الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(يَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ) أَيْ بِقَدْرِهَا (طَعَامًا) عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَفُقَرَائِهِ فَلَا يَتَصَدَّقُ بِالدَّرَاهِمِ.
وَثَانِيهِمَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ يَصُومَ) عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَيُكْمِلَ الْمُنْكَسِرَ كَمَا مَرَّ وَالْعِبْرَةُ فِي قِيمَةِ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ بِمَحِلِّ الْإِتْلَافِ وَزَمَانِهِ قِيَاسًا عَلَى كُلِّ مُتْلَفٍ مُتَقَوِّمٍ، وَفِي قِيمَةِ مِثْلِ الْمِثْلِيِّ بِمَكَّةَ وَقْتَ إرَادَةِ تَقْوِيمِهِ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ ذَبْحِهِ لَوْ أُرِيدَ، وَالْمُعْتَبَرُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ فِي الْعُدُولِ إلَى الطَّعَامِ سِعْرُهُ بِمَكَّةَ.
(وَيُتَخَيَّرُ فِي فِدْيَةِ الْحَلْقِ) لِثَلَاثِ شَعَرَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ فَأَكْثَرَ وَفِي قَلْمِ أَظْفَارٍ كَذَلِكَ وَفِي التَّطَيُّبِ وَاللُّبْسِ وَالِادِّهَانِ وَمُقَدَّمَاتِ الْجِمَاعِ بِشَهْوَةٍ وَشَاةُ الْجِمَاعِ بَعْدَ الْجِمَاعِ الْأَوَّلِ وَالْجِمَاعُ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ (بَيْنَ) ثَلَاثَةِ أُمُورٍ (ذَبْحُ شَاةٍ) مُجْزِئَةٍ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَيَقُومُ مَقَامَهَا بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ سُبُعٌ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا (وَ) بَيْنَ التَّصَدُّقِ: بِ (ثَلَاثَةِ آصُعٍ) بِالْمَدِّ جَمْعُ صَاعٍ وَآصُعٌ أَصْلُهُ أَصُوعُ أُبْدِلَ مِنْ وَاوِهِ هَمْزَةٌ مَضْمُومَةٌ قُدِّمَتْ عَلَى الصَّادِ وَنُقِلَتْ ضَمَّتُهَا إلَيْهَا وَقُلِبَتْ هِيَ أَلْفًا (لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ) لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ (وَ) بَيْنَ (صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] أَيْ فَحَلَقَ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: أَيُؤْذِيك هَوَامُّ رَأْسِك؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: اُنْسُكْ شَاةً أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ فَرَقًا مِنْ الطَّعَامِ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ» وَالْفَرَقُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ ثَلَاثَةُ آصُعٍ، وَقِيسَ بِالْحَلْقِ وَبِالْمَعْذُورِ غَيْرُهُمَا وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَفَّارَاتِ مَا يُزَادُ الْمِسْكِينُ فِيهَا عَلَى مُدٍّ سِوَى هَذِهِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الدَّمَ فِي تَرْكِ الْمَأْمُورِ) الَّذِي لَا يَفُوتُ بِهِ الْحَجُّ (كَالْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ) أَوْ مِمَّا يَلْزَمُ مِنْهُ الْإِحْرَامُ لَوْ أَحْرَمَ مِنْ غَيْرِهِ وَالرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ أَوْ بِمِنًى لِيَالِي التَّشْرِيقِ وَطَوَافُ الْوَدَاعِ (دَمُ تَرْتِيبٍ) إلْحَاقًا لَهُ بِدَمِ التَّمَتُّعِ لِمَا فِي التَّمَتُّعِ مِنْ تَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَقِيسَ بِهِ تَرْكُ بَاقِي الْمَأْمُورَاتِ (فَإِذَا عَجَزَ) عَنْ الدَّمِ (اشْتَرَى بِقِيمَةِ الشَّاةِ طَعَامًا) أَوْ أَخْرَجَهُ مِنْ طَعَامِهِ كَمَا مَرَّ وَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَفُقَرَائِهِ (فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ) مِنْ الطَّعَامِ (يَوْمًا) وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ كَالْإِمَامِ وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ عَنْ الدَّمِ يَصُومُ كَالْمُتَمَتِّعِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ، فَهُوَ مُرَتَّبٌ مُقَدَّرٌ.
(وَ) دَمُ (الْفَوَاتِ) لِلْحَجِّ بِفَوَاتِ الْوُقُوفِ (كَدَمِ التَّمَتُّعِ) فِي صِفَتِهِ وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ، إذْ دَمُ التَّمَتُّعِ لِتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَالْوُقُوفُ الْمَتْرُوكُ فِي الْفَوَاتِ أَعْظَمُ مِنْهُ (وَيَذْبَحُهُ فِي حَجَّةِ الْقَضَاءِ فِي الْأَصَحِّ) حَتْمًا لَا فِي سَنَةِ الْفَوَاتِ لِفَتْوَى عُمَرَ بِذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي.
وَالثَّانِي يَجُوزُ ذَبْحُهُ فِي سَنَةِ الْفَوَاتِ قِيَاسًا عَلَى دَمِ الْإِفْسَادِ، وَوَقْتُ الْوُجُوبِ عَلَى الْأَوَّلِ مَنُوطٌ بِالتَّحَرُّمِ بِالْقَضَاءِ، كَمَا أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ مَنُوطٌ بِالتَّحَرُّمِ بِالْحَجِّ، وَعَلَيْهِ لَوْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ لَا يُقَدِّمُ صَوْمَ الثَّلَاثَةِ فِي الْقَضَاءِ وَيَصُومُ السَّبْعَةَ إذَا رَجَعَ مِنْهُ، وَلَوْ أَخْرَجَ دَمَ الْفَوَاتِ بَيْنَ تَحَلُّلِهِ وَالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْإِحْرَامِ بِالْقَضَاءِ أَجْزَأَهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَكَلَامُ الْعِرَاقِيِّينَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَأَمْوَالُ بَيْتِ الْمَالِ لَا تَخْتَصُّ بِأَهْلِ الْفَيْءِ بَلْ يَصْرِفُهَا الْإِمَامُ فِيمَا يَرَاهُ مِنْ الْمَصَالِحِ.
[أَنْوَاعِ الدِّمَاءِ فِي الْحَجّ]
(قَوْلُهُ: بِمَحَلِّ الْإِتْلَافِ) هُوَ ظَاهِرٌ إنْ أَتْلَفَ حَالًا، فَلَوْ أَمْسَكَهُ مُدَّةً ثُمَّ أَتْلَفَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ ضَمَانَ الْمَغْصُوبِ (قَوْلُهُ: سِعْرَهُ بِمَكَّةَ) لَمْ يُبَيِّنْ الْوَقْتَ الَّذِي يُعْتَبَرُ سِعْرُهَا فِيهِ هَلْ هُوَ وَقْتُ التَّقْوِيمِ أَوْ الْوُجُوبِ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَقَدْ مَرَّ لَهُ فِي تَقْوِيمِ بَدَنَةِ الْجِمَاعِ اعْتِبَارُ سِعْرِ مَكَّةَ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ، وَعَنْ السُّبْكِيّ اعْتِبَارُ وَقْتِ الْوُجُوبِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْرَى مِثْلُهُ هُنَا.
(قَوْلُهُ: أَيْ فَحَلَقَ) قَدْرَهُ أَخْذًا مِنْ صَدْرِ الْآيَةِ، وَلِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ الْمَرَضَ بِمُجَرَّدِهِ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ وَلَيْسَ مُرَادًا (قَوْلُهُ: سِوَى هَذِهِ) أَيْ الْكَفَّارَةِ الَّتِي هِيَ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَعْدِيلٍ فَيَدْخُلَ فِيهِ جَمِيعُ الِاسْتِمْتَاعَاتِ الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ: فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الدَّمِ) ضَعِيفٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا.
(قَوْلُهُ: مَنُوطٌ بِالتَّحَرُّمِ) أَيْ الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ لَا يُقَدَّمُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ) أَيْ عَلَى الْإِحْرَامِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ عَنْ الدَّمِ يَصُومُ) أَيْ بِلَا إطْعَامٍ
وَنَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ
(وَالدَّمُ الْوَاجِبُ) عَلَى مُحْرِمٍ (بِفِعْلِ حَرَامٍ) وَإِنْ لَمْ يَحْرُمْ ذَلِكَ الْوَقْتِ كَالْحَلْقِ لِعُذْرٍ (أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ) عَلَيْهِ غَيْرِ رُكْنٍ أَوْ غَيْرِهِمَا كَدَمِ الْجُبْرَانَاتِ (لَا يَخْتَصُّ) إجْزَاؤُهُ (بِزَمَانٍ) بَلْ يُفْعَلُ فِي أَيَّامِ التَّضْحِيَةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّخْصِيصِ، وَلَمْ يَرِدْ مَا يُخَالِفُهُ لَكِنْ تُنْدَبُ إرَاقَتُهُ أَيَّامَ التَّضْحِيَةِ.
قَالَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ: وَيَنْبَغِي وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ إلَيْهَا إذَا حَرُمَ السَّبَبُ كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ فَيُحْمَلُ مَا أَطْلَقُوهُ عَلَى الْإِجْزَاءِ، أَمَّا الْجَوَازُ فَأَحَالُوهُ عَلَى مَا قَرَّرُوهُ فِي الْكَفَّارَةِ (وَيَخْتَصُّ ذَبْحُهُ) بِأَيِّ مَكَان (بِالْحَرَمِ فِي الْأَظْهَرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وَلِخَبَرِ «نَحَرْت هَهُنَا» وَأَشَارَ إلَى مَوْضِعِ النَّحْرِ مِنْ مِنًى «وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ مَنْحَرٌ» ؛ وَلِأَنَّ الذَّبْحَ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْهَدْيِ فَيَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ كَالتَّصَدُّقِ.
وَالثَّانِي يَجُوزُ أَنْ يَذْبَحَ خَارِجَ الْحَرَمِ بِشَرْطِ أَنْ يُنْقَلَ وَيُفَرَّقَ لَحْمُهُ فِيهِ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ اللَّحْمُ فَإِذَا وَقَعَتْ تَفْرِقَتُهُ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ حَصَلَ الْغَرَضُ " وَيَجِبُ صَرْفُ لَحْمِهِ " وَجِلْدِهِ وَبَقِيَّةِ أَجْزَائِهِ مِنْ شَعْرِهِ وَغَيْرِهِ، فَاقْتِصَارُهُ عَلَى اللَّحْمِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِيمَا يُقْصَدُ مِنْهُ فَهُوَ مِثَالٌ لَا قَيْدٌ (إلَى مَسَاكِينِهِ) أَيْ الْحَرَمِ وَفُقَرَائِهِ الْقَاطِنِينَ مِنْهُمْ وَالْغُرَبَاءِ وَالصَّرْفُ إلَى الْأَوَّلِ أَوْلَى إلَّا أَنْ تَشْتَدَّ حَاجَةُ الثَّانِي فَيَكُونَ أَوْلَى، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ عَدَمُ جَوَازِ أَكْلِهِ شَيْئًا مِنْهُ، وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأُضْحِيَّةِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُفَرِّقَ الْمَذْبُوحَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعْطِيَهُ بِجُمْلَتِهِ لَهُمْ وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي الْكَلَامِ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّيْدِ، وَيَكْفِي الِاقْتِصَارُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ فُقَرَائِهِ أَوْ مَسَاكِينِهِ وَإِنْ انْحَصَرُوا؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ أَقَلُّ الْجَمْعِ، فَلَوْ دَفَعَ إلَى اثْنَيْنِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ثَالِثٍ ضَمِنَ لَهُ أَقَلَّ مُتَمَوِّلٍ كَنَظِيرِهِ مِنْ الزَّكَاةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ اسْتِيعَابُهُمْ عِنْدَ الِانْحِصَارِ كَمَا فِي الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا حُرْمَةُ الْبَلَدِ وَثَمَّ سَدُّ الْخَلَّةِ، وَتَجِبُ النِّيَّةُ عِنْدَ التَّفْرِقَةِ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّشْبِيهِ بِالزَّكَاةِ الِاكْتِفَاءُ بِالْمُتَقَدِّمَةِ عَلَيْهَا وَاقْتِصَارُهُ فِيمَا مَرَّ عَلَى الدَّمِ الْوَاجِبِ بِفِعْلِ حَرَامٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ مِثَالٌ إذْ دَمُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ كَذَلِكَ.
وَأَمَّا دَمُ الْإِحْصَارِ فَسَيَأْتِي وَدَفْعُ الطَّعَامِ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ لَا يَتَعَيَّنُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مُدٌّ فِي دَمِ التَّمَتُّعِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ دَمُهُ دَمَ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ، أَمَّا دَمُ الِاسْتِمْتَاعَاتِ وَنَحْوِهَا مِمَّا دَمُهُ دَمُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَحْرُمْ ذَلِكَ) أَيْ الْفِعْلُ (قَوْلُهُ عَلَى مَا قَرَّرَهُ فِي الْكَفَّارَةِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ إنْ عَصَى بِالسَّبَبِ وَجَبَ الْفَوْرُ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: وَيَخْتَصُّ ذَبْحُهُ بِالْحَرَمِ) أَيْ فَلَوْ ذَبَحَ خَارِجَهُ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ وَلَوْ فَرَّقَهُ فِيهِ، وَمَحَلُّ اخْتِصَاصِهِ بِالْحَرَمِ مَا لَمْ يُحْصَرْ وَإِلَّا ذَبَحَ مَوْضِعَ الْحَصْرِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: إلَى مَسَاكِينِهِ) عِبَارَةُ الْعُبَابِ: وَيَجِبُ تَفْرِيقُ لُحُومِ وَجُلُودِ هَذِهِ الدِّمَاءِ وَبَدَلِهَا مِنْ الطَّعَامِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فِي الْحَرَمِ، قَالَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ: وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إعْطَاؤُهُمْ خَارِجَهُ، وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ كَمَا مَرَّ لَكِنْ يُؤَيِّدُهُ تَعْلِيلُ الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا، ذَلِكَ بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الذَّبْحِ هُوَ إعْظَامُ الْحَرَمِ بِتَفْرِقَةِ اللَّحْمِ فِيهِ لَا تَلْوِيثِهِ بِالدَّمِ وَالْفَرْثِ إذْ هُوَ مَكْرُوهٌ اهـ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِتَفْرِقَتِهِ فِيهِ صَرْفُهُ لِأَهْلِهِ اهـ.
وَخَالَفَهُ مَرَّ فَصَمَّمَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ خَارِجَهُ وَلَا لِمَنْ هُوَ فِيهِ بِأَنْ خَرَجَ هُوَ وَهُمْ عَنْهُ ثُمَّ فَرَّقَهُ عَلَيْهِمْ خَارِجَهُ ثُمَّ دَخَلُوهُ اهـ سَمِّ عَلَى حَجّ.
وَقَضِيَّةُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ صَرْفُ لَحْمِهِ إلَى مَسَاكِينِهِ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى صَرْفِهِ لَهُمْ وَلَوْ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ، لَكِنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ الْآتِي قُبَيْلَ الْبَابِ، وَكُلُّ هَذِهِ الدِّمَاءِ وَبَدَلِهَا تَخْتَصُّ تَفْرِقَتُهُ بِالْحَرَمِ عَلَى مَسَاكِينِهِ، يُوَافِقُ مَا نَقَلَهُ سَمِّ عَنْهُ وَصَمَّمَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَثَمَّ سَدُّ الْخَلَّةِ) بِالْفَتْحِ الْخَصْلَةُ وَهِيَ أَيْضًا الْحَاجَةُ وَالْفَقْرُ انْتَهَى مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: وَتَجِبُ النِّيَّةُ عِنْدَ التَّفْرِقَةِ إلَخْ) قَالَ حَجّ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّ الذَّبْحَ لَا تَجِبُ النِّيَّةُ عِنْدَهُ، وَهُوَ مُشْكِلٌ بِالْأُضْحِيَّةِ وَنَحْوِهَا، إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا إعْظَامُ الْحَرَمِ بِتَفْرِقَةِ اللَّحْمِ فِيهِ كَمَا مَرَّ فَوَجَبَ اقْتِرَانُهَا بِالْمَقْصُودِ دُونَ وَسِيلَتِهِ. وَثَمَّ إرَاقَةُ الدَّمِ لِكَوْنِهَا فِدَاءً عَنْ النَّفْسِ، وَلَا تَكُونُ كَذَلِكَ إلَّا إنْ قَارَنَتْ نِيَّةَ الْقُرْبَةِ فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى (قَوْلُهُ: الِاكْتِفَاءَ بِالْمُتَقَدِّمَةِ) أَيْ النِّيَّةِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مُدٌّ فِي دَمِ التَّمَتُّعِ وَنَحْوِهِ) لَعَلَّ الصَّوَابَ فِي غَيْرِ دَمِ التَّمَتُّعِ وَنَحْوِهِ، فَلَفْظُ غَيْرِ
تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ سِتَّةِ مَسَاكِينَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ ثَلَاثَةِ آصُعٍ كَمَا مَرَّ وَلَوْ ذَبَحَ الدَّمَ الْوَاجِبَ بِالْحَرَمِ ثُمَّ سُرِقَ أَوْ غُصِبَ مِنْهُ قَبْلَ التَّفْرِقَةِ لَمْ يُجْزِئْهُ.
نَعَمْ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ذَبْحِ آخَرَ وَهُوَ أَوْلَى أَوْ شِرَاءِ بَدَلِهِ لَحْمًا وَالتَّصَدُّقِ بِهِ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ قَدْ وُجِدَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَقَيَّدْ ذَلِكَ بِمَا لَوْ قَصَّرَ فِي التَّفْرِقَةِ وَإِلَّا فَلَا يَضْمَنُ كَمَا لَوْ سُرِقَ الْمَالُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ الدَّمَ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ وَالزَّكَاةُ بِعَيْنِ الْمَالِ وَلَوْ عَدِمَ الْمَسَاكِينَ فِي الْحَرَمِ أَخَّرَ الْوَاجِبَ الْمَالِيَّ حَتَّى يَجِدَهُمْ وَامْتَنَعَ النَّقْلُ، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ حَيْثُ جَازَ النَّقْلُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ صَرِيحٌ بِتَخْصِيصِ الْبَلَدِ بِهَا بِخِلَافِ هَذَا.
(وَأَفْضَلُ بُقْعَةٍ) مِنْ الْحَرَمِ (لِذَبْحِ الْمُعْتَمِرِ) غَيْرِ الْمُمْتَنِعِ وَالْقَارِنِ (الْمَرْوَةُ) ؛ لِأَنَّهَا مَوْضِعُ تَحَلُّلِهِ (وَ) لِذَبْحِ (الْحَاجِّ) وَلَوْ قَارِنًا أَوْ مُرِيدًا إفْرَادًا أَوْ مُتَمَتِّعًا وَلَوْ عَنْ دَمِ تَمَتُّعِهِ (مِنْهَا) ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ تَمَتُّعِهِ وَالْأَحْسَنُ فِي بُقَعِهِ فَتْحُ الْقَافِ وَكَسْرُ الْعَيْنِ عَلَى لَفْظِ الْجَمْعِ الْمُضَافِ لِضَمِيرِ الْحَرَمِ، قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ (وَكَذَا حُكْمُ مَا سَاقَا) أَيْ الْمُعْتَمِرُ وَالْحَاجُّ (مِنْ هَدْيِ) نَذْرٍ أَوْ نَفْلٍ (مَكَانًا) فِي الِاخْتِصَاصِ وَالْأَفْضَلِيَّةِ (وَوَقْتُهُ) أَيْ ذَبْحُ هَذَا الْهَدْيِ (وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ) قِيَاسًا عَلَيْهَا، وَالثَّانِي لَا يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ كَدِمَاءِ الْجُبْرَانَاتِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَخَّرَ الذَّبْحَ حَتَّى مَضَى وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ نُظِرَ إنْ كَانَ وَاجِبًا ذَبَحَهُ حَتْمًا قَضَاءً أَوْ تَطَوُّعًا فَاتَ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ غَيْرَهَا هَذِهِ الْأَيَّامِ، فَإِنْ عَيَّنَ لِهَدْيِ التَّقَرُّبِ غَيْرَ زَمَنِ الْأُضْحِيَّةِ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ وَقْتٌ إذْ لَيْسَ فِي تَعْيِينِ الْيَوْمِ قُرْبَةٌ، نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
وَالْهَدْيُ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى مَا يَسُوقُهُ الْمُحْرِمُ يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَا يَلْزَمُهُ مِنْ دَمِ الْجُبْرَانَاتِ، وَهَذَا الثَّانِي غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ كَمَا مَرَّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اخْتِصَاصُ مَا يَسُوقُهُ الْمُعْتَمِرُ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ نُوزِعَ فِيهِ الْإِسْنَوِيُّ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ حَيْثُ أَطْلَقَ الدَّمَ فِي الْمَنَاسِكِ فَالْمُرَادُ بِهِ مَا يُجْزِي فِي الْأُضْحِيَّةِ، فَتُجْزِي الْبَدَنَةُ أَوْ الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةِ دِمَاءٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَسْبَابُهَا، فَلَوْ ذَبَحَهَا عَنْ دَمٍ وَاجِبٍ فَالْفَرْضُ سُبُعُهَا فَلَهُ إخْرَاجُهُ عَنْهُ وَأَكْلُ الْبَاقِي
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَلَوْ ذَبَحَ الدَّمَ الْوَاجِبَ بِالْحَرَمِ ثُمَّ سُرِقَ أَوْ غُصِبَ) أَيْ وَلَوْ كَانَ السَّارِقُ وَالْغَاصِبُ مِنْ فُقَرَاءِ الْحَرَمِ أَخْذًا مِنْ إطْلَاقِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَعِبَارَتُهُ كَمَا نَقَلَهُ سَمِّ عَلَى مَنْهَجٍ عَنْهُ: وَلَوْ سَرَقَهُ مَسَاكِينُ الْحَرَمِ، فَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ بَحْثًا أَنَّهُ لَا يُجْزِي سَوَاءً وُجِدَتْ نِيَّةُ الدَّفْعِ أَمْ لَا، قَالَ: لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةُ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ وَهُمْ إنَّمَا يَمْلِكُونَهُ بِهِ (قَوْلُهُ: جَازَ النَّقْلُ فِيهَا) أَيْ لِلْمَالِكِ حَيْثُ لَمْ يُوجَدُوا ثَمَّ.
(قَوْلُهُ: وَوَقْتُهُ وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ) أَيْ فَيَحْرُمُ تَأْخِيرُ ذَبْحِهِ عَنْ أَيَّامِهَا، وَعَلَيْهِ فَلَوْ عَدِمَتْ الْفُقَرَاءُ فِي أَيَّامِ التَّضْحِيَةِ أَوْ امْتَنَعُوا مِنْ الْأَخْذِ لِكَثْرَةِ اللَّحْمِ ثَمَّ فَهَلْ يُعْذَرُ بِذَلِكَ فِي تَأْخِيرِهِ عَنْ أَيَّامِ التَّضْحِيَةِ أَوْ يَجِبُ ذَبْحُهُ فِيهَا وَيَدَّخِرُهُ قَدِيدًا إلَى أَنْ يُوجَدَ مَنْ يَأْخُذُهُ مِنْ الْفُقَرَاءِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَمُقْتَضِي إطْلَاقِهِمْ وُجُوبُ الذَّبْحِ فِي أَيَّامِ التَّضْحِيَةِ الثَّانِي، وَهُوَ ظَاهِرٌ بَقِيَ مَا لَوْ كَانَ ادِّخَارُهُ يُتْلِفُهُ فَهَلْ يَبِيعُهُ وَيَحْفَظُ ثَمَنَهُ إذَا أَشْرَفَ عَلَى التَّلَفِ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ هَذَا، وَقَضِيَّةُ تَخْصِيصِ ذَبْحِ الْهَدْيِ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَسَاقَ هَدْيًا أَوْ سَاقَ الْهَدْيَ إلَى مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ وُجُوبُ تَأْخِيرِ ذَبْحِهِ إلَى وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ كَأَنْ سَاقَهُ فِي رَجَبٍ مَثَلًا وَهُوَ قَرِيبٌ ظَاهِرٌ، ثُمَّ رَأَيْت قَوْلَهُ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إلَخْ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ التَّأْخِيرِ (قَوْله لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ وَقْتٌ) أَيْ فَيَذْبَحُهُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
سَاقِطٌ مِنْ النُّسَخِ مِنْ الْكَتَبَةِ.
وَالْحَاصِلُ حِينَئِذٍ أَنَّ دَمَ التَّعْدِيلِ يَجُوزُ النَّقْصُ فِيهِ عَنْ الْمُدِّ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَكَانَ مُرَتَّبًا أَوْ مُخَيَّرًا، وَأَنَّ دَمَ التَّقْدِيرِ إنْ كَانَ مُخَيَّرًا فَالزِّيَادَةُ عَلَى الْمُدِّ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ لِأَنَّهُ يُعْطِي لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ، وَإِنْ كَانَ مُرَتَّبًا فَلَا إطْعَامَ فِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَارِّ فَلْيُرَاجَعْ.
ثُمَّ إنَّ مُرَادَهُ بِدَمِ التَّمَتُّعِ دَمُ الِاسْتِمْتَاعِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ: وَأَمَّا دَمُ الِاسْتِمْتَاعَاتِ، وَهَذَا الْمَفْهُومُ صَرِيحٌ فِيمَا قَدَّمَتْهُ مِنْ أَنَّ لَفْظَ غَيْرِ سَاقِطٌ مِنْ النُّسَخِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا مَحَلُّ تَمَتُّعِهِ) أَيْ بِمَا كَانَ مَحْظُورًا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَالْأَحْسَنُ فِي بُقَعِهِ) أَيْ عَلَى خِلَافِهِ مَا سَلَكَهُ هُوَ فِي الْحِلِّ
إلَّا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ الْمِثْلِيِّ فَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ كَالْأُضْحِيَّةِ؛ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الصَّغِيرِ صَغِيرٌ وَالْكَبِيرِ كَبِيرٌ وَالْمَعِيبِ مَعِيبٌ بَلْ لَا تُجْزِي الْبَدَنَةُ عَنْ شَاتِهِ، وَحَاصِلُ الدِّمَاءِ تَرْجِعُ بِاعْتِبَارِ حُكْمِهَا إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيرٍ، وَدَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ، وَدَمُ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ، وَدَمُ تَخْيِيرٍ وَتَعْدِيلٍ.
فَالْأَوَّلُ يَشْتَمِلُ عَلَى دَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَالْفَوَاتِ، وَالْمَنُوطُ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ وَهُوَ تَرْكُ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَطَوَافِ الْوَدَاعِ، فَهَذِهِ الدِّمَاءُ دِمَاءُ تَرْتِيبٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الذَّبْحُ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ مَا لَمْ يَعْجِزْ عَنْهُ، وَتَقْدِيرٍ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّرْعَ قَدَّرَ مَا يَعْدِلُ إلَيْهِ تَقْدِيرًا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ.
وَالثَّانِي يَشْتَمِلُ عَلَى دَمِ الْجِمَاعِ فَهُوَ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ، بِمَعْنَى أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ فِيهِ بِالتَّقْوِيمِ وَالْعُدُولِ إلَى غَيْرِهِ وَبِحَسَبِ الْقِيمَةِ فَتَجِبُ فِيهِ بَدَنَةٌ ثُمَّ بَقَرَةٌ ثُمَّ سَبْعُ شِيَاهٍ، فَإِنْ عَجَزَ قَوَّمَ الْبَدَنَةَ بِدَرَاهِمَ وَالدَّرَاهِمَ بِطَعَامٍ وَتَصَدَّقَ بِهِ.
فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَيُكْمِلُ الْمُنْكَسِرَ كَمَا مَرَّ، وَعَلَى دَمِ الْإِحْصَارِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ ثُمَّ طَعَامٌ بِالتَّعْدِيلِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الطَّعَامِ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا. وَالثَّالِثُ يَشْتَمِلُ عَلَى دَمِ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ فَهُوَ دَمُ تَخْيِيرٍ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَيُتَخَيَّرُ إذَا حَلَقَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ أَوْ قَلَمَ ثَلَاثَةَ أَظْفَارٍ وَلَاءً بَيْنَ ذَبْحِ دَمٍ وَإِطْعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ وَصَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّام وَعَلَى دَمِ الِاسْتِمْتَاعِ وَهُوَ التَّطَيُّبُ، وَالدَّهْنُ بِفَتْحِ الدَّالِ لِلرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَشَعْرِ الْوَجْهِ عَلَى مَا مَرَّ وَاللُّبْسُ وَمُقَدَّمَاتُ الْجِمَاعِ وَالِاسْتِمْنَاءُ وَالْجِمَاعُ غَيْرُ الْمُفْسِدِ.
وَالرَّابِعُ يَشْتَمِلُ عَلَى دَمِ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالشَّجَرِ، فَجُمْلَةُ هَذِهِ الدِّمَاءِ عِشْرُونَ دَمًا: ثَمَانِيَةٌ مُتَرَتِّبَةٌ مُقَدَّرَةٌ، وَثَمَانِيَةٌ مُخَيَّرَةٌ مُقَدَّرَةٌ، وَدَمَانِ فِيهِمَا تَرْتِيبٌ وَتَعْدِيلٌ، وَدَمَانِ فِيهِمَا تَخْيِيرٌ وَتَعْدِيلٌ، وَقَدْ أَشَارَ الدَّمِيرِيِّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ:
خَاتِمَةٌ مِنْ الدِّمَاءِ مَا الْتُزِمْ
…
مُرَتَّبًا وَمَا بِتَخْيِيرٍ لَزِمْ
وَالصِّفَتَانِ لَا اجْتِمَاعَ لَهُمَا
…
كَالْعَدْلِ وَالتَّقْدِيرِ حَيْثُ فُهِمَا
وَالدَّمُ بِالتَّرْتِيبِ وَالتَّقْدِيرِ فِي
…
تَمَتُّعِ فَوْتِ قِرَانٍ اُقْتُفِيَ
وَتَرْكُ مِيقَاتٍ وَرَمْيٍ وَوَدَاعْ
…
مَعَ الْمَبِيتَيْنِ بِلَا عُذْرٍ مَشَاع
ثُمَّ مُرَتَّبٌ بِتَعْدِيلٍ سَقَطْ
…
فِي مُفْسِدِ الْجِمَاعِ وَالْحَصْرِ فَقَطْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ كَمَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ قَبْلُ فَاتَ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ هَذِهِ الْأَيَّامَ (قَوْلُهُ: وَقَدْ أَشَارَ الدَّمِيرِيِّ لِذَلِكَ إلَخْ) وَنَظَمَهَا ابْنُ الْمُقْرِي فَقَالَ:
أَرْبَعَةٌ دِمَاءٌ حَجٍّ يُحْصَرُ
…
الْأَوَّلُ الْمُرَتَّبُ الْمُقَدَّرُ
تَمَتُّعٌ فَوْتٌ وَحَجٌّ قُرِنَا
…
وَتَرْكُ رَمْيٍ وَالْمَبِيتُ بِمِنَى
وَتَرْكُهُ الْمِيقَاتَ وَالْمُزْدَلِفَهْ
…
أَوْ لَمْ يُوَدِّعْ أَوْ كَمَشْيٍ أَخْلَفَهْ
نَاذِرُهُ بِصَوْمٍ إنْ دَمًا فَقَدْ
…
ثَلَاثَةً فِيهِ وَسَبْعًا فِي الْبَلَدْ
وَالثَّانِ تَرْتِيبٌ وَتَعْدِيلٌ وَرَدْ
…
فِي مُحْصَرٍ وَوَطْءِ حَجٍّ إنْ فَسَدْ
إنْ لَمْ يَجِدْ قَوَّمَهُ ثُمَّ اشْتَرَى
…
بِهِ طَعَامًا مَا طُعْمَةً لِلْفُقَرَا
ثُمَّ لِعَجْزِ عَدْلٍ ذَاكَ صَوْمَا
…
أَعَنَى بِهِ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا
وَالثَّالِثُ التَّخْيِيرُ وَالتَّعْدِيلُ فِي
…
صَيْدٍ وَأَشْجَارٍ بِلَا تَكَلُّفِ
إنْ شِئْت فَاذْبَحْ أَوْ فَعَدْلٌ مِثْلَ مَا
…
عَدَلْت فِي قِيمَةِ مَا تَقَدَّمَا
وَخَيِّرَنْ وَقَدِّرَنْ فِي الرَّابِعِ
…
فَاذْبَحْهُ أَوْ جُدْ بِثَلَاثِ آصُعَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .