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ حَتَّى يُحْكَمَ بَيْنَهُمَا بِالتَّنَافِي الْمُحْوِجِ إلَى الْجَوَابِ، لِأَنَّ مَا مَرَّ لَا مُجَاوَزَةَ فِيهِ لِلْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ شَرْعِيٍّ، إذْ صُورَتُهُ أَنَّهُ أَحْرَمَ إحْرَامًا شَرْعِيًّا مِنْ الْمِيقَاتِ لَكِنْ فِي حَالِ نَقْصِهِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الدَّمُ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ كَوْنِهِ أَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ وَلَا إسَاءَةَ، وَأَمَّا مَا هُنَا فَصُورَتُهُ أَنَّهُ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ أَيْ إذَا جَاوَزَ إلَخْ إنَّمَا هُوَ مُلْحَقٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ سَيَأْتِي لَهُ فِي الْبَابِ الْآتِي تَصْحِيحُ إطْلَاقِ عَدَمِ لُزُومِ الدَّمِ لِلصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَبَعًا لِابْنَيْ شُهْبَةَ وَقَاسِمٍ فَلْيُحَرَّرْ.
فَلَا يَجِبُ عَلَى كَافِرٍ أَصْلِيٍّ وُجُوبَ مُطَالَبَةٍ بِهِمَا فِي الدُّنْيَا حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ وَهُوَ مُعْسِرٌ بَعْدَ اسْتِطَاعَتِهِ فِي الْكُفْرِ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لَهَا، بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ فَإِنَّ النُّسُكَ يَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ بِاسْتِطَاعَتِهِ فِي الرِّدَّةِ، وَلَا عَلَى غَيْرِ مُكَلَّفٍ كَبَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ، وَلَا عَلَى مَنْ فِيهِ رِقٌّ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ مُسْتَحَقَّةٌ فَهُوَ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ وَلَا عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَطِيعِ لِمَفْهُومِ الْآيَةِ (وَهِيَ) أَيْ الِاسْتِطَاعَةُ (نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا اسْتِطَاعَةُ مُبَاشَرَةٍ) لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بِنَفْسِهِ (وَلَهَا شُرُوطٌ) سَبْعَةٌ يُؤْخَذُ غَالِبُهَا مِنْ كَلَامِهِ، وَقَدْ عَدَّ أَرْبَعَةً مِنْهَا فَقَالَ (أَحَدُهَا وُجُودُ الزَّادِ) الَّذِي يَكْفِيهِ وَلَوْ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ (وَأَوْعِيَتُهُ) وَلَوْ سُفْرَةٍ إذَا احْتَاجَ لِذَلِكَ (وَمُؤْنَةٌ) أَيْ كُلْفَةُ (ذَهَابِهِ) لِمَكَّةَ (وَإِيَابِهِ) أَيْ رُجُوعِهِ مِنْهَا إلَى مَحَلِّهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ أَهْلٌ وَعَشِيرَةٌ (وَقِيلَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِبَلَدِهِ) بِهَاءِ الضَّمِيرِ (أَهْلٌ) أَيْ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ كَزَوْجَةٍ وَقَرِيبٍ (وَعَشِيرَةٌ) أَيْ أَقَارِبٌ، وَلَوْ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ: أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا (لَمْ يُشْتَرَطْ) فِي حَقِّهِ (نَفَقَةُ الْإِيَابِ) الْمَذْكُورَةُ مِنْ الزَّادِ وَغَيْرِهِ إذْ الْمَحَالُّ كُلُّهَا فِي حَقِّهِ سَوَاءٌ، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ لِمَا فِي الْغُرْبَةِ مِنْ الْوَحْشَةِ، وَالْوَجْهَانِ جَارِيَانِ أَيْضًا فِي الرَّاحِلَةِ لِلرُّجُوعِ، وَالْمُؤْنَةُ تَشْمَل الزَّادَ وَأَوْعِيَتَهُ فَذِكْرُهَا بَعْدَهُمَا مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ عَدَمِ مَسْكَنٍ لَهُ بِبَلَدِهِ وَوَجَدَ فِي الْحِجَازِ حِرْفَةً تَقُومُ بِمُؤْنَتِهِ وَإِلَّا اُشْتُرِطَتْ مُؤْنَةُ الْإِيَابِ جَزْمًا، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْمَعَارِفِ وَالْأَصْدِقَاءِ لِتَيَسُّرِ اسْتِبْدَالِهِمْ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ (فَلَوْ) لَمْ يَجِدْ مَا ذَكَرَ وَلَكِنْ (كَانَ يَكْسِبُ) فِي سَفَرِهِ (مَا يَفِي بِزَادِهِ) أَيْ بِمُؤْنَتِهِ (وَسَفَرُهُ طَوِيلٌ) مَرْحَلَتَانِ فَأَكْثَرُ (لَمْ يُكَلَّفْ الْحَجَّ) وَإِنْ كَانَ يَكْسِبُ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامٍ لِاحْتِمَالِ انْقِطَاعِ كَسْبِهِ لِعَارِضِ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ انْقِطَاعِهِ فَالْجَمْعُ بَيْنَ تَعَبِ السَّفَرِ وَالْكَسْبِ فِيهِ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ (وَإِنْ قَصُرَ) السَّفَرُ كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ عَلَى دُونِ مَرْحَلَتَيْنِ (وَهُوَ يَكْسِبُ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامٍ) أَيْ أَيَّامِ الْحَجِّ (كُلِّفَ) الْحَجَّ بِأَنْ يَخْرُجَ لَهُ حِينَئِذٍ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
تَخْصِيصُ قَوْلِهِ وَمِثْلُهُ فِيمَا ذُكِرَ الصَّبِيُّ بِمَا لَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ فَيَخْرُجُ مَا لَوْ أَحْرَمَ مِنْهُ ثُمَّ كَمَّلَ بَعْدَهُ
(قَوْلُهُ: فَلَا يَجِبُ) أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا عَلَى مَنْ فِيهِ رِقٌّ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْمُبَعَّضُ، وَقَدْ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ وَنَوْبَةُ الْمُبَعَّضِ فِيهَا تَسَعُ الْحَجَّ فَلَا يَتِمُّ قَوْلُهُ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ مُسْتَحَقَّةٌ إلَخْ، لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَسْتَحِقُّ مَنَافِعَهُ فِي نَوْبَةِ الْحُرِّيَّةِ كَذَا بِهَامِشٍ عَنْ شَيْخِنَا الْحَلَبِيِّ.
أَقُولُ: وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ لَا تَلْزَمُ بَلْ لِأَحَدِ الْمُتَهَايِئِينَ الرُّجُوعُ وَلَوْ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْآخِرِ وَيَغْرَمُ لَهُ حِصَّةُ مَا اسْتَوْفَاهُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَعَلَيْهِ فَمُجَرَّدُ الْمُهَايَأَةِ لَا تُفَوِّتُ اسْتِحْقَاقِ الْمَنْفَعَةِ بَلْ يَجُوزُ رُجُوعُ السَّيِّدِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ حِصَّتِهِ وَيُمْنَعُ الْمُبَعَّضُ مِنْ اسْتِقْلَالِهِ بِالْكَسْبِ فِي حِصَّتِهِ (قَوْلُهُ: وَلَهَا شُرُوطٌ سَبْعَةٌ) ظَاهِرُهُ بَلْ صَرِيحُهُ كَسَائِرِ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِقُدْرَةِ وَلِيِّ عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَكَّةَ وَعَرَفَةَ فِي لَحْظَةِ كَرَامَةٍ، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ بِالْأَمْرِ الظَّاهِرِ الْعَادِيِّ، فَلَا يُخَاطِبُ ذَلِكَ الْوَلِيُّ بِالْوُجُوبِ إلَّا إنْ قَدَرَ كَالْعَادَةِ، ثُمَّ رَأَيْت مَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ وَهُوَ مَا سَأَذْكُرُهُ أَوَاخِرُ الرَّهْنِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي قَبْضِهِ مِنْ الْإِمْكَانِ الْعَادِيِّ. نَصَّ عَلَيْهِ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِمَا يُمْكِنُ مِنْ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ. اهـ حَجّ.
وَعِبَارَةُ سم عَلَى مَنْهَجٍ: قَوْلُهُ وَلَا فَرْضَ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَطِيعِ لَوْ كَانَ هَذَا مِنْ أَرْبَابِ الْخُطْوَةِ فَاخْتَارَ شَيْخُنَا الطَّبَلَاوِيُّ وُجُوبَ الْحَجِّ عَلَيْهِ اهـ.
وَالْأَقْرَبُ مَا قَالَهُ حَجّ (قَوْلُهُ: عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ) قَالَ حَجّ رحمه الله: وَحِكْمَةُ ذِكْرِ الْخَاصِّ وُرُودُهُ فِي الْخَبَرِ الَّذِي صَحَّحَهُ جَمْعٌ وَضَعَّفَهُ آخَرُونَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام سُئِلَ عَنْ السَّبِيلِ فِي الْآيَةِ فَقَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» .
[فَرْعٌ اسْتِطْرَادِيٌّ] وَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا يَقَعُ كَثِيرًا فِي مُخَاطَبَاتِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ مِنْ قَوْلِهِمْ لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ يَا حَاجَّ فُلَانٍ تَعْظِيمًا لَهُ هَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ لَا؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ الْحُرْمَةُ لِأَنَّهُ كَذَبَ، إنَّ مَعْنَى يَا حَاجُّ: يَامَنَ أَتَى بِالنُّسُكِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ.
نَعَمْ إنْ أَرَادَ بِيَا حَاجُّ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ وَقَصَدَ بِهِ مَعْنًى صَحِيحًا، كَأَنْ أَرَادَ بِيَا حَاجُّ يَا قَاصِدَ التَّوَجُّهِ إلَى كَذَا كَالْجَمَاعَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا حُرْمَةَ (قَوْلُهُ وَهُوَ يَكْسِبُ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامٍ) أَيْ كَسْبًا لَائِقًا بِهِ لِأَنَّ فِي تَعَاطِيهِ غَيْرِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .