الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحَلْقَ، وَصُحِّحَ هَذَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ (قُلْت: الْأَظْهَرُ لَا يَحِلُّ عَقْدُ النِّكَاحِ) وَكَذَا الْمُبَاشَرَةُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِخَبَرِ «إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ» (وَإِذَا فَعَلَ الثَّالِثَ) بَعْدَ الِاثْنَيْنِ (حَصَلَ التَّحَلُّلُ الثَّانِي وَحَلَّ بِهِ بَاقِي الْمُحَرَّمَاتِ) إجْمَاعًا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِمَا بَقِيَ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَهُوَ الرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْرِمٍ كَمَا يَخْرُجُ الْمُصَلِّي بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى مِنْ صَلَاتِهِ وَيُطْلَبُ مِنْهُ الثَّانِيَةُ وَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ وَاجِبًا وَثَمَّ مَنْدُوبًا، وَيُسَنُّ تَأْخِيرُ الْوَطْءِ عَنْ بَاقِي أَيَّامِ الرَّمْيِ لِيَزُولَ عَنْهُ أَثَرُ الْإِحْرَامِ، وَلَا يُعَارِضُهُ خَبَرُ «أَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ» لِجَوَازِ ذَلِكَ فِيهَا، إنَّمَا اُسْتُحِبَّ لِلْحَاجِّ تَرْكُ الْجِمَاعِ لِمَا ذُكِرَ، وَمَنْ فَاتَهُ رَمْيُ يَوْمِ النَّحْرِ بِأَنْ أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلَزِمَهُ بَدَلُهُ تَوَقَّفَ التَّحَلُّلُ عَلَى الْبَدَلِ وَلَوْ صَوْمًا لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، وَيُفَارِقُ الْمُحْصَرَ الْعَادِمَ لِلْهَدْيِ حَيْثُ لَمْ يَتَوَقَّفْ تَحَلُّلُهُ عَلَى بَدَلِهِ وَهُوَ الصَّوْمُ بِأَنَّ الْمُحْصَرَ لَيْسَ لَهُ إلَّا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ، فَلَوْ تَوَقَّفَ تَحَلُّلُهُ عَلَى الْبَدَلِ لَشَقَّ عَلَيْهِ الْمُقَامُ عَلَى سَائِرِ مُحَرَّمَاتِ الْحَجِّ إلَى الْإِتْيَانِ بِالْبَدَلِ، وَاَلَّذِي يَفُوتُهُ الرَّمْيُ يُمْكِنُهُ الشُّرُوعُ فِي التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ، فَإِذَا أَتَى بِهِ حَلَّ لَهُ مَا عَدَا النِّكَاحِ وَمُقَدِّمَاتِهِ وَعَقْدِهِ فَلَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي الْإِقَامَةِ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِالْبَدَلِ، هَذَا فِي تَحَلُّلِ الْحَجِّ، أَمَّا الْعُمْرَةُ فَلَيْسَ لَهَا سِوَى تَحَلُّلٍ وَاحِدٍ، إذْ الْحَجُّ يَطُولُ زَمَنُهُ وَتَكْثُرُ أَعْمَالُهُ فَأُبِيحَ بَعْضُ مُحَرَّمَاتِهِ فِي وَقْتٍ وَبَعْضُهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ بِخِلَافِ الْعُمْرَةِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ الْحَيْضُ، وَالْجَنَابَةُ لَمَّا طَالَ زَمَنُ الْحَيْضِ جُعِلَ لِارْتِفَاعِ مَحْظُورَاتِهِ مَحِلَّانِ انْقِطَاعٌ الدَّمِ وَالِاغْتِسَالُ وَالْجَنَابَةُ لَمَّا قَصُرَ زَمَنُهَا جُعِلَ لِارْتِفَاعِ مَحْظُورَاتِهَا مَحَلٌّ وَاحِدٌ. .
فِي
الْمَبِيتِ بِمِنًى لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الَّتِي عَقِبَ يَوْمِ الْعِيدِ وَفِيمَا يُذْكَرُ مَعَهُ (إذَا عَادَ إلَى مِنًى) بَعْدَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى بَعْدَ قُدُومٍ (بَاتَ بِهَا) حَتْمًا (لَيْلَتَيْ) يَوْمَيْ (التَّشْرِيقِ) وَالثَّالِثَةُ أَيْضًا لِلِاتِّبَاعِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ مَعَ خَبَرِ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَالْوَاجِبُ فِيهِ مُعْظَمُ اللَّيْلِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيتُ بِمَكَانٍ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِمُعْظَمِ اللَّيْلِ، وَإِنَّمَا اُكْتُفِيَ بِسَاعَةٍ فِي نِصْفِهِ الثَّانِي بِمُزْدَلِفَةَ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِيهَا بِخُصُوصِهَا عَلَى ذَلِكَ إذْ بَقِيَّةُ الْمَنَاسِكِ يَدْخُلُ وَقْتُهَا بِنِصْفِهِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ مَشَقَّةٌ فَسُومِحَ فِي التَّخْفِيفِ لِأَجْلِهَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَهَلْ لَهُ إذَا تَعَذَّرَ عَوْدُهُ إلَى مَكَّةَ التَّحَلُّلَ كَالْمُحْصَرِ أَوْ لَا لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ الطَّوَافِ مَعَ تَمَكُّنِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يُبْعِدُ الْأَوَّلُ قِيَاسَ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْحَائِضِ وَإِنْ كَانَتْ مَعْذُورَةً، وَتَقْصِيرُهُ بِتَرْكِ الطَّوَافِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ.
لَا يَمْنَعُ لِقِيَامِ الْعُذْرِ بِهِ الْآنَ كَمَنْ كَسَرَ رِجْلَيْهِ عَمْدًا فَعَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ حَيْثُ يُصَلِّي جَالِسًا وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لَوْ شُفِيَ بَعْدَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَبِعَالٍ) أَيْ جِمَاعٍ (قَوْلُهُ: لِمَا ذُكِرَ) أَيْ قَوْلُهُ لِيَزُولَ عَنْهُ أَثَرُ الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ: مَحَلٌّ وَاحِدٌ) أَيْ وَهُوَ الِاغْتِسَالُ.
(فَصْلٌ) فِي الْمَبِيتِ بِمِنًى
(قَوْلُهُ: وَفِيمَا يُذْكَرُ مَعَهُ) كَزِيَارَةِ قَبْرِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَطَوَافِ الْوَدَاعِ (قَوْلُهُ: وَالْوَاجِبُ فِيهِ مُعْظَمُ اللَّيْلِ) هَذَا يَتَحَقَّقُ بِمَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ مَا يُسَمَّى مُعْظَمًا فِي الْعُرْفِ فَلَا يَكْفِي ذَلِكَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
[الْمَبِيتِ بِمِنًى لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ]
فَصْلٌ) فِي الْمَبِيتِ بِمِنًى (قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه نَصَّ فِيهَا بِخُصُوصِهَا عَلَى ذَلِكَ) أَيْ وَمُسْتَنَدُ نَصِّهِ مَا مَرَّ فِي الشَّارِحِ مِنْ أَنَّهُ
وَهَذِهِ الْأَيَّامُ هِيَ الْمَعْدُودَاتُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] وَأَمَّا الْمَعْلُومَاتُ فَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي سُورَةِ الْحَجِّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28] وَهِيَ الْعَشْرُ الْأُوَلُ مِنْ الْحِجَّةِ.
(وَرَمْيُ كُلُّ يَوْمٍ) مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ حَادِي عَشَرَ الْحِجَّةِ وَتَالِيَاهُ (إلَى الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ) وَإِنْ كَانَ الرَّامِي فِيهَا وَالْأُولَى مِنْهَا تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ، وَهِيَ الْكُبْرَى وَالثَّانِيَةُ الْوُسْطَى وَالثَّالِثَةُ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ وَيَرْمِي (كُلَّ جَمْرَةٍ سَبْعَ حَصَيَاتٍ) لِلِاتِّبَاعِ فَمَجْمُوعُ الْمَرْمِيِّ بِهِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ حَصَاةً (فَإِذَا) (رَمَى الْيَوْمَ) الْأَوَّلَ (وَ) الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (وَأَرَادَ النَّفْرَ) مَعَ النَّاسِ (قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ) فِي الْيَوْمِ الثَّانِي (جَازَ وَسَقَطَ مَبِيتُ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ وَرَمَى يَوْمَهَا) وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] وَلِإِتْيَانِهِ بِمُعْظَمِ الْعِبَادَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا بَاتَ اللَّيْلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فَلَوْ لَمْ يَبِتْهُمَا لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ مَبِيتُ الثَّالِثَةِ وَلَا رَمْيُ يَوْمِهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ فِيمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الرُّويَانِيِّ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَكَذَا لَوْ نَفَرَ بَعْدَ الْمَبِيتِ وَقَبْلَ الرَّمْيِ كَمَا يَفْهَمُهُ تَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ بِبُعْدِ الرَّمْيِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْعُمْرَانِيُّ عَنْ الشَّرِيفِ الْعُثْمَانِيِّ قَالَ: لِأَنَّ هَذَا النَّفْرَ غَيْرُ جَائِزٍ، قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: وَهُوَ صَحِيحٌ مُتَّجَهٌ، وَاسْتَظْهَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَالشَّرْطُ أَنْ يَنْفِرَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالرَّمْيِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: الْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ النَّفْرِ إلَى الثَّالِثِ لَا سِيَّمَا لِلْإِمَامِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِلِاتِّبَاعِ إلَّا لِعُذْرٍ كَغَلَاءٍ وَنَحْوِهِ، بَلْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لَيْسَ لِلْإِمَامِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَتْبُوعٌ فَلَا يَنْفِرُ إلَّا بَعْدَ كَمَالِ الْمَنَاسِكِ، حَكَاهُ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَيَتْرُكُ حَصَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ أَوْ يَدْفَعُهَا لِمَنْ لَمْ يَرْمِ وَلَا يَنْفِرُ بِهَا، وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ مِنْ دَفْنِهَا فَلَا أَصْلَ لَهُ.
(فَإِنْ)(لَمْ يَنْفِرْ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا أَيْ يَذْهَبْ (حَتَّى غَرَبَتْ) أَيْ الشَّمْسُ (وَجَبَ مَبِيتُهَا وَرَمْيُ الْغَدِ) وَلَوْ غَرَبَتْ وَهُوَ فِي شُغْلِ الِارْتِحَالِ فَلَهُ النَّفْرُ؛ لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِ حَلَّ الرَّحْلِ وَالْمَتَاعِ مَشَقَّةٌ عَلَيْهِ، كَذَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِأَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الرَّافِعِيِّ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: غَلَطٌ سَبَبُهُ سُقُوطُ شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ الْعَزِيزِ، وَالْمُصَحَّحُ فِيهِ وَفِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَمَنَاسِكِ الْمُصَنِّفِ امْتِنَاعُ النَّفْرِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ارْتَحَلَ وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ مِنْ مِنًى فَإِنَّ لَهُ النَّفْرَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يَخْرُجُ مِنْ هَذَا مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى، وَهِيَ أَنَّ أُمَرَاءَ الْحَجِيجِ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ يَبِيتُونَ بِمُعْظَمِ الْحَجِيجِ بِمِنَى اللَّيْلَةَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الْأَيَّامُ) أَيْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ
(قَوْلُهُ: وَهِيَ الْكُبْرَى) وَتَقَدَّمَ أَنَّ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ تُسَمَّى الْكُبْرَى فَلَفْظُ الْكُبْرَى مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ وَجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَنْفِرُ بِهَا) أَيْ لَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ
(قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا) عِبَارَةُ الْمُخْتَارِ نَفَرَتْ الدَّابَّةُ تَنْفِرُ بِالْكَسْرِ نِفَارًا وَتَنْفُرُ بِالضَّمِّ نُفُورًا وَنَفَرَ الْحَاجُّ مِنْ مِنًى مِنْ بَابِ ضَرَبَ.
اهـ.
وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ كحج إلَّا أَنْ يُقَالَ مَا ذَكَرَاهُ طَرِيقَةٌ أُخْرَى فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: امْتِنَاعُ النَّفْرِ) مُعْتَمَدٌ حَجّ، وَقُوَّةُ كَلَامِ الشَّارِحِ تَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي أَنَّهُ غَلِطَ وَوَسَّطَ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ كَلَامَ الْأَذْرَعِيِّ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ: أَيْ إذَا غَرَبَتْ وَهُوَ فِي شُغْلِ الِارْتِحَالِ إلَخْ (قَوْلُهُ: يَخْرُجُ مِنْ هَذَا) أَيْ مِنْ سُقُوطِ الْعَوْدِ لِلْمَشَقَّةِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
لَمْ يَرِدْ فِيهَا الْمَبِيتُ بِخِلَافِ مِنًى
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الرَّامِي فِيهَا) لَعَلَّ الْمُرَادَ وَإِنْ كَانَ وَاقِفًا فِي مَحَلِّ الرَّمْيِ لَكِنَّ هَذَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
(قَوْلُهُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يَخْرُجُ مِنْ هَذَا مَسْأَلَةُ إلَخْ) مَرْجِعُ الْإِشَارَةِ فِي كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ هُوَ الْآتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ بَعْدُ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ نَفَرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ عَادَ إلَى مِنًى لِحَاجَةٍ إلَخْ، فَكَانَ الصَّوَابُ ذِكْرَهُ قَبْلَ هَذَا لِيَنْتَظِمَ الْكَلَامُ.
وَعِبَارَةُ الْأَذْرَعِيِّ: وَلَوْ نَفَرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَلَهُ النَّفْرُ فِي الْأَصَحِّ، فَلَوْ تَبَرَّعَ بِالْمَبِيتِ لَمْ يَلْزَمْهُ رَمْيُ الْغَدِ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فَيَخْرُجُ مِنْهُ مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ إلَخْ.
وَحَاصِلُ مُرَادِهِ أَنَّ هَذَا الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ حِيلَةٌ فِي دَفْعِ الْإِثْمِ وَالْفِدْيَةِ فِيمَا كَانَ يُفْعَلُ فِي زَمَنِهِ مِنْ نَفْرِ أَمِيرِ الْحَجِيجِ ضَحْوَةَ الثَّالِثِ
الثَّالِثَةَ مِنْ التَّشْرِيقِ ثُمَّ يَنْفِرُونَ غَالِبًا بُكْرَةَ الثَّالِثِ وَيَدَعُونَ الرَّمْيَ بَعْدَ الزَّوَالِ، فَلَا يُمْكِنُ التَّخَلُّفُ عَنْهُمْ خَوْفًا عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالِانْقِطَاعِ، وَلَوْ نَفَرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ عَادَ إلَى مِنًى لِحَاجَةٍ كَزِيَارَةٍ فَغَرُبَتْ أَوْ غَرُبَتْ فَعَادَ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى فَلَهُ النَّفْرُ وَسَقَطَ عَنْهُ الْمَبِيتُ وَالرَّمْيُ، بَلْ لَوْ بَاتَ هَذَا مُتَبَرِّعًا سَقَطَ عَنْهُ الرَّمْيُ لِحُصُولِ الرُّخْصَةِ لَهُ بِالرَّمْيِ، وَلَوْ عَادَ لِلْمَبِيتِ وَالرَّمْيِ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّا جَعَلْنَا عَوْدَهُ لِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِنًى، وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّا نَجْعَلُهُ كَالْمُسْتَدِيمِ لِلْفِرَاقِ وَنَجْعَلُ وُجُودَهُ كَعَدَمِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّمْيُ وَلَا الْمَبِيتُ.
وَيَجِبُ دَمٌ بِتَرْكِ مَبِيتِ مِنًى لِتَرْكِهِ الْمَبِيتَ الْوَاجِبَ كَنَظِيرِهِ فِي تَرْكِ مَبِيتِ مُزْدَلِفَةَ، وَفِي تَرْكِ مَبِيتِ لَيْلَةٍ مِنْ مِنًى مُدٌّ، وَلَيْلَتَيْنِ مُدَّانِ مِنْ الطَّعَامِ، وَفِي تَرْكِ الثَّلَاثِ مَعَ لَيْلَةِ مُزْدَلِفَةَ دَمَانِ لِاخْتِلَافِ الْمَبِيتَيْنِ مَكَانًا، وَيُفَارِقُ مَا يَأْتِي فِي تَرْكِ الرَّمْيَيْنِ بِأَنَّ تَرْكَهُمَا يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ مَكَانَيْنِ وَزَمَانَيْنِ، وَتَرْكُ الرَّمِيَّيْنِ لَا يَسْتَلْزِمُ إلَّا تَرْكَ زَمَانَيْنِ، فَلَوْ نَفَرَ مَعَ تَرْكِهِ مَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ مِنْ أَيَّامِ مِنًى فِي الثَّانِي أَوْ فِي الْأَوَّلِ فَدَمٌ، وَيَسْقُطُ الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَالدَّمُ عَنْ الرِّعَاءِ إنْ خَرَجُوا مِنْهُمَا قَبْلَ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ أَنْ يَتْرُكُوا الْمَبِيتَ بِمِنًى، وَقِيسَ بِمِنًى مُزْدَلِفَةَ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجُوا قَبْلَ الْغُرُوبِ بِأَنْ كَانُوا بِهِمَا بَعْدَهُ لَزِمَهُمْ مَبِيتُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَالرَّمْيُ مِنْ الْغَدِ، وَصُورَةُ ذَلِكَ فِي مَبِيتِ مُزْدَلِفَةَ أَنْ يَأْتِيَهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا حِينَئِذٍ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَعَنْ أَهْلِ السِّقَايَةِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدِ خُرُوجِهِمْ بِقَبْلِ الْغُرُوبِ وَلَوْ كَانَتْ مُحْدَثَةً، إذْ غَيْرُ الْعَبَّاسِ مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ السِّقَايَةِ فِي مَعْنَاهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَبَّاسِيًّا، وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيِّدْ خُرُوجَهُمْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُمْ بِاللَّيْلِ بِخِلَافِ الرِّعَاءِ، وَلِأَهْلِ الرِّعَاءِ وَالسِّقَايَةِ تَأْخِيرُ الرَّمْيِ يَوْمًا فَقَطْ يُؤَدُّونَهُ فِي تَالِيهِ قَبْلَ رَمْيِهِ لَا رَمْيَ يَوْمَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ بِالنِّسْبَةِ لِوَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَإِلَّا فَقَدْ مَرَّ بَقَاءُ وَقْتِ الْجَوَازِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَيُعْذَرُ فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ وَعَدَمِ لُزُومِ الدَّمِ أَيْضًا خَائِفٌ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ أَوْ فَوْتِ مَطْلُوبٍ كَآبِقٍ أَوْ ضَيَاعِ مَرِيضٍ بِتَرْكِ تَعَهُّدِهِ أَوْ مَوْتِ نَحْوِ قَرِيبِهِ فِي غَيْبَتِهِ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ ذُو عُذْرٍ فَأَشْبَهَ الرِّعَاءَ وَأَهْلَ السِّقَايَةِ، وَلَهُ أَنْ يَنْفِرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَاسْتَنْبَطَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ مِنْ شَرْطِ مَبِيتِهِ فِي مَدْرَسَةٍ مَثَلًا خَارِجَهَا لِخَوْفٍ عَنْ نَفْسٍ أَوْ زَوْجَةٍ أَوْ مَالٍ أَوْ نَحْوِهَا لَمْ يَسْقُطْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: خَوْفًا عَلَى النَّفْسِ إلَخْ) أَيْ فَيَسْقُطُ عَنْهُمْ الرَّمْيُ لِاضْطِرَارِهِمْ لِلِارْتِحَالِ (قَوْلُهُ: سَقَطَ عَنْهُ الرَّمْيُ) أَيْ وَإِنْ بَقِيَ لِلزَّوَالِ (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ دَمٌ بِتَرْكِ مَبِيتِ مِنًى) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَبِتْ أَصْلًا (قَوْلُهُ: فِي الثَّانِي) أَيْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي (قَوْلُهُ: أَوْ فِي الْأَوَّلِ فَدَمٌ) لَعَلَّهُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى تَرْكِ الرَّمْيِ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ فِي تَرْكِ اللَّيْلَتَيْنِ مُدَّيْنِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ مُحْدَثَةً) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ السِّقَايَةُ مُحْدَثَةً لَهُ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيِّدْ خُرُوجَهُمْ بِذَلِكَ) أَيْ بِقَبْلِ الْغُرُوبِ (قَوْلُهُ: خَائِفٌ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَلَّ.
وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ مَالٌ لَهُ وَقَعَ فَلَا يُؤَثِّرُ الْخَوْفُ عَلَى أَقَلِّ مُتَمَوِّلٍ
ــ
[حاشية الرشيدي]
بِأَنْ يَنْفِرُوا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي ثُمَّ يَعُودُونَ إلَى مِنًى، فَإِذَا بَاتُوا اللَّيْلَةَ الثَّالِثَةَ فَهُمْ مُتَبَرِّعُونَ بِهَا فَلَا يَلْزَمُهُمْ رَمْيُ الثَّالِثِ، وَقَدْ أَفْصَحَ هُوَ بِهَذَا الْمُرَادِ فِيمَا بَعْدُ حَيْثُ قَالَ: وَطَرِيقُ مَنْ أَرَادَ الْمَبِيتَ بِمِنًى اللَّيْلَةَ الثَّالِثَةَ وَلَا يُمْكِنُهُ النَّفْرُ الْأَوَّلُ أَنْ يُفَارِقَ مِنًى بَعْدَ رَمْيِ الْيَوْمِ الثَّانِي قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ يَعُودَ إلَيْهَا وَيَبِيتَ بِهَا، فَإِذَا أَصْبَحَ بِهَا فَلَا رَمْيَ عَلَيْهِ فَيَنْفِرُ مَتَى شَاءَ وَيُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ مَتَى شَاءَ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ: لِمَ لَا يَكُونُ الْخَوْفُ الْمَذْكُورُ عُذْرًا مُسْقِطًا لِلْإِثْمِ وَالْفِدْيَةِ أَخْذًا مِمَّا سَيَأْتِي فِي قَوْلِ الشَّارِحِ: وَيُعْذَرُ فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ وَعَدَمِ لُزُومِ الدَّمِ أَيْضًا خَائِفٌ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ إلَخْ، فَإِذَا سَقَطَ الْمَبِيتُ الْمَتْبُوعُ بِالرَّمْيِ مِنْ أَصْلِهِ بِهَذِهِ الْأَعْذَارِ فَسُقُوطُ بَعْضٍ تَابِعٌ أَوْلَى فَلْيُحَرَّرْ، وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ مَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: وَاسْتَنْبَطَ الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ) تَعَقَّبَهُ الشِّهَابُ حَجّ فِي التُّحْفَةِ ثُمَّ قَالَ: وَسَيَأْتِي آخِرَ الْجِعَالَةِ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ الرَّاجِحِ فِي ذَلِكَ.
مِنْ جَامِكِيَّتِهِ شَيْءٌ كَمَا لَا يُجْبَرُ تَرْكُ الْمَبِيتِ لِلْعُذْرِ بِالدَّمِ قَالَ: وَهُوَ مِنْ النَّفَائِسِ الْحُسْنَى وَلَمْ أُسْبَقْ إلَيْهِ.
وَيُنْدَبُ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يَخْطُبَ بِالنَّاسِ بَعْدَ صَلَاةِ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ بِمِنًى خُطْبَةً يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا حُكْمَ الطَّوَافِ وَالرَّمْيِ وَالنَّحْرِ وَالْمَبِيتِ وَمَنْ يُعْذَرُ فِيهِ، ثُمَّ يَخْطُبُ بِهِمْ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِمِنًى خُطْبَةً ثَانِيَةً ثَانِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِلِاتِّبَاعِ وَيُعَلِّمُهُمْ فِيهَا جَوَازَ النَّفْرِ فِيهِ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ وَغَيْرِهِ وَيُوَدِّعُهُمْ وَيَأْمُرُهُمْ بِخَتْمِ الْحَجِّ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَهَاتَانِ الْخُطْبَتَانِ لَمْ نَرَ مَنْ يَفْعَلُهُمَا فِي زَمَانِنَا
(وَيَدْخُلُ رَمْيُ) كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ (التَّشْرِيقِ بِزَوَالِ الشَّمْسِ) مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِلِاتِّبَاعِ، وَيُسَنُّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ تَقْدِيمُهُ عَلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ إنْ لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ وَإِلَّا قَدَّمَ الصَّلَاةَ مَا لَمْ يَكُنْ مُسَافِرًا فَيُؤَخِّرُهَا بِنِيَّةِ الْجَمْعِ (وَيَخْرُجُ) أَيْ وَقْتُهُ الِاخْتِيَارِيُّ (بِغُرُوبِهَا) مِنْ كُلِّ يَوْمٍ. أَمَّا وَقْتُ الْجَوَازِ فَيَبْقَى إلَى غُرُوبِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَمَا مَرَّ (وَقِيلَ يَبْقَى إلَى الْفَجْرِ) كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَمَحَلُّ هَذَا الْوَجْهِ فِي غَيْرِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، أَمَّا هُوَ فَيَخْرُجُ وَقْتُ رَمْيِهِ بِغُرُوبِ شَمْسِهِ جَزْمًا لِخُرُوجِ وَقْتِ الْمَنَاسِكِ بِغُرُوبِ شَمْسِهِ.
وَلِلرَّمْيِ شُرُوطٌ ذَكَرَهَا فِي قَوْلِهِ (وَيُشْتَرَطُ رَمْيُ) الْحَصَيَاتِ (السَّبْعِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً) سَبْعَ مَرَّاتٍ لِلِاتِّبَاعِ مَعَ خَبَرِ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَلَوْ بِتَكْرِيرِ حَصَاةٍ كَمَا لَوْ دَفَعَ مُدًّا لِفَقِيرٍ عَنْ كَفَّارَتِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ وَدَفَعَهُ لِآخَرَ، وَعَلَى هَذَا تَتَأَدَّى الرَّمَيَاتُ كُلُّهَا بِحَصَاةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَوْ رَمَى حَصَاتَيْنِ مَعًا وَلَوْ بِرَمْيِ إحْدَاهُمَا بِالْيَمِينِ وَالْأُخْرَى بِالْيَسَارِ وَتَرَتَّبَتَا فِي الْوُقُوعِ أَوْ وَقَعَتَا مَعًا فَوَاحِدَةٌ أَوْ رَمَاهُمَا مُتَرَتِّبَتَيْنِ فَوَقَعَتَا مَعًا أَوْ مُتَرَتِّبَتَانِ فَاثْنَتَانِ اعْتِبَارًا بِالرَّمْيِ، وَكَذَا إنْ وَقَعَتْ الثَّانِيَةُ قَبْلَ الْأُولَى (وَ) يُشْتَرَطُ (تَرْتِيبُ الْجَمَرَاتِ) فِي رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِأَنْ يَبْدَأَ بِالْجَمْرَةِ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ ثُمَّ الْوُسْطَى ثُمَّ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ لِلِاتِّبَاعِ كَمَا فِي السَّعْيِ، فَلَا يُعْتَدُّ بِرَمْيِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْأُولَى وَلَا بِالثَّالِثَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْأُولَيَيْنِ، وَلَوْ تَرَكَ حَصَاةً وَشَكَّ فِي مَحَلِّهَا مِنْ الثَّلَاثِ جَعَلَهَا مِنْ الْأُولَى احْتِيَاطًا فَيَرْمِي بِهَا إلَيْهَا وَيُعِيدُ رَمْيَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ، إذْ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الرَّمْيِ فِي الْجَمَرَاتِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَإِنَّمَا تُسَنُّ فَقَطْ كَمَا فِي الطَّوَافِ، وَلَوْ تَرَكَ حَصَاتَيْنِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَحَلَّهُمَا جَعَلَ وَاحِدَةً مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَوَاحِدَةً مِنْ ثَالِثِهِ وَهُوَ يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلِ مِنْ أَيِّ جَمْرَةٍ كَانَتْ أَخْذًا بِالْأَسْوَإِ وَحَصَلَ رَمْيُ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَحَدُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الرَّمْيِ بِيَدِهِ لَا بِقَوْسٍ وَرِجْلٍ لِعَدَمِ انْطِلَاقِ اسْمِ الرَّمْيِ عَلَى ذَلِكَ وَلَا بِالرَّمْيِ بِالْمِقْلَاعِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَلَوْ وَضَعَهَا فِي فِيهِ وَلَفَظَهَا إلَى الْمَرْمَى لَمْ يُجْزِئْهُ، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ.
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا نَقْلَ فِيهِ وَيَحْتَمِلُ الْإِجْزَاءَ (وَكَوْنُ الْمَرْمِيِّ حَجَرًا) وَلَوْ يَاقُوتًا وَحَجَرَ حَدِيدٍ وَبِلَّوْرٍ وَعَقِيقٍ وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ نَعَمْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يَظْهَرُ تَحْرِيمُ الرَّمْيِ بِالْيَاقُوتِ وَنَحْوِهِ إذَا كَانَ الرَّمْيُ يَكْسِرُهَا وَيُذْهِبُ مُعْظَمَ مَالِيَّتِهَا وَلَا سِيَّمَا النَّفِيسُ مِنْهَا لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَالسَّرَفِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ غَصَبَهُ أَوْ سَرَقَهُ وَرَمَى بِهِ كَفَى، ثُمَّ رَأَيْت الْقَاضِيَ ابْنَ كَجٍّ جَزَمَ بِهِ قَالَ: كَالصَّلَاةِ فِي الْمَغْصُوبِ، وَخَرَجَ الرَّمْيُ بِغَيْرِهِ كَلُؤْلُؤٍ وَتِبْرٍ وَإِثْمِدٍ وَنُورَةٍ وَزِرْنِيخٍ وَمَدَرٍ وَجِصٍّ وَآجُرٍّ وَخَزَفٍ وَمِلْحٍ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَيُنْدَبُ لِلْإِمَامِ) أَيْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ الْحُجَّاجِ لَمْ يَطُفْ
(قَوْلُهُ: وَأَحَدُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) أَيْ وَيَبْقَى عَلَيْهِ رَمْيُ يَوْمٍ فَإِنْ تَدَارَكَهُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ وَإِلَّا لَمْ يَسْقُطْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَضَعَهَا فِي فِيهِ وَلَفَظَهَا إلَى الْمَرْمَى لَمْ يُجْزِئْهُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْيَدِ وَقَدَرَ عَلَى الرَّمْيِ بِقَوْسٍ فِيهَا وَبِفَمٍ وَبِرِجْلٍ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَوْ قَدَرَ عَلَى الْأَخِيرَيْنِ فَقَطْ فَهَلْ يَتَخَيَّرُ أَوْ يَتَعَيَّنُ الْفَمُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْيَدِ، وَالتَّعْظِيمُ لِلْعِبَادَةِ أَوْ الرِّجْلِ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ بِهَا مَعْهُودٌ فِي الْحَرْبِ؛ وَلِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةُ تَحْقِيرٍ لِلشَّيْطَانِ الْمَقْصُودُ مِنْ الرَّمْيِ تَحْقِيرُهُ؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَلَعَلَّ الثَّالِثَ أَقْرَبُ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْقَوْسِ بِالْفَمِ وَالرِّجْلِ فَهُوَ كَمَحَلِّهِ فِيمَا ذُكِرَ اهـ حَجّ.
وَقَالَ سم عَلَيْهِ: فَرْعٌ هَلْ يُجْزِي الرَّمْيُ بِالْيَدِ الزَّائِدَةِ؟ فِيهِ نَظَرٌ اهـ.
أَقُولُ: وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْيَدِ فَلَا يَعْدِلُ إلَى غَيْرِهَا، وَيَحْتَمِلُ الْإِجْزَاءَ لِوُجُودِ مُسَمَّى الْيَدِ (قَوْلُهُ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ يَدٌ زَائِدَةٌ فَإِنْ كَانَتْ لَمْ يَكْفِ بِالْقَوْسِ لِتَشَبُّهِهَا
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَجَوَاهِرَ مُنْطَبِعَةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ وَحَدِيدٍ فَلَا يُجْزِئُ وَيُجْزِئُ حَجَرُ نُورَةٍ لَمْ يُطْبَخْ بِخِلَافِ مَا طُبِخَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُسَمَّى حَجَرًا بَلْ نُورَةً وَقَدْ مَرَّ آنِفًا (وَأَنْ يُسَمَّى رَمْيًا) فَلَا يَكْفِي الْوَضْعُ فِي الْمَرْمَى؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الرَّمْيُ فَلَا بُدَّ مِنْ صِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهِ، وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِوَضْعِ الْيَدِ مَبْلُولَةً عَلَى الرَّأْسِ بِأَنَّ مَبْنَى الْحَجِّ عَلَى التَّعَبُّدِ وَبِأَنَّ الْوَاضِعَ هُنَا لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الرَّمْي بِخِلَافِ مَا هُنَاكَ فِيهِمَا، وَذِكْرِهِ اشْتِرَاطَ الرَّمْيِ هُنَا مَعَ فَهْمِهِ مِمَّا مَرَّ فِي قَوْلِهِ: وَيُشْتَرَطُ رَمْيُ السَّبْعِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ ذَلِكَ سِيقَ لِبَيَانِ التَّعَدُّدِ لَا لِلْكَيْفِيَّةِ فَنَصَّ عَلَيْهِ هُنَا احْتِيَاطًا وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا قَصْدُ الْجَمْرَةِ بِالرَّمْيِ، فَلَوْ رَمَى إلَى غَيْرِهَا كَأَنْ رَمَى فِي الْهَوَاءِ فَوَقَعَ فِي الْمَرْمَى لَمْ يَكْفِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ رَمَى إلَى الْعَلَمِ الْمَنْصُوبِ فِي الْجَمْرَةِ أَوْ الْحَائِطِ الَّتِي بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَأَصَابَهُ ثُمَّ وَقَعَ فِي الْمَرْمَى لَا يُجْزِئُ، قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِيهِ بِفِعْلِهِ مَعَ قَصْدِ الرَّمْيِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَالثَّانِي مِنْ احْتِمَالَيْهِ أَقْرَبُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ بَعْضُهُمْ مُدَّعِيًا أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى تَعْلِيلِ الْإِجْزَاءِ فِيهِ، كَمَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَوْ رَمَى إلَى غَيْرِ الْمَرْمَى فَوَقَعَ فِيهِ يُجْزِئُ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِخِلَافِهِ فَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ.
قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَلَمْ يَذْكُرُوا فِي الْمَرْمَى حَدًّا مَعْلُومًا غَيْرَ أَنَّ كُلَّ جَمْرَةٍ عَلَيْهَا عَلَمٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْمِيَ تَحْتَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا يَبْعُدُ عَنْهُ احْتِيَاطًا وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْجَمْرَةُ مُجْتَمَعُ الْحَصَى لَا مَا سَالَ مِنْ الْحَصَى، فَمَنْ أَصَابَ مُجْتَمَعَهُ أَجْزَأَهُ، وَمَنْ أَصَابَ سَائِلَهُ لَمْ يُجْزِهِ، وَمَا حَدَّ بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّ مَوْضِعَ الرَّمْيِ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ مِنْ سَائِرِ الْجَوَانِبِ إلَّا فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا وَجْهٌ وَاحِدٌ، وَرَمْيُ كَثِيرِينَ مِنْ أَعْلَاهَا بَاطِلٌ قَرِيبٌ مِمَّا تَقَدَّمَ.
(وَالسُّنَّةُ) فِي رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ وَغَيْرِهِ (أَنْ يَرْمِيَ) الْجَمْرَةَ لَا بِحَجَرٍ كَبِيرٍ وَلَا صَغِيرٍ جِدًّا بَلْ (بِقَدْرِ حَصَى الْخَذْفِ) وَهُوَ دُونَ الْأُنْمُلَةِ طُولًا وَعَرْضًا فِي قَدْرِ الْبَاقِلَا، فَلَوْ رَمَى بِأَكْبَرَ مِنْهُ أَوْ بِأَصْغَرَ كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ وَهَيْئَةُ الْحَذْفِ أَنْ يَضَعَ الْحَصَى عَلَى بَطْنِ إبْهَامِهِ وَيَرْمِيَهُ بِرَأْسِ السَّبَّابَةِ وَيُسَنُّ أَنْ يَرْمِيَ رَاجِلًا لَا رَاكِبًا إلَّا فِي يَوْمِ السَّفَرِ، فَالسُّنَّةُ أَنْ يَرْمِيَ رَاكِبًا لِيَنْفِرَ عَقِبَهُ، وَأَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَأَنْ يَرْمِيَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ عُلْوٍ، وَأَنْ يَدْنُوَ مِنْ الْجَمْرَةِ فِي رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِحَيْثُ لَا يَبْلُغُهُ حَصَى الرَّامِينَ، (وَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْحَجَرِ فِي الْمَرْمَى) فَلَا يَضُرُّ تَدَحْرُجُهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ فِيهِ لِحُصُولِ اسْمِ الرَّمْيِ (وَلَا كَوْنُ الرَّامِي خَارِجًا عَنْ الْجَمْرَةِ) فَلَوْ وَقَفَ فِي بَعْضِهَا وَرَمَى إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ مِنْهَا صَحَّ لِمَا مَرَّ مِنْ حُصُولِ اسْمِ الرَّمْيِ، وَلَوْ رَمَى بِحَجَرٍ فَأَصَابَ شَيْئًا كَأَرْضٍ أَوْ مَحْمَلٍ فَارْتَدَّ إلَى الْمَرْمَى لَا بِحَرَكَةِ مَا أَصَابَهُ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِهِ فِي الْمَرْمَى بِفِعْلِهِ بِلَا مُعَاوَنَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ ارْتَدَّ بِحَرَكَةِ مَا أَصَابَهُ، وَيُشْتَرَطُ إصَابَةُ الْمَرْمَى يَقِينًا، فَلَوْ شَكَّ فِيهَا لَمْ يَكْفِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُقُوعِ فِيهِ وَبَقَاءُ الرَّمْيِ عَلَيْهِ وَصَرْفُ الرَّمْيِ بِالنِّيَّةِ لِغَيْرِ الْحَجِّ كَأَنْ رَمَى إلَى شَخْصٍ أَوْ دَابَّةٍ فِي الْجَمْرَةِ كَصَرْفِ الطَّوَافِ بِهَا إلَى غَيْرِهِ فَيَنْصَرِفُ إلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ بَحَثَ فِي الْمُهِمَّاتِ إلْحَاقَ الرَّمْيِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بِالْأَمْثَلِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَجَوَاهِرُ مُنْطَبِعَةٌ) أَيْ بِالْفِعْلِ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي مِنْ احْتِمَالَيْهِ) هُوَ قَوْلُهُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ (قَوْلُهُ: فَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ) مِنْ كَلَامِ الْمُنَظِّرِ (قَوْلُهُ: قَرِيبٌ مِمَّا تَقَدَّمَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ فَمَنْ أَصَابَ مُجْتَمَعَهُ أَجْزَأَهُ
(قَوْلُهُ: لَا بِحَرَكَةِ مَا أَصَابَهُ أَجْزَأَهُ) أَيْ إنْ غَلَبَ ظَنُّهُ ذَلِكَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فَإِنْ شَكَّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكْفِي (قَوْلُهُ: كَصَرْفِ الطَّوَافِ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: فَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ) أَيْ قَائِلًا ذَلِكَ الْمُدَّعَى فَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ.
ِ (قَوْلُهُ: وَهَيْئَةُ الْحَذْفِ) أَيْ وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ أَيْضًا، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ وَيُكْرَهُ بِأَكْبَرَ وَأَصْغَرَ مِنْهُ وَبِهَيْئَةِ الْحَذْفِ لِلنَّهْيِ الصَّحِيحِ عَنْهَا الشَّامِلِ لِلْحَجِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَصَرْفُ الرَّمْيِ بِالنِّيَّةِ لِغَيْرِ الْحَجِّ كَأَنْ رَمَى إلَى شَخْصٍ إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا قَصْدُ الْجَمْرَةِ بِالرَّمْيِ فَلَوْ رَمَى إلَى غَيْرِهَا إلَخْ أَنَّهُ هُنَا رَمَى إلَى الْجَمْرَةِ، لَكِنْ صُرِفَ هَذَا الرَّمْيُ عَنْ رَمْيِ الْحَجِّ بِقَصْدِهِ
بِالْوُقُوفِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ وَحْدَهُ كَرَمْيِ الْعَدُوِّ فَأَشْبَهَ الطَّوَافَ بِخِلَافِ الْوُقُوفِ، وَأَمَّا السَّعْيُ فَالظَّاهِرُ كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ أَخْذًا مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ كَالْوُقُوفِ.
(وَمَنْ)(عَجَزَ عَنْ الرَّمْيِ) لِعِلَّةٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهَا قَبْلَ فَوَاتِ وَقْتِ الرَّمْيِ كَمَرَضٍ أَوْ حَبْسٍ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا فِيمَا يَظْهَرُ (اسْتَنَابَ) مَنْ يَرْمِي عَنْهُ وُجُوبًا كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ فَاضِلَةٍ عَمَّا يُعْتَبَرُ فِي الْفِطْرَةِ فِيمَا يَظْهَرُ حَلَالًا كَانَ النَّائِبُ أَوْ مُحْرِمًا إذْ الِاسْتِنَابَةُ جَائِزَةٌ فِي النُّسُكِ، فَكَذَلِكَ فِي أَبْعَاضِهِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ الْعَجْزُ الَّذِي يَنْتَهِي إلَى الْيَأْسِ كَمَا فِي اسْتِنَابَةِ الْحَجِّ، وَلَا فَرْقَ فِي الْحَبْسِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِحَقٍّ أَوْ لَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، لَكِنْ شَرَطَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنْ يُحْبَسَ بِحَقٍّ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ بَاطِلٌ نَقْلًا وَمَعْنًى، وَصُورَةُ الْمَحْبُوسِ بِحَقٍّ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ قَوَدٌ لِصَغِيرٍ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَبْلُغَ، وَمَا أَشْبَهَهَا وَقَدْ حَكَى ذَلِكَ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ النَّصِّ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الَّذِي فِي الْحَاوِي وَالتَّتِمَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرِهَا، وَسَيَأْتِي فِي الْحَصْرِ أَنَّهُ إذَا حُبِسَ بِحَقٍّ لَا يُبَاحُ لَهُ التَّحَلُّلُ، قَالَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا إذْ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ فِي حَقِّ عَاجِزٍ عَنْ أَدَائِهِ وَمَفْهُومُ النَّصِّ وَغَيْرِهِ فِي حَقِّ قَادِرٍ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ إنْ اسْتَنَابَ مَنْ قَدْ رَمَى عَنْ نَفْسِهِ أَوْ حَلَالًا فَرَمَى عَنْهُ وَقَعَ عَنْهُ كَمَا فِي طَوَافِ الْحَامِلِ لِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ النَّائِبُ لَمْ يَرْمِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَوْ بَعْضَ الْجَمَرَاتِ فَرَمَى وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ رَمْيَهُ يَقَعُ عَنْهُ دُونَ الْمُسْتَنِيبِ كَالْحَجِّ.
لَكِنْ يُخَالِفُ مَا مَرَّ فِي الطَّوَافِ عَنْ الْغَيْرِ إذَا كَانَ مُحْرِمًا فَإِنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْغَيْرِ إذَا نَوَاهُ لَهُ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الطَّوَافَ لَمَّا كَانَ مِثْلَ الصَّلَاةِ أَثَّرَتْ فِيهِ نِيَّةُ الصَّرْفِ إلَى غَيْرِهِ، بِخِلَافِ الرَّمْيِ فَإِنَّهُ لَيْسَ شَبِيهًا بِالصَّلَاةِ، وَقِيَاسُ السَّعْيِ أَنْ يَكُونَ كَالرَّمْيِ وَيَحْتَمِلُ إلْحَاقَهُ بِالطَّوَافِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُ طَوَافًا بِقَوْلِهِ {أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] وَإِذَا اسْتَنَابَ عَنْهُ مَنْ رَمَى أَوْ حَلَالًا سُنَّ لَهُ أَنْ يُنَاوِلَهُ الْحَصَى، وَيُكَبِّرَ كَذَلِكَ إنْ أَمْكَنَهُ وَإِلَّا تَنَاوَلَهَا النَّائِبُ وَكَبَّرَ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَنْعَزِلُ نَائِبُهُ فِي الرَّمْيِ عَنْهُ بِإِغْمَائِهِ وَالْمَجْنُونُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ، فَيُجْزِئُهُ رَمْيُهُ عَنْهُ، وَلَوْ بَرِئَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ فَيَنْصَرِفُ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ وَحْدَهُ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لِصَرْفِ الطَّوَافِ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ كَالْوُقُوفِ) أَيْ فَلَا يَقْبَلُ الصَّرْفَ وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ عَنْ الْكَافِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ قَصَدَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لَهُمَا إلَخْ فَمَا قَدَّمَهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ
(قَوْلُهُ: وَمَا أَشْبَهَهَا) كَأَنْ حُبِسَتْ الْحَامِلُ لِقَوَدٍ حَتَّى تَضَعَ (قَوْلُهُ: وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ) أَيْ فَيَرْمِي عَنْ الْمُسْتَنِيبِ بَعْدُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الرَّمْيِ فَإِنَّهُ إلَخْ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ وَصَرْفُ الرَّمْيِ بِالنِّيَّةِ إلَخْ،
ــ
[حاشية الرشيدي]
الشَّخْصَ الَّذِي هُوَ فِيهَا مَثَلًا، وَأَمَّا هُنَاكَ فَإِنَّهُ رَمَى إلَى غَيْرِ الْجَمْرَةِ وَإِنْ وَقَعَ فِيهَا.
فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ هُنَاكَ صَرَفَهُ عَنْ الْمَرْمِيِّ وَهُنَا صَرَفَهُ عَنْ الرَّمْيِ: أَيْ الْمُعْتَبَرِ
(قَوْلُهُ: وَصُورَةُ الْمَحْبُوسِ بِحَقٍّ) أَيْ الَّذِي لَهُ الِاسْتِنَابَةُ بِأَنْ يَكُونَ عَاجِزًا عَنْهُ، وَهُوَ الْحَقُّ الْمُرَادُ فِي كَلَامِ الْمَجْمُوعِ لَا الْحَقُّ الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ مَا فِي النَّصِّ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَأْتِي، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ جَمْعِ وَالِدِهِ الْآتِي، وَكَانَ الْأَصْوَبُ تَأْخِيرَ هَذَا إلَى مَا هُنَاكَ وَجَعْلَهُ مِثَالًا فِي كَلَامِ وَالِدِهِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ حَكَى ذَلِكَ) يَعْنِي مَا شَرَطَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ أَيْضًا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ عِبَارَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ وَنَصُّهَا: قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَوْ بِحَقٍّ بِالِاتِّفَاقِ، لَكِنْ شَرَطَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنْ يُحْبَسَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَذَكَرَ أَنَّ الْبَنْدَنِيجِيَّ حَكَاهُ عَنْ النَّصِّ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الَّذِي فِي الْحَاوِي إلَخْ (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي فِي الْمُحْصَرِ) هَذَا مِنْ الزَّرْكَشِيّ تَقْوِيَةٌ لِكَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُحْصَرِ.
(قَوْلُهُ: إذْ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ فِي حَقِّ عَاجِزٍ) يَجُوزُ قِرَاءَتُهُ بِالْإِضَافَةِ، فَحَقٌّ هُنَا بِغَيْرِ مَعْنَى الْحَقِّ فِيمَا تَقَدَّمَ فَكَأَنَّهُ قَالَ: بِالنِّسْبَةِ لِعَاجِزٍ عَنْ أَدَائِهِ، وَيَجُوزُ قِرَاءَتُهُ بِالتَّنْوِينِ فَيَكُونُ الْحَقُّ بِمَعْنَاهُ الْمُتَقَدِّمِ، لَكِنْ يَتَعَيَّنُ فِي عَاجِزِ الرَّفْعِ، وَالتَّقْدِيرُ فِي حَقٍّ هُوَ عَاجِزٌ عَنْ أَدَائِهِ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْجَرُّ حِينَئِذٍ وَصْفًا لِلْحَقِّ كَمَا لَا يَخْفَى.
وَأَمَّا قَوْلُهُ الْآتِي فِي حَقِّ قَادِرٍ عَلَى ذَلِكَ
مِنْ عُذْرِهِ فِي الْوَقْتِ بَعْدَ الرَّمْيِ لَمْ تَلْزَمْهُ إعَادَتُهُ لَكِنَّهَا تُسَنُّ، وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ فِي الْحَجِّ بِأَنَّ الرَّمْيَ تَابِعٌ وَيُجْبَرُ تَرْكُهُ بِدَمٍ بِخِلَافِ الْحَجِّ فِيهِمَا وَبِأَنَّ الرَّمْيَ عَلَى الْفَوْرِ وَقَدْ ظَنَّ الْعَجْزَ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ وَالْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي أَمَّا إغْمَاءُ النَّائِبِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَكَلَامُهُمْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ ظَنَّ الْقُدْرَةَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ أَنَّ أَيَّامَ الرَّمْيِ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ
وَلَوْ عَجَزَ الْأَجِيرُ عَلَى عَيْنِهِ عَنْ الرَّمْيِ هَلْ يَسْتَنِيبُ هُنَا لِلضَّرُورَةِ أَوْ لَا كَسَائِرِ الْأَعْمَالِ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْأَقْرَبَ الثَّانِي وَيُرِيقُ دَمًا، وَمَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ شُرُوطِ الرَّمْيِ وَمُسْتَحَبَّاتِهِ يَأْتِي فِي رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ (وَإِذَا)(تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ) أَوْ يَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا (تَدَارَكَهُ فِي بَاقِي الْأَيَّامِ) مِنْهَا (فِي الْأَظْهَرِ) بِالنَّصِّ فِي الرِّعَاءِ وَأَهْلِ السِّقَايَةِ وَبِالْقِيَاسِ فِي غَيْرِهِمْ، إذْ لَوْ كَانَتْ بَقِيَّةُ الْأَيَّامِ غَيْرُ صَالِحَةٍ لِلرَّمْيِ لَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ فِيهَا بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَالْمُتَدَارَكُ أَدَاءً كَمَا مَرَّ، وَلَوْ تَدَارَكَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ لَيْلًا أَجْزَأَهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَوَّلِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَالْمَنَاسِكِ وَاقْتَضَاهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَبِالثَّانِي ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي شَامِلِهِ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَالْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِمَا وَإِنْ جَزَمَ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِجَمْعٍ بِخِلَافِهِ فِيهِمَا، إذْ جُمْلَةُ أَيَّامِ الرَّمْيِ بِلَيَالِيِهَا كَوَقْتٍ وَاحِدٍ، وَكُلُّ يَوْمٍ لِرَمْيِهِ وَقْتُ اخْتِيَارٍ لَكِنْ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ رَمْيِ كُلِّ يَوْمٍ عَنْ زَوَالِ شَمْسِهِ كَمَا مَرَّ، وَيَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَمْيِ يَوْمِ التَّدَارُكِ بَعْدَ الزَّوَالِ، فَلَوْ خَالَفَ وَقَعَ عَنْ الْمَتْرُوكِ، فَلَوْ رَمَى إلَى كُلِّ جَمْرَةٍ أَرْبَعَ عَشَرَةَ حَصَاةً سَبْعًا عَنْ أَمْسِهِ وَسَبْعًا عَنْ يَوْمِهِ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ يَوْمِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي النَّائِبِ أَنْ يَرْمِيَ عَنْ نَفْسِهِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ قَبْلَ مُنِيبِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
وَمَا اقْتَضَاهُ هَذَا الْكَلَامُ الْمَارُّ مِنْ جَوَازِ رَمْيِ يَوْمَيْنِ وَوُقُوعِهِ أَدَاءً بِالتَّدَارُكِ لَا يُشْكِلُ بِقَوْلِهِمْ لَيْسَ لِلْمَعْذُورِينَ أَنْ يَدَعُوا أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَأَنَّهُمْ يَقْضُونَ مَا فَاتَهُمْ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي تَارِكِ الرَّمْيِ فَقَطْ وَهُنَاكَ فِي تَارِكِهِ مَعَ الْمَبِيتِ بِمِنًى، وَالتَّعْبِيرُ بِالْقَضَاءِ لَا يُنَافِي الْأَدَاءَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ (وَلَا دَمَ) مَعَ التَّدَارُكِ سَوَاءٌ أَجَعَلْنَاهُ أَدَاءً أَمْ قَضَاءً لِحُصُولِ الِانْجِبَارِ بِالْمَأْتِيِّ بِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَتَدَارَكْهُ (فَعَلَيْهِ دَمٌ) فِي رَمْيِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ يَوْمِ النَّحْرِ مَعَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِاتِّحَادِ جِنْسِ الرَّمْيِ فَأَشْبَهَ حَلْقَ الرَّأْسِ، وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ اضْطِرَابًا وَاخْتِلَافًا أَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَالْمَذْهَبُ تَكْمِيلُ الدَّمِ فِي ثَلَاثِ حَصَيَاتٍ) لِوُقُوعِ الْجَمْعِ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ أَزَالَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «مَنْ تَرَكَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ دَمٌ» وَقِيلَ إنَّمَا يُكْمِلُ فِي وَظِيفَةِ جَمْرَةٍ كَمَا يُكْمِلُ فِي وَظِيفَةِ جَمْرَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ، وَفِي الْحَصَاةِ أَوْ الْحَصَاتَيْنِ عَلَى الطَّرِيقَيْنِ الْأَقْوَالُ فِي حَلْقِ الشَّعْرَةِ وَالشَّعْرَتَيْنِ أَظْهَرُهَا أَنَّ فِي الْحَصَاةِ الْوَاحِدَةِ مُدَّ طَعَامٍ وَالثَّانِي دِرْهَمًا وَالثَّالِثُ ثُلُثَ دَمٍ عَلَى الْأَوَّلِ وَسُبْعَهُ عَلَى الثَّانِي.
(وَإِذَا)(أَرَادَ) بَعْدَ قَضَاءِ مَنَاسِكِهِ (الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ) لِسَفَرٍ وَلَوْ مَكِّيًّا طَوِيلٍ أَوْ قَصِيرٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (طَافَ لِلْوَدَاعِ) طَوَافًا كَامِلًا بِرَكْعَتَيْهِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ طَافَ لِلْوَدَاعِ» وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خَبَرَ «لَا يَنْفِرُ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ» أَيْ الطَّوَافُ بِهِ فَلَا وَدَاعَ عَلَى مُرِيدِ الْإِقَامَةِ وَإِنْ أَرَادَ السَّفَرَ بَعْدَهُ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَلَا عَلَى مُرِيدِ السَّفَرِ قَبْلَ فَرَاغِ الْأَعْمَالِ، وَلَا عَلَى الْمُقِيمِ بِمَكَّةَ الْخَارِجِ لِلتَّنْعِيمِ وَنَحْوِهِ، وَهَذَا فِيمَنْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّرْفِ لِغَيْرِ أَعْمَالِ الْحَجِّ بِخِلَافِ مَا هُنَا (قَوْلُهُ: حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ) أَيْ إلَى أَنْ يَخْرُجَ إلَخْ
(قَوْلُهُ: قَبْلَ فَرَاغِ الْأَعْمَالِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ لَهَا وَهَذَا عُلِمَ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ
ــ
[حاشية الرشيدي]
فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ الْإِضَافَةُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
(قَوْلُهُ وَبِالثَّانِي ابْنُ الصَّبَّاغِ) الْمُنَاسِبُ وَبِهِ فِي الثَّانِي ابْنُ الصَّبَّاغِ إلَخْ
(قَوْلُهُ: بَعْدَ قَضَاءِ مَنَاسِكِهِ) أَيْ إنْ كَانَ فِي مَنَاسِكَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي الْمَنَاسِكِ، وَإِلَّا فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ
خَرَجَ لِحَاجَةٍ ثُمَّ يَعُودُ، وَمَا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ فِيمَنْ أَرَادَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فِيمَنْ خَرَجَ إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ مَحَلٍّ يُقِيمُ فِيهِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْعُمْرَانِيِّ وَغَيْرِهِ فَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا.
وَلَوْ نَفَرَ مِنْ مِنًى وَلَمْ يَطُفْ الْوَدَاعَ جَبَرَ بِالدَّمِ لِتَرْكِهِ نُسُكًا وَاجِبًا، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الرُّجُوعَ إلَى بَلَدِهِ مِنْ مِنًى لَزِمَهُ طَوَافُ الْوَدَاعِ وَإِنْ كَانَ قَدْ طَافَهُ قَبْلَ عَوْدِهِ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ (وَلَا يَمْكُثُ بَعْدَهُ) مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ رَكْعَتَيْهِ وَالدُّعَاءِ الْمَحْبُوبِ عَقِبَهُ عِنْدَ الْمُلْتَزِمِ وَإِتْيَانِ زَمْزَمَ وَالشُّرْبِ مِنْ مَائِهَا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ، فَإِنْ مَكَثَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ أَوْ حَاجَةٍ لَا تَتَعَلَّقُ بِالسَّفَرِ كَالزِّيَارَةِ وَالْعِيَادَةِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ فَعَلَيْهِ إعَادَتُهُ، لَا إنْ اشْتَغَلَ بِرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ أَوْ بِأَسْبَابِ الْخُرُوجِ كَشِرَاءِ الزَّادِ وَأَوْعِيَتِهِ وَشَدِّ الرَّحْلِ أَوْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّاهَا مَعَهُمْ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَتَقَدَّمَ فِي الِاعْتِكَافِ أَنَّ عِيَادَةَ الْمَرِيضِ إذَا لَمْ يُعَرِّجْ لَهَا لَا تَقْطَعُ الْوَلَاءَ بَلْ يُغْتَفَرُ صَرْفُ قَدْرِهَا فِي سَائِرِ الْأَغْرَاضِ، وَكَذَا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَيَجْرِي ذَلِكَ هُنَا بِالْأَوْلَى، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ، وَلَوْ مَكَثَ مُكْرَهًا بِأَنْ ضُبِطَ أَوْ هُدِّدَ بِمَا يَكُونُ إكْرَاهًا فَهَلْ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ مَكَثَ مُخْتَارًا فَيَبْطُلُ الْوَدَاعُ أَوْ نَقُولُ الْإِكْرَاهُ يَسْقُطُ إثْرَ هَذَا اللُّبْثِ، فَإِذَا أَطْلَقَ وَانْصَرَفَ فِي الْحَالِ جَازَ وَلَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ، وَمِثْلُهُ لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ عَقِبَ الْوَدَاعِ أَوْ جُنَّ لَا بِفِعْلِهِ الْمَأْثُومِ بِهِ، وَالْأَوْجَهُ لُزُومُ الْإِعَادَةِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إنْ تَمَكَّنَ مِنْهَا وَإِلَّا فَلَا، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَلَا الْعُمْرَةِ كَمَا قَالَاهُ بَلْ هُوَ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ خِلَافًا لِأَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ أَوْ لَا وَفِي أَنَّهُ هَلْ يَلْزَمُ الْأَجِيرَ فِعْلُهُ أَوْ لَا، وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَطْوِفَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ طَوَافٍ يَخُصُّهُ، حَتَّى لَوْ أَخَّرَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَفَعَلَهُ بَعْدَ أَيَّامٍ وَأَرَادَ الْخُرُوجَ عَقِبَهُ لَمْ يَكْفِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي أَثْنَاءِ تَعْلِيلِ (وَهُوَ وَاجِبٌ) لِخَبَرِ «أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ خُفِّفَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ» (يُجْبَرُ تَرْكُهُ بِدَمٍ) وُجُوبًا كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ (وَفِي قَوْلٍ سُنَّةٍ لَا يُجْبَرُ) بِدَمٍ كَطَوَافِ الْقُدُومِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ تَحِيَّةُ الْبُقْعَةِ فَلَيْسَ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ وَلِذَلِكَ يَدْخُلُ تَحْتَ غَيْرِهِ، وَفِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ نَفْيُ الْخِلَافِ فِي الْجَبْرِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي كَوْنِهِ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا خِلَافًا لِمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الْكِتَابِ (فَإِنْ أَوْجَبْنَاهُ فَخَرَجَ) مِنْ مَكَّةَ أَوْ مِنًى (بِلَا وَدَاعٍ) عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا بِوُجُوبِهِ (وَعَادَ) بَعْدَ خُرُوجِهِ (قَبْلَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ) مِنْ مَكَّةَ أَوْ مِنًى وَطَافَ لِلْوَدَاعِ (سَقَطَ الدَّمُ) ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُقِيمِ وَكَمَا لَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ، وَلَا يُنَافِي التَّعْلِيلَ بِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُقِيمِ بِتَسْوِيَتِهِمْ السَّفَرَ الطَّوِيلَ وَالْقَصِيرَ فِي وُجُوبِ الْوَدَاعِ إذْ سَفَرُهُ هُنَا لَمْ يَتِمَّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَلَوْ نَفَرَ مِنْ مِنًى) أَيْ بِأَنْ أَرَادَ التَّوَجُّهَ إلَى مَنْزِلِهِ (قَوْلُهُ: نُسُكًا وَاجِبًا) أَيْ عِبَادَةً وَاجِبَةً، وَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ لَيْسَ مِنْهَا إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ نُسُكًا مُسْتَقِلًّا (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ لَا يَنْصَرِفُ أَحَدٌ (قَوْلُهُ: أَنَّ عِيَادَةَ الْمَرِيضِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ تَعَذَّرَ وَتَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي تَعَدُّدِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فِي الِاعْتِكَافِ (قَوْلُهُ: لَا يَفْعَلُهُ الْمَأْثُومُ بِهِ) أَيْ الَّذِي لَحِقَهُ بِهِ إثْمٌ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ لُزُومُ الْإِعَادَةِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ) اسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَلَوْ مَكَثَ مُكْرَهًا إلَخْ (قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ) أَيْ طَوَافُ الْوَدَاعِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ غَيْرِهِ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
مَكَّةَ وَلَوْ حَلَالًا بِقَيْدِهِ الْآتِي بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ الْآتِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَلَا الْعُمْرَةِ فَتَنَبَّهْ
(قَوْلُهُ: لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ) دَلِيلٌ لِمَا فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: لَا إنْ اشْتَغَلَ بِرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ) هَذَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَرْتَضِي مَا فِي الْمُهِمَّاتِ بِدَلِيلِ اقْتِصَارِهِ عَلَى مُجَرَّدِ نَقْلِهِ عَنْهَا بَعْدَ جَزْمِهِ بِأَنَّ الْعِبَادَةَ وَنَحْوَهَا تَضُرُّ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ وَفِي أَنَّهُ يَلْزَمُ الْأَجِيرَ فِعْلُهُ) أَيْ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ بِحَيْثُ إذَا تَرَكَهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِسْطٍ مِنْ الْأُجْرَةِ وَإِلَّا فَهُوَ وَاجِبٌ مُطْلَقًا كَمَا عُلِمَ
لِعَوْدِهِ بِخِلَافِهِ هُنَاكَ، أَمَّا لَوْ عَادَ لِيَطُوفَ فَمَاتَ قَبْلَ الطَّوَافِ لَمْ يَسْقُطْ الدَّمُ (أَوْ) عَادَ (بَعْدَهَا) وَطَافَ (فَلَا) يَسْقُطُ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِاسْتِقْرَارِهِ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ، وَلَا يَجِبُ الْعَوْدُ عَلَى مَنْ وَصَلَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ لِلْمَشَقَّةِ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَصِلْهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ، وَإِنْ خَرَجَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لِطَوَافِ الْوَدَاعِ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ بُلُوغَهَا كَمُجَاوَزَتِهَا وَقَدْ صُرِّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ يَسْقُطُ كَالْحَالَةِ الْأُولَى.
(وَلِلْحَائِضِ النَّفْرُ بِلَا) طَوَافِ (وَدَاعٍ) لِلْخَبَرِ الْمَارِّ، وَخَبَرِ عَائِشَةَ «أَنَّ صَفِيَّةَ حَاضَتْ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَنْصَرِفَ بِلَا وَدَاعٍ» نَعَمْ إنْ طَهُرَتْ قَبْلَ مُفَارَقَةِ بُنْيَانِ مَكَّةَ لَزِمَهَا الْعَوْدُ لِتَطُوفَ، بِخِلَافِ مَا إذَا طَهُرَتْ خَارِجَ مَكَّةَ وَلَوْ فِي الْحَرَمِ النُّفَسَاءُ كَالْحَائِضِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ رَجَعَتْ لِحَاجَةٍ بَعْدَمَا طَهُرَتْ اتَّجَهَ وُجُوبُ الطَّوَافِ وَهَلْ يَلْحَقُ الْمَعْذُورُ لِخَوْفِ ظَالِمٍ أَوْ فَوْتِ رُفْقَةٍ بِالْحَائِضِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِلطَّبَرِيِّ؛ لِأَنَّ الرُّخَصَ لَا تُقَاسُ، وَالْأَظْهَرُ الْإِلْحَاقُ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ وَبَحَثَ لُزُومَ الْفِدْيَةِ قَالَ: لِأَنَّ مَنْعَ الْحَائِضِ الْمَسْجِدَ عَزِيمَةٌ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ، أَمَّا الْمُتَحَيِّرَةُ فَلَهَا أَنْ تَطُوفَ، فَلَوْ لَمْ تَطُفْ لِلْوَدَاعِ فَلَا دَمَ عَلَيْهَا لِلْأَصْلِ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ، وَالْمُسْتَحَاضَةُ غَيْرُ الْمُتَحَيِّرَةِ لَا عَوْدَ عَلَيْهَا إنْ نَفَرَتْ فِي حَيْضِهَا، فَإِنْ نَفَرَتْ فِي طُهْرِهَا لَزِمَهَا الْعَوْدُ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ التَّفْصِيلِ، وَمَنْ حَاضَتْ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ تَبْقَى عَلَى إحْرَامِهَا وَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا أَعْوَامٌ نَعَمْ لَوْ عَادَتْ إلَى بَلَدِهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ عَادِمَةَ النَّفَقَةِ وَلَمْ يُمْكِنْهَا الْوُصُولُ لِلْبَيْتِ الْحَرَامِ كَانَ حُكْمُهَا كَالْمُحْصَرِ فَتَتَحَلَّلُ بِذَبْحِ شَاةٍ وَتُقَصِّرُ وَتَنْوِي التَّحَلُّلَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأُيِّدَ بِكَلَامٍ فِي الْمَجْمُوعِ كَمَا سَيَأْتِي.
وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ شَافِعِيَّةً تُقَلِّدُ الْإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ أَوْ أَحْمَدَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَهُ فِي أَنَّهَا تَهْجُمُ وَتَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَلْزَمُهَا بَدَنَةٌ وَتَأْثَمُ بِدُخُولِهَا الْمَسْجِدَ حَائِضًا، وَيُجْزِيهَا هَذَا الطَّوَافُ عَنْ الْفَرْضِ لِمَا فِي بَقَائِهَا عَلَى الْإِحْرَامِ مِنْ الْمَشَقَّةِ، وَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ الْمَتْبُوعِ بِرَكْعَتَيْهِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ مَا لَمْ يُؤْذِ أَوْ يَتَأَذَّ بِزِحَامٍ أَوْ غَيْرِهِ وَأَنْ يَكُونَ حَافِيًا وَأَنْ لَا يَرْفَعَ بَصَرَهُ إلَى سَقْفِهِ وَلَا يَنْظُرَ إلَى أَرْضِهِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ وَحَيَاءً مِنْهُ، وَأَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَلَوْ رَكْعَتَيْنِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْصِدَ مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يَمْشِيَ بَعْدَ دُخُولِهِ الْبَابَ حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَأَنْ يَدْعُوَ فِي جَوَانِبِهِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: يُسَنُّ لِمَنْ فَرَغَ مِنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُلْتَزَمَ فَيُلْصِقُ بَطْنَهُ وَصَدْرَهُ بِحَائِطِ الْبَيْتِ وَيَبْسُطُ يَدَيْهِ عَلَى الْجِدَارِ فَيَجْعَلُ الْيُمْنَى مِمَّا يَلِي الْبَابَ وَالْيُسْرَى مِمَّا يَلِي الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَيَدْعُوَ بِمَا أَحَبَّ: أَيْ بِالْمَأْثُورِ وَغَيْرِهِ، لَكِنَّ الْمَأْثُورَ أَفْضَلُ وَمِنْهُ: اللَّهُمَّ الْبَيْتَ بَيْتُك وَالْعَبْدَ عَبْدُك وَابْنُ أَمَتِك، حَمَلْتنِي عَلَى مَا سَخَّرْت لِي مِنْ خَلْقِك حَتَّى صَيَّرْتنِي
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ وَفِي أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ الْعَوْدُ) يُشْعِرُ بِجَوَازِهِ وَبِتَقْدِيرِهِ فَلَا فَائِدَةَ لَهُ لِعَدَمِ سُقُوطِ الدَّمِ بِالْعَوْدِ نَعَمْ تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ عَلَى مُقَابِلِ الصَّحِيحِ
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الرُّخَصَ لَا تُقَاسُ) الَّذِي فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَجَرَى عَلَيْهِ سم تَبَعًا لَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ دُخُولُ الْقِيَاسِ فِيهَا.
(قَوْلُهُ: فَلَا دَمَ عَلَيْهَا لِلْأَصْلِ) أَيْ مِنْ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَعَدَمِ لُزُومِ الدَّمِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ عَادَتْ) أَيْ شَرَعَتْ فِي الْعَوْدِ لِبَلَدِهَا (قَوْلُهُ: فَتَتَحَلَّلُ بِذَبْحِ شَاةٍ) أَيْ وَيَبْقَى الطَّوَافُ فِي ذِمَّتِهَا إلَى أَنْ تَعُودَ فَتُحْرِمَ وَتَأْتِيَ بِهِ فَإِنْ مَاتَتْ وَلَمْ تَعُدْ حَجَّ عَنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ.
[مَسْأَلَةٌ] قَالَ الشَّيْخُ مَنْصُورٌ الطَّبَلَاوِيُّ: سُئِلَ شَيْخِنَا سم عَنْ امْرَأَةٍ شَافِعِيَّةِ الْمَذْهَبِ طَافَتْ لِلْإِفَاضَةِ بِغَيْرِ سُتْرَةٍ مُعْتَبَرَةٍ جَاهِلَةً بِذَلِكَ أَوْ نَاسِيَةٍ ثُمَّ تَوَجَّهَتْ إلَى بِلَادِ الْيَمَنِ فَنَكَحَتْ شَخْصًا ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهَا فَسَادُ طَوَافِهَا فَأَرَادَتْ أَنْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
مِمَّا مَرَّ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الرُّخَصَ لَا تُقَاسُ) لَعَلَّهُ سَقَطَ قَبْلَهُ مِنْ النُّسَخِ أَحَدُهُمَا لَا يُلْحَقُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْكَتَبَةِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الرُّخَصَ لَا تُقَاسُ) هَذِهِ طَرِيقَةٌ عَلَى أَنَّ هَذَا قَدْ يُنَافِي مَا سَيَأْتِي عَقِبَهُ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ
فِي بَلَدِك، وَبَلَّغْتنِي بِنِعْمَتِك حَتَّى أَعَنْتَنِي عَلَى قَضَاءِ مَنَاسِكِك، فَإِنْ كُنْت رَضِيت عَنِّي فَازْدَدْ عَنِّي رِضًا، وَإِلَّا فَمُنَّ عَلَيَّ الْآنَ قَبْلَ أَنْ تَنْأَى عَنْ بَيْتِك دَارِي وَيَبْعُدَ عَنْهُ مَزَارِي، هَذَا أَوَانُ انْصِرَافِي إنْ أَذِنْت لِي غَيْرَ مُسْتَبْدِلٍ بِك وَلَا بَيْتِك وَلَا رَاغِبٍ عَنْك وَلَا عَنْ بَيْتِك، اللَّهُمَّ فَأَصْحِبْنِي الْعَافِيَةَ فِي بَدَنِي وَالْعِصْمَةَ فِي دِينِي وَأَحْسِنْ مُنْقَلَبِي وَارْزُقْنِي الْعَمَلَ بِطَاعَتِك مَا أَبْقَيْتنِي، وَمَا زَادَ فَحَسِّنْ فِيهِ، وَقَدْ زِيدَ: وَاجْمَعْ لِي خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إنَّك قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ.
ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ وَلَوْ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ اُسْتُحِبَّ لَهَا الْإِتْيَانُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ تَمْضِي، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا كَلَامًا فِي أَنَّ الْمُوَدِّعَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ يَخْرُجُ، وَقَالَ بَعْضُ الْعَصْرِيِّينَ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابِ بَنِي سَهْمٍ وَيُسَنُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الِاعْتِمَارُ وَالطَّوَافِ تَطَوُّعًا وَأَنْ يَزُورَ الْأَمَاكِنَ الْمَشْهُورَةَ بِالْفَضْلِ بِمَكَّةَ وَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا.
وَأَنْ يُكْثِرَ النَّظَرَ إلَى الْبَيْتِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ: إنَّ لِلَّهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ رَحْمَةٍ تَنْزِلُ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ سِتُّونَ لِلطَّائِفِينَ وَأَرْبَعُونَ لِلْمُصَلِّينَ وَعِشْرُونَ لِلنَّاظِرِينَ وَحِكْمَةُ ذَلِكَ كَمَا أَفَادَهَا السَّرَّاجُ الْبُلْقِينِيُّ ظَاهِرَةٌ، إذْ الطَّائِفُونَ جَمَعُوا بَيْنَ ثَلَاثٍ: طَوَافٍ وَصَلَاةٍ وَنَظَرٍ فَصَارَ لَهُمْ بِذَلِكَ سِتُّونَ، وَالْمُصَلُّونَ فَاتَهُمْ الطَّوَافُ فَصَارَ لَهُمْ أَرْبَعُونَ، وَالنَّاظِرُونَ فَاتَهُمْ الطَّوَافُ وَالصَّلَاةُ فَصَارَ لَهُمْ عِشْرُونَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ الصَّدَقَةِ وَأَنْوَاعِ الْبِرِّ وَالْقُرُبَاتِ فَإِنَّ الْحَسَنَةَ هُنَاكَ بِمِائَةِ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَنُقِلَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ يُسْتَجَابُ الدُّعَاءَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا بِمَكَّةَ: فِي الطَّوَافِ وَالْمُلْتَزَمِ وَتَحْتَ الْمِيزَابِ وَفِي الْبَيْتِ وَعِنْدَ زَمْزَمَ وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَفِي السَّعْيِ وَخَلْفَ الْمَقَامِ وَفِي عَرَفَاتٍ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَعِنْدَ الْجَمَرَاتِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي فِي نُسُكٍ أَوْ لَا.
(وَيُسَنُّ شُرْبُ مَاءِ زَمْزَمَ) ؛ لِأَنَّهَا مُبَارَكَةٌ طَعَامُ طَعْمٍ وَشِفَاءُ سَقَمٍ وَيُسَنُّ أَنْ يَشْرَبَهُ لِمَطْلُوبِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ عِنْدَ شُرْغبِهِ، وَأَنْ يَتَضَلَّعَ مِنْهُ، وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ شُرْبِهِ: اللَّهُمَّ إنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» وَأَنَا أَشْرَبُهُ لِكَذَا، وَيَذْكُرُ مَا يُرِيدُ دِينًا وَدُنْيَا، اللَّهُمَّ فَافْعَلْ بِي، ثُمَّ يُسَمِّي اللَّهَ تَعَالَى وَيَشْرَبُ وَيَتَنَفَّسُ ثَلَاثًا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
تُقَلِّدَ أَبَا حَنِيفَةَ فِي صِحَّتِهِ لِتَصِيرَ بِهِ حَلَالًا وَتَتَبَيَّنَ صِحَّةَ النِّكَاحِ، وَحِينَئِذٍ فَهَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ وَتَتَضَمَّنُ صِحَّةَ التَّقْلِيدِ بَعْدَ الْعَمَلِ؟ فَأَفْتَى بِالصِّحَّةِ وَأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ، وَلَمَّا سَمِعْتُ عَنْهُ ذَلِكَ اجْتَمَعْتُ بِهِ فَإِنِّي كُنْت أَحْفَظُ عَنْهُ خِلَافَهُ فِي الْعَامِ الَّذِي قَبْلَهُ فَقَالَ: هَذَا هُوَ الَّذِي أَعْتَقِدُهُ مِنْ الصِّحَّةِ، وَأَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ أَيْضًا تَبَعًا لَهُ وَهُوَ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ وَأَشْبَاهُهَا، وَمُرَادُهُ بِأَشْبَاهِهَا كُلُّ مَا كَانَ مُخَالِفًا لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مَثَلًا وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى بَعْضِ الْمَذَاهِبِ الْمُعْتَبَرَةِ، فَإِذَا فَعَلَهُ عَلَى وَجْهٍ فَاسِدٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَصَحِيحٍ عِنْدَ غَيْرِهِ ثُمَّ عَلِمَ بِالْحَالِ جَازَ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ الْقَائِلَ بِصِحَّتِهِ فِيمَا مَضَى وَفِيمَا يَأْتِي فَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ جِدًّا، وَيَنْبَغِي أَنَّ إثْمَ الْإِقْدَامِ بَاقٍ حَيْثُ فَعَلَهُ عَالِمًا (قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ تَنْأَى) أَيْ تَبْعُدَ (قَوْلُهُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابِ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ
(قَوْلُهُ: وَأَرْبَعُونَ لِلْمُصَلِّينَ إلَخْ) هَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي أَنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ وَتَقَدَّمَ لِلشَّارِحِ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ: بِمِائَةِ أَلْفِ حَسَنَةٍ) هَذَا رَأْيٌ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُضَاعَفَةَ خَاصَّةٌ بِالصَّلَاةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا بِمَكَّةَ) وَتَوَابِعِهَا لِمَا يَأْتِي مِنْ عَدِّ عَرَفَاتٍ وَمَا بَعْدَهَا (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ الْجَمَرَاتِ) أَيْ الثَّلَاثِ
(قَوْلُهُ: مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ) هُوَ شَامِلٌ لِمَا لَوْ شَرِبَهُ بِغَيْرِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَقَالَ بَعْضُ الْعَصْرِيِّينَ) مِنْ جُمْلَةِ كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ (قَوْلُهُ: بِمَكَّةَ) أَيْ غَالِبًا، وَإِلَّا فَسَيَأْتِي أَنَّ مِنْ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ عَرَفَاتٌ وَمَا بَعْدَهَا.
كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا شَرِبَهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا وَاسِعًا وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ، فَقَدْ شَرِبَهُ جَمَاعَةٌ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ فَنَالُوا مَطْلُوبَهُمْ وَيُسَنُّ الدُّخُولُ إلَى الْبِئْرِ وَالنَّظَرِ فِيهَا، وَأَنْ يَنْزِعَ مِنْهَا بِالدَّلْوِ الَّذِي عَلَيْهَا وَيَشْرَبَ، وَأَنْ يَنْضَحَ مِنْهُ عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَصَدْرِهِ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَأَنْ يَتَزَوَّدَ مِنْ مَائِهَا وَيَسْتَصْحِبَ مِنْهُ مَا أَمْكَنَهُ لِلِاتِّبَاعِ، وَأَنْ يَشْرَبَ مِنْ نَبِيذِ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ مَا لَمْ يُسْكِرْ، وَأَنْ يَخْتِمَ الْقُرْآنَ بِمَكَّةَ، وَأَنْ يَنْصَرِفَ تِلْقَاء وَجْهِهِ مُسْتَدْبِرَ الْبَيْتِ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ وَصَوَّبَهُ فِي مَجْمُوعِهِ، وَيُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ إلَى أَنْ يَغِيبَ عَنْهُ كَالْمُتَحَزِّنِ الْمُتَأَسِّفِ عَلَى فِرَاقِهِ وَيَقُولُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ: اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ
(وَ) يُسَنُّ (زِيَارَةُ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي» وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا جَائِزَةٌ لِغَيْرِ زَائِرِهِ وَخَبَرُ «مَنْ جَاءَنِي زَائِرًا لَمْ تَنْزِعْهُ حَاجَةٌ إلَّا زِيَارَتِي كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ أَكُونَ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَخَبَرُ «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ عِنْدَ قَبْرِي وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ مَلَكًا يُبَلِّغُنِي وَكُفِيَ أَمْرَ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ وَكُنْت لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَزِيَارَةُ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهَمِّ الْقُرُبَاتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَ نُسُكًا لَكِنَّهَا مُتَأَكِّدَةٌ فِيمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (بَعْدَ فَرَاغِ الْحَجِّ) إذْ الْغَالِبُ عَلَى الْحَجِيجِ وُرُودُهُمْ مِنْ آفَاقٍ بَعِيدَةٍ، فَإِذَا قَرُبُوا مِنْ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ يَقْبُحُ تَرْكُهُمْ الزِّيَارَةَ، وَلِخَبَرِ «مَنْ حَجَّ وَلَمْ يَزُرْنِي فَقَدْ جَفَانِي» فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَأَكُّدِهَا لِلْحَاجِّ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ، وَحُكْمُ الْمُعْتَمِرِ كَالْحَاجِّ فِي تَأَكُّدِهَا لَهُ وَتُسَنُّ زِيَارَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَزِيَارَةُ الْخَلِيلِ صلى الله عليه وسلم وَلَا تَعَلُّقَ لِذَلِكَ بِالْحَجِّ. وَيُسَنُّ لِمَنْ قَصَدَ الْمَدِينَةَ الشَّرِيفَةَ لِزِيَارَةِ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُكْثِرَ فِي طَرِيقِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَيَزِيدُ فِيهَا إذَا أَبْصَرَ أَشْجَارَهَا مَثَلًا وَيَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَهُ بِهَذِهِ الزِّيَارَةِ وَيَتَقَبَّلَهَا مِنْهُ، وَأَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ دُخُولِهِ كَمَا مَرَّ وَيَلْبَسَ أَنْظَفَ ثِيَابِهِ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَصَدَ الرَّوْضَةَ وَهِيَ مَا بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ وَصَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مَحِلِّهِ (قَوْلُهُ: إذَا شَرِبَهُ يَقُولُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالشَّارِبِ نَفْسِهِ فَلَا يَتَعَدَّاهُ إلَى غَيْرِهِ، وَيَحْتَمِلُ تَعَدِّي ذَلِكَ إلَى الْغَيْرِ، فَإِذَا شَرِبَهُ إنْسَانٌ بِقَصْدِ وَلَدِهِ وَأَخِيهِ مَثَلًا حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ الْمَطْلُوبُ، وَلَا مَانِعَ مِنْهُ إذَا شَرِبَهُ بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ.
وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الشَّوْبَرِيِّ مَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَاهُ فَلْيُرَاجَعْ، وَعِبَارَتُهُ فِي هَوَامِشِ فَتْوَى حَجّ الْفِقْهِيَّةِ الْكُبْرَى نَصَّهَا عِنْدَ قَوْلِهِ «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» إلَخْ: هَلْ وَلَوْ كَانَ طَلَبُ التَّحْصِيلِ بِهِ لِغَيْرِ شَارِبِهِ بِأَنْ شَرِبَهُ لِيَحْصُلَ لِوَلَدِهِ الْعِلْمُ أَوْ الشِّفَاءُ أَوْ يُفَرِّقَ بَيْنَ مَنْ يَكُونُ لَهُ وِلَايَةٌ أَوْ وَكَالَةٌ بِأَنْ وَكَّلَ فِي ذَلِكَ وَبَيْنَ غَيْرِ مَنْ ذَكَرَ وَلَيْسَ مُوَافِقًا لِمَا نُقِلَ عَنْهُ (قَوْلُهُ: فَقَدْ شَرِبَهُ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَيُسَنُّ أَنْ يَشْرَبَهُ لِمَطْلُوبِهِ إلَخْ
(قَوْلُهُ: لَمْ تَنْزِعْهُ حَاجَةٌ) أَيْ تُهْمَةٌ (قَوْلُهُ وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ مَلَكًا يُبَلِّغُنِي إلَخْ) قَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَسْمَعُهُ بِلَا وَاسِطَةِ الْمَلِكِ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ يَسْمَعُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَبْرِ بِلَا وَاسِطَةٍ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا، فَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا هُنَا عَلَى أَنَّهُ يُبَلِّغُ مَعَ السَّمَاعِ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي حَجّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْجَوْهَرِ الْمُنَظَّمِ فِي زِيَارَةِ الْقَبْرِ الْمُعَظَّمِ مَا نَصُّهُ: تَنْبِيهٌ: يُجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الظَّاهِرَةِ التَّعَارُضِ بِبَادِئِ الرَّأْيِ وَأَحَادِيثَ أُخَرَ وَرَدَتْ بِمَعْنَاهَا أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم يُبَلَّغُ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ إذَا صَدَرَا مِنْ بُعْدٍ وَيَسْمَعُهُمَا إذَا كَانَ عِنْدَ قَبْرِهِ الشَّرِيفِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَإِنْ وَرَدَ أَنَّهُ يُبَلَّغُهُمَا هُنَا أَيْضًا كَمَا مَرَّ، إذْ لَا مَانِعَ أَنَّ مَنْ عِنْدَ قَبْرِهِ يُخَصُّ بِأَنَّ الْمَلِكَ يُبَلِّغُ صَلَاتَهُ وَسَلَامَهُ مَعَ سَمَاعِهِ لَهُمَا إشْعَارًا بِمَزِيدِ خُصُوصِيَّتِهِ وَالِاعْتِنَاءِ بِشَأْنِهِ وَالِاسْتِمْدَادِ لَهُ بِذَلِكَ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا، إذْ الْمُقَيَّدُ يُقْضَى بِهِ عَلَى الْمُطْلَقِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ الَّتِي ظَاهِرُهَا التَّعَارُضُ وَاجِبٌ حَيْثُ أَمْكَنَ، وَأَفْتَى النَّوَوِيُّ فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْمَعُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ هَلْ يَحْنَثُ؟ بِأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالْحِنْثِ لِلشَّكِّ فِي ذَلِكَ وَالْوَرَعُ أَنَّهُ يَلْتَزِمُ الْحِنْثَ اهـ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بِجَنْبِ الْمِنْبَرِ وَشَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى بَعْدَ فَرَاغِهِمَا عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَبْرَ الشَّرِيفَ فَيَسْتَقْبِلُ رَأْسَهُ وَيَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ وَيَبْعُدَ عَنْهُ نَحْوَ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ وَيَقِفُ نَاظِرًا إلَى أَسْفَلَ مَا يَسْتَقْبِلُهُ فِي مَقَامِ الْهَيْبَةِ وَالْإِجْلَالِ فَارِغَ الْقَلْبِ مِنْ عَلَائِقِ الدُّنْيَا وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم لِخَبَرِ «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عليه السلام» وَأَقَلُّ السَّلَامِ عَلَيْهِ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ تَأَدُّبًا مَعَهُ صلى الله عليه وسلم كَمَا كَانَ فِي حَيَاتِهِ، ثُمَّ يَتَأَخَّرُ إلَى صَوْبِ يَمِينِهِ قَدْرَ ذِرَاعٍ فَيُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّ رَأْسَهُ عِنْدَ مَنْكِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ يَتَأَخَّرُ قَدْرَ ذِرَاعٍ آخَرَ فَيُسَلِّمُ عَلَى عُمَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ دَخَلَ الْمَسْجِدَ ثُمَّ أَتَى الْقَبْرَ الشَّرِيفَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَبَا بَكْرٍ السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَبَتَاهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مَوْقِفِهِ الْأَوَّلِ قُبَالَةَ وَجْهِهِ صلى الله عليه وسلم وَيَتَوَسَّلُ بِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَلْيَسْتَشْفِعْ بِهِ إلَى رَبِّهِ، ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَدْعُو لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ شَاءَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يَأْتِيَ سَائِرَ الْمَشَاهِدِ بِالْمَدِينَةِ، وَهِيَ نَحْوُ ثَلَاثِينَ مَوْضِعًا يَعْرِفُهَا أَهْلُ الْمَدِينَةَ. وَيُسَنُّ زِيَارَةُ الْبَقِيعِ وَقُبَاءَ، وَأَنْ يَأْتِيَ بِئْرَ أَرِيسٍ فَيَشْرَبَ مِنْهَا وَيَتَوَضَّأَ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْآبَارِ السَّبْعَةِ وَقَدْ نَظَّمَهَا بَعْضُهُمْ، فَقَالَ:
أَرِيسٌ وَغَرْسٌ رُومَةٌ وَبُضَاعَةٌ
…
كَذَا بَصَّةٌ قُلْ بِئْرُ جَامِعِ الْعِهْنِ
وَيَنْبَغِي الْمُحَافَظَةُ عَلَى الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِهِ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِهِ فَالصَّلَاةُ فِيهِ بِأَلْفِ صَلَاةٍ، وَلْيَحْذَرْ مِنْ الطَّوَافِ بِقَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَمِنْ الصَّلَاةِ دَاخِلَ الْحُجْرَةِ بِقَصْدِ تَعْظِيمِهِ وَيُكْرَهُ إلْصَاقُ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ بِجِدَارِ الْقَبْرِ كَرَاهَةً شَدِيدَةً وَمَسْحُهُ بِالْيَدِ وَتَقْبِيلُهُ، بَلْ الْأَدَبُ أَنْ يَبْعُدَ عَنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَيَاتِهِ وَيُسَنُّ أَنْ يَصُومَ بِالْمَدِينَةِ مَا أَمْكَنَهُ، وَأَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى جِيرَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُقِيمِينَ وَالْغُرَبَاءِ بِمَا أَمْكَنَهُ، وَإِذَا أَرَادَ السَّفَرَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُوَدِّعَ الْمَسْجِدَ بِرَكْعَتَيْنِ، وَيَأْتِيَ الْقَبْرَ الشَّرِيفَ وَيُعِيدَ السَّلَامَ الْأَوَّلَ وَيَقُولَ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ حَرَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَيَسِّرْ لِي الْعَوْدَ إلَى الْحَرَمَيْنِ سَبِيلًا سَهْلًا وَارْزُقْنِي الْعَفْوَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَشُكْرُ اللَّهِ) أَيْ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم) لَوْ قَالَ لَهُ إنْسَانٌ: سَلِّمْ لِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ كَمَا يَجِبُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى مَنْ قَالَ لَهُ سَلِّمْ عَلَى فُلَانٍ أَوْ يُفَرِّقَ؟ وَالْفَرْقُ أَقْرَبُ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّلَامِ بَيْنَ النَّاسِ التَّوَدُّدُ وَالْمَحَبَّةُ، وَالْمُرَادُ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم الشَّفَاعَةُ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يَشْفَعَ لَهُ عِنْدَهُ اهـ كَذَا بِهَامِشٍ عَنْ حَجّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ.
وَعِبَارَتُهُ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالدُّرِّ الْمُنَظَّمِ فِي زِيَارَةِ الْقَبْرِ الْمُعَظَّمِ نَصُّهَا: وَأَمَّا إرْسَالُ السَّلَامِ إلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَالْقَصْدُ مِنْهُ الِاسْتِمْدَادُ مِنْهُ وَعَوْدُ الْبَرَكَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ، فَتَرْكُهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا عَدَمُ اكْتِسَابِ فَضِيلَةٍ لِلْغَيْرِ فَلَمْ يَكُنْ لِتَحْرِيمِهِ سَبَبٌ يَقْتَضِيهِ فَاتَّجَهَ أَنَّ ذَلِكَ التَّبْلِيغَ سُنَّةٌ لَا وَاجِبٌ.
فَإِنْ قُلْت: صَرَّحُوا بِأَنَّ تَفْوِيتَ الْفَضَائِلِ عَلَى الْغَيْرِ حَرَامٌ كَإِزَالَةِ دَمِ الشَّهِيدِ قُلْت: هَذَا اشْتِبَاهٌ، إذْ فَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنَ عَدَمِ اكْتِسَابِ الْفَضِيلَةِ لِلْغَيْرِ وَتَفْوِيتِ الْفَضِيلَةِ الْحَاصِلَةِ عَلَى الْغَيْرِ فَمِنْ ثَمَّ حَرُمَ هَذَا التَّفْوِيتُ وَلَمْ يَحْرُمْ بِتَرْكِ ذَلِكَ الِاكْتِسَابِ فَافْهَمْهُ اهـ.
وَفِيمَا عَلَّلَ بِهِ وَقْفَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ لَيْسَ شَافِعًا بَلْ مَأْمُورٌ بِالتَّبْلِيغِ لِمَنْ يَشْفَعُ، فَحَيْثُ الْتَزَمَ ذَلِكَ وَلَمْ يُؤَدِّهِ فَالْقِيَاسُ وُجُوبُ التَّبْلِيغِ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ الْتَزَمَ إيصَالَهَا لَهُ صلى الله عليه وسلم (قَوْلُهُ: إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي) أَيْ نُطْقِي فَلَا يُرَدُّ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ (قَوْلُهُ وَتَقْبِيلُهُ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّعْظِيمَ، لَكِنْ مَرَّ فِي الْجَنَائِزِ بَعْدَ نَقْلِ كَرَاهَةِ تَقْبِيلِ التَّابُوتِ مَا نَصُّهُ: نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِتَقْبِيلِ أَضْرِحَتِهِمْ التَّبَرُّكَ لَمْ يُكْرَهْ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَيَحْتَمِلُ مَجِيءَ ذَلِكَ هُنَا، وَيَحْتَمِلُ الْفَرْقَ بِأَنَّهُمْ حَافَظُوا عَلَى التَّبَاعُدِ عَنْ التَّشَبُّهِ بِالنَّصَارَى هُنَا حَيْثُ بَالَغُوا فِي تَعْظِيمِ عِيسَى حَتَّى ادَّعَوْا فِيهِ مَا ادَّعَوْا، وَمِنْ ثَمَّ حَذَّرُوا كُلَّ التَّحْذِيرِ مِنْ الصَّلَاةِ دَاخِلَ الْحُجْرَةِ بِقَصْدِ التَّعْظِيمِ. .
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .