المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[البكاء على الميت قبل الموت] - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج - جـ ٣

[الرملي، شمس الدين]

فهرس الكتاب

- ‌فَصْلٌ فِي دَفْنِ الْمَيِّتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ

- ‌[اللَّحْدُ أَفْضَلُ مِنْ الشَّقِّ]

- ‌لَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ)

- ‌[الْجُلُوس عَلَى الْقَبْرِ]

- ‌[التَّعْزِيَةُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ سُنَّةٌ]

- ‌[يَحْرُمُ النَّدْبُ وَالنَّوْحُ]

- ‌[الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ قَبْلَ الْمَوْتِ]

- ‌[اتِّبَاعُ الْمُسْلِمِ جِنَازَةَ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ]

- ‌[لَا يَحْمِلُ الْجِنَازَةَ إلَّا الرِّجَالُ]

- ‌[اللَّغَطُ فِي سَيْرِ الْجِنَازَةِ]

- ‌[شُرُوطُ صِحَّةِ صَلَاةِ الْجِنَازَة]

- ‌[الدَّفْنُ بِالْمَقْبَرَةِ أَفْضَلُ مِنْ الدَّفْنُ بِالْبَيْتِ]

- ‌[الْمَبِيتُ بِالْمَقْبَرَةِ]

- ‌[الدَّفْنُ لَيْلًا]

- ‌[تَجْصِيصُ الْقَبْرِ وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ وَالْكِتَابَةُ عَلَيْهِ]

- ‌[زِيَارَةُ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ لِلرِّجَالِ]

- ‌[نَقْلُ الْمَيِّتِ قَبْلَ دَفْنِهِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ آخَرَ]

- ‌كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْحَيَوَانِ

- ‌[الشَّرْطُ الْأَوَّلُ النَّعَم]

- ‌[الشَّرْطِ الثَّانِي النِّصَابُ]

- ‌فَصْلٌ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْإِخْرَاجِ لِمَا مَرَّ وَبَعْضِ شُرُوطِ الزَّكَاةِ

- ‌ أَسْبَابِ النَّقْصِ فِي الزَّكَاةِ

- ‌[الْخُلْطَةِ فِي الزَّكَاة]

- ‌بَابُ زَكَاةِ النَّبَاتِ

- ‌[نِصَابُ الْقُوتُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ]

- ‌ خَرْصُ الثَّمَرِ)

- ‌[شَرْطُ الْخَارِصِ]

- ‌بَابُ زَكَاةِ النَّقْدِ

- ‌[يُحَرَّمُ عَلَى الرَّجُلِ وَالْخُنْثَى حُلِيُّ الذَّهَبِ]

- ‌[تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ بِالذَّهَبِ]

- ‌شَرْطُ زَكَاةِ النَّقْدِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ وَالتِّجَارَةِ

- ‌[يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْدِن]

- ‌الرِّكَازِ

- ‌[شَرْطُ الرِّكَاز]

- ‌فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ

- ‌(شَرْطُ وُجُوبِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ

- ‌[تَأْخِيرَ زَكَاةِ الْفِطْرِ إلَى مَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ]

- ‌[يَلْزَمُهُ فِطْرَةُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ]

- ‌(مَنْ أَيْسَرَ) بِبَعْضِ صَاعٍ وَهُوَ فِطْرَةُ الْوَاحِدِ (يَلْزَمُهُ)

- ‌[بَابُ مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ]

- ‌فَصْلٌ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ

- ‌فَصْلٌ فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ

- ‌كِتَابُ الصِّيَامِ

- ‌[إذَا الْهِلَالُ رُئِيَ بِبَلَدٍ لَزِمَ حُكْمُهُ الْبَلَدَ الْقَرِيبَ]

- ‌فَصْلٌ فِي أَرْكَانِ الصَّوْمِ

- ‌[يُسَنُّ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَرْطِ الصَّوْمِ]

- ‌فَصْلٌ شَرْطُ صِحَّةِ الصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ الْفَاعِلِ وَالْوَقْتِ

- ‌فَصْلٌ فِي شُرُوطِ وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَمَا يُبِيحُ تَرْكَ صَوْمِهِ

- ‌فَصْلٌ فِي فِدْيَةِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ

- ‌فَصْلٌ فِي مُوجِبِ كَفَّارَةِ الصَّوْمِ

- ‌[مَصْرِفُ فِدْيَةُ الصَّوْم]

- ‌بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ

- ‌ صَوْمُ يَوْمِ (عَرَفَةَ)

- ‌ صَوْمُ (أَيَّامِ) اللَّيَالِي (الْبِيضِ)

- ‌ صَوْمُ (سِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ)

- ‌[صَوْمُ عَاشُورَاءَ]

- ‌(إفْرَادُ) يَوْمِ (الْجُمُعَةِ) بِالصَّوْمِ

- ‌[وَصَوْمُ الدَّهْرِ غَيْرُ الْعِيدِ]

- ‌كِتَابُ الِاعْتِكَافِ

- ‌[صَوْمُ تَطَوُّعٍ مِنْ غَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَهُوَ حَاضِرٌ]

- ‌[شُرُوطُ الْمُعْتَكِفِ]

- ‌فَصْلٌ فِي حُكْمِ الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ

- ‌[كِتَابُ الْحَجِّ]

- ‌[شُرُوط صِحَّة الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌[شُرُوط وُجُوب الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌[مَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ نُسُكِ الْمَرْأَةِ]

- ‌بَابُ الْمَوَاقِيتِ لِلنُّسُكِ زَمَانًا وَمَكَانًا

- ‌[الْمِيقَات الزَّمَانِيّ]

- ‌الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ

- ‌بَابُ الْإِحْرَامِ

- ‌فَصْلٌ فِي رُكْنِ الْإِحْرَامِ وَمَا يُطْلَبُ لِلْمُحْرِمِ مِنْ الْأُمُورِ الْآتِيَةِ

- ‌[بَابُ دُخُولِ الْمُحْرِمِ مَكَّةَ]

- ‌فَصْلٌ فِيمَا يُطْلَبُ فِي الطَّوَافِ مِنْ وَاجِبَاتٍ وَسُنَنٍ

- ‌[وَاجِبَات الطَّوَاف]

- ‌[سُنَن الطَّوَاف]

- ‌فَصْلٌ فِيمَا يَخْتِمُ بِهِ الطَّوَافَ وَبَيَانُ كَيْفِيَّةِ السَّعْيِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ

- ‌(فَصْلٌ فِي الْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَالدَّفْعِ مِنْهَا وَفِيمَا يُذْكَرُ مَعَهُمَا

- ‌ الْمَبِيتِ بِمِنًى لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ

- ‌فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَبَيَانِ أَوْجُهِ أَدَائِهِمَا مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ

- ‌بَابُ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ

- ‌[مَا يَحِلّ مِنْ شجر الحرم وَمَا يحرم]

- ‌[أَنْوَاعِ الدِّمَاءِ فِي الْحَجّ]

- ‌بَابُ الْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ

- ‌كِتَابُ الْبَيْعِ

- ‌[شُرُوط الْبَيْع] [

- ‌أَلْفَاظ الْبَيْع]

- ‌[يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ]

- ‌[شُرُوط الْعَاقِدِ]

- ‌[شِرَاء الْكَافِر الْمُصْحَف]

- ‌[شُرُوط الْمَبِيع]

- ‌[مِنْ شُرُوط الْمَبِيع طَهَارَة عَيْنه]

- ‌ مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ (النَّفْعُ)

- ‌[مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ إمْكَانُ تَسْلِيمِهِ]

- ‌ مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ (الْمِلْكُ)

- ‌ مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ (الْعِلْمُ بِهِ)

- ‌بَابُ الرِّبَا

- ‌[الْمُمَاثَلَةُ تُعْتَبَرُ فِي الْمَكِيلِ]

- ‌[بَاب الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَمَا يَتْبَعُهَا]

- ‌[الصُّوَر المستثناة مِنْ النَّهْي عَنْ بَيْع وَشَرْط]

- ‌[بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ إعْتَاقِهِ]

- ‌فَصْلٌ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الْمَنْهِيَّاتِ الَّتِي لَا يَقْتَضِي النَّهْيُ فَسَادَهَا كَمَا قَالَ

- ‌[بَيْعُ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ لِعَاصِرِ الْخَمْرِ وَالنَّبِيذِ]

- ‌فَصْلٌ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ

- ‌[بَيْعُ الْعَرَبُونِ]

- ‌[جُمِعَ الْعَاقِدُ أَوْ الْعَقْدُ فِي صَفْقَةٍ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ]

الفصل: ‌[البكاء على الميت قبل الموت]

الْجُمْهُورِ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَبَحَثَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ اُلْبُكَا لِرِقَّةٍ عَلَى الْمَيِّتِ وَمَا يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَأَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَمْ يُكْرَهْ وَلَا يَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَإِنْ كَانَ لِلْجَزَعِ وَعَدَمِ التَّسْلِيمِ لِلْقَضَاءِ فَيُكْرَهُ أَوْ يَحْرُمُ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ هَذَا كُلُّهُ فِي الْبُكَاءِ بِصَوْتٍ، أَمَّا مُجَرَّدُ دَمْعِ الْعَيْنِ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ، وَاسْتَثْنَى الرُّويَانِيُّ مَا إذَا غَلَبَهُ اُلْبُكَا فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَمْلِكُهُ الْبَشَرُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إنْ كَانَ لِمَحَبَّةٍ وَرِقَّةٍ كَالْبُكَا عَلَى الطِّفْلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَالصَّبْرُ أَجْمَلُ، وَإِنْ كَانَ لِمَا فَقَدَ مِنْ عَمَلِهِ وَصَلَاحِهِ وَبَرَكَتِهِ وَشَجَاعَتِهِ فَيَظْهَرُ اسْتِحْبَابُهُ، أَوْ لِمَا فَاتَهُ مِنْ بِرِّهِ وَقِيَامِهِ بِمَصَالِحِهِ فَيَظْهَرُ كَرَاهَتُهُ لِتَضَمُّنِهِ عَدَمَ الثِّقَةِ بِاَللَّهِ تَعَالَى

(وَيَحْرُمُ النَّدْبُ بِتَعْدِيدِ) الْبَاءُ زَائِدَةٌ إذْ حَقِيقَةُ النَّدْبِ تَعْدَادُ (شَمَائِلِهِ) وَهُوَ كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَذْكَارِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمُوعِهِ عَدَّهَا مَعَ اُلْبُكَا كَوَا كَهْفَاهْ وَا جَبَلَاهْ لِمَا سَيَأْتِي وَلِلْإِجْمَاعِ، وَجَاءَ فِي الْإِبَاحَةِ مَا يُشْبِهُ النَّدْبَ، وَفِي الْحَقِيقَةِ الْمُحَرَّمُ النَّدْبُ لَا اُلْبُكَا؛ لِأَنَّ اقْتِرَانَ الْمُحَرَّمِ بِجَائِزٍ لَا يُصَيِّرُهُ حَرَامًا خِلَافًا لِجَمْعٍ، وَمِنْ ثَمَّ رَدَّ أَبُو زُرْعَةَ قَوْلَ مَنْ قَالَ يَحْرُمُ اُلْبُكَا عِنْدَ نَدْبٍ أَوْ نِيَاحَةٍ أَوْ شَقِّ جَيْبٍ أَوْ نَشْرِ شَعْرٍ أَوْ ضَرْبِ خَدٍّ، فَإِنَّ اُلْبُكَا جَائِزٌ مُطْلَقًا وَهَذِهِ الْأُمُورُ مُحَرَّمَةٌ مُطْلَقًا وَلَيْسَ مِنْهُ وَهُوَ خَبَرُ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ لَمَّا نُقِلَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ الْكَرْبُ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: وَا أَبَتَاهُ، فَقَالَ: لَيْسَ عَلَى أَبِيك كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ، فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ، يَا أَبَتَاهُ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ، يَا أَبَتَاهُ إلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهُ» (وَ) يَحْرُمُ (النَّوْحُ) وَهُوَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ بُكًى، وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِالْكَلَامِ الْمُسَجَّعِ، وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ التَّقْيِيدِ لِخَبَرِ «النَّائِحَةُ إذَا لَمْ تَتُبْ تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالسِّرْبَالُ الْقَمِيصُ، وَخَصَّ الْقَطِرَانَ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَسُكُونِهَا بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي اشْتِعَالِ النَّارِ وَفِعْلُ ذَلِكَ خَلْفَ الْجِنَازَةِ أَشَدُّ تَحْرِيمًا

(وَ) يَحْرُمُ (الْجَزَعُ بِضَرْبِ الصَّدْرِ وَنَحْوِهِ) كَشَقِّ جَيْبٍ وَنَشْرِ شَعْرٍ وَتَسْوِيدِ وَجْهٍ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

تَحْتَ التَّكْلِيفِ، ثُمَّ رَأَيْت قَوْلَهُ وَاسْتَثْنَى الرُّويَانِيُّ إلَخْ (قَوْلُهُ وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ) مُعْتَمَدٌ

[يَحْرُمُ النَّدْبُ وَالنَّوْحُ]

(قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ النَّدْبُ) هُوَ كَالنَّوْحِ الْآتِي صَغِيرَةً لَا كَبِيرَةً كَمَا قَالَاهُ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ اهـ خَطِيبٌ، وَفِي حَجّ هُنَا أَنَّ النَّوْحَ وَالْجَزَعَ كَبِيرَةٌ.

(قَوْلُهُ: وَجَاءَ فِي الْإِبَاحَةِ مَا يُشْبِهُ النَّدْبَ) أَيْ جَاءَ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُبَاحَةِ أَلْفَاظٌ تُشْبِهُ النَّدْبَ وَلَيْسَتْ مِنْهُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ اُلْبُكَا جَائِزٌ) الْفَاءُ بِمَعْنَى اللَّامِ (قَوْلُهُ: إلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهُ) أَيْ نُخْبِرُ بِمَوْتِهِ، وَإِنَّمَا خَصَّتْ لِي جِبْرِيلَ لِعِلْمِهِ بِمَقَامِهِ عليه الصلاة والسلام وَتَكَرَّرَ نُزُولُهُ عَلَيْهِ وَمُلَازَمَتُهُ لَهُ.

وَفِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ: النَّعْيُ خَبَرُ الْمَوْتِ يُقَالُ نَعَاهُ لَهُ يَنْعَاهُ نَعْيًا بِوَزْنِ سَعْيٍ اهـ.

وَهُوَ صَرِيحُ مَا قُلْنَاهُ هَذَا، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا لَمْ تُرِدْ ذَلِكَ بِخُصُوصِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَتْ تَذَكُّرَ مَآثِرِهِ إلَى جِبْرِيلَ تَحَسُّرًا عَلَى عَادَةِ مَنْ يَفْقِدُ صَدِيقَهُ فَإِنَّهُ يَتَذَكَّرُ مَآثِرَهُ لَهُ تَأَسُّفًا وَتَحَسُّرًا

(قَوْلُهُ: كَشَقِّ جَيْبٍ وَنَشْرِ شَعْرٍ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

[الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ قَبْلَ الْمَوْتِ]

قَوْلُهُ: وَهُوَ كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَذْكَارِهِ إلَخْ) فِيهِ تَنَاقُضٌ مَعَ قَوْلِهِ إذْ حَقِيقَةُ النَّدْبِ تَعْدَادُ شَمَائِلِهِ لِأَنَّ هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ التَّعْدَادِ الْمَذْكُورِ مَعَ الْبُكَاءِ، فَالْبُكَاءُ جَزْمٌ مِنْ حَقِيقَتِهِ بِخِلَافِ ذَاكَ، ثُمَّ إنَّ الَّذِي حَكَاهُ الشِّهَابُ حَجّ عَنْ الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ جَعَلَ الْبُكَاءَ شَرْطًا لِتَحْرِيمِ النَّدْبِ لَا جُزْءًا مِنْ حَقِيقَتِهِ، بِخِلَافِ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ الشَّارِحُ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْ النَّقْلَيْنِ لَا يَتَأَتَّى قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي، وَفِي الْحَقِيقَةِ الْمُحَرَّمُ النَّدْبُ لَا الْبُكَاءُ إلَخْ، إذْ هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ النَّدْبَ فِي حَدِّ ذَاتِهِ مُحَرَّمٌ سَوَاءٌ اقْتَرَنَ بِالْبُكَاءِ أَمْ لَا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَفِي الْحَقِيقَةِ الْمُحَرَّمُ النَّدْبُ لَا الْبُكَاءُ) فِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ مِنْهُ إلَخْ) هَذَا تَمَامُ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَجَاءَ فِي الْإِبَاحَةِ مَا يُشْبِهُ النَّدْبَ، فَالْوَاوُ فِيهِ لِلْحَالِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ خَبَرُ الْبُخَارِيِّ رَاجِعٌ إلَى مَا مِنْ قَوْلِهِ مَا يُشْبِهُ النَّدْبَ وَالْعِبَارَةُ عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ بِالْحَرْفِ، وَمَا أَدْرِي مَا الْحَامِلُ لِلشَّارِحِ عَلَى فَصْلِ أَجْزَائِهَا فَصْلًا يُفْسِدُهَا، وَكَأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّ لَفْظًا خَبَرُ اسْمِ لَيْسَ وَمِنْهُ خَبَرُهَا وَحِينَئِذٍ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْذِفَ لَفْظَ وَهُوَ فَتَأَمَّلْ

ص: 16

وَإِلْقَاءِ الرَّمَادِ عَلَى الرَّأْسِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ بِإِفْرَاطٍ فِي اُلْبُكَا، وَكَذَا تَغْيِيرُ الزِّيِّ وَلُبْسُ غَيْرِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.

قَالَ الْإِمَامُ وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُ إظْهَارَ جَزَعٍ يُنَافِي الِانْقِيَادَ وَالِاسْتِسْلَامَ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُحَرَّمٌ، وَلِهَذَا صَرَّحَ هُوَ بِحُرْمَةِ الْإِفْرَاطِ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْبُكَاءِ، وَنَقَلَهُ فِي الْأَذْكَارِ عَنْ الْأَصْحَابِ.

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ الشَّيْخَيْنِ «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» وَخَصَّ الْخَدَّ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ فِيهِ، وَإِلَّا فَضَرْبُ بَقِيَّةِ الْوَجْهِ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ، وَلَا يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إنْ لَمْ يُوصِ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِهِ كَقَوْلِ طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ:

إذَا مِتُّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ

وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَا بِنْتَ مَعْبَدٍ

وَعَلَيْهِ حَمَلَ الْجُمْهُورُ خَبَرَ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ» وَفِي أُخْرَى (مَا نِيحَ عَلَيْهِ) وَهُوَ يُبَيِّنُ أَنَّ مُدَّةَ التَّعْذِيبِ مُدَّةُ الْبُكَاءِ، فَتَكُونُ الْبَاءُ فِي الرِّوَايَتَيْنِ قَبْلَهَا بِمَعْنَى مَعَ أَوْ لِلسَّبَبِيَّةِ.

وَاسْتَشْكَلَ الرَّافِعِيُّ ذَلِكَ بِأَنَّ ذَنْبَهُ الْأَمْرُ بِذَلِكَ فَلَا يَخْتَلِفُ عَذَابُهُ بِامْتِثَالِهِمْ وَعَدَمِهِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الذَّنْبَ عَلَى السَّبَبِ يَعْظُمُ بِوُجُودِ الْمُسَبِّبِ، وَشَاهِدُهُ خَبَرُ «مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً» وَحَاصِلُهُ الْتِزَامُ مَا قَالَهُ، وَيُقَالُ كَلَامُهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى عَذَابِهِ الْمُتَكَرِّرِ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ وَهُوَ لَا يُوجَدُ إلَّا مَعَ الِامْتِثَالِ، بِخِلَافِ مَا إذَا فُقِدَ الِامْتِثَالُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ سِوَى إثْمِ الْأَمْرِ فَقَطْ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الْخَبَرَ عَلَى تَعْذِيبِهِ بِمَا يَبْكُونَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ جَرَائِمِهِ كَالْقَتْلِ وَشَنِّ الْغَارَاتِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَنُوحُونَ عَلَى الْمَيِّتِ بِهَا وَيَعُدُّونَهَا فَخْرًا.

وَقَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدَّرَ الْعَفْوَ عَنْهُ إنْ لَمْ يَبْكُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا بَكَوْا وَنَدَبُوا عُذِّبَ بِذَنْبِهِ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَافِرِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الذُّنُوبِ.

وَيُكْرَهُ رِثَاءُ الْمَيِّتِ بِذِكْرِ مَآثِرِهِ وَفَضَائِلِهِ لِلنَّهْيِ عَنْ الْمَرَاثِي.

وَالْأَوْلَى الِاسْتِغْفَارُ لَهُ، وَيَظْهَرُ حَمْلُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ عَلَى مَا يَظْهَرُ فِيهِ تَبَرُّمٌ، أَوْ عَلَى فِعْلِهِ مِنْ الِاجْتِمَاعِ لَهُ أَوْ عَلَى الْإِكْثَارِ مِنْهُ أَوْ عَلَى مَا يُجَدِّدُ الْحُزْنَ دُونَ مَا عَدَا ذَلِكَ فَمَا زَالَ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَفْعَلُونَهُ.

قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ:

مَاذَا عَلَى مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَدَ

أَنْ لَا يَشُمَّ مَدَى الزَّمَانِ غَوَالِيَا

صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبُ لَوْ أَنَّهَا

صُبَّتْ عَلَى الْأَيَّامِ عُدْنَ لَيَالِيَا

(قُلْت: هَذِهِ مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ) أَيْ مُتَفَرِّقَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْبَابِ زِدْتهَا عَلَى الْمُحَرَّرِ وَهِيَ أَكْبَرُ زِيَادَةٍ وَقَعَتْ فِي الْكِتَابِ، وَالْفَطِنُ يَرُدُّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ مِنْهَا لِمَا يُنَاسِبُهَا مِمَّا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا جَمَعَهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَرَّقَهَا لَاحْتَاجَ أَنْ يَقُولَ فِي أَوَّلِ كُلٍّ مِنْهَا قُلْت وَفِي آخِرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

فَيُؤَدِّي إلَى التَّطْوِيلِ الْمُنَافِي لِغَرَضِهِ مِنْ الِاخْتِصَارِ (يُبَادَرُ) بِفَتْحِ الدَّالِ نَدْبًا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَيْ وَكَضَرْبِ يَدٍ عَلَى أُخْرَى عَلَى وَجْهٍ يَدُلُّ عَلَى إظْهَارِ الْجَزَعِ (قَوْلُهُ: وَإِلْقَاءِ الرَّمَادِ عَلَى الرَّأْسِ) وَمِثْلُهُ الطِّينُ بِالْأَوْلَى سَوَاءٌ مِنْهُ مَا يُجْعَلُ عَلَى الرَّأْسِ وَالْيَدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ: وَلُبْسُ غَيْرِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ) أَيْ لِلْمُصَابِ (قَوْلُهُ: وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ) أَيْ ذَكَرَ فِي تَأَسُّفِهِ مَا تَذْكُرُهُ الْجَاهِلِيَّةُ فِي تَأَسُّفِهَا عَلَى مَا فَاتَ (قَوْلُهُ: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] أَيْ لَا تَحْمِلُ مُذْنِبَةٌ ذَنْبَ غَيْرِهَا (قَوْلُهُ: كَقَوْلِ طَرَفَةَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَاسْمُهُ عَمْرٌو كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَقَوْلُهُ ابْنُ الْعَبْدِ: أَيْ وَكَانَ مِنْ شُعَرَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى الِاسْتِغْفَارُ لَهُ) أَيْ الدُّعَاءُ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ كَأَنْ يَقُولَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لَهُ، أَوْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ (قَوْلُهُ: زِدْتهَا عَلَى الْمُحَرَّرِ) كَأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ حِكَايَةً عَنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمُنَاسَبَةٍ.

قُلْت: أَيْ وَزِيَادَتُهَا عَلَيْهِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ بِمَعْنَى مَعَ أَوْ لِلسَّبَبِيَّةِ) كَوْنُهَا لِلسَّبَبِيَّةِ لَا يُلَاقِي مَا قَرَّرَهُ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَيُقَالُ كَلَامُهُ) كَذَا فِي نُسَخِ الشَّارِحِ وَلَعَلَّهُ

ص: 17

(بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ) .

قَالُوا: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الِاشْتِغَالِ بِغُسْلِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ أُمُورِهِ مُسَارَعَةً إلَى فَكِّ نَفْسِهِ لِخَبَرِ «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ أَيْ رُوحُهُ مُعَلَّقَةٌ أَيْ مَحْبُوسَةٌ عَنْ مَقَامِهَا الْكَرِيمِ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ حَالًا سَأَلَ وَلِيُّهُ غُرَمَاءَ أَنْ يُحَلِّلُوهُ وَيَحْتَالُوا بِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ.

وَاسْتَشْكَلَ فِي الْمَجْمُوعِ الْبَرَاءَةَ بِذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَلِكَ مُبْرِيًا لِلْمَيِّتِ لِلْحَاجَةِ

وَالْمَصْلَحَةِ

، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُبَادَرَةَ تَجِبُ عِنْدَ طَلَبِ الْمُسْتَحِقِّ حَقَّهُ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ التَّرِكَةِ، أَوْ كَانَ قَدْ عَصَى بِتَأْخِيرِهِ لِمَطْلٍ أَوْ غَيْرِهِ كَضَمَانِ الْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَغَيْرِهِمَا (وَ) تَنْفِيذُ (وَصِيَّتِهِ) مُسَارَعَةً لِوُصُولِ الثَّوَابِ إلَيْهِ وَالْبِرِّ لِلْمُوصَى لَهُ، وَذَلِكَ مَنْدُوبٌ بَلْ وَاجِبٌ عِنْدَ طَلَبِ الْمُوصَى لَهُ الْمُعَيَّنِ، وَكَذَا عِنْدَ الْمُكْنَةِ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ ذَوِي الْحَاجَاتِ، أَوْ كَانَ قَدْ أَوْصَى بِتَعْجِيلِهَا (وَيُكْرَهُ تَمَنِّي الْمَوْتِ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ) فِي بَدَنِهِ أَوْ ضِيقٍ فِي دُنْيَاهُ أَوْ نَحْوِهِمَا لِخَبَرِ «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي مَا كَانَتْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

لَا تُنَافِي أَنَّهَا مُصَرَّحٌ بِهَا فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي غَيْرِ الْمُحَرَّرِ أَوْ مَأْخُوذَةٌ مِنْهُ

(قَوْلُهُ: مَحْبُوسَةٌ عَنْ مَقَامِهَا الْكَرِيمِ) قَالَ حَجّ: وَإِنْ قَالَ جَمَعَ مَحَلَّهُ فِيمَنْ لَمْ يُخْلِفْ وَفَاءً أَوْ فِيمَنْ عَصَى بِالِاسْتِدَانَةِ اهـ.

فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي حَبْسِ رُوحِهِ بَيْنَ مَنْ لَمْ يُخْلِفْ وَفَاءً وَغَيْرِهِ وَبَيْنَ مَنْ عَصَى بِاسْتِدَانَةٍ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ) وَمِنْ ذَلِكَ مَا أُخِذَ بِالْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ كَالْمُعَاطَاةِ حَيْثُ لَمْ يُوَفِّ الْعَاقِدُ بَدَلَ الْمَقْبُوضِ كَأَنْ اشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا وَقَبَضَ الْمَبِيعَ، وَتَلِفَ فِي يَدِهِ وَلَمْ يُوَفِّ بَدَلَهُ.

أَمَّا مَا قُبِضَ بِالْمُعَامَلَةِ الْفَاسِدَةِ وَقَبَضَ كُلٌّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ مَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ فَفِي الدُّنْيَا يَجِبُ عَلَى كُلٍّ أَنْ يَرُدَّ مَا قَبَضَهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَبَدَلَهُ إنْ كَانَ تَالِفًا، وَلَا مُطَالَبَةَ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا فِي الْآخِرَةِ لِحُصُولِ الْقَبْضِ بِالتَّرَاضِي.

نَعَمْ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا إثْمُ الْإِقْدَامِ عَلَى الْعَقْدِ الْفَاسِدِ (قَوْلُهُ: وَاسْتَشْكَلَ فِي الْمَجْمُوعِ الْبَرَاءَةَ بِذَلِكَ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ سَأَلَ وَلِيُّهُ (قَوْلُهُ لِلْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ إلَخْ) أَيْ فَيَنْتَقِلُ الْحَقُّ إلَى ذِمَّةِ الْمُلْتَزِمِ وَلَوْ أَجْنَبِيًّا وَتَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمَيِّتِ بِذَلِكَ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُلْتَزِمِ وَفَاؤُهُ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ تَلِفَتْ التَّرِكَةُ.

قَالَ بَعْضُهُمْ: وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَنْقَطِعُ تَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ فَتَصِيرُ مَرْهُونَةً بِهِ مَعَ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِذِمَّةِ الْغَيْرِ حَتَّى لَوْ تَعَذَّرَ الْوَفَاءُ مِنْ جِهَتِهِ أُخِذَ مِنْ التَّرِكَةِ اهـ حَجّ بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ مِنْ التَّرِكَةِ) يَنْبَغِي تَعَلُّقُهُ بِكُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ تَجِبُ عِنْدَ طَلَبٍ وَقَوْلِهِ مَعَ التَّمَكُّنِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا عِنْدَ الْمُكْنَةِ) أَيْ التَّمَكُّنِ (قَوْلُهُ: فِي الْوَصِيَّةِ) يَنْبَغِي تَعَلُّقُهُ بِكُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ يَجِبُ عِنْدَ طَلَبٍ وَقَوْلِهِ مَعَ التَّمَكُّنِ (قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوِهِمَا) أَيْ كَتَهْدِيدِ ظَالِمٍ (قَوْلُهُ: فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي إلَخْ) أَيْ مَعَ الْكَرَاهَةِ (قَوْلُهُ: مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ) أَيْ مُدَّةَ كَوْنِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَتَوَفَّنِي إلَخْ) عِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ إذَا كَانَتْ إلَخْ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ فِي الْأَوَّلِ بِمَا وَفَّى الثَّانِيَ بِإِذَا؛ لِأَنَّ الْحَيَاةَ لِامْتِدَادِهَا وَطُولِ زَمَنِهَا تُقَدَّرُ بِمُدَّةٍ، بِخِلَافِ الْوَفَاةِ فَإِنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ خُرُوجِ الرُّوحِ وَلَيْسَ فِيهِ زَمَنٌ يُقَدَّرُ.

قَالَ حَجّ: تَنْبِيهٌ: تُنَافِي مَفْهُومًا كَلَامَهُ فِي مُجَرَّدِ تَمَنِّيهِ: أَيْ الْخَالِي عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ؛ لِأَنَّ عِلَّتَهَا أَنَّهُ مَعَ الضَّرَرِ يَشْعُرُ بِالتَّبَرُّمِ بِالْقَضَاءِ، بِخِلَافِهِ مَعَ عَدَمِهِ بَلْ هُوَ حِينَئِذٍ دَلِيلٌ عَلَى الرِّضَا؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ النُّفُوسِ النُّفْرَةُ عَنْ الْمَوْتِ فَتَمَنِّيهِ لَا لِضُرٍّ دَلِيلٌ عَلَى مَحَبَّةِ الْآخِرَةِ، بَلْ حَدِيثُ «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ»

ــ

[حاشية الرشيدي]

مُحَرَّفٌ عَنْ لَفْظِ كَلَامِهِمْ

(قَوْلُهُ: قَبْلَ الِاشْتِغَالِ بِغُسْلِهِ وَغَيْرِهِ) أَشَارَ بِلَفْظِ الِاشْتِغَالِ إلَى أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا وَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْفَرَائِضِ مِنْ تَقْدِيمِ مُؤَنِ التَّجْهِيزِ عَلَى أَدَاءِ الدَّيْنِ، إذْ مَا هُنَا فِي مُجَرَّدِ تَقْدِيمِ فِعْلِ مَا ذُكِرَ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِالْغُسْلِ وَنَحْوِهِ، وَالصُّورَةُ أَنَّ الْمَالَ يَسَعُ جَمِيعَ ذَلِكَ، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُفْرِزُ مَا بَقِيَ بِالتَّجْهِيزِ ثُمَّ يَفْعَلُ مَا ذُكِرَ ثُمَّ يَشْتَغِلُ بِالْغُسْلِ وَنَحْوِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: عِنْدَ طَلَبِ الْمُسْتَحِقِّ) أَيْ مَعَ التَّمَكُّنِ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ قَدْ أَوْصَى بِتَعْجِيلِهَا) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ عِنْدَ طَلَبِ الْمُسْتَحِقِّ: أَيْ وَكَذَا إنْ لَمْ يَطْلُبْ وَكَانَ قَدْ أَوْصَى بِتَعْجِيلِهَا

ص: 18

الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي» (لَا لِفِتْنَةِ دِينٍ) فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ لِمَفْهُومِ الْخَبَرِ الْمَارِّ بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّ الْمُصَنِّفَ أَفْتَى بِاسْتِحْبَابِهِ لَهُ فِي فَتَاوِيهِ غَيْرِ الْمَشْهُورَةِ، وَنَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَفِي الْأَذْكَارِ وَالْمَجْمُوعِ عَلَيْهِ، أَمَّا تَمَنِّيهِ لِغَرَضٍ أُخْرَوِيٍّ فَمَحْبُوبٌ كَتَمَنِّي الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ يَتَمَنَّ نَبِيٌّ الْمَوْتَ غَيْرَ يُوسُفَ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّمَا تَمَنَّى الْوَفَاةَ عَلَى الْإِسْلَامِ لَا الْمَوْتَ

(وَيُسَنُّ) لِلْمَرِيضِ (التَّدَاوِي) لِحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعَ دَاءً إلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ الْهَرَمِ» .

وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إلَّا وَأَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً، جَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ وَعَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ» .

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَإِنْ تَرَكَ التَّدَاوِيَ تَوَكُّلًا فَفَضِيلَةٌ وَفَعَلَهُ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَنَّهُ رَأْسُ الْمُتَوَكِّلِينَ بَيَانًا لِلْجَوَازِ.

وَأَفْتَى ابْنُ الْبَزْرِيِّ بِأَنَّ مَنْ قَوِيَ تَوَكُّلُهُ فَالتَّرْكُ لَهُ أَوْلَى، وَمَنْ ضَعُفَ نَفَسُهُ وَقَلَّ صَبْرُهُ فَالْمُدَاوَاةُ لَهُ أَفْضَلُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ حَسَنٌ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ عَلَيْهِ.

وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ وَإِسَاغَةِ اللُّقْمَةِ بِالْخَمْرِ لِعَدَمِ الْقَطْعِ بِإِفَادَتِهِ بِخِلَافِهِمَا.

وَيَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى طِبِّ الْكَافِرِ وَوَصْفِهِ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ تَرْكُ عِبَادَةٍ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا لَا يُعْتَمَدُ فِيهِ (وَيُكْرَهُ إكْرَاهُهُ) أَيْ الْمَرِيضِ (عَلَيْهِ) أَيْ التَّدَاوِي بِاسْتِعْمَالِ الدَّوَاءِ وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ الطَّعَامِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشْوِيشِ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا خَبَرُ «لَا تُكْرِهُوا مَرْضَاكُمْ عَلَى الطَّعَامِ فَإِنَّ اللَّهَ يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ» فَقَدْ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ، وَادَّعَى التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ حَسَنٌ

(وَيَجُوزُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ وَنَحْوِهِمْ) كَأَصْدِقَائِهِ (تَقْبِيلُ وَجْهِهِ) لِخَبَرِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَبَّلَ وَجْهَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ بَعْدَ مَوْتِهِ» وَلِمَا فِي الْبُخَارِيِّ " أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه قَبَّلَ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مَوْتِهِ ".

وَيَنْبَغِي نَدْبُهُ لِأَهْلِهِ وَنَحْوِهِمْ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ، وَجَوَازُهُ لِغَيْرِهِمْ، وَلَا يَقْتَصِرُ جَوَازُهُ عَلَيْهِمْ، وَفِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي أَوَائِلِ النِّكَاحِ: وَلَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ وَجْهِ الْمَيِّتِ الصَّالِحِ فَقَيَّدَهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

يَدُلُّ عَلَى نَدْبِ تَمَنِّيهِ مَحَبَّةً لِلِقَاءِ اللَّهِ كَهُوَ بِبَلَدٍ شَرِيفٍ بَلْ أَوْلَى اهـ (قَوْلُهُ: لَا لِفِتْنَةِ دِينٍ) أَيْ خَوْفِهَا حَجّ: أَيْ أَوْ خَوْفِ زِيَادَتِهَا (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) أَيْ الِاسْتِحْبَابُ (قَوْلُهُ: وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا) أَيْ بِأَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ الِاسْتِحْبَابَ (قَوْلُهُ: كَتَمَنِّي الشَّهَادَةِ) أَيْ أَوْ بِبَلَدٍ شَرِيفٍ كَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِهَا مَحَالُّ الصَّالِحِينَ اهـ حَجّ.

أَقُولُ: وَلَا يَتَأَتَّى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ إلَّا إذَا تَمَنَّاهُ حَالًا أَوْ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، أَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ فَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى إذَا تَوَفَّيْتنِي فَتَوَفَّنِي شَهِيدًا إلَخْ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِ يُوسُفَ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا الْآتِي (قَوْلُهُ: غَيْرَ الْهَرَمِ) وَهُوَ كِبَرُ السِّنِّ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْقَطْعِ بِإِفَادَتِهِ) أَفْهَمَ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ بِإِفَادَتِهِ كَعَصْبِ مَحَلِّ الْفَصْدِ وَجَبَ وَهُوَ قَرِيبٌ، ثُمَّ رَأَيْت حَجّ صَرَّحَ بِهِ حَيْثُ قَالَ بَدَلَ قَوْلِ الشَّارِحِ الْمُضْطَرِّ وَرَبَطَ مَحَلَّ الْفَصْدِ

(قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا لَا يُعْتَمَدُ فِيهِ) وَمِنْهُ الْأَمْرُ بِالْمُدَاوَاةِ بِالنَّجِسِ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ إكْرَاهُهُ) أَيْ الْإِلْحَاحُ عَلَيْهِ وَإِنْ عَلِمَ نَفْعَهُ لَهُ لَهُ بِمَعْرِفَةِ طَبِيبٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْإِكْرَاهَ الشَّرْعِيَّ الَّذِي هُوَ التَّهْدِيدُ بِعُقُوبَةٍ عَاجِلَةٍ ظُلْمًا إلَى آخِرِ شُرُوطِهِ (قَوْلُهُ:، وَأَمَّا خَبَرُ «لَا تُكْرِهُوا مَرْضَاكُمْ» ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لِمَ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشْوِيشِ وَلَمْ يَسْتَدِلَّ بِالْحَدِيثِ، وَقَوْلُهُ فَقَدْ ضَعَّفَهُ: أَيْ فَيُقَدَّمُ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّهُ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ مَعَ مَنْ ضَعَّفَهُ زِيَادَةَ عِلْمٍ بِالْجَرْحِ لِلرَّاوِي

(قَوْلُهُ: كَأَصْدِقَائِهِ) وَمِنْهُمْ الزَّوْجَةُ وَالزَّوْجُ فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ: قَبَّلَ وَجْهَ عُثْمَانَ) فِي الْمَحَلِّيِّ إسْقَاطُ وَجْهٌ فِي الْمَحَلَّيْنِ فَلْتُرَاجَعْ الرِّوَايَةُ اهـ.

ثُمَّ مِثْلُ الْوَجْهِ فِي ذَلِكَ تَقْبِيلُ يَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ بَقِيَّةِ الْبَدَنِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْوَجْهِ لِأَنَّهُ الْوَارِدُ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي نَدْبُهُ لِأَهْلِهِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ صَالِحٍ (قَوْلُهُ وَجَوَازُهُ لِغَيْرِهِمْ) أَيْ حَيْثُ لَا مَانِعَ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ لِرَجُلٍ وَلَا عَكْسُهُ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ وَجْهِ الْمَيِّتِ) أَيْ فِي أَيِّ مَحَلٍّ كَانَ كَمَا يُفِيدُهُ إطْلَاقُهُ لِمَا هُوَ مَعْلُومٌ أَنَّ الْكَلَامَ حَيْثُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 19

بِالصَّالِحِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ

(وَلَا بَأْسَ بِالْإِعْلَامِ) وَهُوَ النِّدَاءُ (بِمَوْتِهِ لِلصَّلَاةِ) عَلَيْهِ (وَغَيْرِهَا) مِنْ دُعَاءٍ وَتَرَحُّمٍ وَمُحَالَلَةٍ بَلْ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ إذَا قُصِدَ بِهِ الْإِعْلَامُ لِكَثْرَةِ الْمُصَلِّينَ «؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ لِأَصْحَابِهِ وَخَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى وَصَلَّى» (بِخِلَافِ نَعْيِ الْجَاهِلِيَّةِ) وَهُوَ بِسُكُونِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ مَصْدَرُ نَعَاهُ، وَمَعْنَاهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ: النِّدَاءُ بِذِكْرِ مَفَاخِرِ الْمَيِّتِ وَمَآثِرِهِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِلنَّهْيِ عَنْهُ

(وَلَا يَنْظُرُ الْغَاسِلُ مِنْ بَدَنِهِ إلَّا قَدْرَ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ الْعَوْرَةِ) كَأَنْ يُرِيدَ بِنَظَرِهِ مَعْرِفَةَ الْمَغْسُولِ مِنْ غَيْرِهِ وَهَلْ اسْتَوْعَبَهُ بِالْغَسْلِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ شَيْءٌ كَأَنْ يُكْرَهَ اطِّلَاعُ النَّاسِ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا رَأَى سَوَادًا وَنَحْوَهُ فَيَظُنُّهُ عَذَابًا فَيُسِيءُ بِهِ ظَنًّا فَإِنْ نَظَرَ كَانَ مَكْرُوهًا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمُصَنِّفُ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَإِنْ صُحِّحَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى أَمَّا الْمُعِينُ لِلْغَاسِلِ فَيُكْرَهُ لَهُ النَّظَرُ إلَى غَيْرِ الْعَوْرَةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، وَحُكْمُ الْمَسِّ كَحُكْمِ النَّظَرِ، قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَأَمَّا نَظَرُ الْعَوْرَةِ فَمُحَرَّمٌ وَهِيَ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ (وَمَنْ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ) لِفَقْدِ الْمَاءِ أَوْ لِغَيْرِهِ كَأَنْ احْتَرَقَ أَوْ لُدِغَ، وَلَوْ غُسِّلَ لَتَهَرَّى أَوْ خِيفَ عَلَى الْغَاسِلِ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّحَفُّظُ (يُمِّمَ) وُجُوبًا قِيَاسًا عَلَى غُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَلَا يُغَسَّلُ مُحَافَظَةً عَلَى جُثَّتِهِ لِتُدْفَنَ بِحَالِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ بِهِ قُرُوحٌ وَخِيفَ مِنْ غُسْلِهِ تَسَارُعُ الْبِلَى إلَيْهِ بَعْدَ الدَّفْنِ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ؛ لِأَنَّ مَصِيرَ جَمِيعِهِ إلَيْهِ، وَلَوْ يَمَّمَهُ لِفَقْدِ الْمَاءِ ثُمَّ وَجَدَهُ قَبْلَ دَفْنِهِ وَجَبَ غُسْلُهُ كَمَا مَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَعَلَى إعَادَةِ الصَّلَاةِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ.

(وَيُغَسِّلُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ الْمَيِّتَ بِلَا كَرَاهَةٍ) لِأَنَّهُمَا طَاهِرَانِ فَكَانَا كَغَيْرِهِمَا (وَإِذَا مَاتَا غُسِّلَا غُسْلًا فَقَطْ) لِانْقِطَاعِ الْغُسْلِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمَا بِالْمَوْتِ (وَلْيَكُنْ الْغَاسِلُ أَمِينًا) نَدْبًا؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ قَدْ لَا يُوثَقُ بِإِتْيَانِهِ بِالْمَشْرُوعِ، وَقَدْ يَظْهَرُ مَا يَظْهَرُ لَهُ مِنْ شَرٍّ وَيَسْتُرُ عَلَيْهِ، وَيُسَنُّ فِي مُعِينِهِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فَلَوْ غَسَّلَهُ فَاسِقٌ أَوْ كَافِرٌ وَقَعَ الْمَوْقِعَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ تَفْوِيضُهُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ وَوِلَايَةٌ وَلَيْسَ الْفَاسِقُ مِنْ أَهْلِهِمَا وَإِنْ صَحَّ غُسْلُهُ كَمَا يَصِحُّ أَذَانُ الْفَاسِقِ وَإِمَامَتُهُ، وَلَا يَجُوزُ نَصْبُهُ لَهُمَا، وَهَذَا مُتَعَيِّنٌ فِيمَنْ نُصِّبَ لِغُسْلِ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ، وَيَجِبُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

لَا شَهْوَةَ، وَأَنَّهُ لِلتَّبَرُّكِ أَوْ الرِّقَّةِ أَوْ الشَّفَقَةِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَنْبَغِي إلَخْ) هُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ الْغَيْرُ مَعْرُوفًا بِالْمَعَاصِي.

أَمَّا إذَا لَمْ يُوصَفْ بِصَلَاحٍ بِحَيْثُ يَتَبَرَّكُ بِهِ وَلَا بِفَسَادٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا

(قَوْلُهُ: بَلْ يُسْتَحَبُّ) أَيْ لِوَلِيِّهِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ نَعَى النَّجَّاشِيَّ) أَيْ أَوْصَلَ خَبَرَهُ لِأَصْحَابِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِلنَّهْيِ عَنْهُ) لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا وَمَا مَرَّ مِنْ حُرْمَةِ تَعْدِيدِ شَمَائِلِهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ ذَاكَ فِيمَا لَوْ اقْتَرَنَ بِبُكَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا نَظَرُ الْعَوْرَةِ فَمُحَرَّمٌ) قَالَ حَجّ: إلَّا نَظَرَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ السَّيِّدِ بِلَا شَهْوَةٍ وَإِلَّا الصَّغِيرَةَ لِمَا يَأْتِي فِي النِّكَاحِ، وَقَضِيَّتُهُ حُرْمَةُ الْمَسِّ وَقَدَّمْنَا مَا فِيهِ، وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلَهُ فَمُحَرَّمٌ ظَاهِرُهُ وَلَوْ لِحَاجَةٍ بَلْ وَلَوْ لِضَرُورَةٍ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي جَوَازُهُ إذَا كَانَ بِهِ نَجَاسَةٌ وَاحْتَاجَ لِإِزَالَتِهَا، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ، وَعِبَارَةُ الْقُوتِ هَذَا فِي غَيْرِ الطِّفْلِ، وَصَرَّحَ الشَّيْخُ هُنَا بِجَوَازِ النَّظَرِ إلَى جَمِيعِ بَدَنِ الصَّغِيرَةِ وَالصَّغِيرُ أَوْلَى.

وَقَالَ الْبَغَوِيّ: لَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إلَى عَوْرَةِ صَبِيٍّ أَوْ صَبِيَّةٍ لَمْ يَبْلُغْ مَحَلَّ الشَّهْوَةِ، وَإِنْ كَانَ النَّاظِرُ أَجْنَبِيًّا وَلَا يَنْظُرُ الْفَرْجَ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.

وَقَوْلُهُ لَا بَأْسَ: أَيْ لَا حَرَجَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ يَمَّمَهُ لِفَقْدِ الْمَاءِ إلَخْ) وَلَيْسَ مِنْ الْفَقْدِ مَا لَوْ وُجِدَ مَاءٌ يَكْفِي لِغُسْلِ الْمَيِّتِ فَقَطْ أَوْ لِطُهْرِ الْحَيِّ فَيَجِبُ تَقْدِيمُ غُسْلِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْحَيَّ تُمْكِنُهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِالتَّيَمُّمِ إنْ وَجَدَ تُرَابًا أَوْ فَاقِدًا لِلطَّهُورَيْنِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَطَهَّرَ بِهِ الْحَيُّ مِنْ ذَلِكَ قَدْ يُؤَدِّي إلَى دَفْنِ الْمَيِّتِ بِلَا صَلَاةٍ عَلَيْهِ لِعَدَمِ طَهَارَتِهِ سِيَّمَا إذَا كَانَ فِي بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ وَجَدَهُ قَبْلَ دَفْنِهِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ بَعْدَ الدَّفْنِ لَا يُنْبَشُ لِلْغُسْلِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي مَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ أَمْ لَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِفِعْلِنَا مَا كُلِّفْنَا بِهِ وَهُوَ التَّيَمُّمُ (قَوْلُهُ: وَيُغَسِّلُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ الْمَيِّتَ بِلَا كَرَاهَةٍ) أَيْ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ: وَيَسْتُرُ عَلَيْهِ) أَيْ مَا يَرَاهُ مِنْ خَيْرٍ، وَفِي نُسْخَةٍ عَكْسُهُ وَهِيَ أَوْضَحُ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ الْفَاسِقُ مِنْ أَهْلِهِمَا) وَمِنْهُ الْكَافِرُ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ نَصْبُهُ لَهُمَا) أَيْ وَقِيَاسُ مَا مَرَّ عَنْهُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 20

أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْغُسْلِ (فَإِنْ رَأَى) الْغَاسِلُ مِنْ بَدَنِ الْمَيِّتِ (خَيْرًا) كَاسْتِنَارَةِ وَجْهِهِ وَطِيبِ رَائِحَتِهِ (ذَكَرَهُ) نَدْبًا لِيَكُونَ أَدْعَى إلَى كَثْرَةِ الْمُصَلِّينَ عَلَيْهِ وَالدُّعَاءِ لَهُ (أَوْ غَيْرَهُ) كَسَوَادٍ وَتَغَيُّرِ رَائِحَةٍ وَانْقِلَابِ صُورَةٍ (حَرُمَ ذِكْرُهُ) ؛ لِأَنَّهُ غِيبَةٌ لِمَنْ لَا يَتَأَتَّى الِاسْتِحْلَالُ مِنْهُ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» ) وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ «اُذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ وَكُفُّوا عَنْ مَسَاوِيهِمْ» وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا وَكَتَمَ عَلَيْهِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ أَرْبَعِينَ مَرَّةً» (إلَّا لِمَصْلَحَةٍ) كَأَنْ كَانَ الْمَيِّتُ مُبْتَدِعًا مُظْهِرًا لِبِدْعَتِهِ فَلَا يَجِبُ سِتْرُهُ بَلْ يَجُوزُ التَّحَدُّثُ بِهِ لِيَنْزَجِرَ النَّاسُ عَنْهَا، وَالْخَبَرُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يَتَحَدَّثَ بِذَلِكَ عَنْ الْمُسْتَتِرِ بِبِدْعَتِهِ عِنْدَ الْمُطَّلِعِينَ عَلَيْهَا الْمَائِلِينَ إلَيْهَا لَعَلَّهُمْ يَنْزَجِرُونَ.

قَالَ: وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ إذَا رَأَى مِنْ الْمُبْتَدِعِ أَمَارَةَ خَيْرٍ يَكْتُمُهَا وَلَا يُنْدَبُ لَهُ ذِكْرُهَا لِئَلَّا يُغْرِيَ بِبِدْعَتِهِ وَضَلَالَتِهِ، بَلْ لَا يَبْعُدُ إيجَابُ الْكِتْمَانِ عِنْدَ ظَنِّ الْإِغْرَاءِ بِهَا وَالْوُقُوعِ فِيهَا بِذَلِكَ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ عَائِدٌ لِلْأَمْرَيْنِ (وَلَوْ)(تَنَازَعَ أَخَوَانِ) مَثَلًا (أَوْ زَوْجَتَانِ) أَيْ فِي الْغُسْلِ وَلَا مُرَجِّحَ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا حَتْمًا، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ غَسَّلَهُ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ أَحَدِهِمَا تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ (وَالْكَافِرُ أَحَقُّ بِقَرِيبِهِ الْكَافِرِ) أَيْ فِي تَجْهِيزِهِ مِنْ قَرِيبَةِ الْمُسْلِمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَوَلَّاهُ الْمُسْلِمُ

(وَيُكْرَهُ) لِلْمَرْأَةِ (الْكَفَنُ) الْمُزَعْفَرُ وَالْكَفَنُ (الْمُعَصْفَرُ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الزِّينَةِ، أَمَّا الرَّجُلُ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمُعَصْفَرُ وَيَحْرُمُ الْمُزَعْفَرُ، وَحِينَئِذٍ فَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ كَرَاهَةَ الْمُعَصْفَرِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ صَحِيحٌ، وَأَمَّا الْمُزَعْفَرُ فَيُكْرَهُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَ) تُكْرَهُ (الْمُغَالَاةُ فِيهِ) أَيْ الْكَفَنِ بِارْتِفَاعِ ثَمَنِهِ لِخَبَرِ «لَا تُغَالُوا فِي الْكَفَنِ فَإِنَّهُ يُسْلَبُ سَلْبًا سَرِيعًا» وَاحْتُرِزَ بِالْمُغَالَاةِ عَنْ تَحْسِينِهِ فِي بَيَاضِهِ وَنَظَافَتِهِ وَسُبُوغَتِهِ فَإِنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ» أَيْ يَتَّخِذْهُ أَبْيَضَ نَظِيفًا سَابِغًا، وَلِخَبَرِ «حَسِّنُوا أَكْفَانَ مَوْتَاكُمْ فَإِنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ فِي قُبُورِهِمْ» .

(وَالْمَغْسُولُ أَوْلَى مِنْ الْجَدِيدِ) لِأَنَّهُ لِلْبِلَى وَالصَّدِيدِ، وَالْحَيُّ أَحَقُّ لِمَا رُوِيَ أَنَّ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه أَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبِهِ الْخَلَقِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

فِي الْأَذَانِ مِنْ أَنَّ التَّوْلِيَةَ صَحِيحَةٌ وَإِنْ كَانَ نَصْبُهُ حَرَامًا أَنْ يُقَالَ بِمِثْلِهِ هُنَا (قَوْلُهُ: وَكَتَمَ عَلَيْهِ) أَيْ مَا رَآهُ عَلَيْهِ مِنْ عَلَامَاتِ السُّوءِ (قَوْلُهُ: غَفَرَ اللَّهُ لَهُ أَرْبَعِينَ مَرَّةً) أَيْ غَفَرَ لَهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى مَا يَقَعُ لَهُ مِنْ الذُّنُوبِ إلَى أَرْبَعِينَ (قَوْلُهُ: أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا حَتْمًا) ظَاهِرُهُ وَلَوْ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُهُ بِمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ حَاكِمٍ كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا، ثُمَّ رَأَيْت حَجّ صَرَّحَ هُنَا بِذَلِكَ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ

(قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ الْمُزَعْفَرُ) أَيْ حَيْثُ كَثُرَ الزَّعْفَرَانُ بِحَيْثُ يُسَمَّى مُزَعْفَرًا فِي الْعُرْفِ عَلَى مَا قَدَّمَهُ، وَيَنْبَغِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي كَرَاهَةِ الْمُعَصْفَرِ.

[فَرْعٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَنْ حُكْمِ مَا يَقَعُ كَثِيرًا فِي مِصْرِنَا وَقُرَاهَا مِنْ جَعْلِ الْحِنَّاءِ فِي يَدَيْ الْمَيِّتِ وَرِجْلَيْهِ، وَأَجَبْنَا عَنْهُ بِأَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ ذَلِكَ فِي الرِّجَالِ لِحُرْمَتِهِ عَلَيْهِمْ فِي الْحَيَاةِ، وَيُكْرَهُ فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ (قَوْلُهُ: وَسُبُوغَتِهِ) أَيْ كَوْنِهِ سَابِلًا (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ فِي قُبُورِهِمْ) فَإِنْ قِيلَ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ اسْتِمْرَارُ الْأَكْفَانِ حَالَ تَزَاوُرِهِمْ وَهُوَ لَا نِهَايَةَ لَهُ، وَقَدْ يُنَافِي ذَلِكَ مَا مَرَّ فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ أَنْ يُسْلَبَ سَلْبًا سَرِيعًا.

قُلْت: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ يُسْلَبُ بِاعْتِبَارِ الْحَالَةِ الَّتِي نُشَاهِدُهَا كَتَغَيُّرِ الْمَيِّتِ، وَأَنَّهُمْ إذَا تَزَاوَرُوا يَكُونُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي دُفِنُوا بِهَا وَأُمُورُ الْآخِرَةِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: أَمَّا الرَّجُلُ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمُعَصْفَرُ) يُقَالُ عَلَيْهِ فَلَا مَحَلَّ لِلتَّقْيِيدِ بِالْمَرْأَةِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ اتِّحَادُ الْمَنْطُوقِ وَمَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ فِي الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: فَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ كَرَاهَةَ الْمُعَصْفَرِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ صَحِيحٌ) يُقَالُ عَلَيْهِ كَاَلَّذِي قِيلَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلتَّقْيِيدِ بِالْمَرْأَةِ حَيْثُ كَانَ اخْتِيَارُهُ عَدَمَ الْفَرْقِ، وَكَأَنَّهُ قَيَّدَ بِالْمَرْأَةِ تَبَعًا لِمَنْ يَخْتَارُ الْحُرْمَةَ عَلَى الرِّجَالِ سَبْقُ نَظَرٍ

ص: 21