الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقِبْلَةَ وَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ، قَالَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ نَزَلَ إلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ مَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا» وَفِيهِ زِيَادَةٌ وَنُقْصَانٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (ثُمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ دِينًا وَدُنْيَا) ؛ لِأَنَّهَا أَمْكِنَةٌ يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ وَكَانَ عُمَرُ يُطِيلُ الدُّعَاءَ هُنَالِكَ وَاسْتَحَبُّوا مِنْ دُعَائِهِ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنَّك قُلْت اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ وَأَنْتَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ وَإِنِّي أَسْأَلُك كَمَا هَدَيْتنِي بِالْإِسْلَامِ أَنْ لَا تَنْزِعَهُ عَنِّي حَتَّى تَتَوَفَّانِي وَأَنَا مُسْلِمٌ (قُلْت: وَيُعِيدُ الذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ ثَانِيًا وَثَالِثًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِلِاتِّبَاعِ.
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَمْشِيَ) عَلَى هَيِّنَتِهِ وَسَجِيَّتِهِ (أَوَّلَ السَّعْيِ وَآخِرَهُ)(وَ) أَنْ (يَعْدُوَ الذَّكَرُ) أَيْ يَسْعَى سَعْيًا شَدِيدًا فَوْقَ الرَّمَلِ (فِي الْوَسَطِ) الَّذِي بَيْنَهُمَا لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَمَّا الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى فَلَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ السُّنَّةَ لَا اللَّعِبَ وَمُسَابِقَةَ أَصْحَابِهِ فَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ سَعْيًا بِقَصْدِ الْمُسَابَقَةِ، وَالرَّاكِبُ يُحَرِّكُ دَابَّتَهُ بِحَيْثُ لَا يُؤْذِي الْمُشَاةَ (وَمَوْضِعُ النَّوْعَيْنِ) أَيْ الْمَشْيِ وَالْعَدْوِ (مَعْرُوفٌ) هُنَاكَ فَيَمْشِي حَتَّى يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِيلِ الْأَخْضَرِ الْمُعَلَّقِ بِرُكْنِ الْمَسْجِدِ عَلَى يَسَارِهِ قَدْرَ سِتَّةِ أَذْرُعٍ فَيَعْدُو حَتَّى يَتَوَسَّطَ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ اللَّذَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ وَالْآخَرُ مُتَّصِلٌ بِجِدَارِ الْعَبَّاسِ رضي الله عنه فَيَمْشِي حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْمَرْوَةِ، فَإِذَا عَادَ مِنْهَا إلَى الصَّفَا مَشَى فِي مَحَلِّ مَشْيِهِ وَسَعَى فِي مَحَلِّ سَعْيِهِ وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ فِي السَّعْيِ وَلَوْ أُنْثَى: رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمْ إنَّك أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ.
فَصْلٌ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ
(يُسْتَحَبُّ)(لِلْإِمَامِ) الْأَعْظَمِ إنْ خَرَجَ مَعَ الْحَجِيجِ (أَوْ مَنْصُوبُهُ) لَهُمْ إنْ لَمْ يَخْرُجْ الْإِمَامُ (أَنْ يَخْطُبَ بِمَكَّةَ فِي سَابِعِ ذِي الْحِجَّةِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا الْمُسَمَّى بِيَوْمِ الزِّينَةِ لِتَزْيِينِهِمْ فِيهِ هَوَادِجَهُمْ وَتَكُونُ عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَإِنَّمَا يَخْطُبُ (بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ) أَوْ الْجُمُعَةِ إنْ كَانَ يَوْمَهَا (خُطْبَةً فَرْدَةً) وَلَا تَكْفِي عَنْهَا خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِيهِ التَّأْخِيرُ عَنْ الصَّلَاةِ كَمَا تَقَرَّرَ؛ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِهَا التَّعْلِيمُ لَا الْوَعْظُ وَالتَّخْوِيفُ فَلَمْ يُشَارِكْ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ بِخِلَافِ خُطْبَةِ الْكُسُوفِ. وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا كَمَا مَرَّ وَيَفْتَتِحُهَا بِالتَّلْبِيَةِ وَالْحَلَالُ بِالتَّكْبِيرِ (يَأْمُرُهُمْ فِيهَا بِالْغُدُوِّ) فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ الْمُسَمَّى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَرَوَّوْنَ فِيهِ الْمَاءَ (إلَى مِنًى) بِكَسْرِ الْمِيمِ بِالصَّرْفِ وَعَدَمِهِ، وَتُذَكَّرُ وَهُوَ الْأَغْلَبُ، وَقَدْ تُؤَنَّثُ، وَتَخْفِيفُ نُونِهَا أَشْهَرُ مِنْ تَشْدِيدِهَا. سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ مَا يُمْنَى: أَيْ يُرَاقُ فِيهَا مِنْ الدِّمَاءِ (وَيُعَلِّمُهُمْ)
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ) أَيْ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّوْحِيدِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ نَزَلَ إلَى الْمَرْوَةِ) أَيْ وَسَارَ حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ
(قَوْلُهُ: فَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ سَعْيًا) هُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّهُ يَقْبَلُ الصَّرْفَ، أَمَّا عَلَى مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ فَلَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ أُنْثَى) لَمْ يَظْهَرْ لِأَخْذِهَا غَايَةُ هُنَا مَعْنًى، إذْ الصِّيغَةُ بِالنِّسْبَةِ لَهَا سَوَاءٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُهُ التَّعْمِيمُ.
[فَصْلٌ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ]
(فَصْلٌ) فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ
(قَوْلُهُ: فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ) قَدَّمَهُ مَعَ أَنَّهُ مُؤَخَّرٌ لَفْظًا؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ (قَوْلُهُ كَانَ يَوْمَهَا) أَيْ يَوْمَ السَّابِعِ (قَوْلُهُ:؛ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِهَا التَّعَلُّمُ) أَخَذَ بَعْضُهُمْ مِنْ هَذَا أَنَّهُ تُكَرَّرُ الْخُطْبَةُ أَوْ تَعَدَّدَ الْخُطَبَاءُ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيمَ لَا يَحْصُلْ إلَّا بِذَلِكَ لِلْكَثْرَةِ أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ يَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِخُطْبَةٍ وَاحِدَةٍ أَخْذًا بِإِطْلَاقِهِمْ (قَوْلُهُ أَشْهَرُ مِنْ تَشْدِيدِهَا) أَيْ مَعَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
فَصْلٌ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ
فِيهَا (مَا أَمَامَهُمْ مِنْ الْمَنَاسِكِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، فَإِنْ كَانَ فَقِيهًا قَالَ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ، وَخُطَبُ الْحَجِّ أَرْبَعٌ هَذِهِ وَخُطْبَةُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ النَّحْرِ وَيَوْمِ النَّفْرِ الْأَوَّلِ وَكُلُّهَا فُرَادَى وَبَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَّا يَوْمَ عَرَفَةَ فَثِنْتَانِ وَقَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ كَلَامِهِ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُخْبِرُهُمْ فِي كُلِّ خُطْبَةٍ بِجَمِيعِ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنْ الْمَنَاسِكِ، وَأَطَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي الِانْتِصَارِ لَهُ لَكِنَّ الَّذِي ذَكَرَاهُ أَنَّهُ يُخْبِرُهُمْ فِي كُلِّ خُطْبَةٍ بِمَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنْ الْمَنَاسِكِ إلَى الْخُطْبَةِ الْأُخْرَى، وَهُوَ مَحْمُولٌ أَخْذًا مِنْ النَّصِّ عَلَى أَنَّهُ لِبَيَانِ الْأَقَلِّ، وَالْأَوَّلُ لِبَيَانِ الْأَكْمَلِ وَلَوْ تَوَجَّهُوا لِلْمَوْقِفِ قَبْلَ دُخُولِ مَكَّةَ اُسْتُحِبَّ لِإِمَامِهِمْ أَنْ يَفْعَلَ كَمَا يَفْعَلُ إمَامُ مَكَّةَ قَالَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَيَأْمُرُ فِيهَا أَيْضًا الْمُتَمَتِّعِينَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْمَكِّيِّينَ بِطَوَافِ الْوَدَاعِ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ وَبَعْدَ إحْرَامِهِمْ كَمَا اقْتَضَاهُ نَقْلُ الْمَجْمُوعِ لَهُ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ وَالْأَصْحَابِ، بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ الْآفَاقِيَّيْنِ لَا يُؤْمَرَانِ بِطَوَافِ وَدَاعٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَحَلَّلَا مِنْ مَنَاسِكِهِمَا وَلَيْسَتْ مَكَّةُ مَحَلَّ إقَامَتِهِمَا.
(وَيَخْرُجُ) نَدْبًا (بِهِمْ مِنْ غَدٍ) بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إنْ لَمْ يَكُنْ يَوْمَ جُمُعَةٍ (إلَى مِنًى) بِحَيْثُ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ وَبَاقِي الْخَمْسِ بِهَا، فَإِنْ كَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ نُدِبَ أَنْ يَخْرُجَ بِهِمْ قَبْلَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ يَوْمَهَا بِلَا عُذْرٍ كَتَخَلُّفٍ عَنْ رُفْقَتِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ فِعْلِهَا إلَى حَيْثُ لَا يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حَرَامٌ فَمَحَلُّهُ فِيمَنْ تَلْزَمُهُ وَلَمْ تُمْكِنْهُ إقَامَتُهَا بِمِنًى وَإِلَّا بِأَنْ أَحْدَثَ ثَمَّ قَرْيَةٍ وَاسْتَوْطَنَهَا أَرْبَعُونَ كَامِلُونَ جَازَ خُرُوجُهُ بَعْدَ الْفَجْرِ لِيُصَلِّيَ مَعَهُمْ وَإِنْ حَرُمَ الْبِنَاءُ ثَمَّ (وَيَبِيتُوا) نَدْبًا (بِهَا) فَلَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا وَاجِبٍ. وَمِنْ الْبِدَعِ الْقَبِيحَةِ مَا اعْتَادَهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ مِنْ إيقَادِ الشُّمُوعِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى مُنْكَرَاتٍ. قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: يُسَنُّ الْمَشْيُ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَنَاسِكِ كُلِّهَا إلَى انْقِضَاءِ الْحَجِّ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَقْصِدَ مَسْجِدَ الْخَيْفِ فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَيُكْثِرُ التَّلْبِيَةَ قَبْلَهُمَا وَبَعْدَهُمَا وَيُصَلِّي مَكْتُوبَاتِ يَوْمِهِ وَصُبْحِ غَدِهِ فِي مَسْجِدِهَا (فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ) عَلَى ثَبِيرٍ بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ جَبَلٌ كَبِيرٌ بِمُزْدَلِفَةَ عَلَى يَمِينِ الذَّاهِبِ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَاتٍ (قَصَدُوا عَرَفَاتٍ) مُكْثِرِينَ مِنْ التَّلْبِيَةِ وَالدُّعَاءِ مَارِّينَ عَلَى طَرِيقِ ضَبٍّ وَهُوَ الْجَبَلُ الْمُطِلُّ عَلَى مِنًى، وَيَعُودُوا عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ وَهُوَ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ لِلِاتِّبَاعِ وَيُسَنُّ لِلسَّائِرِ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إلَيْك تَوَجَّهْت وَإِلَى وَجْهِك الْكَرِيمِ أَرَدْت فَاجْعَلْ ذَنْبِي مَغْفُورًا وَحَجِّي مَبْرُورًا وَارْحَمْنِي وَلَا تُخَيِّبنِي إنَّك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنْ يَعُودَ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ الَّذِي ذَهَبَ فِيهِ.
قُلْت كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (وَلَا يَدْخُلُونَهَا بَلْ يُقِيمُونَ بِنَمِرَةَ)
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الصَّرْفِ وَعَدَمِهِ وَالتَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ عَلَى مَا يُسْتَفَادُ مِنْ إطْلَاقِهِ (قَوْلُهُ: قَالَ هَلْ مِنْ سَائِلٍ) أَيْ حَالَ الْخُطْبَةِ (قَوْلُهُ كَمَا يَفْعَلُ إمَامُ مَكَّةَ) أَيْ بِأَنْ يَخْطُبَ فِي سَابِعِ ذِي الْحِجَّةِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ وَيَأْمُرَ فِيهَا أَيْضًا الْمُتَمَتِّعِينَ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَهَذَا الطَّوَافُ مَسْنُونٌ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ حَرُمَ الْبِنَاءُ) ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا صِحَّةُ الْجُمُعَةِ فِي السنانية الْكَائِنَةِ بِبُولَاقَ وَإِنْ كَانَتْ فِي حَرِيمِ النَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ الْحَرَمِ وَصِحَّةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ: أَيْ وَلَمْ يَخَفْ تَأَذِّيًا وَلَا نَجَاسَةً (قَوْلُهُ: فِي مَسْجِدِهَا) أَيْ مَسْجِدِ مِنًى وَهُوَ مَسْجِدُ الْخِيفِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ الْمُسَاوِي فَمَا لَمْ يَذْكُرْهُ مَقِيسٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ، وَلِهَذَا جَعَلَهُ مِنْ قَضِيَّةِ كَلَامِهِ لَا مِنْ صَرِيحِهِ.
(قَوْلُهُ: نُدِبَ أَنْ يَخْرُجَ بِهِمْ قَبْلَ الْفَجْرِ) أَيْ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ هَذَا الْمَنْدُوبَ وَتَخَلَّفَ إلَى مَا بَعْدَ الْفَجْرِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمُكْثُ إلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إنْ لَمْ تَتَأَتَّ لَهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ نَدْبِ الْخُرُوجِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَبَيْنَ حُرْمَةِ السَّفَرِ بَعْدَهُ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: كَتَخَلُّفٍ) أَيْ أَوْ كَخَوْفِ تَخَلُّفٍ فَهُوَ مِثَالٌ لِلْعُذْرِ (قَوْلُهُ: فِي مَسْجِدِهَا) أَيْ مِنًى وَهُوَ مَسْجِدُ الْخَيْفِ وَكَانَ الْأَوْلَى خِلَافَ هَذَا التَّعْبِيرِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَعُودَ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ الَّذِي ذَهَبَ فِيهِ) لَيْسَ هَذَا مُكَرَّرًا مَعَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَذْهَبُ مِنْ طَرِيقِ ضَبٍّ وَيَرْجِعُ مِنْ طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ لِأَنَّ هَذَا أَعَمُّ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ السُّنَّةَ ذَهَابُهُ مِنْ طَرِيقٍ وَرُجُوعُهُ مِنْ أُخْرَى، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الذَّهَابُ مِنْ طَرِيقِ ضَبٍّ وَالرُّجُوعُ مِنْ
وَهِيَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا مَوْضِعٌ (بِقُرْبِ عَرَفَاتٍ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَيُسَنُّ أَنْ يَغْتَسِلَ بِنَمِرَةَ لِلْوُقُوفِ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ذَهَبُوا إلَى مَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم، وَصَدْرُهُ مِنْ عُرَنَةَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَآخِرُهُ مِنْ عَرَفَةَ وَيُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا صَخَرَاتٌ كِبَارٌ فُرِشَتْ هُنَاكَ. قَالَ الْبَغَوِيّ وَصَدْرُهُ مَحَلُّ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ (ثُمَّ يَخْطُبُ الْإِمَامُ) أَوْ مَنْصُوبُهُ (بَعْدَ الزَّوَالِ) بِهِمْ عَلَى مِنْبَرٍ أَوْ مُرْتَفَعٍ فِيهِ لَا فِي عَرَفَاتٍ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ (خُطْبَتَيْنِ) خَفِيفَتَيْنِ وَتَكُونُ الثَّانِيَةُ أَخَفَّ مِنْ الْأُولَى يُبَيِّنُ لَهُمْ فِي الْأُولَى الْمَنَاسِكَ كَكَيْفِيَّةِ الْوُقُوفِ وَشَرْطِهِ وَالدَّفْعِ إلَى مُزْدَلِفَةَ وَالْمَبِيتِ بِهَا وَالدَّفْعِ إلَى مِنًى وَالرَّمْيِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ وَيَحُثُّهُمْ عَلَى إكْثَارِ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ وَالتَّلْبِيَةِ بِالْمَوْقِفِ وَيَجْلِسُ بَعْدَ فَرَاغِهَا بِقَدْرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ، وَحِينَ يَقُومُ إلَى الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ يُؤَذِّنُ لِلظُّهْرِ فَيَفْرُغُ مِنْ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ مَعَ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ مِنْ الْأَذَانِ لِلِاتِّبَاعِ: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَلَمَّا كَانَ الْقَصْدُ بِالثَّانِيَةِ إنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، وَالتَّعْلِيمُ إنَّمَا هُوَ فِي الْأُولَى شُرِعَتْ مَعَ الْأَذَانِ وَإِنْ مَنَعَ سَمَاعَهَا قَصْدًا لِلْمُبَادَرَةِ بِالصَّلَاةِ (ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ (يُصَلِّي بِالنَّاسِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمْعًا) تَقْدِيمًا لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَيُقَصِّرُهُمَا أَيْضًا، وَالْجَمْعُ وَالْقَصْرُ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي بِالْمُزْدَلِفَةِ لِلسَّفَرِ لَا لِلنُّسُكِ فَيَخْتَصَّانِ بِسَفَرِ الْقَصْرِ، فَالْمَكِّيُّونَ وَمَنْ سَفَرُهُ قَصِيرٌ يَقُولُ لَهُمْ الْإِمَامُ بَعْدَ سَلَامِهِ أَتِمُّوا وَلَا تَجْمَعُوا مَعَنَا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّ الْحُجَّاجَ إذَا دَخَلُوا مَكَّةَ وَنَوَوْا أَنْ يُقِيمُوا بِهَا أَرْبَعًا لَزِمَهُمْ الْإِتْمَامُ، فَإِذَا خَرَجُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إلَى مِنًى وَنَوَوْا الذَّهَابَ إلَى أَوْطَانِهِمْ عِنْدَ فَرَاغِ نُسُكِهِمْ كَانَ لَهُمْ الْقَصْرُ مِنْ حِينِ خَرَجُوا؛ لِأَنَّهُمْ أَنْشَئُوا سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ اهـ.
وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِيمَا كَانَ مَعْهُودًا فِي الزَّمَنِ الْقَدِيمِ مِنْ سَفَرِهِمْ بَعْدَ نَفْرِهِمْ مِنْ مِنًى بِيَوْمٍ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا الْآنَ فَاطَّرَدَتْ عَادَةُ أَكْثَرِهِمْ بِإِقَامَةِ أَمِيرِهِمْ بَعْدَ النَّفْرِ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ كَوَامِلَ، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِمَّنْ عَزَمَ عَلَى السَّفَرِ مَعَهُمْ قَصْرٌ وَلَا جَمْعٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُنْشِئُوا حِينَئِذٍ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، ثُمَّ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ مِنْ الصَّلَاةِ يَذْهَبُونَ إلَى الْمَوْقِفِ وَيُعَجِّلُونَ السَّيْرَ إلَيْهِ، وَأَفْضَلُهُ لِلذِّكْرِ مَوْقِفُهُ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ الْمُفْتَرِشَةِ فِي أَسْفَلِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي بِوَسَطِ أَرْضِ عَرَفَةَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهَا لِزَحْمَةٍ قَرُبَ مِنْهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَبَيْنَ مَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ وَمَوْقِفِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوُ مِيلٍ.
أَمَّا الْأُنْثَى فَيُنْدَبُ لَهَا الْجُلُوسُ، فِي حَاشِيَةِ الْمَوْقِفِ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا نَحْوُ هَوْدَجٍ فَالْأَوْلَى لَهَا الرُّكُوبُ فِيمَا يَظْهَرُ.
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَقِفُوا) أَيْ الْإِمَامُ أَوْ مَنْصُوبُهُ وَالنَّاسُ (بِعَرَفَةَ إلَى الْغُرُوبِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالْأَفْضَلُ بَقَاؤُهُمْ بَعْدَهُ حَتَّى تَزُولَ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا، وَظَاهِرٌ أَنَّ أَصْلَ الْوُقُوفِ وَاجِبٌ مَعَ أَنَّهُ بِالنَّصْبِ فِي كَلَامِهِ لِعَطْفِهِ لَهُ عَلَى يَخْطُبُ الْمُقْتَضِي لِاسْتِحْبَابِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ طَلَبُ اسْتِمْرَارَهُ إلَى الْغُرُوبِ إذْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ حِينَئِذٍ (وَأَنْ يَذْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى وَيَدْعُوهُ) بِإِكْثَارٍ (وَيُكْثِرُوا التَّهْلِيلَ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَصَحَّ «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْت أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَأَفْضَلُهُ لِلذِّكْرِ مَوْقِفُهُ) أَيْ الْمَحَلُّ الْمَعْرُوفُ بِأَنَّهُ مَوْقِفُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا خُصُوصُ الْمَكَانِ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ بِعَيْنِهِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِيمَا كَانَ مَعْهُودًا إلَخْ) وَظَاهِرٌ أَنَّهُمْ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ يَقْصُرُونَ وَيَجْمَعُونَ فِي مَكَّةَ إذَا دَخَلُوهَا وَبَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْهَا إلَى عَرَفَاتٍ حَتَّى يَرْجِعُوا إلَيْهَا بَعْدَ أَيَّامِ مِنًى، لِأَنَّ بِدُخُولِهِمْ إلَى مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ لَا يَنْقَطِعُ سَفَرُهُمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَنْوُوا الْإِقَامَةَ بِهَا فِي هَذَا الدُّخُولِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ صِحَاحٍ، لِأَنَّ دُخُولَهُمْ إلَيْهَا الْآنَ فِي الْغَالِبِ إمَّا فِي الْخَامِسِ أَوْ الرَّابِعِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ثُمَّ يَخْرُجُوا إلَى عَرَفَاتٍ فِي الثَّامِنِ
(قَوْلُهُ: وَأَفْضَلُ مَا قُلْت إلَخْ)
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا، اللَّهُمَّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ كَاَلَّذِي نَقُولُ وَخَيْرًا مِمَّا نَقُولُ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَدْعِيَةِ الْمَعْرُوفَةِ، وَيُكَرِّرُ كُلَّ دُعَاءٍ ثَلَاثًا وَيَفْتَتِحُهُ بِالتَّحْمِيدِ وَالتَّمْجِيدِ وَالتَّسْبِيحِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَخْتِمُهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ مَعَ التَّأْمِينِ، وَيُكْثِرُ مِنْ الْبُكَاءِ فَهُنَاكَ تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ وَتُقَالُ الْعَثَرَاتُ.
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْحَشْرِ، وَلْيَحْرِصْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ عَلَى الْحَلَالِ الْمُتَقَرَّبِ إنْ تَيَسَّرَ، وَإِلَّا فَمَا قَلَّتْ شُبْهَتُهُ فَإِنَّ الْمُتَكَفِّلَ بِاسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ هُوَ خُلُوصُ النِّيَّةِ وَحِلُّ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ مَعَ مَزِيدِ الْخُضُوعِ وَالِانْكِسَارِ، وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِمَا رَأْسَهُ، وَالْإِفْرَاطُ فِي الْجَهْرِ بِالدُّعَاءِ وَغَيْرِهِ مَكْرُوهٌ، وَأَنْ يَبْرُزَ لِلشَّمْسِ إلَّا لِعُذْرٍ كَنَقْصِ دُعَاءٍ أَوْ اجْتِهَادٍ إذْ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اسْتَظَلَّ هُنَا مَعَ أَنَّهُ صَحَّ أَنَّهُ ظُلِّلَ عَلَيْهِ بِثَوْبٍ وَهُوَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ، وَأَنْ يُفْرِغَ قَلْبَهُ مِنْ الشَّوَاغِلِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَأَنْ يَتَجَنَّبَ الْوُقُوفَ فِي الطَّرِيقِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِفُ بِعَرَفَةَ مُتَطَهِّرًا مِنْ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ مَسْتُورَ الْعَوْرَةِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ رَاكِبًا، وَلْيَحْذَرْ مِنْ الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ وَالْكَلَامِ الْمُبَاحِ مَا أَمْكَنَهُ وَانْتِهَارِ السَّائِلِ وَاحْتِقَارِ أَحَدٍ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ كَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي التَّعْرِيفِ بِغَيْرِ عَرَفَةَ، وَكَرِهَهُ آخَرُونَ كَمَالِكٍ لَكِنَّهُمْ لَمْ يُلْحِقُوهُ بِفَاحِشَاتِ الْبِدَعِ بَلْ يُخَفِّفُ أَمْرَهُ إذَا خَلَا عَنْ اخْتِلَاطِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ أَفْحَشِهَا (فَإِذَا غَرُبَتْ الشَّمْسُ) يَوْمَ عَرَفَةَ (قَصَدُوا مُزْدَلِفَةَ) مَارِّينَ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ وَعَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، وَمَنْ وَجَدَ فُرْجَةً أَسْرَعَ وَهِيَ كُلُّهَا مِنْ الْحَرَمِ، وَحَدُّهَا مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْ عَرَفَةَ وَوَادِي مُحَسِّرٍ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الِازْدِلَافِ وَهُوَ التَّقَرُّبُ؛ لِأَنَّ الْحُجَّاجَ يَتَقَرَّبُونَ مِنْهَا إلَى مِنًى، وَالِازْدِلَافُ: التَّقْرِيبُ، وَتُسَمَّى أَيْضًا جَمْعًا بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمِيمِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ بِهَا (وَأَخَّرُوا الْمَغْرِبَ لِيُصَلُّوهَا مَعَ الْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ جَمْعًا) لِلِاتِّبَاعِ وَهُوَ لِلسَّفَرِ كَمَا مَرَّ، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ نَدْبَ التَّأْخِيرِ إلَيْهَا، وَقَيَّدَهُ جَمْعٌ تَبَعًا لِلنَّصِّ بِمَا إذَا لَمْ يَخْشَ فَوْتَ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لِلْعِشَاءِ فَإِنْ خَشِيَهُ صَلَّى بِهِمْ فِي الطَّرِيقِ.
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَعَلَّ إطْلَاقَ الْأَكْثَرِينَ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا، وَفِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُصَلُّوا قَبْلَ حَطِّ رِحَالِهِمْ بِأَنْ يُنِيخَ كُلٌّ جَمَلَهُ وَيَعْقِلَهُ ثُمَّ يُصَلُّونَ لِلِاتِّبَاعِ.
رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَيُصَلِّي كُلٌّ رَوَاتِبَ الصَّلَاتَيْنِ كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ بَابِ الْجُمُعَةِ وَلَا يَتَنَفَّلُ نَفْلًا مُطْلَقًا، وَيَتَأَكَّدُ إحْيَاءُ هَذِهِ اللَّيْلَةِ لَهُمْ كَغَيْرِهِمْ بِالذِّكْرِ وَالشُّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالْحِرْصِ عَلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ بِمُزْدَلِفَةَ لِلِاتِّبَاعِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسَافَةَ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى وَمِنْ مُزْدَلِفَةَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا) أَيْ اهْتِدَاءً لِلْحَقِّ (قَوْلُهُ: وَفِي بَصَرِي نُورًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ أَعْمَى (قَوْلُهُ وَالتَّمْجِيدُ) أَيْ التَّعْظِيمُ (قَوْلُهُ: تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ) أَيْ الدُّمُوعُ (قَوْلُهُ: إلَّا لِعُذْرٍ كَنَقْصِ دُعَاءٍ) أَيْ لِمَا تُؤَثِّرُ فِيهِ الشَّمْسُ مِنْ الْبُرُوزِ لَهَا (قَوْلُهُ: مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ رَاكِبًا) أَيْ حَيْثُ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى تَيَسَّرَ لَهَا الرُّكُوبُ فِي الْهَوْدَجِ لِمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ أَمَّا الْأُنْثَى فَيُنْدَبُ لَهَا الْجُلُوسُ إلَخْ (قَوْلُهُ: إلَى أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي التَّعْرِيفِ) مُعْتَمَدٌ وَهُوَ جَمْعُ النَّاسِ يَوْمَ عَرَفَةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ لِلدُّعَاءِ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ عَرَفَةَ (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَنَفَّلُ نَفْلًا مُطْلَقًا) أَيْ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ ذَلِكَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
أَيْ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ كَمَا فِي رِوَايَاتٍ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَحْمَدُ لَا بَأْسَ بِهِ) يَنْبَغِي تَأْخِيرُهُ عَنْ قَوْلِهِ إلَى أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي التَّعْرِيفِ بِغَيْرِ عَرَفَةَ، وَإِلَّا فَهُوَ يُوهِمُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي بِهِ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ يَرْجِعُ إلَى نَفْيِ الْكَرَاهَةِ، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ لِأَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي أَصْلِ التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: وَالِازْدِلَافُ التَّقْرِيبُ) كَذَا فِي النُّسَخِ بِيَاءٍ تَحْتِيَّةٍ قَبْلَ الْبَاءِ، وَلَعَلّ هَا زَائِدَةٌ مِنْ الْكَتَبَةِ وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ حَذْفُهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ آنِفًا، عَلَى أَنَّ هَذَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ ذَاكَ، ثُمَّ رَأَيْتهَا مَحْذُوفَةً فِي نُسْخَةٍ (قَوْلُهُ: كَغَيْرِهِمْ) أَيْ وَإِنْ زَادَ غَيْرُهُمْ بِصَلَاةِ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ الْمَنْفِيِّ عَنْهُمْ فِيمَا مَرَّ
إلَى كُلٍّ مِنْ عَرَفَةَ وَمِنًى فَرْسَخٌ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ
(وَوَاجِبُ الْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ (حُضُورُهُ) أَيْ الْمُحْرِمُ أَدْنَى لَحْظَةٍ بَعْدَ زَوَالِ يَوْمِ عَرَفَةَ (بِجُزْءٍ مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ) لِخَبَرِ «وَقَفْت هَهُنَا وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَحُدُودُ عَرَفَةَ مَعْرُوفَةٌ وَلَيْسَ مِنْهَا نَمِرَةُ وَلَا عُرَنَةَ، وَدَلِيلُ الْوُقُوفِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَا يُشْتَرَطُ الْمُكْثُ بِهَا كَمَا قَالَ (وَإِنْ كَانَ مَارًّا فِي طَلَبِ آبِقٍ وَنَحْوِهِ) كَغَرِيمٍ وَدَابَّةٍ شَارِدَةٍ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ صَرْفُهُ لِجِهَةٍ أُخْرَى وَلَا جَهْلُهُ بِالْبُقْعَةِ أَوْ الْيَوْمِ.
(وَ) لَكِنْ (يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ) مُحْرِمًا (أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ) إذَا أَحْرَمَ بِنَفْسِهِ (لَا مُغْمًى عَلَيْهِ) جَمِيعُ وَقْتِ الْوُقُوفِ كَمَا فِي الصَّوْمِ، لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمْ لِلْعِبَادَةِ فَيَقَعُ حَجُّ الْمَجْنُونِ نَفْلًا كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّاهُ، وَمِثْلُهُ سَكْرَانُ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ فَزَالَ لِدُخُولِهِ فِي الْجُنُونِ وَإِنْ تَعَدَّى بِسُكْرِهِ، بِخِلَافِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَلَا يَقَعُ حَجُّهُ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَجْنُونِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُغْمَى عَلَيْهِ وَلِيٌّ يُحْرِمُ عَنْهُ وَلَا كَذَلِكَ الْمَجْنُونُ (وَلَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: حُضُورُهُ بِجُزْءٍ مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ) [فَرْعٌ] شَجَرَةٌ أَصْلُهَا بِعَرَفَةَ خَرَجَتْ أَغْصَانُهَا لِغَيْرِهَا هَلْ يَصِحُّ الْوُقُوفُ عَلَى الْأَغْصَانِ كَمَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ عَلَى أَغْصَانِ شَجَرَةٍ خَرَجَتْ مِنْ الْمَسْجِدِ الَّذِي أَصْلُهَا فِيهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَيُتَّجَهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَلَوْ انْعَكَسَ الْحَالُ فَكَانَ أَصْلُ الشَّجَرَةِ خَارِجَةً وَأَغْصَانُهَا دَاخِلَةً فَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا وَيُتَّجَهُ الصِّحَّةُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سم عَلَى حَجّ.
وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَهُ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ مَا لَوْ طَارَ فِي هَوَاءِ عَرَفَةَ، ثُمَّ رَأَيْت سم عَلَى حَجّ نَقَلَ مِثْلَهُ عَنْ مَرَّ، وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَنْ طَارَ فِي الْهَوَاءِ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ وُقُوفُهُ وَبَيْنَ مَنْ وَقَفَ عَلَى الْأَغْصَانِ الدَّاخِلَةِ فِي الْحَرَمِ فَيَصِحُّ بِأَنَّهُ مُسْتَقِرٌّ فِي نَفْسِهِ عَلَى جِرْمٍ فِي هَوَاءِ عَرَفَةَ فَأَشْبَهَ الْوَاقِفَ فِي أَرْضِهِ هَذَا، وَلَكِنْ نُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الشَّوْبَرِيِّ فِي حَوَاشِي التَّحْرِيرِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ.
أَقُولُ: وَلَوْ قِيلَ بِالصِّحَّةِ فِي الصُّورَتَيْنِ تَنْزِيلًا لِهَوَائِهِ مَنْزِلَةَ أَرْضِهِ لَمْ يَبْعُدْ
(قَوْلُهُ: لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمْ) أَيْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَجَمَعَهُ بِاعْتِبَارِ أَفْرَادِهِ وَلَوْ قَالَ أَهْلِيَّتِهِ كَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ طَرَأَ الْإِغْمَاءُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَقَعَ حَجُّهُ صَحِيحًا وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعُ مُدَّةِ الْوُقُوفِ.
قَالَ حَجّ: وَيَبْطُلُ الْفَرْقُ عَلَى مَا يَأْتِي أَوَائِلَ الْحَجْرِ أَنَّهُ يُوَلَّى عَلَيْهِ إذَا أَيِسَ مِنْ إفَاقَتِهِ فَالْحَقُّ أَنَّهُ وَالْمَجْنُونُ سَوَاءٌ كَمَا تَقَدَّمَ اهـ.
وَبِهِ يَتَأَيَّدُ مَا ذَكَرْنَا فِيمَا
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ) ظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِالْأَرْضِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي الْهَوَاءُ كَأَنْ مَرَّ بِهَا طَائِرًا وَكَأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاعْتِكَافِ أَنَّ الْمَسْجِدَ يَثْبُتُ حُكْمُهُ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، بِخِلَافِ عَرَفَةَ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ نَفْسُ الْبُقْعَةِ، وَلَمْ أَرَ لَهُمْ تَصْرِيحًا بِأَنَّ لِهَوَائِهَا حُكْمَهَا فَلْيُرَاجَعْ ثُمَّ رَأَيْت سم نَقَلَ عَنْ الشَّارِحِ عَدَمَ الصِّحَّةِ
(قَوْلُهُ: لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمْ) عِبَارَةُ الْإِمْدَادِ الَّتِي هِيَ أَصْلُ هَذِهِ عَقِبَ قَوْلِ الْإِرْشَادِ وَلَوْ بِنَوْمٍ لَا إغْمَاءٍ نَصُّهَا: أَوْ جُنُونٍ أَوْ سُكْرٍ كَمَا فِي الصَّوْمِ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا إلَخْ فَمَرْجِعُ الضَّمِيرِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ، فَلَعَلَّ الْأَخِيرَ سَقَطَ مِنْ نُسَخِ الشَّارِحِ مِنْ الْكَتَبَةِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْإِمْدَادِ عَقِبَ مَا مَرَّ: فَيَقَعُ حَجٌّ مِنْ الْمَجْنُونِ نَفْلًا كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّاهُ، فَيَبْنِي الْوَلِيُّ بَقِيَّةَ الْأَعْمَالِ عَلَى إحْرَامِهِ السَّابِقِ، وَقِيلَ لَا يَقَعُ وَأَطَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي الِانْتِصَارِ لَهُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ، فَصُورُ وُقُوعِهِ لِلْمَجْنُونِ نَفْلًا إذَا بَنَى لَهُ الْوَلِيُّ عَلَى إحْرَامِهِ السَّابِقِ، فَأَفْهَمَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي حُضُورُ الْمَجْنُونِ بِنَفْسِهِ، وَكَأَنَّهُ إنَّمَا صَوَّرَهُ بِذَلِكَ لِقَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ رَدًّا عَلَى كَلَامِ التَّتِمَّةِ، وَاَلَّذِي تُفْهِمُهُ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ أَنَّ كُلَّ مَنْ خَرَجَ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ بِجُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ فَاتَهُ الْحَجُّ كَمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ رَأْسًا، وَحُضُورُهُ عَرَفَةَ كَعَدَمِهِ، ثُمَّ سَاقَ نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي الْإِمْلَاءِ الصَّرِيحِ فِيمَا قَالَهُ، لَكِنْ فِي النَّصِّ الْمَذْكُورِ التَّصْرِيحُ بِمَا يَرُدُّ هَذَا التَّصْوِيرَ الَّذِي صَوَّرَ بِهِ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ أَيْضًا كَمَا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَتِهِ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَ هَذَا التَّصْوِيرَ مِنْ تَشْبِيهِ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ لِلْمَجْنُونِ الْمَذْكُورِ بِالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ فَلْيُرَاجَعْ وَلْيُحَرَّرْ، وَلْيُنْظَرْ مَا وَجْهُ التَّفْرِيعِ
بَأْسَ بِالنَّوْمِ) وَلَوْ مُسْتَغْرِقًا كَمَا فِي الصَّوْمِ.
(وَوَقْتُ الْوُقُوفِ مِنْ) حِينِ (الزَّوَالِ) لِلشَّمْسِ (يَوْمَ عَرَفَةَ) وَهُوَ تَاسِعُ الْحِجَّةِ لِمَا صَحَّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَأَنَّهُ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ» وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ هُنَا مُضِيُّ قَدْرِ الْخُطْبَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ بَعْدَ الزَّوَالِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى اعْتِبَارِ الزَّوَالِ بَلْ جَوَّزَهُ أَحْمَدُ قَبْلَهُ فَالْوَجْهُ الْقَائِلُ بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ شَاذٌّ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ التَّسْهِيلُ عَلَى الْحَاجِّ لِكَثْرَةِ أَعْمَالِهِ فَوَسَّعَ لَهُ الْوَقْتَ وَلَمْ يُضَيِّقْ عَلَيْهِ بِاشْتِرَاطِ تَوَقُّفِهِ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ بَعْدَ الزَّوَالِ بِخِلَافِ الْمُضَحِّي (وَالصَّحِيحُ بَقَاؤُهُ إلَى الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ) لِلْخَبَرِ الْمَارِّ، وَالثَّانِي لَا يَبْقَى إلَى ذَلِكَ بَلْ يَخْرُجُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ (وَلَوْ)(وَقَفَ نَهَارًا) بَعْدَ الزَّوَالِ (ثُمَّ فَارَقَ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ) وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهَا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ وَ (أَرَاقَ دَمًا اسْتِحْبَابًا) كَدَمِ التَّمَتُّعِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ وُجُوبِ الْجَمْعِ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ (وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ) لِتَرْكِهِ نُسُكًا وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالْأَصْلُ فِي تَرْكِ النُّسُكِ وُجُوبُ الدَّمِ إلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلِ (وَإِنْ عَادَ) إلَيْهَا (فَكَانَ بِهَا عِنْدَ الْغُرُوبِ بِلَا دَمٍ) يُؤْمَرُ بِهِ جَزْمًا لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا (وَكَذَا إنْ عَادَ) إلَيْهَا (لَيْلًا) فَلَا دَمَ عَلَيْهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا مَرَّ.
وَالثَّانِي يَجِبُ الدَّمُ؛ لِأَنَّ النُّسُكَ الْوَارِدَ الْجَمْعُ بَيْنَ آخِرِ النَّهَارِ وَأَوَّلِ اللَّيْلِ وَقَدْ فَوَّتَهُ (وَلَوْ)(وَقَفُوا الْيَوْمَ الْعَاشِرَ غَلَطًا) أَيْ لِأَجْلِ الْغَلَطِ لِظَنِّهِمْ أَنَّهُ التَّاسِعُ كَأَنْ غُمَّ عَلَيْهِمْ هِلَالُ الْحِجَّةِ فَأَكْمَلُوا الْحِجَّةَ ثَلَاثِينَ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَإِنْ كَانَ وُقُوفُهُمْ بَعْدَ تَبَيُّنِ أَنَّهُ الْعَاشِرُ كَمَا إذَا ثَبَتَ لَيْلًا وَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ الْوُقُوفِ فِيهِ فَيَصِحُّ لِلْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّهُمْ لَوْ كُلِّفُوا بِالْقَضَاءِ لَمْ يَأْمَنُوا وُقُوعَ مِثْلِهِ فِيهِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ مَشَقَّةً عَامَّةً، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ غَلَطًا مَفْعُولٌ لَهُ لَا حَالٌ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ بِأَنْ غُمَّ عَلَيْهِمْ هِلَالُ ذِي الْقِعْدَةِ: أَيْ الْهِلَالُ الْفَاصِلُ بَيْنَ ذِي الْقِعْدَةِ وَالْحِجَّةِ، وَلَيْسَ مِنْ الْغَلَطِ الْمُرَادِ لَهُمْ مَا إذَا وَقَعَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْحِسَابِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ (أَجْزَأَهُمْ) وُقُوفُهُمْ وَإِذَا وَقَفُوا الْعَاشِرَ غَلَطًا لَمْ يَصِحَّ وُقُوفُهُمْ فِيهِ قَبْلَ الزَّوَالِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ بَلْ بَعْدَهُ، وَلَا يَصِحُّ رَمْيُ يَوْمِ نَحْرِهِ إلَّا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَتَقَدَّمَ الْوُقُوفُ وَلَا ذَبْحَ إلَّا بَعْدَ طُلُوعِ شَمْسِ الْحَادِي عَشَرَ وَمُضِيِّ قَدْرِ رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ خَفِيفَاتٍ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ تَمْتَدُّ عَلَى حِسَابِ وُقُوفِهِمْ كَمَا أَفْتَى بِذَلِكَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَقَدْ قَالَ الْمُتَوَلِّي: إنَّ وُقُوفَهُمْ فِي الْعَاشِرِ يَقَعُ أَدَاءً لَا قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ الْقَضَاءُ أَصْلًا، وَقَدْ قَالُوا: لَيْسَ يَوْمُ الْفِطْرِ أَوَّلُ شَوَّالٍ مُطْلَقًا بَلْ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ، وَكَذَا يَوْمُ النَّحْرِ يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ، يَوْمُ عَرَفَةَ الْيَوْمُ الَّذِي يَظْهَرُ لَهُمْ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ سَوَاءٌ التَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ لِخَبَرِ «الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّافِعِيِّ «وَعَرَفَةُ يَوْمُ يَعْرِفُ النَّاسُ» .
وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُمْ لَوْ وَقَفُوا لَيْلَةَ الْحَادِيَ عَشَرَ لَا يُجْزِئُ وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، لَكِنْ بَحَثَ السُّبْكِيُّ الْإِجْزَاءَ كَالْعَاشِرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّتِهِ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَفُرُوعِهِ وَإِفْتَاءِ الْوَالِدِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ، وَمَنْ رَأَى الْهِلَالَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ وَشَهِدَ بِهِ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ يَقِفُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
تَقَدَّمَ فِي إحْرَامِ الْوَلِيِّ عَنْ مَحْجُورِهِ فَرَاجِعْهُ
(قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ: بِسَبَبِ الْحِسَابِ) أَيْ فَلَا يَجْزِيهِمْ حَجُّهُمْ لِتَقْصِيرِهِمْ بَعْدَ تَحْرِيرِ الْحِسَابِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ بَحَثَ السُّبْكِيُّ الْإِجْزَاءَ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
ــ
[حاشية الرشيدي]
فِي قَوْلِ الشَّارِحِ كَالشِّهَابِ الْمَذْكُورِ فَيَقَعُ حَجُّ الْمَجْنُونِ نَفْلًا
(قَوْلُهُ: لَا حَالٌ) أَيْ لِأَنَّ الْحَالَ مُقَيَّدَةٌ فَيُفِيدُ أَنَّ الْحُكْمَ قَاصِرٌ عَلَى مَا لَوْ كَانَ الْوُقُوفُ فِي حَالِ الْغَلَطِ فَتَخْرُجُ الصُّورَةُ الْمَارَّةُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: مَا إذَا رَفَعَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْحِسَابِ) أَيْ فَلَا يُجْزِئُهُمْ وَوَجْهُهُ نِسْبَتُهُمْ إلَى التَّقْصِيرِ فِي الْحِسَابِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ الْقَضَاءُ أَصْلًا) بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ يَوْمِهِ الْمَخْصُوصِ فِي غَيْرِ الْغَلَطِ الْمَارِّ وَإِلَّا فَهُوَ يَقْضِي بِالْإِفْسَادِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَشَهِدَ بِهِ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ)