الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَحْرَمَ عَنْهُ اثْنَانِ مُرَتَّبًا اسْتَحَقَّهَا الْأَوَّلُ، فَإِنْ أَحْرَمَا مَعًا أَوْ جُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا مَعَ جَهْلِ سَبْقِهِ أَوْ بِدُونِهِ وَقَعَ حَجُّهُمَا عَنْهُمَا وَلَا شَيْءَ لَهُمَا عَلَى الْقَائِلِ إذَا لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَلَوْ عَلِمَ سَبْقَ أَحَدِهِمَا ثُمَّ نَسِيَ وَقَفَ الْأَمْرُ عَلَى قِيَاسِ نَظَائِرِهِ وَلَوْ كَانَ الْعِوَضُ مَجْهُولًا كَقَوْلِهِ مَنْ حَجَّ عَنِّي فَلَهُ ثَوْبٌ وَقَعَ الْحَجُّ عَنْهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ.
وَالِاسْتِئْجَارُ فِيمَا مَرَّ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا إجَارَةُ عَيْنٍ كَاسْتَأْجَرْتُكَ عَنِّي أَوْ عَنْ مَيِّتِي هَذِهِ السَّنَةَ، فَإِنْ عَيَّنَ غَيْرَ السَّنَةِ الْأُولَى لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ وَإِنْ أَطْلَقَ صَحَّ وَحَمَلَ عَلَى السَّنَةِ الْحَاضِرَةِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَصِلُ إلَى مَكَّةَ إلَّا لِسَنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ فَالْأُولَى مِنْ سِنِي إمْكَانِ الْوُصُولِ، وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ قُدْرَةُ الْأَجِيرِ عَلَى الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ وَاتِّسَاعِ الْمُدَّةِ لَهُ وَالْمَكِّيُّ وَنَحْوُهُ يَسْتَأْجِرُهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ.
وَالثَّانِي ذِمَّةٌ كَقَوْلِهِ أَلْزَمْت ذِمَّتَكَ تَحْصِيلَ حِجَّةٍ، وَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ فِي هَذَا الضَّرْبِ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنْ أَطْلَقَ حُمِلَ عَلَى الْحَاضِرَةِ فَيَبْطُلُ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ، وَلَا يُشْتَرَطُ قُدْرَتُهُ عَلَى السَّفَرِ لِإِمْكَانِ الِاسْتِنَابَةِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ وَلَوْ قَالَ أَلْزَمْت ذِمَّتَكَ لِتَحُجَّ عَنِّي بِنَفْسِك صَحَّ، وَتَكُونُ إجَارَةَ عَيْنٍ عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ هُنَا عَنْ الْبَغَوِيّ، وَقَالَ الْإِمَامُ بِبُطْلَانِهَا وَتَبِعَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، لِأَنَّ الدِّينِيَّةَ مَعَ الرَّبْطِ بِمُعَيَّنٍ مُتَنَاقِضَانِ كَمَنْ أَسْلَمَ فِي ثَمَرِ بُسْتَانٍ بِعَيْنِهِ وَإِنْ أُجِيبَ عَنْهُ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ، وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ أَعْمَالِ الْحَجِّ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ مِنْ أَرْكَانٍ وَوَاجِبَاتٍ وَسُنَنٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ حَتَّى يَحُطَّ التَّفَاوُتُ لِمَا فَوَّتَهُ مِنْ السُّنَنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَا يَجِبُ ذِكْرُ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ، وَتُحْمَلُ حَالَةُ الْإِطْلَاقِ عَلَى الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ لِلْقِرَانِ فَالدَّمُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، فَإِنْ شَرَطَهُ عَلَى الْأَجِيرِ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ، وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ لِلْقِرَانِ مُعْسِرًا فَالصَّوْمُ الَّذِي هُوَ بَدَلُ الدَّمِ عَلَى الْأَجِيرِ، وَجِمَاعُ الْأَجِيرِ يُفْسِدُ الْحَجَّ وَتَنْفَسِخُ بِهِ إجَارَةُ الْعَيْنِ لَا الذِّمَّةِ لِعَدَمِ اخْتِصَاصِهَا بِزَمَنٍ، وَيَنْقَلِبُ فِيهِمَا الْحَجَّ لِلْأَجِيرِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ الْمَطْلُوبَ لَا يَحْصُلُ بِالْحَجِّ الْفَاسِدِ فَانْقَلَبَ لَهُ كَمُطِيعِ الْمَعْضُوبِ إذَا جَامَعَ فَسَدَ حَجُّهُ وَانْقَلَبَ لَهُ وَعَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدٍ وَالْكَفَّارَةُ، وَيَلْزَمهُ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَ الْقَضَاءِ عَنْ نَفْسِهِ بِحَجٍّ آخَرَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي عَامٍ آخَرَ أَوْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ أَوْ غَيْرِهِ وَلِلْمُسْتَأْجَرِ الْخِيَارُ فِيهِمَا عَلَى التَّرَاخِي لِتَأَخُّرِ الْمَقْصُودِ، وَلَوْ حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ بِمَالٍ حَرَامٍ عَصَى وَسَقَطَ فَرْضُهُ. .
بَابُ الْمَوَاقِيتِ لِلنُّسُكِ زَمَانًا وَمَكَانًا
جَمْعُ مِيقَاتٍ وَهُوَ لُغَةً: الْحَدُّ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا زَمَانُ الْعِبَادَةِ وَمَكَانُهَا، وَقَدْ بَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ (وَقْتُ) إحْرَامِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
صِدْقُهُ (قَوْلُهُ: مَعَ جَهْلٍ سَبَقَهُ) أَيْ بِأَنْ احْتَمَلَ السَّبَقَ وَالْمَعِيَّةَ، وَقَوْلُهُ أَوْ بِدُونِهِ: أَيْ بِأَنْ عَلِمَ السَّبَقَ وَلَمْ يَعْلَمْ عَيْنَ السَّابِقِ (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي ذِمَّةٌ) أَيْ إجَارَةُ ذِمَّةٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَإِنَّ أُجِيبَ عَنْهُ) أَيْ الِاعْتِرَاضُ (قَوْلُهُ: حَتَّى يَحُطَّ التَّفَاوُتَ) أَيْ الْمُسَمَّى بِاعْتِبَارِ الْقِسْطِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَجِيرِ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الصَّوْمَ يَقَعُ بَعْضُهُ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ لَا يَتَأَتَّى مِنْ الْمُسْتَأْجَرِ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ مَعْضُوبٌ وَأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَكَّةَ.
[بَابُ الْمَوَاقِيتِ لِلنُّسُكِ زَمَانًا وَمَكَانًا]
[الْمِيقَات الزَّمَانِيّ]
(بَابُ الْمَوَاقِيتِ)(قَوْلُهُ: وَهُوَ لُغَةً: الْحَدُّ) وَلَمْ يَقُلْ وَاصْطِلَاحًا لِعَدَمِ اخْتِصَاصِ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ بِمَا ذَكَرَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ مَعْنَاهُ اصْطِلَاحًا (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهِ) أَيْ شَرْعًا، وَعِبَارَةُ حَجّ: وَشَرْعًا هُنَا زَمَنُ الْعِبَادَةِ وَمَكَانُهَا (قَوْلُهُ: وَمَكَانُهَا)
ــ
[حاشية الرشيدي]
بَابُ الْمَوَاقِيتِ) (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ الْحَجُّ الْمُضَافُ إلَيْهِ أَشْهُرٌ
(الْحَجِّ) لِمَكِّيٍّ أَوْ غَيْرِهِ (شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ) بِفَتْحِ الْقَافِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقُعُودِهِمْ عَنْ الْقِتَالِ فِيهِ (وَعَشْرُ لِيَالٍ) بِالْأَيَّامِ بَيْنَهَا وَهِيَ تِسْعَةٌ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ: أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَتِسْعٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ، فَمَنْ لَمْ يُدْرِكْهُ إلَى الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ.
وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ دَاوُد بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْأَيَّامَ فَلْيَقُلْ وَتِسْعَةٌ أَوْ اللَّيَالِي فَهِيَ عَشْرٌ.
وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي جَمِيعًا وَغَلَبَ التَّأْنِيثُ فِي الْعَدَدِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: وَلَيْسَ فِيهِ جَوَابٌ عَنْ السُّؤَالِ وَهُوَ إخْرَاجُ اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ، وَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِإِرَادَةِ الْأَيَّامِ، وَلَا يُحْتَاجُ لِذِكْرِ التَّاءِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ مَعَ ذِكْرِ الْمَعْدُودِ فَمَعَ حَذْفِهِ يَجُوزُ الْأَمْرَانِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَالسُّؤَالُ مَعَهُ بَاقٍ فِي إخْرَاجِ اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ اهـ.
وَأَفَادَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ جَوَابُ السُّؤَالِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ جَوَابٌ عَنْهُ ثَانٍ، وَأَمَّا اللَّيْلَةُ الْعَاشِرَةُ فَقَدْ أَفَادَهَا قَوْلُهُ فَمَنْ لَمْ يُدْرِكْهُ إلَى آخِرِهِ (مِنْ ذِي الْحِجَّةَ) بِكَسْرِ الْحَاء أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِوُقُوعِ الْحَجِّ فِيهِ، وَقَدْ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] بِذَلِكَ: أَيْ وَقْتُ الْإِحْرَامِ بِهِ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ إذْ فِعْلُهُ لَا يَحْتَاجُ لِأَشْهُرٍ، وَأَطْلَقَهَا عَلَى شَهْرَيْنِ وَبَعْضَ شَهْرٍ تَغْلِيبًا أَوْ إطْلَاقًا لِلْجَمْعِ عَلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ صِحَّةُ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ مَعَ ضِيقِ زَمَنِ الْوُقُوفِ عَنْ إدْرَاكِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَالَ حَجّ: فَإِطْلَاقُهُ عَلَيْهِ حَقِيقِيٌّ إلَّا عِنْدَ مَنْ يَخُصُّ التَّوْقِيتَ بِالْحَدِّ لِلْوَقْتِ فَتُوَسِّعَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ) أَيْ آخِرِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلْحَجِّ عَلَى مَعْنَى أَنَّ مُعْظَمَهُ عَرَفَةُ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الْحَجُّ عَرَفَةَ» (قَوْلُهُ: وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ دَاوُد) أَيْ اعْتَرَضَ مَا فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ مِنْ قَوْلِهِ وَتِسْعٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ (قَوْلُهُ: وَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ) الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْجَوَابِ وَمَا تَقَدَّمَهُ أَنَّ الْمُرَادَ عَلَى الْأَوَّلِ بِالتِّسْعِ الْأَيَّامُ مَعَ اللَّيَالِيِ، وَعَلَى هَذَا الْأَيَّامُ وَحْدَهَا وَاللَّيَالِي مَسْكُوتٌ عَنْهَا فَلَا يَكُونُ فِي كَلَامِهِ إخْرَاجٌ لِلَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ لِعَدَمِ ذِكْرِ اللَّيَالِيِ وَحُكْمُهَا يُعْلَمُ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ حَقِيقَةُ قَوْلِ الشَّارِحِ وَالسُّؤَالُ مَعَهُ بَاقٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا) قَالَ حَجّ: مَا بَيْنَ مُنْتَهَى غُرُوبِ آخَرِ رَمَضَانَ وَفَجْرُ النَّحْرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَيَصِحُّ إحْرَامُهُ بِهِ فِيهِ وَإِنْ انْتَقَلَ بَعْدَهُ إلَى بَلَدٍ أُخْرَى تُخَالِفُ مَطْلِعَ تِلْكَ وَوَجَدَهُمْ صِيَامًا عَلَى الْأَوْجُهِ، لِأَنَّ وُجُوبُ مُوَافَقَتِهِ لَهُمْ فِي الصَّوْمِ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانُ حَجِّهِ الَّذِي انْعَقَدَ لِشِدَّةِ تَثَبُّتِ الْحَجِّ وَلُزُومِهِ، بَلْ قَالَ فِي الْخَادِمِ نَقْلًا عَنْ غَيْرِهِ: لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لَوْ جَامَعَ فِي الثَّانِيَةِ وَإِنْ لَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ.
قَالَ: وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَا تَجِبُ فِطْرَةٌ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ، وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ الْإِحْرَامُ فِيهِ إعْطَاءَ لَهُ حُكْمَ شَوَّالٍ. اهـ.
وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَفَّارَةِ قَرِيبٌ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ، وَفِي الْفِطْرَةِ يَتَعَيَّنُ فَرْضُهُ فِيمَا إذَا حَدَّثَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ فِي الْبَلَدِ الْأَوَّلِ قَبْلَ غُرُوبِ الْيَوْمِ الثَّانِي، وَإِلَّا فَالْوَجْهُ لُزُومِهَا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِيهَا بِمَحِلِّ الْمُؤَدَّى عَنْهُ، وَأَمَّا الْإِحْرَامُ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ عَدَمُ صِحَّته لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ انْتَقَلَ إلَيْهَا صَارَ مِثْلَهُمْ فِي الصَّوْمِ، فَكَذَا الْحَجُّ لِأَنَّهُ لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا وَلَا تُرَدُّ الْكَفَّارَةُ لِمَا
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ) أَيْ فِي مَقَامِ اخْتِصَارِ كَلَامِ الْمُهِمَّاتِ فَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالسُّؤَالُ مَعَهُ بَاقٍ لِأَنَّهُ تَعَقُّبٌ مِنْهُ لِكَلَامِ صَاحِبِ الْمُهِمَّاتِ فَانْدَفَعَ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ التَّنَافِي فِي طَرَفَيْ كَلَامِهِ.
(قَوْلُهُ: أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ جَوَابٌ عَنْ السُّؤَالِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ جَوَابَيْ الْأَصْحَابِ وَصَاحِبِ الْمُهِمَّاتِ وَاحِدٌ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشِّقِّ الْأَوَّلِ مِنْ شِقَّيْ التَّرْدِيدِ فِي كَلَامِ ابْنِ دَاوُد، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْأَصْحَابَ يَقُولُونَ حَذَفَ التَّاءَ تَغْلِيبًا لِلَّيَالِيِ الْمُرَادَةِ مَعَ الْأَيَّامِ، فَالْمُرَادُ بِاللَّيَالِيِ فِي كَلَامِهِمْ لَيَالِي تِلْكَ الْأَيَّامِ التِّسْعَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ وَالِدِ الشَّارِحِ وَإِنَّمَا لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ لِأَنَّ الْمُسْتَشْكِلَ لَمْ يَسْأَلْ عَنْهَا، خِلَافُ مَا يُوهِمُهُ قَوْلُ ابْنِ الْعِرَاقِيِّ، وَالسُّؤَالُ بَاقٍ مَعَهُ إلَخْ، وَصَاحِبُ الْمُهِمَّاتِ يَقُولُ: حَذَفَ التَّاءَ لِحَذْفِ الْمَعْدُودِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ فِي هَذِهِ الْقَوْلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا يُعْلَمُ مَا وَقَعَ فِي
كَأَنْ أَحْرَمَ بِهِ فِي لَيْلَةِ النَّحْرِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ زَمَنِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مَا يَصِحُّ مَعَهُ إدْرَاكُهُ، وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ قَالَ: وَهَذَا بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْجُمُعَةِ لِبَقَاءِ الْحَجِّ حَجًّا بِفَوَاتِ الْوُقُوفِ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ اهـ.
وَمُرَادُهُمْ أَنَّ هَذَا وَقْتُهُ مَعَ إمْكَانِهِ فِي بَقِيَّةِ الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ مِنْ مِصْرَ يَوْمَ عَرَفَةَ لَمْ يَنْعَقِدْ الْحَجُّ بِلَا شَكٍّ. قَالَهُ فِي الْخَادِمِ قَالَ: وَفِي انْعِقَادِهِ عُمْرَةً تَرَدُّدٌ وَالْأَرْجَحُ نَعَمْ.
وَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ الْحَجَّ إنْ كَانَتْ مِنْ شَوَّالٍ وَإِلَّا فَعُمْرَةٌ فَبَانَتْ مِنْ شَوَّالٍ فَحَجٌّ وَإِلَّا فَعُمْرَةٌ، وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ يَعْتَقِدُ تَقَدُّمَهُ عَلَى وَقْتِهِ فَبَانَ فِيهِ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ أَخْطَأَ الْوَقْتَ كُلُّ الْحَجِيجِ فَهَلْ يُغْتَفَرُ كَخَطَأِ الْوُقُوفِ أَوْ يَنْعَقِدُ عُمْرَةً؟ وَجْهَانِ، أَوْفَقُهُمَا الثَّانِي أَخْذًا بِعُمُومِ كَلَامِهِمْ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْغَلَطَ ثَمَّ يَقَعُ كَثِيرًا فَاقْتَضَتْ الْحَاجَةُ بَلْ الضَّرُورَةُ الْمُسَامَحَةُ بِهِ، وَهُنَا لَا يَقَعُ إلَّا نَادِرًا فَلَمْ يُغْتَفَرْ وَلَوْ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَجِيجِ الْعَامِّ، وَأَيْضًا فَالْغَلَطُ هُنَا إنَّمَا يَنْشَأُ عَنْ تَقْصِيرٍ بِخِلَافِهِ ثَمَّ، فَإِنَّهُ يَنْشَأُ عَنْ كَوْنِ الْهِلَالِ غُمَّ عَلَيْهِمْ وَلَا حِيلَةَ لَهُمْ فِي دَفْعِهِ، وَأَيْضًا فَالْغَلَطُ هُنَا إنْ كَانَ بِتَقْدِيمِ الْعِبَادَةِ عَلَى وَقْتِهَا فَهُوَ كَالْوُقُوفِ فِي الثَّامِنِ، وَإِنْ كَانَ بِتَأْخِيرِهَا عَنْهُ فَهُوَ كَالْوُقُوفِ فِي الْحَادِي عَشَرَ وَسَيَأْتِي أَنَّهُمَا لَا يُجْزِئَانِ (وَفِي لَيْلَةِ النَّحْرِ) وَهِيَ الْعَاشِرَةُ (وَجْهٌ) أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ اللَّيَالِيَ تَبَعٌ لِلْأَيَّامِ وَيَوْمُ النَّحْرِ لَا يَصِحُّ فِيهِ الْإِحْرَامُ فَكَذَا لَيْلَتُهُ (فَلَوْ)(أَحْرَمَ بِهِ) أَيْ الْحَجِّ حَلَالٌ (فِي غَيْرِ وَقْتِهِ) كَرَمَضَانَ أَوْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا (انْعَقَدَ) إحْرَامُهُ بِذَلِكَ (عُمْرَةً) مُجْزِئَةً عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ (عَلَى الصَّحِيحِ) سَوَاءٌ أَكَانَ عَالِمًا أَمْ جَاهِلًا لِشِدَّةِ تَعَلُّقِ الْإِحْرَامِ وَلُزُومِهِ، فَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ الْوَقْتُ مَا أَحْرَمَ بِهِ انْصَرَفَ؛ لِمَا يَقْبَلُهُ وَهُوَ الْعُمْرَةُ، وَلِأَنَّهُ إذَا بَطَلَ قَصْدُ الْحَجِّ فِيمَا إذَا نَوَاهُ بَقِيَ مُطْلَقُ الْإِحْرَامِ، وَالْعُمْرَةُ تَنْعَقِدُ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ كَمَا مَرَّ، وَالثَّانِي لَا يَنْعَقِدُ عُمْرَةً كَمَا لَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَتَحَلَّلَ بِأَعْمَالِ عُمْرَةٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّمَانَيْنِ لَيْسَ وَقْتًا لِلْحَجِّ، فَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِحَجٍّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ حَجًّا لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ وَلَا عُمْرَةً،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
عَلِمْت اهـ بِحُرُوفِهِ (قَوْلُهُ: مَا يَصِحُّ مَعَهُ) أَيْ مَا يَتَأَتَّى مَعَهُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْجُمُعَةِ) أَيْ فَإِنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ إذَا ضَاقَ وَقْتُهَا (قَوْلُهُ وَمُرَادُهُمْ أَنَّ هَذَا) قَدْ يَتَوَقَّفُ فِي أَنَّ هَذَا مُرَادُهُمْ بَعْدَ فَرْضِ الْكَلَامِ فِيمَنْ أَحْرَمَ فِي لَيْلَةِ النَّحْرِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يُمْكِنُ مَعَهُ الْوُقُوفُ فَلْيُتَأَمَّلْ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: كَلَامُ الرُّويَانِيِّ مَفْرُوضٌ فِيمَنْ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ الْوُقُوفُ لِمَانِعٍ قَامَ بِخُصُوصِهِ، كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِمَكَّةَ أَوْ مَا يَقْرُبُ مِنْهَا لَيْلَةَ النَّحْرِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْوُقُوفَ لِمَا قَامَ بِهِ مِنْ الْمَانِعِ مَعَ إمْكَانِ الْوُقُوفِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ لِمَنْ أَحْرَمَ ثَمَّةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَ الْخَادِمِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الرُّويَانِيِّ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمْ إذْ هُوَ مَفْرُوضٌ فِيمَنْ أَمْكَنَهُ لَا مُطْلَقًا
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَعُمْرَةٌ) هَذَا يُشْكَلُ بِنَظِيرِهِ فِي صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ حَيْثُ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ رَمَضَانَ إذَا نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ فِي شَعْبَانَ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْهُ وَإِلَّا فَنَفْلٌ فَبَانَ مِنْ رَمَضَانَ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ صَلَاحِيَةُ الْوَقْتِ لِكُلٍّ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَلَا يَرُدُّ أَنَّ الصَّوْمَ صَالِحٌ لِوُقُوعِهِ عَنْ رَمَضَانَ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْهُ لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ، وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ أَشَدُّ تَعَلُّقًا بِالزَّمَانِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَخْطَأَ الْوَقْتَ) أَيْ وَقْتَ دُخُولِ وَقْتِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ) أَيْ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِأَعْمَالِهَا (قَوْلُهُ: وَتَحَلَّلَ) يُتَأَمَّلُ وَجْهُ التَّحَلُّلِ وَأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
حَاشِيَةِ الشَّيْخِ هُنَا (قَوْلُهُ: وَمُرَادُهُمْ أَنَّ هَذَا وَقْتُهُ إلَخْ) اُنْظُرْ مَا مُرَادُ الشَّارِحِ بِسِيَاقِ هَذَا عَقِبَ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ هَلْ مُرَادُهُ تَعَقُّبُهُ بِهِ أَوْ مُجَرَّدُ إثْبَاتِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا أَوْ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ، وَحِينَئِذٍ فَمَا وَجْهُ الْمُغَايِرَةِ وَمَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ لَا يَشْفِي فَلْيُحَرَّرْ، وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي مَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِهِ لِكَلَامِ الرُّويَانِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَأَيْضًا فَالْغَلَطُ هُنَا إلَخْ) قَدْ يُقَالُ هَذَا فَرْقٌ بِالْحُكْمِ إذْ حَاصِلُهُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ هُنَا مُطْلَقًا بِخِلَافِهِ فِي خَطَإِ الْوُقُوفِ وَهُوَ الْحُكْمُ الْمُدَّعَى الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، وَالْفَرْقُ إنَّمَا يَكُونُ بِشَيْءٍ يَرْجِعُ إلَى الْمَعْنَى كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَهُوَ كَالْوُقُوفِ فِي الثَّامِنِ) هَذَا التَّشْبِيهُ كَاَلَّذِي بَعْدَهُ يَقْتَضِي بُطْلَانَ الْإِحْرَامِ مِنْ أَصْلِهِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمُدَّعَى مِنْ انْعِقَادِهِ عُمْرَةً