الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الْحَجِّ]
ِّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَةً: الْقَصْدُ، وَشَرْعًا: قَصْدُ الْكَعْبَةِ لِلْأَفْعَالِ الْآتِيَةِ. قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّهُ نَفْسُ الْأَفْعَالِ الْآتِيَةِ وَاسْتَدَلَّ بِخَبَرِ:«الْحَجُّ عَرَفَةَ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُوَافِقَ لِلْغَالِبِ الْأَوَّلِ مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ يَكُونُ مُشْتَمِلًا عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ بِزِيَادَةٍ، وَلَا دَلَالَةَ لَهُ فِي الْخَبَرِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ مِنْهُ عَرَفَةَ، لَكِنْ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ: أَرْكَانُ الْحَجِّ خَمْسَةٌ أَوْ سِتَّةٌ.
وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذِهِ أَرْكَانٌ لِلْمَقْصُودِ لَا لِلْقَصْدِ الَّذِي هُوَ الْحَجُّ فَتَسْمِيَتُهَا أَرْكَانُ الْحَجِّ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَخَبَرُ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ، وَهُوَ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَالِ وَالْبَدَنِ إلَّا الصَّلَاةَ كَمَا مَرَّ أَنَّهَا أَفْضَلُ.
وَرُوِيَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
كِتَابُ الْحَجِّ (قَوْلُهُ: لُغَةً الْقَصْدُ) أَوْ كَثْرَتُهُ إلَى مَنْ يُعَظِّمُ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُوَافِقَ لِلْغَالِبِ إلَخْ) أَيْ وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ مُبَايِنًا لِلُّغَوِيِّ لَكِنْ بَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةٌ، وَعِبَارَةُ حَجّ اعْتِرَاضًا عَلَى تَفْسِيرِهِ بِالْأَفْعَالِ لَكِنْ يُعَكَّرُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ يَجِبُ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ بِزِيَادَةٍ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٌ هُنَا إلَّا أَنْ يُقَال: إنَّ ذَلِكَ أَغْلَبِيٌّ أَوْ أَنَّ مِنْهَا النِّيَّةَ، وَهِيَ مِنْ جُزَيْئَاتِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَنَظِيرُهُ الصَّلَاةُ الشَّرْعِيَّةُ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الدُّعَاءِ اهـ.
يُعْنَى فَيَكُونُ إطْلَاقُ الْحَجِّ عَلَى الْأَفْعَالِ مَجَازًا مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ بِاسْمِ جُزْئِهِ، وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ: أَيْ قَصْدُ الْكَعْبَةِ إلَى آخِرِهِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ) أَيْ قَوْلُهُ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ) بَلْ مَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا وَحَجَّ خِلَافًا لِمَنْ اسْتَثْنَى هُودًا وَصَالِحًا اهـ زِيَادِي وحج.
وَقَوْلُهُ مَا مِنْ نَبِيٍّ شَمِلَ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِهِ صَرَّحَ السُّيُوطِيّ فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةُ بِالْإِعْلَامِ بِحُكْمِ عِيسَى عليه السلام، فَقَالَ عِيسَى مَعَ بَقَاءِ نُبُوَّتِهِ مَعْدُودٌ فِي أُمَّةِ النَّبِيِّ وَدَاخِلٌ فِي زُمْرَةِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُ اجْتَمَعَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ حَيٌّ مُؤْمِنًا بِهِ وَمُصَدِّقًا، وَكَانَ اجْتِمَاعُهُ بِهِ مَرَّاتٍ فِي غَيْرِ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ مِنْ جُمْلَتِهَا بِمَكَّةَ.
رَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ «أَنَسٍ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ إذْ رَأَيْنَا بَرْدًا وَيَدًا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا الْبَرْدُ الَّذِي رَأَيْنَا وَالْيَدُ؟ قَالَ: قَدْ رَأَيْتُمُوهُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: ذَاكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ سَلَّمَ عَلَيَّ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ «أَنَسٍ قَالَ كُنْت أَطُوفُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَوْلَ الْكَعْبَةِ إذْ رَأَيْته صَافَحَ شَيْئًا وَلَا نَرَاهُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاك صَافَحْت شَيْئًا وَلَا نَرَاهُ، قَالَ: ذَاكَ أَخِي عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ انْتَظَرْته حَتَّى قَضَى طَوَافَهُ فَسَلَّمْت عَلَيْهِ»
اهـ بِحُرُوفِهِ رحمه الله (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ) قَالَ الزِّيَادِيُّ: وَالْحَجُّ يُكَفِّرُ الْكَبَائِرَ وَالصَّغَائِرَ حَتَّى التَّبَعَاتِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إنَّ مَاتَ فِي حَجِّهِ أَوْ بَعْدِهِ وَقَبْلِ تُمَكِّنْهُ مِنْ أَدَائِهَا (قَوْلُهُ: لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَالِ) وَهُوَ مَا يَجِبُ أَوْ يُنْدَب مِنْ الدِّمَاءِ الْآتِيَةِ.
ــ
[حاشية الرشيدي]
كِتَابُ الْحَجِّ (قَوْلُهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذِهِ أَرْكَانٌ لِلْمَقْصُودِ إلَخْ) هَذَا الْجَوَابُ لِلشِّهَابِ حَجّ فِي إمْدَادِهِ، وَلَكِنْ قَالَ الشِّهَابُ سم: إنَّهُ تَكَلُّفٌ بَعِيدٌ.
«أَنَّ آدَمَ عليه السلام لَمَّا حَجَّ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: إنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانُوا يَطُوفُونَ قَبْلَكَ بِهَذَا الْبَيْتِ بِسَبْعَةِ آلَافِ سَنَةٍ» وَرَجَّحَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ إلَّا عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ لَكِنْ قَالَ جَمْعٌ: إنَّهُ غَرِيبٌ، بَلْ وَجَبَ عَلَى غَيْرِهَا أَيْضًا. .
ثُمَّ النُّسُكُ: إمَّا فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى مَنْ لَمْ يَحُجَّ بِشَرْطِهِ أَوْ كِفَايَةٍ لِلْأَحْيَاءِ أَوْ تَطَوُّعٍ وَيُتَصَوَّرُ فِي الْأَرِقَّاءِ وَالصِّبْيَانِ، إذْ فَرْضُ الْكِفَايَةِ لَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِمْ.
نَعَمْ لَوْ تَطَوَّعَ مِنْهُمْ مَنْ تَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ احْتَمَلَ أَنْ يَسْقُطَ بِفِعْلِهِمْ الْحَرَجُ عَنْ الْمُكَلَّفِينَ كَمَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، لَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي إيضَاحِهِ اعْتِبَارُ التَّكْلِيفِ فِيمَنْ يَسْقُطُ بِفِعْلِهِ الْفَرْضُ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يُشْتَرَطُ لِعَدَدِ الْمُحَصِّلِينَ لِهَذَا الْفَرْضِ قَدْرٌ مَخْصُوصٌ، بَلْ الْفَرْضُ أَنْ يُوجَدَ فِيهَا فِي الْجُمْلَةِ مِنْ بَعْضِ الْمُكَلَّفِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً (هُوَ فَرْضٌ) أَيْ مَفْرُوضٌ بِالشَّرَائِطِ الْآتِيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] الْآيَةَ، وَلِخَبَرِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ إنْ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ وَفُرِضَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ كَمَا صَحَّحَاهُ فِي السِّيَرِ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ الرَّافِعِيُّ هُنَا بِأَنَّهُ سَنَةَ خَمْسٍ، وَجَمَعَ بَيْن الْكَلَامَيْنِ بِأَنَّ الْفَرِيضَةَ قَدْ تَنْزِلُ وَيَتَأَخَّرُ الْإِيجَابُ عَلَى الْأُمَّةِ وَهَذَا كَقَوْلِهِ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14] فَإِنَّهَا آيَةٌ مَكِّيَّةٌ، وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ مَدَنِيَّةٌ، وَلَا يَجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ سِوَى مَرَّةِ فِي الْعُمْرِ، وَيَجِبُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِعَارِضٍ كَنَذْرٍ وَقَضَاءٍ عِنْدَ إفْسَادِ التَّطَوُّعِ.
(وَكَذَا الْعُمْرَةُ) فَرْضٌ (فِي الْأَظْهَرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] أَيْ ائْتُوا بِهِمَا تَامَّيْنِ، وَلِخَبَرِ «عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: نَعَمْ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: بَلْ وَجَبَ عَلَى غَيْرِهَا) مُعْتَمَدٌ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ أَوَّلًا وَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ مَنْدُوبًا
(قَوْلُهُ: فِي الْأَرِقَّاءِ وَالصَّبِيَّانِ) أَيْ وَالْمَجَانِينِ عَلَى مَا يَأْتِي (قَوْله اعْتِبَارُ التَّكْلِيفِ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ) وَحَجّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا وَقَبْلَ الْهِجْرَةِ حُجَجًا لَا يُدْرَى عَدَدُهَا، وَتَسْمِيَةُ هَذِهِ حُجَجًا إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ إذْ لَمْ يَكُنْ عَلَى قَوَانِينِ الْحَجِّ الشَّرْعِيِّ بِاعْتِبَارِ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ النَّسِيءِ وَغَيْرِهِ بَلْ قِيلَ فِي حَجَّةِ أَبِي بَكْرٍ فِي التَّاسِعَةِ ذَلِكَ لَكِنْ الْوَجْهُ خِلَافُهُ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَا يَأْمُرُ إلَّا بِحَجٍّ شَرْعِيٍّ، وَكَذَا يُقَال فِي الثَّامِنَةِ الَّتِي أَمَرَ فِيهَا عَتَّابَ بْنَ أُسَيْدَ أَمِيرَ مَكَّةَ وَبَعْدَهَا حَجَّةُ الْوَدَاعِ لَا غَيْرُ اهـ حَجّ.
وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم قَوْلُهُ: وَحَجَّ صلى الله عليه وسلم إلَخْ قَضِيَّةُ صَنِيعِهِ أَنَّ حَجَّهُ عليه الصلاة والسلام بَعْدَ النُّبُوَّةِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ لَمْ يَكُنْ حَجًّا شَرْعِيًّا، وَهُوَ مُشَكِّلٌ جِدًّا اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ لَا إشْكَالَ فِيهِ لِأَنَّ فِعْلَهُ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ النُّبُوَّةِ قَبْلَ فَرْضِهِ لَمْ يَكُنْ شَرْعِيًّا بِهَذَا الْوَجْهِ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ، فَيُحْمَلُ قَوْلَ حَجّ إذْ لَمْ يَكُنْ عَلَى قَوَانِينِ الشَّرْعِ إلَخْ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى قَوَانِينِ الشَّرْعِ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ.
وَأَمَّا فِعْلُهُ قَبْلَ الْمَبْعَثِ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِوَحْيٍ بَلْ بِإِلْهَامٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَكُنْ شَرْعِيًّا بِهَذَا الْمَعْنَى لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْعٍ إذْ ذَاكَ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مَصُونًا كَسَائِرِ أَفْعَالِهِ عَنْ أَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ الْبَاطِلَةِ.
(وَقَوْلُهُ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ) يُشَكِّلُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ مَكَّةَ إنَّمَا فُتِحَتْ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ، فَبَعَثَ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ لِيَحُجَّ بِالنَّاسِ فِي التَّاسِعَةِ وَحَجَّ عليه الصلاة والسلام فِي الْعَاشِرَةِ، وَقَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ لَمْ يَكُنْ الْمُسْلِمُونَ مُتَمَكِّنِينَ مِنْ الْحَجِّ إلَّا أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِمَا أَجَابَ بِهِ الشَّارِحُ عَنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ الْفَرْضِيَّةَ قَدْ تَنْزِلُ وَيَتَأَخَّرُ الْإِيجَابُ، لَكِنْ فِي كَلَامِ الزِّيَادِيِّ مَا يُخَالِفُ هَذَا الْجَوَابَ حَيْثُ قَالَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَقْوَالِ بِأَنَّ الْفَرْضَ وَقَعَ سَنَةَ خَمْسِ، وَالطَّلَبُ إنَّمَا تَوَجَّهَ سَنَةُ سِتٍّ، وَبَعَثَ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ سَنَةِ تِسْعٍ فَحَجَّ بِالنَّاسِ اهـ.
وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ أَيْضًا عَنْ كَلَامِ الزِّيَادِيِّ بِأَنَّهُ يَشْتَرِطُ لِوُجُوبِ الْمُبَاشَرَةِ الِاسْتِطَاعَةُ كَمَا يَأْتِي وَهِيَ لَمْ تَحْصُلْ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَعَدَمُ فِعْلِهِمْ لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِمْ لَا لِعَدَمِ الطَّلَبِ
(قَوْلُهُ: «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ» ) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِيَتِمَّ بِهَا الِاسْتِدْلَال فَإِنَّ ظَاهِرَهَا وُجُوبُ الْإِتْمَامِ إذَا شَرَعَ وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُوبُ الشَّرْعِ، فَإِنَّ الْمَعْنَى
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ. وَأَمَّا خَبَرُ «سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ قَالَ: لَا وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَك» فَضَعِيفٌ اتِّفَاقًا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَا يُغْتَرُّ بِقَوْلِ التِّرْمِذِيِّ فِيهِ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وَلَا يُغْنِي عَنْهَا الْحَجُّ وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا أَغْنَى الْغُسْلُ عَنْ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ إذْ هُوَ الْأَصْلُ فِي حَقِّ الْمُحْدِثِ، وَإِنَّمَا حَطَّ عَنْهُ إلَى الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ تَخْفِيفًا، فَأَغْنَى عَنْ بَدَنِهِ، وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ أَصْلَانِ. وَالْعُمْرَةُ لُغَةً: الزِّيَارَةُ. وَشَرْعًا: قَصْدُ الْبَيْتِ لِلْأَفْعَالِ الْآتِيَةِ أَوْ نَفْسِ الْأَفْعَالِ كَمَا مَرَّ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهَا سُنَّةٌ لِلْخَبَرِ الْمَارِّ وَلَا تَجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ فِي الْعُمْرِ سِوَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ، حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ: لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَسُمِّيَتْ عُمْرَةً؛ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِي الْعُمْرِ كُلِّهِ وَصَحَّ «عَنْ سُرَاقَةَ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ عُمْرَتُنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ: لَا بَلْ لِلْأَبَدِ» أَوْ وُجُوبُهُمَا مِنْ حَيْثُ الْأَدَاءِ عَلَى التَّرَاخِي فَلِمَنْ وَجَبَا عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ تَأْخِيرُهُمَا بَعْدَ سَنَةِ الْإِمْكَانِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ فُرِضَ سَنَةَ سِتٍّ وَلَمْ يَحُجَّ صلى الله عليه وسلم إلَّا سَنَةَ عَشْرٍ وَمَعَهُ مَيَاسِيرُ لَا عُذْرَ بِهِمْ، وَقِيسَ بِهِ الْعُمْرَةُ وَتَضْيِيقُهُمَا بِنَذْرٍ أَوْ خَوْفِ عَضْبٍ أَوْ تَلَفِ مَالٍ أَوْ قَضَاءِ عَارِضٍ، ثُمَّ مَحَلُّ جَوَازِ التَّأْخِيرِ إنْ عَزَمَ عَلَى فِعْلِهِمَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا لَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِمَا الرِّدَّةُ بَعْدَهُمَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُحْبِطُ الْعَمَلَ إلَّا إنْ اتَّصَلَتْ بِالْمَوْتِ وَإِنْ أَحْبَطَتْ ثَوَابَ الْعَمَلِ مُطْلَقًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْأُمِّ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يَصِيرُ عَلَيْهِ إنْ شَرَعْتُمْ فَأَتَمُّوا (قَوْلُهُ: قَالَ لَا وَأَنْ تَعْتَمِرَ) بِفَتْحِ أَنْ الْمَصْدَرِيَّةِ وَهِيَ وَمَا بَعْدهَا مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ خَيْرٌ، وَعِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ وَإِنْ تَعْتَمِرَ فَهُوَ أَفْضَلُ فَهِيَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ شَرْطِيَّةٌ وَجَوَابُهَا قَوْلُهُ فَهُوَ أَفْضَلُ فَلَعَلَّ الرِّوَايَةَ مُخْتَلِفَةٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى أَعْمَالِهَا (قَوْلُهُ: إذْ هُوَ) أَيْ الْغُسْلُ (قَوْلُهُ: فِي حَقِّ الْمُحَدِّثِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُحَدِّثَ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ لِلصَّلَاةِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُحَدِّثْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غُسْلٌ مَا دَامَتْ طَهَارَتُهُ بَاقِيَةٌ، وَمِنْهُ يَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ كَانَ الْغُسْلُ وَاجِبًا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ لِكُلِّ صَلَاةٍ الْمُرَادُ بِهَا عَلَى الْمُحَدِّثِ (قَوْلُهُ: لُغَةً الزِّيَارَةُ) وَقِيلَ الْقَصْدُ إلَى مَكَان عَامِرَ اهـ شَرْحُ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ: فَقَالَ رَجُلٌ) هُوَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ، هَكَذَا رَأَيْته بِهَامِشِ صَحِيحٍ ثُمَّ رَأَيْته فِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنْيَّةِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ فِي حَجِّهِ عليه السلام (قَوْلُهُ: حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا) أَيْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ اهـ سم عَلَى بَهْجَةٍ (قَوْلُهُ «لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَ» ) أَيْ الْحَجُّ، وَفِي الْمَنْهَجِ لَوَجَبَتْ: أَيْ الْخَصْلَةُ أَوْ الْفَرِيضَةُ، ثُمَّ قَوْلُهُ «لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَ» يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبُ مُعَلَّقًا عَلَى قَوْلِهِ ذَلِكَ فَلَا يُقَالُ هُوَ صلى الله عليه وسلم مُشَرِّعٌ لَا مُوجِبٌ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي سم عَلَى شَرْحِ الْبَهْجَةِ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ «لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ» أَيْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ: أَيْ مُقْتَضَاهَا وَهُوَ الْوُجُوبُ عَلَى كُلٍّ كُلَّ عَامٍ، وَلَعَلَّهُ كَانَ الْوُجُوبُ عَلَى كُلٍّ كُلَّ عَامٍ مُعَلَّقًا عَلَى قَوْلِهِ نَعَمْ، وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ مِنْ الْحَدِيثِ وَسِيَاقُهُ، فَمَا يُقَالُ مِنْ أَنَّهُ وَاجِبٌ كُلَّ عَامٍ عَلَى الْكِفَايَةِ فَكَيْفَ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ وُجُوبِهِ كُلَّ عَامٍ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ نَعَمْ لَوَجَبَ لَا مَنْشَأَ لَهُ إلَّا الْوَهْمُ فَلْيَتَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ: وَمَعَهُ مَيَاسِيرُ لَا عُذْرَ بِهِمْ) فِيهِ أَنَّ مَكَّةَ إنَّمَا فُتِحَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ فَلَمْ يَتَمَكَّنُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مِنْ الْحَجِّ فِي السَّادِسَةِ وَالسَّابِعَةِ نَعَمْ فِي عَدَمِ حَجِّهِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعٍ دَلَالَةٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ (قَوْلُهُ أَوْ تَلِفَ مَالٌ) بِقَرِينَةٍ وَلَوْ ضَعِيفَةٌ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: إنْ عَزَمَ عَلَى فِعْلِهِمَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ) وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَزْمُ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ خَطَبَنَا إلَخْ) هَذَا لَا دَلِيلَ فِيهِ لِلْعُمْرَةِ فَكَانَ الصَّوَابُ ذِكْرَهُ عَقِبَ قَوْلِهِ فِي الْحَجِّ وَلَا يَجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ سِوَى مَرَّةٍ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ الْأَدَاءُ) أَيْ أَمَّا مِنْ حَيْثُ التَّعَلُّقُ فَهُوَ حَاصِلٌ بِالتَّكْلِيفِ مَعَ الِاسْتِطَاعَةِ عَلَى