الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَبْلَهُمْ لَا مَعَهُمْ يُجْزِئُهُ إذْ الْعِبْرَةُ فِي دُخُولِ وَقْتِ عَرَفَةَ وَخُرُوجِهِ بِاعْتِقَادِهِ، وَهَذَا كَمَنْ شَهِدَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَقِيَاسُهُ وُجُوبُ الْوُقُوفِ عَلَى مَنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُ (إلَّا إنْ نَقَلُوا عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ فَيَقْضُونَ فِي الْأَصَحِّ) لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ الْعَامَّةِ وَالثَّانِي لَا قَضَاءَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَأْمَنُونَ مِثْلَهُ فِي الْقَضَاءِ (وَإِنْ وَقَفُوا فِي) الْيَوْمِ (الثَّامِنِ) غَلَطًا بِأَنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ الْقِعْدَةِ ثُمَّ بَانَا كَافِرَيْنِ أَوْ فَاسِقَيْنِ (وَعَلِمُوا قَبْلَ) فَوْتِ (الْوُقُوفِ)(وَجَبَ الْوُقُوفُ فِي الْوَقْتِ) تَدَارُكًا لَهُ (وَإِنْ عَلِمُوا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ فَوْتِ وَقْتِ الْوُقُوفِ (وَجَبَ الْقَضَاءُ) لِهَذِهِ الْحِجَّةِ فِي عَامٍ آخَرَ (فِي الْأَصَحِّ) لِنُدْرَةِ الْغَلَطِ، وَفَارَقَ الْعَاشِرَ بِأَنَّ تَأْخِيرَ الْعِبَادَةِ عَنْ وَقْتِهَا أَقْرَبُ إلَى الْحِسَابِ مِنْ تَقْدِيمِهَا عَلَيْهِ، وَبِأَنَّ الْغَلَطَ بِالتَّقَدُّمِ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقَعُ لِغَلَطٍ فِي الْحِسَابِ أَوْ خَلَلٍ فِي الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا بِتَقْدِيمِ الْهِلَالِ، وَالْغَلَطُ بِالتَّأْخِيرِ قَدْ يَكُونُ بِالْغَيْمِ الَّذِي لَا حِيلَةَ فِي دَفْعِهِ.
وَالثَّانِي لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِمْ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا غَلِطُوا بِالتَّأْخِيرِ، وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِمَا مَرَّ، وَلَوْ غَلِطُوا يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ أَوْ فِي الْمَكَانِ لَمْ يَصِحَّ جَزْمًا لِنُدْرَةِ ذَلِكَ.
(فَصْلٌ فِي الْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَالدَّفْعِ مِنْهَا وَفِيمَا يُذْكَرُ مَعَهُمَا
وَيَبِيتُونَ بِمُزْدَلِفَةَ) بَعْدَ دَفْعِهِمْ مِنْ عَرَفَةَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهُوَ وَاجِبٌ لَيْسَ بِرُكْنٍ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا وَالْوَاجِبُ مَبِيتُ جُزْءٍ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ حُصُولُهُ فِيهَا لَحْظَةً مِنْ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ اللَّيْلِ لَا لِكَوْنِهِ يُسَمَّى مَبِيتًا، إذْ الْأَمْرُ بِالْمَبِيتِ لَمْ يُرَدْ هُنَا، بِخِلَافِ الْمَبِيتِ بِمِنًى لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مُعْظَمِ اللَّيْلِ لِوُرُودِ الْمَبِيتِ فِيهِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيتُ بِمَكَانٍ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِمُعْظَمِ اللَّيْلِ وَيُسَنُّ الْإِكْثَارُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ مِنْ التِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَصْلٌ) فِي الْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ وَاجِبٌ لَيْسَ بِرُكْنٍ) هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ مُغْمًى عَلَيْهِ جَمِيعَ النِّصْفِ الثَّانِي كَمَا فِي وُقُوفِ عَرَفَةَ وَعَلَيْهِ فَلَوْ بَقِيَ مُغْمًى عَلَيْهِ جَمِيعَ النِّصْفِ الثَّانِي هَلْ يَسْقُطُ الدَّمُ لِأَنَّ الْإِغْمَاءَ عُذْرٌ وَالْمَبِيتُ يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ بِخِلَافِ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ مَجْنُونًا وَعَلَيْهِ لَوْ بَقِيَ مَجْنُونًا فِي جَمِيعِ النِّصْفِ الثَّانِي فَهَلْ يَسْقُطُ الدَّمُ وَيُجْعَلُ الْجُنُونُ عُذْرًا وَالْمَبِيتُ يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُجْعَلَ عُذْرًا لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ. نَعَمْ إنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ أَحْرَمَ عَنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ إحْضَارُهُ، وَإِلَّا فَعَلَى الْوَلِيِّ الدَّمُ اهـ سم عَلَى حَجّ وَقَوْلُهُ أَحْرَمَ عَنْهُ إلَخْ يُخْرِجُ مَا لَوْ أَحْرَمَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ الْجُنُونُ أَوْ الْإِغْمَاءُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَى الْوَلِيِّ إذَا لَمْ يُحْضِرْهُ، وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا لَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ وَلَمْ يُحْضِرْهُ وَبَيَّنَ هَذِهِ بِأَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ عَنْهُ عَرَّضَهُ لِمُوجِبِ الدَّمِ فَيَلْزَمُهُ إنْ قَصَّرَ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْجُنُونُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ حُصُولُهُ فِيهَا لَحْظَةً) أَيْ وَلَوْ مَارًّا اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: وَالذِّكْرُ وَالصَّلَاةُ) أَيْ صَلَاةُ النَّافِلَةِ، لَكِنْ فِي حَجٍّ بَعْدَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
لَيْسَ بِقَيْدٍ فَالْمَدَارُ عَلَى أَنَّهُ رَآهُ (قَوْلُهُ قَبْلَهُمْ لَا مَعَهُمْ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْوُقُوفُ إلَّا مَعَهُمْ (قَوْلُهُ وَقِيَاسُهُ وُجُوبُ الْوُقُوفِ عَلَى مَنْ أَخْبَرَهُ) وَانْظُرْ هَلْ يَجْرِي هُنَا مَا مَرَّ فِي الصَّوْمِ بِالْعَمَلِ بِالْحِسَابِ.
[فَصْلٌ فِي الْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَالدَّفْعِ مِنْهَا وَفِيمَا يُذْكَرُ مَعَهُمَا]
(فَصْلٌ) فِي الْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ (قَوْلُهُ مِنْ التِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ) الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ هُنَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ الْمُرَادِفُ لِلدُّعَاءِ الْمَارِّ فِي كَلَامِهِ، وَيَدُلّ
وَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ فِي عَرَفَةَ مِنْ جَهْلِهِ بِالْمَكَانِ وَحُصُولِهِ فِيهِ لِطَلَبِ آبِقٍ وَنَحْوِهِ فِيمَا يَظْهَرُ.
(وَمَنْ)(دَفَعَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ مُزْدَلِفَةَ (بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ) وَلَمْ يَعُدْ (أَوْ قَبْلَهُ) وَلَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ (وَعَادَ) إلَيْهَا (قَبْلَ الْفَجْرِ)(فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ لَا دَمَ عَلَيْهِ، أَمَّا الْحَالَةُ الْأُولَى فَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ سَوْدَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ رضي الله عنهن أَفَاضَتَا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ بِإِذْنِهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَأْمُرْهُمَا وَلَا مَنْ كَانَ مَعَهُمَا بِدَمٍ» وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَكَمَا لَوْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ (ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا قَبْلَ الْفَجْرِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا فِي النِّصْفِ الثَّانِي) سَوَاءٌ أَكَانَ بِهَا فِي الْأَوَّلِ أَمْ لَا (أَرَاقَ دَمًا وَفِي وُجُوبِهِ) أَيْ الدَّمِ بِتَرْكِ الْمَبِيتِ (الْقَوْلَانِ) السَّابِقَانِ فِي وُجُوبِهِ عَلَى مَنْ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِعَرَفَةَ، وَقَضِيَّةُ هَذَا الْبِنَاءِ عَدَمُ وُجُوبِ الدَّمِ فَيَكُونُ مُسْتَحَبًّا كَمَا لَوْ تَرَكَ الْمَبِيتَ بِمِنًى لَيْلَةَ عَرَفَةَ، لَكِنْ رَجَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي بَقِيَّةِ كُتُبِهِ الْوُجُوبَ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّهُ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَالصَّحِيحُ مِنْ جِهَةِ الْمَذْهَبِ: أَيْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْبِنَاءِ الِاتِّحَادُ فِي التَّرْجِيحِ وَيَسْقُطُ الْمَبِيتُ بِهَا فَلَا إثْمَ بِتَرْكِهِ وَلَا دَمَ لِعُذْرٍ مِمَّا يَأْتِي فِي مَبِيتِ مِنًى قِيَاسًا عَلَيْهِ، وَمِنْ الْعُذْرِ هُنَا الِاشْتِغَالُ بِالْوُقُوفِ بِأَنْ انْتَهَى إلَى عَرَفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَاشْتَغَلَ بِالْوُقُوفِ بِهَا لِاشْتِغَالِهِ بِالْأَهَمِّ، وَقَيَّدَهُ الزَّرْكَشِيُّ بِمَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الدَّفْعُ إلَى مُزْدَلِفَةَ لَيْلًا وَإِلَّا وَجَبَ جَمْعًا بَيْنَ الْوَاجِبَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ إلَى مَكَّةَ لِطَوَافِ الرُّكْنِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَفَاتَ الْمَبِيتُ لِأَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِاشْتِغَالِهِ بِالطَّوَافِ كَاشْتِغَالِهِ بِالْوُقُوفِ، وَنَظَرَ فِيهِ الْإِمَامُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْوُقُوفِ، وَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ عَنْ الزَّرْكَشِيّ وَإِنْ رُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّ كَثْرَةَ الْأَعْمَالِ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَيَوْمِهَا اقْتَضَتْ مُسَامَحَتَهُ بِذَلِكَ لِجَرَيَانِ ذَلِكَ فِي الْأُولَى أَيْضًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَمُرَّ بِمُزْدَلِفَةَ أَمْ لَا: أَيْ قَبْلَ النِّصْفِ، وَإِلَّا فَمُرُورُهُ بِهَا بَعْدَهُ يَحْصُلُ الْمَبِيتُ، وَبَحَثَ أَنَّ الْأَعْذَارَ هُنَا تُحَصِّلُ ثَوَابَ الْحُضُورِ كَمَا مَرَّ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَاَلَّذِي مَرَّ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ الْحُصُولِ وَالْمُخْتَارُ الْحُصُولُ، عَلَى أَنَّ الْفَرْقَ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ أَوْ السُّنَّةِ يُسَامَحُ فِيهِ مَا لَا يُسَامَحُ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ فَلَا قِيَاسَ وَمِنْ ثَمَّ كَثُرَتْ الْأَعْذَارُ ثُمَّ لَا هُنَا.
وَلَوْ بَادَرَتْ الْمَرْأَةُ إلَى مَكَّةَ لِطَوَافِ الرُّكْنِ خَوْفًا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
كَلَامٍ ذَكَرَهُ. وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُسَنَّ لَهُ التَّنَفُّلُ الْمُطْلَقُ فِيهَا اهـ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا، فَإِنْ أُرِيدَ بِالصَّلَاةِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ لَمْ يُخَالِفْهُ إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَتَقَدَّمَ لِلشَّارِحِ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ مَا يُوَافِقُ حَجّ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَتَنَفَّلُ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: وَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ فِي عَرَفَةَ) أَيْ فَيَكْفِي حُضُورُهُ هُنَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِكَوْنِ الْمَكَانِ مُزْدَلِفَةَ
(قَوْلُهُ: أَوْ قَبْلَهُ) أَيْ نِصْفِ اللَّيْلِ (قَوْلُهُ: رضي الله عنهن) أَيْ عَائِشَةُ وَسَوْدَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ (قَوْلُهُ: لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ وَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ وَقَيَّدَهُ الزَّرْكَشِيُّ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ إلَخْ) أَيْ فَيُقَيَّدُ هُنَا عَدَمُ لُزُومِ الدَّمِ بِمَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْعَوْدُ لِمُزْدَلِفَةَ بَعْدَ الطَّوَافِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ رُدَّ ذَلِكَ) أَيْ مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ (قَوْلُهُ: لِجَرَيَانِ ذَلِكَ فِي الْأُولَى) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ الِاشْتِغَالُ بِالْوُقُوفِ (قَوْلُهُ: وَالْمُخْتَارُ الْحُصُولُ) أَيْ هُنَاكَ فَيَكُونُ مَا هُنَا مِثْلُهُ (قَوْلُهُ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ) أَيْ كَالْمَبِيتِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُحْرِمِ
قَوْلُهُ (وَلَوْ بَادَرَتْ الْمَرْأَةُ إلَخْ) هَذَا مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلُ وَلَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ إلَخْ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ،
ــ
[حاشية الرشيدي]
عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الدُّعَاءَ كَمَا ذَكَرَهُ فِيمَا مَرَّ، وَمُرَادُهُ بِالصَّلَاةِ الرَّوَاتِبُ غَيْرُ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ حَتَّى لَا يُنَافِيَ مَا مَرَّ لَهُ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ حَمْلِ الشَّيْخِ لَهَا عَلَى الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا بِالذِّكْرِ، ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا مُكَرَّرٌ مَعَ مَا مَرَّ
(قَوْلُهُ: فَكَمَا لَوْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا) أَيْ عَلَى الضَّعِيفِ، أَوْ الْمُرَادُ التَّشْبِيهُ فِي أَصْلِ الطَّلَبِ الصَّادِقِ بِالنَّدْبِ (قَوْلُهُ وَيَأْتِي فِيهِ) أَيْ فِي أَصْلِ الْحُكْمِ الْمُنَظَّرِ فِيهِ وَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ هَذَا عَلَى النَّظَرِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ رُدَّ) أَيْ النَّظَرُ وَالرَّادُّ لَهُ هُوَ الشِّهَابُ حَجّ فِي إمْدَادِهِ، وَهَذَا مِنْ الشَّارِحِ تَصْرِيحٌ بِالرِّضَا بِالنَّظَرِ (قَوْلُهُ: وَالْمُخْتَارُ الْحُصُولُ) أَيْ هُنَاكَ، وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ هُنَاكَ وَلَا تَحْصُلُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَاخْتَارَ غَيْرُهُ مَا عَلَيْهِ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ مِنْ حُصُولِهَا إنْ قَصَدَهَا لَوْلَا الْعُذْرُ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ الْفَرْقَ إلَخْ) هَذَا تَرَقٍّ فِي الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْحُصُولِ هُنَا: أَيْ وَإِنْ قُلْنَا
مِنْ طُرُوِّ حَيْضِهَا أَوْ نِفَاسِهَا لَمْ يَلْزَمْهَا دَمٌ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ
(وَيُسَنُّ تَقْدِيمُ النِّسَاءِ وَالضَّعَفَةِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى مِنًى) لِيَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ زَحْمَةِ النَّاسِ، وَلِمَا مَرَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ» (وَيَبْقَى غَيْرُهُمْ حَتَّى يُصَلُّوا الصُّبْحَ) بِمُزْدَلِفَةَ (مُغْلِسِينَ) لِلِاتِّبَاعِ، وَيَتَأَكَّدُ التَّغْلِيسُ هُنَا عَلَى بَقِيَّةِ الْأَيَّامِ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ، وَلِيَتَّسِعَ الْوَقْتُ لِمَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنْ أَعْمَالِ يَوْمِ النَّحْرِ وَيَنْبَغِي الْحِرْصُ عَلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ هُنَاكَ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ (ثُمَّ يَدْفَعُونَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ (إلَى مِنًى) وَشِعَارُهُمْ مَعَ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ النِّسَاءِ وَالضَّعَفَةِ التَّلْبِيَةُ وَالتَّكْبِيرُ تَأَسِّيًا بِهِ صلى الله عليه وسلم (وَيَأْخُذُونَ) عَطْفًا عَلَى يَبِيتُونَ لِيَعُمَّ الضَّعَفَةَ وَغَيْرَهُمْ لَا عَلَى يَدْفَعُونَ؛ لِأَنَّهُ يُقَصِّرُ النَّدْبَ عَلَى غَيْرِ الضَّعَفَةِ وَالنِّسَاءِ (مِنْ مُزْدَلِفَةَ) نَدْبًا (حَصَى الرَّمْيِ) لِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَهُوَ سَبْعُ حَصَيَاتٍ لِمَا صَحَّ مِنْ أَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم لِلْفَضْلِ بِأَنْ يَلْتَقِطَ لَهُ مِنْهَا حَصًى، قَالَ: فَالْتَقَطْت لَهُ حَصَيَاتٍ مِثْلَ حَصَى الْحَذْفِ؛ وَلِأَنَّ بِهَا جَبَلًا فِي أَحْجَارِهِ رَخَاوَةٌ؛ وَلِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ لَا يُعَرِّجَ عِنْدَ دُخُولِهِ مِنًى عَلَى غَيْرِ الرَّمْيِ فَأُمِرَ بِذَلِكَ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ عَنْهُ، وَالسُّنَّةُ أَخْذُهُ لَيْلًا لِفَرَاغِهِمْ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَإِنْ قَالَ الْبَغَوِيّ نَهَارًا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَرَجَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ.
وَالِاحْتِيَاطُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنْ يَزِيدَ عَلَى السَّبْعِ فَرُبَّمَا سَقَطَ مِنْهَا شَيْءٌ، وَيَجُوزُ أَخْذُ حَصَى رَمْيِ النَّحْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْبِقَاعِ.
نَعَمْ يُكْرَهُ مِنْ الْحِلِّ وَالْمَسْجِدِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَقْفًا عَلَيْهِ أَوْ جُزْءًا مِنْهُ وَإِلَّا حَرُمَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَكَلَامُهُمَا فِي الْكَرَاهَةِ السَّابِقَةِ مَحْمُولٌ عَلَى انْتِفَاءِ ذَلِكَ، وَمِنْ الْمِرْحَاضِ لِنَجَاسَتِهِ، وَمِثْلُهُ كُلُّ مَوْضِعٍ نَجِسٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَمِمَّا رَمَى بِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْمَقْبُولَ يُرْفَعُ وَالْمَرْدُودَ يُتْرَكُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَسَدَّ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ، فَإِنْ رَمَى بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَجْزَأَ، وَفَارَقَ إجْزَاءَ مَا رَمَى بِهِ عَدَمُ جَوَازِ طُهْرٍ بِمَاءٍ تَطَهَّرَ بِهِ بِأَنَّ الطُّهْرَ بِالْمَاءِ إتْلَافٌ لَهُ كَالْعِتْقِ فَلَمْ يَتَطَهَّرْ بِهِ أُخْرَى كَمَا لَا يُعْتَقُ الْعَبْدُ عَنْ الْكَفَّارَةِ مَرَّتَيْنِ، وَالْحَجَرُ كَالثَّوْبِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ صَلَوَاتٍ، وَسَكَتَ الْجُمْهُورُ عَنْ مَوْضِعِ أَخْذِ حَصَى الْجِمَارِ لِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ فَقَالَ ابْنُ كَجٍّ تُؤْخَذُ مِنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ وَارْتَضَاهُ الْأَذْرَعِيُّ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: لَا يُؤْخَذُ لِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ إلَّا مِنْ مِنًى نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ اهـ. وَالْأَوْجَهُ حُصُولُ السُّنَّةِ بِالْأَخْذِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا.
(فَإِذَا) دَفَعُوا إلَى مِنًى وَ (بَلَغُوا الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ فِي الْأَشْهَرِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا: جَبَلٌ صَغِيرٌ آخِرُ الْمُزْدَلِفَةِ اسْمُهُ قُزَحٌ بِضَمِّ الْقَافِ وَبِالزَّايِ، وَسُمِّيَ مَشْعَرًا لِمَا فِيهِ مِنْ الشِّعَارِ وَهِيَ مَعَالِمُ الدِّينِ (الْحَرَامِ) أَيْ الْمُحَرَّمِ (وَقَفُوا) عَلَيْهِ نَدْبًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَقَدْ يُقَالُ أَشَارَ بِذِكْرِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِي فِيهِ تَنْظِيرُ الْإِمَامِ السَّابِقِ
(قَوْلُهُ: قَبْلَ زَحْمَةِ النَّاسِ) إنْ أَرَادُوا تَعْجِيلَ الرَّمْيِ وَإِلَّا فَالسُّنَّةُ لَهُمْ تَأْخِيرُهُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ كَغَيْرِهِمْ اهـ حَجّ: أَيْ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ قَبْلَ زَحْمَةِ النَّاسِ فِي سَيْرِهِمْ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى مِنًى، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ كَانُوا مُتَمَكِّنِينَ مِنْ الرَّمْيِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ قَبْلَ مَجِيءِ غَيْرِهِمْ وَازْدِحَامِهِمْ مَعَهُ (قَوْلُهُ: مُغْلِسِينَ) أَيْ بِأَنْ يَصِلُوا عَقِبَ الْفَجْرِ فَوْرًا (قَوْلُهُ: مِثْلُ حَصَى الْخَذْفِ) وَهُوَ بِإِعْجَامِ الْخَاءِ وَالذَّالِ السَّاكِنَةِ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ وَقْفًا عَلَيْهِ) أَيْ الْمَسْجِدُ (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْمِرْحَاضِ) اسْمٌ لِلْحُشِّ ظَاهِرُهُ وَإِنْ غَسَلَهُ (قَوْلُهُ: بِالْأَخْذِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا) وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ
(قَوْلُهُ: لِمَا فِيهِ مِنْ الشِّعَارِ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: وَالشِّعَارُ أَعْمَالُ الْحَجِّ وَكُلُّ مَا جُعِلَ عَلَمًا لِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْوَاحِدَةُ شَعِيرَةٌ.
قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ شِعَارَةٌ، ثُمَّ قَالَ: وَالشِّعَارُ بِالْكَسْرِ مَا وَلِيَ الْجَسَدَ مِنْ الثِّيَابِ، وَشِعَارُ الْقَوْمِ فِي الْحَرْبِ عَلَامَتُهُمْ لِيَعْرِفَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَعَلَيْهِ فَكَانَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
بِالْحُصُولِ هُنَاكَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ غَيْرُ صَاحِبِ الْمَجْمُوعِ فَلَا نَقُولُ بِهِ هُنَا لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ
(قَوْلُهُ: عَطْفًا عَلَى يَبِيتُونَ) يَلْزَمُ عَلَيْهِ إيهَامُ أَنَّهُ وَاجِبٌ كَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ الْحَصَى وَقْفًا عَلَى الْمَسْجِدِ
وَوُقُوفُهُمْ عَلَيْهِ أَفْضَلُ مِنْ وُقُوفِهِمْ بِغَيْرِهِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ وَمِنْ مُرُورِهِمْ مِنْ غَيْرِ وُقُوفٍ وَذَكَرُوا اللَّهَ تَعَالَى (وَدَعَوْا إلَى الْأَسْفَارِ) مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ وَيُكْثِرُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، وَمَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ صُعُودِ الْجَبَلِ وَقَفَ بِجَنْبِهِ، وَلَوْ فَاتَتْ هَذِهِ السُّنَّةُ لَمْ تُجْبَرْ بِدَمٍ، وَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ كَمَا أَوْقَفْتنَا فِيهِ وَأَرَيْتنَا إيَّاهُ فَوَفِّقْنَا لِذِكْرِك كَمَا هَدَيْتنَا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا كَمَا وَعَدْتنَا بِقَوْلِك وَقَوْلُك الْحَقُّ {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] إلَى قَوْلِهِ {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 199] وَمِنْ جُمْلَةِ ذِكْرِهِ: اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (ثُمَّ يَسِيرُونَ) قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ وَشِعَارُهُمْ التَّلْبِيَةُ وَالذِّكْرُ، وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُ السَّيْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا وَجَدُوا فُرْجَةً أَسْرَعُوا، فَإِذَا بَلَغُوا وَادِيَ مُحَسِّرٍ وَرَاءَ مَوْضِعٍ فَاصِلٍ بَيْنَ مُزْدَلِفَةَ وَمِنًى أَسْرَعَ كُلٌّ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ حَتَّى يَقْطَعَ عَرْضَ الْوَادِي «؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمَّا أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ حَرَّكَ قَلِيلًا» وَبَعْدَ قَطْعِهِمْ وَادِيَ مُحَسِّرٍ يَسِيرُونَ بِسَكِينَةٍ (فَيَصِلُونَ مِنًى بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) وَارْتِفَاعِهَا قَدْرَ رُمْحٍ (فَيَرْمِي كُلُّ شَخْصٍ) رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ وُصُولِهِ (سَبْعَ حَصَيَاتٍ) أَيْ رَمَيَاتٍ (إلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ) لِلِاتِّبَاعِ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَهُوَ تَحِيَّةُ مِنًى فَلَا يُبْتَدَأُ فِيهَا بِغَيْرِهِ، وَتُسَمَّى أَيْضًا الْجَمْرَةُ الْكُبْرَى وَلَيْسَتْ مِنْ مِنًى بَلْ حَدُّ مِنًى مِنْ الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ جِهَةَ مَكَّةَ، وَالسُّنَّةُ لِرَامِي هَذِهِ الْجَمْرَةِ أَنْ يَسْتَقْبِلَهَا وَيَجْعَلَ مَكَّةَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الْجَمْرَةَ وَيَسْتَدْبِرُ الْكَعْبَةَ، هَذَا فِي رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ.
أَمَّا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ كَمَا فِي بَقِيَّةِ الْجَمَرَاتِ وَيَحْسُنُ إذَا وَصَلَ إلَى مِنًى أَنْ يَقُولَ مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: اللَّهُمَّ هَذِهِ مِنًى قَدْ أَتَيْتُهَا وَأَنَا عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك أَسْأَلُك أَنْ تَمُنَّ عَلَيَّ بِمَا مَنَنْت بِهِ عَلَى أَوْلِيَائِك، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْحِرْمَانِ وَالْمُصِيبَةِ فِي دِينِي يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، قَالَ: وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُمَا لَمَّا رَمَيَا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَالَا: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا.
(وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الرَّمْيِ) أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا لَهُ دَخْلٌ فِي التَّحَلُّلِ لِأَخْذِهِ فِي أَسْبَابِهِ، كَمَا أَنَّ الْمُعْتَمِرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ طَوَافِهِ، وَقَدْ عَلِمَ أَنْ يَقْطَعَهَا عِنْدَ أَوَّلِ أَسْبَابِ تَحَلُّلِهِ (وَيُكَبِّرُ) بَدَلَ التَّلْبِيَةِ (مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) أَيْ رَمْيَةٍ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَيَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَيُسَنُّ أَنْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يُعَبِّرَ بِالشَّعَائِرِ (قَوْلُهُ: الْمُحْرِمُ) بِمَعْنَى الْمَمْنُوعِ مِنْ انْتِهَاكِهِ جَاهِلِيَّةً وَإِسْلَامًا (قَوْلُهُ: مُحَسِّرٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُشَدَّدَةِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيلَ أَصْحَابِ الْفِيلِ حُسِّرَ فِيهِ: أَيْ أُعْيِيَ وَكَلَّ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك: 4] انْتَهَى شَرْحُ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ، وَعِبَارَةُ حَجّ هُوَ أَعْنِي: مُحَسِّرٌ مَا بَيْنَ مُزْدَلِفَةَ وَمِنًى اهـ.
فَلَعَلَّ الْمُضَافَ إلَيْهِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مَحْذُوفٌ وَالْأَصْلُ وَرَاءَهَا وَهُوَ مَوْضِعٌ إلَخْ (قَوْلُهُ حُرِّكَ قَلِيلًا) وَالْحِكْمَةُ فِيهِ عَلَى مَا قِيلَ أَنَّهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي حُسِّرَ فِيهِ الْفِيلُ وَرُمِيَ أَصْحَابُ الْفِيلِ فِيهِ بِالْحِجَارَةِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي حَجّ مَا نَصُّهُ: وَحِكْمَتُهُ أَنَّ أَصْحَابَ الْفِيلِ أُهْلِكُوا، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ الْأَصَحِّ خِلَافُهُ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَدْخُلُوا الْحَرَمَ وَإِنَّمَا أُهْلِكُوا قُرْبَ أَوَّلِهِ هـ، وَأَنَّ رَجُلًا اصْطَادَ ثَمَّ فَنَزَلَتْ نَارٌ أَحْرَقَتْهُ وَمِنْ ثَمَّ تُسَمِّيهِ أَهْلُ مَكَّةَ وَادِي النَّارِ، فَهُوَ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ نُزُولِ عَذَابٍ كَدِيَارِ ثَمُودَ الَّتِي صَحَّ أَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم لِلْمَارِّينَ بِهَا أَنْ يُسْرِعُوا لِئَلَّا يُصِيبَهُمْ مَا أَصَابَ أَهْلَهَا، وَمِنْ ثَمَّ يَنْبَغِي الْإِسْرَاعُ فِيهِ لِغَيْرِ الْحَاجِّ أَيْضًا، أَوْ أَنَّ النَّصَارَى كَانَتْ تَقِفُ ثَمَّ وَأُمِرْنَا بِالْمُبَالَغَةِ فِي مُخَالَفَتِهِمْ
(قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوُهُ) كَالْحَلْقِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَمِنْ جُمْلَةِ ذِكْرِهِ) يَصِحُّ رُجُوعُ الضَّمِيرِ إلَيْهِ تَعَالَى وَإِلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَإِلَى الشَّخْصِ وَهُوَ أَضْعَفُهَا
يَرْمِيَ بِيَدِهِ إلَى مِنًى رَافِعًا لَهَا حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبْطِهِ، أَمَّا الْمَرْأَةُ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى فَلَا تَرْفَعُ وَلَا يَقِفُ الرَّامِي لِلدُّعَاءِ عِنْدَ هَذِهِ الْجَمْرَةِ، وَسَيَأْتِي شُرُوطُ الرَّمْيِ وَمُسْتَحَبَّاتُهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، ثُمَّ بَعْدَ الرَّمْيِ يَنْصَرِفُونَ فَيَنْزِلُونَ مَوْضِعًا بِمِنًى، وَالْأَفْضَلُ مِنْهَا مَنْزِلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَا قَارَبَهُ. قَالَ الْأَزْرَقِيُّ: وَمَنْزِلُهُ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى عَنْ يَسَارِ مُصَلَّى الْإِمَامِ
(ثُمَّ يَذْبَحُ مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ) بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا مَعَ تَخْفِيفِ الْيَاءِ فِي الْأُولَى وَتَشْدِيدِهَا فِي الثَّانِيَةِ لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ، وَهُوَ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى لِمَكَّةَ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ نَعَمٍ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَمْوَالِ نَذْرًا كَانَ أَوْ تَطَوُّعًا، لَكِنَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ اسْمٌ لِلْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ (ثُمَّ يَحْلِقُ) الذَّكَرُ (أَوْ يُقَصِّرُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27] وَلِلِاتِّبَاعِ فِي الْأَوَّلِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَالثَّانِي فِي مَعْنَاهُ (وَ) لَكِنَّ (الْحَلْقَ) لَهُ (أَفْضَلُ) إجْمَاعًا، فَإِنَّ الْعَرَبَ تَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ وَالْأَفْضَلِ وَرَوَى الشَّيْخَانِ خَبَرَ «اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالْمُقَصِّرِينَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ، قَالَ فِي الرَّابِعَةِ: وَالْمُقَصِّرِينَ» (وَتُقَصِّرُ الْمَرْأَةُ) وَلَا تُؤْمَرُ بِالْحَلْقِ وَالْخُنْثَى مِثْلُهَا.
رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ «لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ إنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ» وَكُرِهَ الْحَلْقُ وَنَحْوُهُ مِنْ إحْرَاقٍ أَوْ إزَالَةِ بِنُورَةٍ أَوْ نَتْفٍ لِغَيْرِ ذَكَرٍ مِنْ أُنْثَى وَخُنْثَى؛ لِأَنَّهُ لَهُمَا مُثْلَةٌ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ نَذَرَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَنْعَقِدْ بِخِلَافِ التَّقْصِيرِ، وَمُرَادُهُ بِالْمَرْأَةِ الْأُنْثَى فَيَشْمَلُ الصَّغِيرَةَ؛ لِأَنَّهَا إذَا أُطْلِقَتْ فِي مُقَابَلَةِ الرَّجُلِ كَمَا هُنَا تَنَاوَلَتْهَا وَهُوَ الْأَوْفَقُ لِكَلَامِهِمْ، وَإِنْ بَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ وَاعْتَمَدَهُ غَيْرُهُ اسْتِثْنَاءُ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَنْتَهِ إلَى زَمَنٍ يُتْرَكُ فِيهِ شَعْرُهَا، وَلَوْ مَنَعَ السَّيِّدُ الْأَمَةَ مِنْهُ حَرُمَ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَمْنَعْ وَلَمْ يَأْذَنْ كَمَا بَحَثَهُ أَيْضًا، قِيلَ وَهُوَ مُتَّجَهٌ إنْ لَزِمَ مِنْهُ فَوَاتُ تَمَتُّعٍ أَوْ نَقْصِ قِيمَةٍ وَإِلَّا فَالْإِذْن لَهَا فِي النُّسُكِ إذْنٌ فِي فِعْلِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ التَّحَلُّلُ وَإِنْ كَانَ مَفْضُولًا، وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْإِذْنَ الْمُطْلَقَ مُنَزَّلٌ عَلَى حَالَةِ نَفْيِ النَّهْيِ، وَالْحَلْقُ فِي حَقِّهَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْحُرَّةِ الْمُزَوِّجَةِ إنْ مَنَعَهَا الزَّوْجُ، وَكَانَ فِيهِ فَوَاتُ اسْتِمْتَاعٍ أَيْضًا فِيمَا يَظْهَرُ، وَبَحَثَ أَيْضًا أَنَّهُ يَمْتَنِعُ بِمَنْعِ الْوَالِدِ لَهَا وَفِيهِ وَقْفَةٌ بَلْ الْأَوْجَهُ خِلَافُهُ إلَّا أَنْ يَقْتَضِيَ نَهْيُهُ مَصْلَحَتَهَا، وَالْأَوْلَى كَوْنُ التَّقْصِيرِ بِقَدْرِ أُنْمُلَةٍ مِنْ جَمِيعِ الرَّأْسِ وَشَمِلَ مَا مَرَّ الْمَرْأَةَ الْكَافِرَةَ إذَا أَسْلَمَتْ فَلَا تَحْلِقُ رَأْسَهَا، وَأَمَّا خَبَرُ «أَلْقِ عَنْك شَعْرَ الْكُفْرِ ثُمَّ اغْتَسِلْ» فَمَحْمُولٌ عَلَى الذَّكَرِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ اسْتِثْنَاءُ حَلْقِ رَأْسِ الصَّغِيرَةِ يَوْمَ سَابِعِ وِلَادَتِهَا لِلتَّصَدُّقِ بِزِنَتِهِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ الْعَقِيقَةِ، وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ كَرَاهَةِ الْحَلْقِ لِلْمَرْأَةِ مَا لَوْ كَانَ بِرَأْسِهَا أَذًى لَا يُمْكِنُ زَوَالُهُ إلَّا بِالْحَلْقِ لِمُعَالَجَةِ حَبٍّ وَنَحْوِهِ، وَمَا لَوْ حَلَقَتْ رَأْسَهَا لِتُخْفِي كَوْنَهَا امْرَأَةً خَوْفًا عَلَى نَفْسِهَا مِنْ الزِّنَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلِهَذَا يُبَاحُ لَهَا لُبْسُ الرِّجَالِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَالْخُنْثَى فِي ذَلِكَ كَالْأُنْثَى، وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَوْنِ الْحَلْقِ أَفْضَلُ لِلذَّكَرِ مَا لَوْ اعْتَمَرَ قَبْلَ الْحَجِّ فِي وَقْتٍ لَوْ حَلَقَ فِيهِ جَاءَ يَوْمُ النَّحْرِ وَلَمْ يَسْوَدَّ رَأْسُهُ مِنْ الشَّعْرِ فَالتَّقْصِيرُ لَهُ أَفْضَلُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ، وَإِطْلَاقُ شَرْحِ مُسْلِمٍ اسْتِحْبَابَ الْحَلْقِ فِي الْحَجِّ وَالتَّقْصِيرِ فِي الْعُمْرَةِ لِيَقَعَ الْحَلْقُ فِي أَكْمَلِ الْعِبَادَتَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَسْوَدَّ رَأْسُهُ قَبْلَ الْحَجِّ، وَإِلَّا حَلَقَ فِي الْعُمْرَةِ أَيْضًا أَخْذًا مِنْ التَّفْصِيلِ الَّذِي قَبْلَهُ وَأَخَذَ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ النَّصِّ أَنَّ مِثْلَهُ يَأْتِي فِيمَا لَوْ قَدَّمَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ، وَكَلَامُ شَرْحِ مُسْلِمٍ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَالطَّوَافِ
(قَوْلُهُ: قَالَ فِي الرَّابِعَةِ) أَيْ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الثَّالِثَةِ اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلَّقِينَ (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ الْحَلْقُ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي نُسُكٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ الْآتِي وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ كَرَاهَةٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَنَعَ السَّيِّدُ الْأَمَةَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْحَلْقِ (قَوْلُهُ: كَمَا بَحَثَهُ أَيْضًا) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: إنْ مَنَعَهَا الزَّوْجُ إلَخْ) وَقِيَاسُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْأَمَةِ أَنَّ مِثْلَ الْمَنْعِ مَا لَوْ لَمْ يَأْذَنْ وَلَمْ يَنْهَ وَأَنَّ الْمَنْعَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى فَوَاتِ اسْتِمْتَاعٍ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ فِي حَقِّهَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ (قَوْلُهُ: مِنْ جَمِيعِ الرَّأْسِ) قَالَ حَجّ: إلَّا الذَّوَائِبَ؛ لِأَنَّ قَطْعَ بَعْضَهَا يَشِينُهَا (وَقَوْلُهُ فَمَحْمُولٌ عَلَى الذَّكَرِ) فِي نُسْخَةٍ بَعْدَ مَا ذَكَرَ: وَالْأَوْجَهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الذَّكَرِ فِي ذَلِكَ: أَيْ فِي سَنِّ الْحَلْقِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْجُمُعَةِ مَا يُوَافِقُ هَذِهِ النُّسْخَةَ (قَوْلُهُ: وَالْخُنْثَى فِي ذَلِكَ) أَيْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الْمَذْكُورُ يُنَازِعُ فِيهِ.
. وَلَوْ خُلِقَ لَهُ رَأْسَانِ فَحَلَقَ أَحَدَهُمَا فِي الْعُمْرَةِ وَالْآخَرَ فِي الْحَجِّ لَمْ يُكْرَهْ لِانْتِفَاءِ الْقَزَعِ، ثُمَّ مَحَلُّ أَفْضَلِيَّةِ الْحَلْقِ مَا لَمْ يَنْذُرْهُ، فَإِنْ نَذَرَهُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ تَعَيَّنَ وَلَمْ يُجْزِهِ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّهِ قُرْبَةٌ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى وَلَوْ اسْتَأْصَلَهُ بِمَا لَا يُسَمَّى حَلْقًا حَصَلَ بِهِ التَّحَلُّلُ وَإِنْ أَثِمَ وَلَزِمَهُ دَمٌ كَمَا لَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ فَرَكِبَ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَلْقُ لَوْ طَلَعَ شَعْرُهُ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ النُّسُكَ إنَّمَا هُوَ إزَالَةُ شَعْرٍ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ، ثُمَّ نَاذِرُ الْحَلْقِ قَدْ يُطْلِقْهُ كَعَلَيَّ الْحَلْقُ أَوْ أَنْ أَحْلِقَ فَيَكْفِيهِ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ، وَقَدْ يُصَرِّحُ بِالِاسْتِيعَابِ فَيَلْزَمُهُ حَلْقُ الْجَمِيعِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ حَلْقُ رَأْسِي فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ مَعَ مُلَاحَظَةِ الْعُرْفِ تُفِيدُ الْعُمُومَ وَبِهِ فَارَقَ مَا مَرَّ فِي الْآيَةِ، وَيَكْفِي فِي الْحَلْقِ الْوَاجِبِ مُسَمَّاهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِمْعَانُ فِي الِاسْتِئْصَالِ وَيَقْرُبُ الرُّجُوعُ إلَى اعْتِبَارِ عَدَمِ رُؤْيَةِ الشَّعْرِ قَالَهُ الْإِمَامُ.
وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْمُرَادَ رُؤْيَتُهُ لِذِي النَّظَرِ الْمُعْتَدِلِ عَنْ قُرْبِهِ مِنْ الرَّأْسِ (وَالْحَلْقُ) أَيْ إزَالَةُ شَعْرِ الرَّأْسِ أَوْ التَّقْصِيرُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فِي وَقْتِهِ (نُسُكٌ عَلَى الْمَشْهُورِ) فَيُثَابُ عَلَيْهِ إذْ هُوَ لِلذَّكَرِ أَفْضَلُ مِنْ التَّقْصِيرِ، وَالتَّفْضِيلُ إنَّمَا يَقَعُ فِي الْعِبَادَاتِ دُونَ الْمُبَاحَاتِ وَعَلَى هَذَا هُوَ رُكْنٌ كَمَا سَيَأْتِي وَقِيلَ وَاجِبٌ، وَالثَّانِي هُوَ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ فَلَا يُثَابُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ فِي الْإِحْرَامِ فَلَمْ يَكُنْ نُسُكًا كَلُبْسِ الْمَخِيطِ (وَأَقَلُّهُ) أَيْ إزَالَةُ شَعْرِ الرَّأْسِ أَوْ التَّقْصِيرِ (ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ) مِنْ رَأْسِهِ فَلَا يُجْزِئُ شَعْرُ غَيْرِهِ وَإِنْ وَجَبَتْ فِيهِ الْفِدْيَةُ أَيْضًا لِوُرُودِ لَفْظِ الْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ فِيهِ وَاخْتِصَاصُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَادَةً بِشَعْرِ الرَّأْسِ وَشَمِلَ ذَلِكَ الْمُسْتَرْسِلَ عَنْهُ وَمَا لَوْ أَخَذَهَا مُتَفَرِّقَةً كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَالْمَنَاسِكِ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الرَّوْضَةِ خِلَافَهُ حَيْثُ بَنَاهُ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ عَدَمِ تَكْمِيلِ الدَّمِ بِإِزَالَتِهَا الْمُحَرَّمَةِ إذْ يَلْزَمُ مِنْ الْبِنَاءِ الِاتِّحَادُ فِي التَّصْحِيحِ نَعَمْ يَزُولُ بِالتَّفْرِيقِ الْفَضِيلَةُ وَالْأَحْوَطُ تَوَالِيهَا وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27] وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَحْلِقُوا أَوْ يُقَصِّرُوا» وَإِطْلَاقُهُ يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِحُصُولِ أَقَلِّ مُسَمَّى اسْمِ الْجِنْسِ الْجَمْعِيِّ الْمُقَدَّرِ فِي مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ: أَيْ شَعْرًا لِرُءُوسِكُمْ، إذْ هِيَ لَا تُحْلَقُ، وَأَقَلُّ مُسَمَّاهُ ثَلَاثٌ، وَلَا يُعَارِضُهُ فِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم الْمُقْتَضِي لِلتَّعْمِيمِ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْأَفْضَلِ، وَاسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ قَامَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ التَّعْمِيمِ صَحِيحٌ، إذْ الْمُرَادُ بِهِ إجْمَاعُ الْخَصْمَيْنِ وَهُوَ لَا يَقْتَضِي إجْمَاعَ الْكُلِّ خِلَافًا لِمَنْ فَهِمَ ذَلِكَ فَلَا يُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي الِاسْتِثْنَاءِ
(قَوْلُهُ: لَمْ يُكْرَهْ لِانْتِفَاءِ الْقَزَعِ) هَذَا ظَاهِرٌ إنْ كَانَ أَصْلِيَّيْنِ وَإِلَّا فَفِيهِ مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَلَوْ اسْتَأْصَلَهُ) أَيْ أَزَالَهُ جَمِيعًا (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَثِمَ) أَيْ حَيْثُ نَذَرَهُ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ أَمَّا إذَا لَمْ يَنْذُرْهُ فَالْوَاجِبُ مُجَرَّدُ الْإِزَالَةِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: تُفِيدُ الْعُمُومَ) قَدْ يَتَوَقَّفُ فِي إفَادَةِ مَا ذُكِرَ لِلْعُمُومِ مَعَ عَدَمِ إفَادَةِ الْآيَةِ فَإِنَّ الْآيَةَ سِيقَتْ لِلْإِيجَابِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ مُجَرَّدُ مُلَاحَظَةِ الْفَرْضِيَّةِ مُوجِبَةٌ لِلْعُمُومِ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ الْعُمُومُ هُنَا (قَوْلُهُ: ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ) كُلًّا أَوْ بَعْضًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي أَوْ تَقْصِيرًا (قَوْلُهُ: فَلَا يُجْزِئُ شَعْرُ غَيْرِهِ إلَخْ) قِيَاسُ مَا فِي الْوُضُوءِ أَنَّهُ لَوْ خُلِقَ لَهُ رَأْسَانِ فَإِنْ كَانَا أَصْلِيَّيْنِ اكْتَفَى بِإِزَالَةِ الشَّعْرِ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ عُلِمَتْ زِيَادَةُ أَحَدِهِمَا لَمْ يَكْفِ الْأَخْذُ مِنْهُ وَإِنْ اشْتَبَهَ وَجَبَ الْأَخْذُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: وَشَمِلَ ذَلِكَ الْمُسْتَرْسِلَ) أَيْ فَيَكْفِي وَإِنْ طَالَ (قَوْلُهُ: أَوْ تَقْصِيرًا) فَسَّرَهُ فِي الْقَامُوسِ بِأَنَّهُ كَفُّ الشَّعْرِ، وَالْقَصُّ بِأَنَّهُ الْأَخْذُ مِنْهُ بِالْمِقَصِّ: أَيْ الْمِقْرَاضِ، فَعَطْفُهُ عَلَيْهِ الْآتِي مِنْ عَطْفِ الْأَخَصِّ تَأْكِيدًا، وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ التَّقْصِيرَ حَيْثُ أُطْلِقَ فِي كَلَامِهِمْ أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ وَهُوَ الْأَخْذُ مِنْ الشَّعْرِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَمَا لَوْ أَخَذَهَا مُتَفَرِّقَةً) أَيْ فِي الزَّمَانِ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْبِنَاءِ) التَّرْجِيحُ لَا يُنَاسِبُ مَا صَدَّرَ بِهِ الْعِبَارَةَ مِنْ اعْتِرَافِهِ بِأَنَّ الرَّوْضَةَ تَقْتَضِي ذَلِكَ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُبَدَّلَ الِاقْتِضَاءُ بِالْإِيهَامِ أَوْ نَحْوِهِ (قَوْلُهُ: أَيْ شَعْرًا لِرُءُوسِكُمْ) إنَّمَا لَمْ يُقَدِّرْ الْمَحْذُوفَ مُضَافًا فِرَارًا مِنْ زَعْمِ الْإِسْنَوِيِّ الْآتِي، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ فِيهِ
أَحْمَدَ وَغَيْرَهُ قَائِلُونَ بِوُجُوبِهِ، وَزَعَمَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ الْآيَةَ تَقْتَضِي التَّعْمِيمَ؛ لِأَنَّ شَعْرَ الْمُقَدَّرِ فِيهَا مُضَافٌ، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ أَخْذُ شَعْرَةٍ عَلَى ثَلَاثِ مَرَّاتٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَقَدْ نُقِلَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُجْزِي أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِرَأْسِهِ شَعْرَةٌ أَوْ شَعْرَتَانِ فَقَطْ كَانَ الرُّكْنُ فِي حَقِّهِ إزَالَةُ ذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَيَكْفِي فِي الْإِزَالَةِ أَخْذُ الشَّعْرِ (حَلْقًا أَوْ تَقْصِيرًا أَوْ نَتْفًا أَوْ إحْرَاقًا أَوْ قَصًّا) أَوْ أَخْذُهُ بِنُورَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِزَالَةُ وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ طَرِيقٌ إلَيْهَا (وَمَنْ لَا شَعْرَ) كَائِنٌ (بِرَأْسِهِ) أَوْ بَعْضِهِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنْ خُلِقَ كَذَلِكَ أَوْ كَانَ قَدْ حَلَقَ وَاعْتَمَرَ مِنْ سَاعَتِهِ كَمَا مَثَّلَهُ الْعُمْرَانِيُّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
نَعَمْ (يُسْتَحَبُّ) لَهُ (إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَيْهِ) إنْ كَانَ ذَكَرًا كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَلَوْ أَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ أَوْ شَارِبِهِ شَيْئًا كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ لِئَلَّا يَخْلُوَ عَنْ أَخْذِ الشَّعْرِ، وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي أَنَّ سَائِرَ مَا يُزَالُ لِلْفِطْرَةِ كَذَلِكَ، بَلْ الْوَجْهُ كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ رحمه الله عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِمَا يُزَالُ فِيهَا، وَصَرَّحَ الْقَاضِي بِأَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْمُقَصِّرِ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَصَحَّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا حَلَقَ رَأْسَهُ قَصَّ أَظْفَارَهُ» : أَيْ فَيُسَنُّ لِلْحَالِقِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا وَجَبَ مَسْحُ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ عِنْدَ فَقْدِ شَعْرِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ تَعَلَّقَ ثَمَّ بِالرَّأْسِ وَهُنَا بِشَعْرِهِ، وَلَوْ عَجَزَ عَنْ أَخْذِهِ لِنَحْوِ جِرَاحَةٍ صَبَرَ إلَى قُدْرَتِهِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ، وَيُسَنُّ لِلْحَالِقِ الْبُدَاءَةُ بِشِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَيَسْتَوْعِبُهُ بِالْحَلْقِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ، وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْمَحْلُوقُ الْقِبْلَةَ وَأَنْ يُكَبِّرَ بَعْدَ فَرَاغِهِ وَأَنْ يَدْفِنَ شَعْرَهُ لَا سِيَّمَا الْحَسَنُ لِئَلَّا يُؤْخَذَ لِلْوَصْلِ، وَأَنْ يَسْتَوْعِبَ الْحَلْقَ أَوْ التَّقْصِيرَ وَأَنْ يَكُونَ بَعْدَ كَمَالِ الرَّمْيِ، وَغَيْرُ الْمُحْرِمِ مِثْلُهُ فِيمَا ذُكِرَ غَيْرَ التَّكْبِيرِ، وَأَنْ يَبْلُغَ بِالْحَلْقِ إلَى الْعَظْمَتَيْنِ مِنْ الْأَصْدَاغِ، وَأَنْ لَا يُشَارِطَ عَلَيْهِ وَأَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ ظُفْرِهِ عِنْدَ فَرَاغِهِ، وَأَنْ يَقُولَ بَعْدَ فَرَاغِهِ: اللَّهُمَّ آتِنِي بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَسَنَةٍ، وَامْحُ عَنِّي بِهَا سَيِّئَةً، وَارْفَعْ لِي بِهَا دَرَجَةً، وَاغْفِرْ لِي وَلِلْمُحَلِّقِينَ وَالْمُقَصِّرِينَ وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.
(فَإِذَا حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ دَخَلَ مَكَّةَ وَطَافَ طَوَافَ الرُّكْنِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَرْمِيَ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ قَدْرَ رُمْحٍ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بِمِقَصٍّ أَوْ غَيْرِهِ اهـ حَجّ وَعِبَارَةُ الْقَامُوسِ: كَفَّ مِنْهُ: أَيْ أَخَذَ وَبِهَذَا يَظْهَرُ مَعْنَى قَوْلِهِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ التَّقْصِيرَ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: إنْ كَانَ ذَكَرًا كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْأُنْثَى لَا تَفْعَلُ ذَلِكَ، وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّ لَهَا ذَلِكَ أَيْضًا كَالرَّجُلِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا (قَوْلُهُ لِلْفِطْرَةِ) أَيْ الْخِلْقَةِ وَالْمُرَادُ مَا يُزَالُ لِتَحْسِينِ الْهَيْئَةِ (قَوْلُهُ: لِنَحْوِ جِرَاحَةٍ) أَيْ يُتَوَقَّعُ زَوَالُهَا عَنْ قُرْبٍ (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ لِلْحَالِقِ) أَيْ مُطْلَقًا مُحْرِمًا أَوْ غَيْرَهُ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَأَنْ يُكَبِّرَ بَعْدَ فَرَاغِهِ) أَفْهَمَ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ حَالَ الْحَلْقِ.
وَفِي الدَّمِيرِيِّ مَا نَصُّهُ: وَأَنْ يُكَبِّرَ إلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي مُثِيرِ الْغَرَامِ السَّاكِنِ عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ قَالَ: أَخْطَأْت فِي حَلْقِ رَأْسِي فِي خَمْسَةِ أَحْكَامٍ عَلَّمَنِيهَا حَجَّامٌ، وَذَلِكَ أَنِّي أَتَيْت إلَى حَجَّامٍ بِمِنًى فَقُلْت لَهُ: بِكَمْ تَحْلِقُ رَأْسِي؟ فَقَالَ: أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ؟ قُلْت نَعَمْ، قَالَ: النُّسُكُ لَا يُشَارَطُ عَلَيْهِ، قَالَ فَجَلَسْت مُنْحَرِفًا عَنْ الْقِبْلَةِ فَقَالَ لِي: حَوِّلْ وَجْهَك إلَى الْقِبْلَةِ، فَحَوَّلْته وَأَدَرْتُهُ أَنْ يَحْلِقَ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ فَقَالَ لِي: أَدِرْ الْيَمِينَ فَأَدَرْتُهُ فَجَعَلَ يَحْلِقُ وَأَنَا سَاكِتٌ، فَقَالَ: كَبِّرْ كَبِّرْ، فَكَبَّرْت فَلَمَّا فَرَغْت قُمْت لِأَذْهَبَ فَقَالَ: صَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ امْضِ.
قُلْت لَهُ: مِنْ أَيْنَ مَا أَمَرْتنِي بِهِ؟ قَالَ: رَأَيْت عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ يَفْعَلُهُ اهـ شَرْحُ الرَّوْضِ.
(قَوْلُهُ: غَيْرُ التَّكْبِيرِ) أَيْ وَغَيْرُ الرَّمْيِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ (قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يُشَارِطَ عَلَيْهِ) أَيْ أَنْ لَا يَشْرِطَ لِلْحَالِقِ أُجْرَةً مَعْلُومَةً، وَعِبَارَةُ حَجّ كَذَا أَطْلَقُوهُ، وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّهُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
بَيَانُ أَنَّ الْإِضَافَةَ عَلَى مَعْنَى اللَّامِ فَلَمْ يَخْرُجْ عَمَّا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ (قَوْلُهُ: أَوْ بَعْضَهُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ) مُرَادُهُ بِذَلِكَ أَنَّ الشَّعْرَ لَوْ كَانَ بِبَعْضِ رَأْسِهِ فَقَطْ يُسَنُّ لَهُ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَى الْبَاقِي، وَإِنْ كَانَ سِيَاقُهُ الْمَذْكُورُ غَيْرَ صَحِيحٍ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَصَرَّحَ الْقَاضِي بِأَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْمُقَصِّرِ أَيْضًا إلَخْ) هَذَا لَيْسَ فِي خُصُوصِ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ كَوْنِهِ لَا شَعْرَ بِرَأْسِهِ،
ثُمَّ يَنْحَرَ ثُمَّ يَحْلِقَ، ثُمَّ يَطُوفَ ضَحْوَةً وَلِهَذَا الطَّوَافِ أَسْمَاءٌ غَيْرُ ذَلِكَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَشْرَبَ بَعْدَهُ مِنْ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ مِنْ زَمْزَمَ لِلِاتِّبَاعِ (وَسَعَى) بَعْدَهُ (إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى) بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ كَمَا مَرَّ وَهَذَا السَّعْيُ رُكْنٌ كَمَا سَيَأْتِي (ثُمَّ يَعُودُ) مِنْ مَكَّةَ (إلَى مِنًى) قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِحَيْثُ يُصَلِّي بِهَا الظُّهْرَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَلَا يُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ» فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّهُ صَلَّى بِمَكَّةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى فَصَلَّى بِهَا ثَانِيًا إمَامًا لِأَصْحَابِهِ كَمَا صَلَّى بِهِمْ فِي بَطْنِ نَخْلٍ مَرَّةً بِطَائِفَةٍ وَمَرَّةً بِأُخْرَى، فَرَوَى ابْنُ عُمَرَ صَلَاتَهُ بِمِنًى وَجَابِرٌ صَلَاتَهُ بِمَكَّةَ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَخَّرَ طَوَافَ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى اللَّيْلِ» فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَخَّرَ طَوَافَ نِسَائِهِ وَذَهَبَ مَعَهُنَّ (وَهَذَا) الَّذِي يُفْعَلُ يَوْمَ النَّحْرِ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ أَرْبَعَةٌ وَهِيَ (الرَّمْيُ وَالذَّبْحُ وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ وَيُسَنُّ تَرْتِيبُهَا) (كَمَا ذَكَرْنَا) وَلَا يَجِبُ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي حَلَقْت قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، فَقَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ، وَأَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ: إنِّي أَفَضْت إلَى الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، فَقَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «مَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ يَوْمئِذٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إلَّا قَالَ: افْعَلْ وَلَا حَرَجَ» (وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا) مَا سِوَى ذَبْحِ الْهَدْيِ (بِنِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ) لِمَنْ وَقَفَ قَبْلَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «أَرْسَلَ أُمَّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ فَرَمَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَفَاضَتْ» وَقِيسَ الطَّوَافُ وَالْحَلْقُ عَلَى الرَّمْيِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ الْخَبَرِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَلَّقَ الرَّمْيَ بِمَا قَبْلَ الْفَجْرِ، وَهُوَ صَالِحٌ لِجَمِيعِ اللَّيْلِ وَلَا ضَابِطَ لَهُ، فَجَعَلَ النِّصْفَ ضَابِطًا؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْحَقِيقَةِ مِمَّا قَبْلَهُ؛ وَلِأَنَّهُ وَقْتٌ لِلدَّفْعِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ وَلِأَذَانِ الصُّبْحِ فَكَانَ وَقْتًا لِلرَّمْيِ كَمَا بَعْدَ الْفَجْرِ، وَيُسَنُّ تَأْخِيرُهَا إلَى بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِلِاتِّبَاعِ، أَمَّا إذَا فَعَلَهَا بَعْدَ انْتِصَافِ اللَّيْلِ وَقَبْلَ الْوُقُوفِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا، وَأَمَّا ذَبْحُ الْهَدْيِ الْمَسُوقِ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِدُخُولِ وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي.
(وَيَبْقَى وَقْتُ الرَّمْيِ إلَى آخِرِ يَوْمِ النَّحْرِ) لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إنِّي رَمَيْت بَعْدَمَا أَمْسَيْت، فَقَالَ: لَا حَرَجَ» وَالْمَسَاءُ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ مِنْ خُرُوج وَقْتِهِ بِالْغُرُوبِ مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ، وَإِلَّا فَلَوْ أَخَّرَ رَمْيَ يَوْمٍ إلَى مَا بَعْدَهُ مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ وَقَعَ أَدَاءً، وَصَرَّحَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ وَقْتَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يُعْطِيهِ ابْتِدَاءً مَا تَطِيبُ بِهِ نَفْسُهُ فَإِنْ رَضِيَ وَإِلَّا زَادَهُ، لَا أَنَّهُ يَسْكُتُ إلَى فَرَاغِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رُبَّمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ نِزَاعٌ إذَا لَمْ يَرْضَ الْحَلَّاقُ بِمَا يُعْطِيهِ لَهُ
(قَوْلُهُ: وَلِهَذَا الطَّوَافِ أَسْمَاءٌ) مِنْهَا طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ وَطَوَافُ الْفَرْضِ وَطَوَافُ الصَّدَرِ بِفَتْحِ الصَّادِ وَالدَّالِ اهـ شَرْحُ الْمُهَذَّبِ (قَوْلُهُ: فَرَمَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ) أَيْ بِأَمْرٍ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم (قَوْلُهُ: وَهُوَ صَالِحٌ) أَيْ مَا قَبْلَ الْفَجْرِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
بَلْ هُوَ وَمَا بَعْدَهُ حُكْمٌ عَامٌّ.
(قَوْلُهُ: قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي فِي الْجَمْعِ (قَوْلُهُ وَهِيَ الرَّمْيُ إلَخْ) هَذَا الْحَلُّ مِنْ الشَّارِحِ يُوجِبُ أَنْ يَصِيرَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يُسَنُّ تَرْتِيبُهَا الَّذِي كَانَ خَبَرًا لِهَذَا فِي كَلَامِهِ خَبَرًا ثَانِيًا لِقَوْلِهِ هُوَ وَهِيَ وَخَبَرُهُ الْأَوَّلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الرَّمْيُ (قَوْلُهُ: وَقِيسَ الطَّوَافُ وَالْحَلْقُ إلَخْ) كَذَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فِي مَحَلٍّ لَكِنَّهُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ سَاقَ خَبَرَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أُمَّ سَلَمَةَ لِتَطُوفَ قَبْلَ الْفَجْرِ» ، وَحِينَئِذٍ فَقَدْ يُقَالُ: الطَّوَافُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَصْرَحُ مِنْ الرَّمْيِ فَهَلَّا جُعِلَ أَصْلًا، وَقِيسَ عَلَيْهِ هَلْ يُحْتَاجُ لِلْقِيَاسِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ عَلَى أَنَّ النَّصَّ هُنَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ كَمَا يَأْتِي إلَّا أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ قَبْلَ الْفَجْرِ مُتَعَلِّقٌ بِبَعَثَ (قَوْلُهُ: إنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَلَّقَ إلَخْ) فِيهِ أَنْ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُعَلِّقْ، بَلْ الَّذِي فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ أَرْسَلَ أُمَّ سَلَمَةَ فَوَقَعَ أَنَّهَا رَمَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ
الْفَضِيلَةِ لِرَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ يَنْتَهِي بِالزَّوَالِ فَيَكُونُ لِرَمْيِهِ ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ: وَقْتُ فَضِيلَةٍ إلَى الزَّوَالِ، وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ إلَى الْغُرُوبِ وَوَقْتُ جَوَازٍ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
(وَلَا يَخْتَصُّ الذَّبْحُ) لِلْهَدْيِ الْمُتَقَرَّبِ بِهِ (بِزَمَنٍ) لَكِنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ بِخِلَافِ الضَّحَايَا فَتَخْتَصُّ بِالْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ (قُلْت: الصَّحِيحُ اخْتِصَاصُهُ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ، وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ عَلَى الصَّوَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَعِبَارَتُهُ هُنَاكَ: وَوَقْتُهُ وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَدْ بَنَاهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ كَوْنِ مُرَادِ الرَّافِعِيِّ بِالْهَدْيِ هُنَا الْمُسَاقُ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مُرَادُهُ هُنَا دَمُ الْجُبْرَانَاتِ وَالْمَحْظُورَاتِ فَلَا يَخْتَصُّ بِزَمَنٍ كَوَفَاءِ سَائِرِ الدُّيُونِ، وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا ثُمَّ يَذْبَحُ مَنْ مَعَهُ مُدًّا مَا يُسَاقُ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَيَخْتَصُّ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي آخِرِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ فَلَمْ يَتَوَارَدْ كَلَامُهُمَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ حَتَّى يُعَدَّ تَنَاقُضًا نَعَمْ اعْتِرَاضُهُ مُتَوَجِّهٌ عَلَى الرَّافِعِيِّ مِنْ حَيْثُ إطْلَاقُهُ الْهَدْيَ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ كَمَا مَرَّ (وَالْحَلْقُ) بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ أَوْ التَّقْصِيرُ (وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ) إنْ لَمْ يَكُنْ فُعِلَ بَعْدَ طَوَافِ قُدُومٍ (لَا آخِرَ لِوَقْتِهَا) إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ التَّأْقِيتِ، وَيَبْقَى مَنْ عَلَيْهِ ذَلِكَ مُحْرِمًا حَتَّى يَأْتِيَ بِهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ نَعَمْ الْأَفْضَلُ فِعْلُهَا فِي يَوْمِ النَّحْرِ، وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا عَنْ يَوْمِهِ وَعَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَشَدُّ كَرَاهَةً وَعَنْ خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ أَشَدُّ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ تَأْخِيرِهَا عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا يُقَالُ: بَقَاؤُهُ عَلَى إحْرَامِهِ يُشْكِلُ بِقَوْلِهِمْ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْفَوَاتِ مُصَابَرَةُ الْإِحْرَامِ إلَى قَابِلٍ إذْ اسْتِدَامَةُ الْإِحْرَامِ كَابْتِدَائِهِ وَابْتِدَاؤُهُ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: هُوَ غَيْرُ مُسْتَفِيدٍ فِي تِلْكَ بِبَقَائِهِ عَلَى إحْرَامِهِ شَيْئًا سِوَى مَحْضِ تَعْذِيبِ نَفْسِهِ لِخُرُوجِ وَقْتِ الْوُقُوفِ فَحَرُمَ بَقَاؤُهُ عَلَى إحْرَامِهِ وَأُمِرَ بِالتَّحَلُّلِ، وَأَمَّا هُنَا فَوَقْتُ مَا أَخَّرَهُ بَاقٍ فَلَا يَحْرُمُ بَقَاؤُهُ عَلَى إحْرَامِهِ وَلَا يُؤْمَرُ بِالتَّحَلُّلِ، وَهُوَ بِمَثَابَةِ مَنْ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا ثُمَّ مَدَّهَا بِالْقِرَاءَةِ إلَى خُرُوجِ وَقْتِهَا، فَإِنْ كَانَ طَافَ لِلْوَدَاعِ وَخَرَجَ وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الْفَرْضِ، وَإِنْ لَمْ يَطُفْ لِوَدَاعٍ وَلَا غَيْرِهِ لَمْ يَسْتَبِحْ النِّسَاءَ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ لِبَقَائِهِ مُحْرِمًا (وَإِذَا قُلْنَا الْحَلْقُ نُسُكٌ) وَهُوَ الْمَشْهُورُ (فَفَعَلَ اثْنَيْنِ مِنْ الرَّمْيِ) أَيْ يَوْمَ النَّحْرِ (وَالْحَلْقِ) أَوْ التَّقْصِيرِ (وَالطَّوَافُ) الْمَتْبُوعَ بِالسَّعْيِ إنْ لَمْ يَكُنْ فُعِلَ قَبْلُ (حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ) مِنْ تَحَلُّلَيْ الْحَجِّ (وَحَلَّ بِهِ اللُّبْسُ) وَسَتْرُ الرَّأْسِ لِلذَّكَرِ وَالْوَجْهِ لِلْأُنْثَى (وَالْحَلْقُ) إنْ لَمْ يَفْعَلْ وَإِنْ لَمْ تَجْعَلْهُ نُسُكًا (وَالْقَلْمُ) وَالطِّيبُ بَلْ يُسَنُّ التَّطَيُّبُ لِخَبَرِ عَائِشَةَ «طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالدُّهْنُ يُلْحَقُ بِالتَّطَيُّبِ وَكَذَا الْبَاقِي بِجَامِعِ الِاشْتِرَاكِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ (وَكَذَا) يَحِلُّ (الصَّيْدُ وَعَقْدُ النِّكَاحِ) وَكَذَا الْمُبَاشَرَةُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ كَالْقُبْلَةِ وَالْمُلَامَسَةِ (فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي يُوجِبُ تَعَاطِيهَا إفْسَادًا فَأَشْبَهَتْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَهُوَ مُشْتَرَكٌ كَمَا مَرَّ) لَيْسَ فِيمَا مَرَّ إطْلَاقُهُ عَلَى دَمِ الْجُبْرَانِ الَّذِي جَعَلَهُ الشَّارِحُ مُرَادًا هُنَا مِنْ الْهَدْيِ وَيُمْكِنُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا مَرَّ فِي كَلَامِهِ (قَوْلُهُ: وَيَبْقَى مَنْ عَلَيْهِ ذَلِكَ مُحْرِمًا) أَيْ وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ (قَوْلُهُ: لِبَقَائِهِ مُحْرِمًا)
ــ
[حاشية الرشيدي]
وَإِنْ كَانَ الظَّنُّ بِهَا أَنَّهَا لَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ إلَّا عَنْ إذْنٍ
(قَوْلُهُ: وَعِبَارَتُهُ) أَيْ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ بِمَعْنَاهُ (قَوْلُهُ: فَلَمْ يَتَوَارَدْ كَلَامُهُمَا) كَذَا فِي النُّسَخِ، وَلَعَلَّ مَا زَائِدَةٌ مِنْ النُّسَّاخِ، وَالصَّوَابُ كَلَامُهُ: أَيْ الرَّافِعِيِّ، وَيَجُوزُ رُجُوعُ الضَّمِيرِ إلَى الْمَوْضِعَيْنِ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَفْعَلْ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَلْقِ هُنَا حَلْقُ الرَّأْسِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الْحَلْقَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ إلَّا بَعْدَ فِعْلِ الْآخَرِينَ فَيُنَافِي مَا الْكَلَامُ فِيهِ وَهُوَ تَابِعٌ فِيهِ لِلْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ وَمَا الْمَانِعُ مِنْ إرَادَةِ بَاقِي شُعُورِ الْبَدَنِ فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْهُ نُسُكًا) اُنْظُرْ مَا مَوْقِعُهُ، وَلَعَلَّ كَلِمَةَ إنْ بَعْدَ الْوَاوِ زَائِدَةٌ وَمَعَ ذَلِكَ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَنَافٍ فِي أَطْرَافِ الْكَلَامِ كَمَا يُدْرَكُ بِالتَّأَمُّلِ (قَوْلُهُ الَّتِي يُوجِبُ تَعَاطِيهَا) كَذَا فِي النُّسَخِ، وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْهُ كَلِمَةُ لَا قَبْلَ قَوْلِهِ يُوجِبُ مِنْ النُّسَّاخِ حَتَّى يُوَافِقَ كَلَامَ غَيْرِهِ وَالْمَعْنَى