الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَوْ خَرَجَ) مِنْ الْمَسْجِدِ (وَعَادَ) إلَيْهِ (احْتَاجَ) إنْ لَمْ يَعْزِمْ عِنْدَ خُرُوجِهِ عَلَى الْعَوْدِ (إلَى الِاسْتِئْنَافِ) لِنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ حَتْمًا سَوَاءٌ أَخَرَجَ لِخَلَاءٍ أَمْ غَيْرِهِ إذْ الثَّانِي اعْتِكَافٌ جَدِيدٌ، فَإِنْ خَرَجَ عَازِمًا عَلَى عَوْدِهِ: أَيْ مِنْ أَجْلِ الِاعْتِكَافِ لَمْ يَجِبْ تَجْدِيدُهَا كَمَا صَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَنِيَّةِ الْمُدَّتَيْنِ ابْتِدَاءً كَمَا فِي زِيَادَةِ عَدَدِ رَكَعَاتِ النَّافِلَةِ، وَبِهِ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ تَنْظِيرِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا فِيهِ أَنَّ اقْتِرَانَ النِّيَّةِ بِأَوَّلِ الْعِبَادَةِ شَرْطٌ فَكَيْفَ يُكْتَفَى بِعَزِيمَةٍ سَابِقَةٍ، وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِ الصَّلَاةِ لَمْ يَتَخَلَّلْ فِيهَا بَيْنَ الْمَزِيدِ وَالْمَزِيدِ عَلَيْهِ مَا يُنَافِيهَا، وَهُنَا تَخَلَّلَ الْخُرُوجُ الْمُنَافِي لِمُطْلَقِ الِاعْتِكَافِ لِأَنَّ تَخَلُّلَ النَّافِي هُنَا مُغْتَفَرٌ حَيْثُ اُسْتُثْنِيَ زَمَنُهُ فِي النِّيَّةِ، وَنِيَّةُ الْعَوْدِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ صَيَّرَتْ مَا بَعْدَ الْخُرُوجِ مَعَ مَا قَبْلَهُ كَاعْتِكَافٍ وَاحِدٍ وَاسْتُثْنِيَ زَمَنُ الْمُنَافِي فِيهِ وَهُوَ الْخُرُوجُ
(وَلَوْ)(نَوَى مُدَّةً) أَيْ اعْتِكَافَهَا كَيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ نَفْلًا أَوْ نَذْرًا لِمُدَّةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهَا تَتَابُعًا ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ بِقَصْدِ وَفَاءِ نَذْرِهِ (فَخَرَجَ) مِنْهُ (فِيهَا) أَيِّ الْمُدَّةِ (وَعَادَ) إلَيْهِ (فَإِنْ خَرَجَ) مِنْهُ (لِغَيْرِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ) مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ (لَزِمَهُ الِاسْتِئْنَافُ) لِلنِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ الزَّمَنُ لِقَطْعِهِ الِاعْتِكَافَ، أَمَّا الْعَوْدُ فَغَيْرُ لَازِمٍ لَهُ فِي النَّفْلِ لِجَوَازِ خُرُوجِهِ مِنْهُ (أَوْ) خَرَجَ (لَهَا) أَيْ الْحَاجَةِ (فَلَا) يَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُ النِّيَّةِ وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فَهُوَ كَالْمُسْتَثْنَى عِنْدَ النِّيَّةِ (وَقِيلَ إنْ طَالَتْ مُدَّةُ خُرُوجِهِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ أَوْ لِغَيْرِهَا)(اسْتَأْنَفَ) النِّيَّةَ لِتَعَذُّرِ الْبِنَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَطُلْ (وَقِيلَ لَا يَسْتَأْنِفُ) النِّيَّةَ (مُطْلَقًا) لِأَنَّ النِّيَّةَ شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ الْمُدَّةِ بِالتَّعْيِينِ (وَلَوْ نَذَرَ مُدَّةً مُتَتَابِعَةً فَخَرَجَ لِعُذْرٍ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ) كَأَكْلٍ وَقَضَاءِ حَاجَةٍ وَحَيْضٍ وَخُرُوجٍ لِنَحْوِ سَهْوٍ (لَمْ يَجِبْ اسْتِئْنَافُ النِّيَّةِ) عِنْدَ عَوْدِهِ لِشُمُولِهَا جَمِيعَ الْمُدَّةِ وَتَلْزَمُهُ مُبَادَرَةٌ لِعَوْدٍ عِنْدَ زَوَالِ عُذْرِهِ، فَإِنْ أَخَّرَ عَامِدًا عَالِمًا انْقَطَعَ التَّتَابُعُ وَتَعَذَّرَ الْبِنَاءُ (وَقِيلَ إنْ خَرَجَ لِغَيْرِ) قَضَاءِ (الْحَاجَةِ وَ) غَيْرِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَجَبَ (اسْتِئْنَافُ النِّيَّةِ) لِخُرُوجِهِ عَنْ الْعِبَادَةِ بِمَا عَرَضَ مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي لَهُ بُدٌّ عَنْهَا، بِخِلَافِ الْخُرُوجِ لِحَاجَةٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ (إلْحَاقُ كُلِّ مَا لَا بُدَّ لِلْخُرُوجِ مِنْهُ بِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَلَوْ أَكْلًا) ، فَإِنَّهُ مَعَ إمْكَانِهِ فِي الْمَسْجِدِ يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْ أَجْلِهِ لِلِاسْتِحْيَاءِ مِنْ فِعْلِهِ فِيهِ، وَالْمَشَقَّةُ بِخِلَافِ الشُّرْبِ فَلَا يُسْتَحَى مِنْهُ فِيهِ فَيَمْتَنِعُ الْخُرُوجُ لَهُ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ عَمَّا يَقْطَعُهُ فَإِنَّهَا تَجِبُ قَطْعًا. .
الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْمُعْتَكِفُ وَقَدْ أَشَارَ لِشُرُوطِهِ فَقَالَ (وَشَرْطُ الْمُعْتَكِفِ: الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالنَّقَاءُ عَنْ الْحَيْضِ) وَالنِّفَاسِ (وَالْجَنَابَةِ) فَلَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ الْكَافِرِ وَغَيْرِ الْعَاقِلِ كَالْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالسَّكْرَانِ وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ إذْ لَا نِيَّةَ لَهُمْ وَلَا حَائِضَ وَنُفَسَاءَ وَجُنُبَ لِحُرْمَةِ مُكْثِهِمْ فِيهِ، وَقَضِيَّةُ مَا تَقَرَّرَ عَدَمُ صِحَّةِ اعْتِكَافِ كُلِّ مَنْ حَرُمَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَالْأَحْوَطُ فِي حَقِّهِ أَنْ يَقُولَ فِي نَذْرِهِ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ مَا دُمْت فِيهِ، ثُمَّ يَنْوِي الِاعْتِكَافَ الْمَنْذُورَ فَيَكُونُ مُتَعَلِّقُ النِّيَّةِ جَمِيعَ الْمُدَّةِ الَّتِي يَمْكُثُهَا (قَوْلُهُ: كَنِيَّةِ الْمُدَّتَيْنِ) أَيْ مُدَّةِ مَا قَبْلَ الْخُرُوجِ وَمَا بَعْدَ الْعَوْدِ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ نَوَى اعْتِكَافَ يَوْمِ الْخَمِيسِ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ دُونَ اللَّيْلِ صَحَّ فَلَا يَحْتَاجُ إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ لَيْلًا لِنِيَّةِ اعْتِكَافِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إذَا رَجَعَ إلَى الْمَسْجِدِ
(قَوْلُهُ: أَيْ الْحَاجَةِ) بَقِيَ مَا لَوْ شَرِكَ مَعَ الْحَاجَةِ غَيْرَهَا هَلْ يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ قَصَدَ الْجُنُبُ بِالْقِرَاءَةِ الذِّكْرَ وَالْإِعْلَامَ (قَوْلُهُ: لِلِاسْتِحْيَاءِ مِنْ فِعْلِهِ فِيهِ) أُخِذَ مِنْهُ أَنَّ الْمَهْجُورَ الَّذِي يَنْدُرُ طَارِقُوهُ يَأْكُلُ فِيهِ اهـ زِيَادِيٌّ: أَيْ فَلَوْ خَرَجَ لِلْأَكْلِ فِي غَيْرِهِ انْقَطَعَ تَتَابُعُهُ وَمُقْتَضَى الْعِلَّةِ أَيْضًا أَنَّ أَهْلَ الْمَسْجِدِ لَوْ كَانُوا مُجَاوِرِينَ بِهِ اعْتَادُوا الْأَكْلَ فِيهِ مَعَ اجْتِمَاعِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ لَمْ يَجُزْ الْخُرُوجُ مِنْهُ لِأَجْلِ الْأَكْلِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: مِنْ شَأْنِ الْأَكْلِ بِحُضُورِ النَّاسِ الِاسْتِحْيَاءُ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ أَهْلِ الْمَسْجِدِ مُجَاوِرِينَ أَمْ لَا وَهَذَا أَقْرَبُ
[شُرُوطُ الْمُعْتَكِفِ]
(قَوْلُهُ: لِحُرْمَةِ مُكْثِهِمْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ جَازَ لَهُمْ الْمُكْثُ لِضَرُورَةٍ اقْتَضَتْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
أَوْ الْمُرَادُ خُصُوصُ الْإِفْرَادِ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَنِيَّةِ الْمُدَّتَيْنِ ابْتِدَاءً) يُفِيدُ أَنَّهُ تَصِحُّ نِيَّةُ الْمُدَّتَيْنِ ابْتِدَاءً، وَانْظُرْ مَا صُورَتُهُ
عَلَيْهِ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ
كَذِي جُرْحٍ وَقُرُوحٍ وَاسْتِحَاضَةٍ وَنَحْوِهَا حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ حِفْظُ الْمَسْجِدِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ مَوْضِعُ نَظَرٍ. نَعَمْ لَوْ اعْتَكَفَ فِي مَسْجِدِ وَقْفٍ عَلَى غَيْرِهِ دُونَهُ صَحَّ اعْتِكَافُهُ فِيهِ وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ لُبْثُهُ فِيهِ كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ بِتُرَابٍ مَغْصُوبٍ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ مَا يُشْبِهُهُ، وَلَا يُرَدُّ ذَلِكَ عَلَى مَنْ قَيَّدَ بِالْحِلِّ لِأَنَّ مُكْثَهُ إنَّمَا حَرُمَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ: أَعْنِي اسْتِيفَاءَ حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ حَرَامٌ وَلَوْ بِغَيْرِ مُكْثٍ، فَالْمُكْثُ فِي هَذَا لَمْ يَحْرُمْ لِذَاتِهِ، ثُمَّ مَحَلُّ مَا ذُكِرَ فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ فِي الِابْتِدَاءِ فَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ اعْتِكَافِهِ لَمْ يَبْطُلْ وَيُحْسَبُ زَمَنُهُ مِنْ الِاعْتِكَافِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ وَيَصِحُّ مِنْ الْمُمَيِّزِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَإِنْ كُرِهَ لِذَوَاتِ الْهَيْئَةِ كَخُرُوجِهِنَّ لِلْجَمَاعَةِ، وَحَرُمَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدٍ وَزَوْجٍ. نَعَمْ إنْ لَمْ تَفُتْ بِهِ مَنْفَعَةٌ كَأَنْ حَضَرَ الْمَسْجِدَ: بِإِذْنِهِمَا فَنَوَيَاهُ جَازَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ زَمَنٍ مُعَيَّنٍ بِالْإِذْنِ ثُمَّ انْتَقَلَ الْعَبْدُ لِآخَرَ بِنَحْوِ بَيْعٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ طَلُقَتْ وَتَزَوَّجَتْ آخَرَ جَازَ لَهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ الثَّانِي لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَحَقًّا قَبْلَ وُجُودِهِ، لَكِنْ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ جَهِلَ ذَلِكَ وَلَهُمَا إخْرَاجُهُمَا وَلَوْ مِنْ النَّذْرِ مَا لَمْ يَأْذَنَا فِيهِ وَفِي الشُّرُوعِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَمَنُهُ مُعَيَّنًا وَلَا مُتَتَابِعًا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا وَزَمَنُهُ مُعَيَّنٌ، وَكَذَا إنْ أَذِنَا فِي الشُّرُوعِ فِيهِ فَقَطْ وَهُوَ مُتَتَابِعٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَمَنُهُ مُعَيَّنًا فَلَا يَجُوزُ لَهُمَا إخْرَاجُهُمَا فِي الْجَمِيعِ لِإِذْنِهِمَا فِي الشُّرُوعِ مُبَاشَرَةً أَوْ بِوَاسِطَةٍ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ إذْنٌ فِي الشُّرُوعِ فِيهِ، وَالْمُعَيَّنُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ وَالْمُتَتَابِعُ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْعِبَادَةِ الْوَاجِبَةِ بِلَا عُذْرٍ، وَيَجُوزُ مِنْ الْمُكَاتَبِ بِلَا إذْنٍ إنْ أَمْكَنَ كَسْبُهُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَ لَا يُخِلُّ بِهِ وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَلَا مُهَايَأَةَ كَالْقِنِّ وَإِلَّا كَانَ فِي نَوْبَتِهِ كَحُرٍّ وَفِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ كَقِنٍّ.
(وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُعْتَكِفُ أَوْ سَكِرَ) مُعْتَدِيًا (بَطَلَ) اعْتِكَافُهُ زَمَنَ رِدَّتِهِ وَسُكْرِهِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ، أَمَّا غَيْرُ الْمُتَعَدِّي فَيُشْبِهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ (وَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمُكْثَ صِحَّةُ الِاعْتِكَافِ، وَلَوْ قِيلَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمْ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ لُبْثُهُ فِيهِ) ظَاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ جُلُوسِهِ فِيهِ يُنْقِصُ مَنْفَعَةَ أَهْلِهِ أَوْ لَا وَفِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ قُبَيْلَ فَصْلِ الْمَعْدِنِ إلَخْ وَلِغَيْرِ أَهْلِ الْمَدْرَسَةِ مَا اُعْتِيدَ فِيهَا مِنْ نَحْوِ نَوْمٍ بِهَا وَطُهْرٍ وَشُرْبٍ مِنْ مَائِهَا مَا لَمْ يَنْقُصْ الْمَاءُ عَنْ حَاجَةِ أَهْلِهَا فِيمَا يَظْهَرُ، وَعَلَيْهِ فَيُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَى مِثْلِ ذَاكَ وَيُمْكِنُ اسْتِفَادَةُ التَّعْمِيمِ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ حَرُمَ إذْ الْمَعْنَى سَوَاءٌ حَرُمَ أَوْ لَا فَالْحُرْمَةُ حَيْثُ شَوَّشَ عَلَى أَهْلِهِ وَعَدَمُهَا حَيْثُ انْتَفَى ذَلِكَ، وَأَشَارَ إلَى هَذَا حَجّ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ إثْمَهُ: أَيْ الِاعْتِكَافِ فِيمَا وَقَفَ عَلَى طَائِفَةٍ لَيْسَ هُوَ مِنْهُمْ إنْ فُرِضَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كُرِهَ لِفَوَاتِ الْهَيْئَةِ) وَهَلْ يَلْحَقُ بِهِنَّ الْخُنْثَى الشَّابُّ فَيُكْرَهُ لَهُ الْخُرُوجُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ احْتِيَاطًا لِعَدَمِ مُخَالَطَتِهِ لِلرِّجَالِ، لَكِنَّ إلْحَاقَهُ فِيمَا مَرَّ بِالرَّجُلِ مِنْ عَدَمِ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي اعْتِكَافِهِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ قَدْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي حَقِّهِ، إذْ لَوْ كُرِهَ اعْتِكَافُهُ فِي الْمَسْجِدِ لَأُلْحِقَ بِالْمَرْأَةِ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ لِتَعَذُّرِ الْمَسْجِدِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ إذْنِ الثَّانِي) وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ نَذَرَتْ صَوْمًا وَهِيَ خَلِيَّةٌ أَوْ مُتَزَوِّجَةٌ ثُمَّ طَلُقَتْ وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ فَلَهَا أَنْ تَصُومَ بِحُضُورِ الزَّوْجِ وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَلَهُمَا إخْرَاجُهُمَا) أَيْ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِمَا حِينَئِذٍ وَبَقِيَ مَا لَوْ اخْتَلَفَ اعْتِقَادُ السَّيِّدِ وَالْعَبْدِ هَلْ الْعِبْرَةُ بِاعْتِقَادِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي سُتْرَةِ الْمُصَلِّي مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِاعْتِقَادِ الْفَاعِلِ (قَوْلُهُ: وَفِي الشُّرُوعِ فِيهِ) أَيْ وَمِنْ الشُّرُوعِ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ لَا يُخِلُّ بِهِ) أَيْ بِالْكَسْبِ: أَيْ أَوْ كَانَ مَعَهُ مَا بَقِيَ بِالنُّجُومِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا كَانَ فِي نَوْبَتِهِ كَحُرٍّ) أَيْ بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ (قَوْلُهُ: وَفِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ) اُنْظُرْ لَوْ أَرَادَ اعْتِكَافًا مَنْذُورًا مُتَتَابِعًا أَوْ لَا تَسَعُهُ نَوْبَتُهُ وَكَانَ نَذْرُهُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
فَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَصِيرُ كَنِيَّةِ كُلِّ مُدَّةٍ مِنْهُمَا فِي ابْتِدَائِهَا
(قَوْلُهُ فَالْمُكْثُ فِي هَذَا لَمْ يَحْرُمْ لِذَاتِهِ) قَدْ يُقَالُ هَلَّا قِيلَ كَذَلِكَ فِيمَا مَرَّ فِي ذِي الْجُرُوحِ وَالْقُرُوحِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَنَحْوِهَا؟ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ ذَاكَ وَإِنْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ فِيهِ أَيْضًا
مَا مَضَى مِنْ اعْتِكَافِهِمَا الْمُتَتَابِعِ) وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ لِأَنَّ ذَلِكَ أَشَدُّ مِنْ خُرُوجِهِ بِلَا عُذْرٍ وَهُوَ يَقْطَعُ التَّتَابُعَ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْنَافِهِ، وَالثَّانِي لَا يَبْطُلُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَيُبْنَيَانِ، أَمَّا فِي الرِّدَّةِ فَتَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا فِي السُّكْرِ فَإِلْحَاقًا لَهُ بِالنَّوْمِ، وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه مِنْ عَدَمِ بُطْلَانِ اعْتِكَافِ الْمُرْتَدِّ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْمُتَتَابِعِ حَتَّى إذَا أَسْلَمَ يَبْنِي عَلَى أَنَّهُ مَرْجُوحٌ عَنْهُ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبُطْلَانِ عَدَمُ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ لَا حُبُوطُهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ التَّتَابُعِ، وَتَثْنِيَةُ الْمُصَنِّفِ الضَّمِيرَ فِي اعْتِكَافِهِمَا مَعَ عَطْفِهِ بِأَوْ وَإِتْيَانِهِ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ مُفْرَدًا فِي إنْ لَمْ يَخْرُجْ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ بِأَوْ هُوَ الْفِعْلُ وَالضَّمِيرُ لَيْسَ عَائِدًا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ عَائِدٌ عَلَى الْمُرْتَدِّ وَالسَّكْرَانِ الْمَفْهُومَيْنِ مِنْ لَفْظِ الْفِعْلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِمَا فَصَحَّ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَيْهِمَا (وَلَوْ)(طَرَأَ جُنُونٌ أَوْ إغْمَاءٌ) عَلَى الْمُعْتَكِفِ (لَمْ يَبْطُلْ مَا مَضَى) مِنْ اعْتِكَافِهِ الْمُتَتَابِعِ (إنْ لَمْ يُخْرَجْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مِنْ الْمَسْجِدِ لِعُذْرِهِ بِمَا عَرَضَ لَهُ، فَإِنْ أُخْرِجَ مَعَ تَعَذُّرِ ضَبْطِهِ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَبْطُلْ أَيْضًا كَمَا لَوْ حُمِلَ الْعَاقِلُ مُكْرَهًا، وَكَذَا إنْ أَمْكَنَ بِمَشَقَّةٍ عَلَى الصَّحِيحِ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ (وَيُحْسَبُ زَمَنُ الْإِغْمَاءِ مِنْ الِاعْتِكَافِ) الْمُتَتَابِعِ كَمَا فِي الصَّائِمِ إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْضَ النَّهَارِ (دُونَ) زَمَنِ (الْجُنُونِ) فَلَا يُحْسَبُ مِنْهُ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ الْبَدَنِيَّةَ لَا تَصِحُّ مِنْهُ (أَوْ) طَرَأَ (الْحَيْضُ) أَوْ النِّفَاسُ عَلَى مُعْتَكِفَةٍ (وَجَبَ) عَلَيْهَا (الْخُرُوجُ) مِنْ الْمَسْجِدِ لِحُرْمَةِ الْمُكْثِ عَلَيْهَا (وَكَذَا الْجَنَابَةُ) بِمَا لَا يُبْطِلُ الِاعْتِكَافَ كَالِاحْتِلَامِ إذَا طَرَأَتْ عَلَى الْمُعْتَكِفِ (إنْ تَعَذَّرَ) عَلَيْهِ (الْغُسْلُ فِي الْمَسْجِدِ) فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْهُ لِحُرْمَةِ الْمُكْثِ فِيهِ عَلَيْهِ، وَلَوْ احْتَاجَ لِلتَّيَمُّمِ لِفَقْدِ الْمَاءِ أَوْ غَيْرِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ لِأَجْلِهِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَإِنْ أَمْكَنَهُ فِعْلُهُ فِيهِ بِغَيْرِ تُرَابِهِ لِتَضَمُّنِهِ اللُّبْثَ فِيهِ إلَى فَرَاغِهِ، فَلَوْ أَمْكَنَهُ فِيهِ مَارًّا مِنْ غَيْرِ مُكْثٍ وَلَا تَرَدُّدَ لَمْ يَجِبْ خُرُوجُهُ لَهُ لِعَدَمِ حُرْمَةِ الْمُرُورِ فِيهِ (فَلَوْ أَمْكَنَهُ) الْغُسْلُ فِيهِ (جَازَ) لَهُ (الْخُرُوجُ لَهُ وَلَا يَلْزَمُ) ذَلِكَ مِنْ أَجْلِهِ بَلْ لَهُ فِعْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ إنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ نَحْوُ مُكْثٍ مُحَرَّمٍ وَكَلَامُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَبْلَ الْمُهَايَأَةِ أَوْ بَعْدَهَا فِي نَوْبَةِ السَّيِّدِ أَوْ فِي نَوْبَةِ نَفْسِهِ وَهِيَ لَا تَسَعُهُ، وَيُتَّجَهُ حِينَئِذٍ الْمَنْعُ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ، نَعَمْ إنْ لَمْ يَكُنْ مُتَتَابِعًا فَلَهُ اعْتِكَافُ قَدْرِ نَوْبَتِهِ فِيهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ اهـ سم عَلَى بَهْجَةٍ
(قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ مَرْجُوعٌ) عِلَاوَةٌ (قَوْلُهُ: لَا حُبُوطَهُ بِالْكُلِّيَّةِ) أَمَّا عَدَمُ حُبُوطٍ فِي الْمُرْتَدِّ فَهُوَ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْ الِاعْتِكَافِ، وَأَمَّا ثَوَابُهُ فَيَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ رِدَّتِهِ كَسَائِرِ أَعْمَالِهِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَهَلْ يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي. وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ وُقُوعِهِ نَفْلًا مُطْلَقًا مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ اعْتِكَافٌ آخَرُ وَاجِبٌ وَإِلَّا وَقَعَ عَنْهُ (قَوْلُهُ: لَمْ يَجِبْ خُرُوجُهُ) قَضِيَّتُهُ جَوَازُ الْخُرُوجِ لِذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَعِبَارَةُ حَجّ: لَمْ يَجُزْ لَهُ الْخُرُوجُ لِعَدَمِ إلَخْ، وَقِيَاسُ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْغُسْلِ مِنْ جَوَازِ الْخُرُوجِ وَإِنْ أَمْكَنَ فِي الْمَسْجِدِ بِلَا مُكْثٍ جَوَازُهُ هُنَا إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِعَدَمِ طُولِ زَمَنِ التَّيَمُّمِ عَادَةً فَامْتَنَعَ الْخُرُوجُ لِأَجْلِهِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
غَيْرَ ذَاتِيَّةٍ إلَّا أَنَّ الْمَلْحَظَ فِي الْمَنْعِ فِيهِ صِيَانَةُ الْمَسْجِدِ عَنْ النَّجَاسَةِ
(قَوْلُهُ لَا حُبُوطَةَ بِالْكُلِّيَّةِ) أَيْ فَيَسْتَمِرُّ ثَوَابُهُ وَلَوْ فِي الْمُرْتَدِّ حَيْثُ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ إذْ الرِّدَّةُ إنَّمَا تُحْبِطُ الْعَمَلَ إذَا اتَّصَلَتْ بِالْمَوْتِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ هُوَ الْفِعْلُ) أَيْ فِي الْأَوَّلِ أَيْ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّ الْمَعْطُوفَ فِيهِ الْفَاعِلُ وَكَانَ الْأَوْلَى عَدَمَ الذِّكْرِ الثَّانِي فِي الْإِشْكَالِ إذْ لَا إشْكَالَ فِيهِ لِأَنَّهُ أَتَى عَلَى الْأَصْلِ عَلَى أَنَّ إيرَادَ الْإِشْكَالِ وَالْجَوَابِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ فِيهِمَا وَتَثْنِيَةُ الضَّمِيرِ فِي اعْتِكَافِهِمَا مَعَ أَنَّ مَرْجِعَهُ لَفْظُ الْمُعْتَكِفِ وَهُوَ مُفْرَدٌ بِالنَّظَرِ لَا تَصِفُهُ بِوَصْفَيْ الرِّدَّةِ وَالسُّكْرِ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ مَعَ تَعَذُّرِ ضَبْطِهِ) أَيْ فَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ: أَيْ وَلَمْ يَشُقَّ بَطَلَ (قَوْلُهُ فَلَوْ أَمْكَنَهُ مَارًّا) أَيْ وَالصُّورَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْمُرُورَ لِأَجْلِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَرَدَّدَ كَمَا لَا يَخْفَى فَيَنْبَغِي أَنْ يُصَوَّرَ بِمَا إذَا عَقَدَ نِيَّتَهُ عَلَى الْخُرُوجِ حَقِيقَةً ثُمَّ عَنَّ لَهُ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ خُرُوجِهِ وَهُوَ مَارٌّ