المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[صوم تطوع من غير إذن زوجها وهو حاضر] - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج - جـ ٣

[الرملي، شمس الدين]

فهرس الكتاب

- ‌فَصْلٌ فِي دَفْنِ الْمَيِّتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ

- ‌[اللَّحْدُ أَفْضَلُ مِنْ الشَّقِّ]

- ‌لَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ)

- ‌[الْجُلُوس عَلَى الْقَبْرِ]

- ‌[التَّعْزِيَةُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ سُنَّةٌ]

- ‌[يَحْرُمُ النَّدْبُ وَالنَّوْحُ]

- ‌[الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ قَبْلَ الْمَوْتِ]

- ‌[اتِّبَاعُ الْمُسْلِمِ جِنَازَةَ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ]

- ‌[لَا يَحْمِلُ الْجِنَازَةَ إلَّا الرِّجَالُ]

- ‌[اللَّغَطُ فِي سَيْرِ الْجِنَازَةِ]

- ‌[شُرُوطُ صِحَّةِ صَلَاةِ الْجِنَازَة]

- ‌[الدَّفْنُ بِالْمَقْبَرَةِ أَفْضَلُ مِنْ الدَّفْنُ بِالْبَيْتِ]

- ‌[الْمَبِيتُ بِالْمَقْبَرَةِ]

- ‌[الدَّفْنُ لَيْلًا]

- ‌[تَجْصِيصُ الْقَبْرِ وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ وَالْكِتَابَةُ عَلَيْهِ]

- ‌[زِيَارَةُ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ لِلرِّجَالِ]

- ‌[نَقْلُ الْمَيِّتِ قَبْلَ دَفْنِهِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ آخَرَ]

- ‌كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْحَيَوَانِ

- ‌[الشَّرْطُ الْأَوَّلُ النَّعَم]

- ‌[الشَّرْطِ الثَّانِي النِّصَابُ]

- ‌فَصْلٌ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْإِخْرَاجِ لِمَا مَرَّ وَبَعْضِ شُرُوطِ الزَّكَاةِ

- ‌ أَسْبَابِ النَّقْصِ فِي الزَّكَاةِ

- ‌[الْخُلْطَةِ فِي الزَّكَاة]

- ‌بَابُ زَكَاةِ النَّبَاتِ

- ‌[نِصَابُ الْقُوتُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ]

- ‌ خَرْصُ الثَّمَرِ)

- ‌[شَرْطُ الْخَارِصِ]

- ‌بَابُ زَكَاةِ النَّقْدِ

- ‌[يُحَرَّمُ عَلَى الرَّجُلِ وَالْخُنْثَى حُلِيُّ الذَّهَبِ]

- ‌[تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ بِالذَّهَبِ]

- ‌شَرْطُ زَكَاةِ النَّقْدِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ وَالتِّجَارَةِ

- ‌[يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْدِن]

- ‌الرِّكَازِ

- ‌[شَرْطُ الرِّكَاز]

- ‌فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ

- ‌(شَرْطُ وُجُوبِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ

- ‌[تَأْخِيرَ زَكَاةِ الْفِطْرِ إلَى مَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ]

- ‌[يَلْزَمُهُ فِطْرَةُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ]

- ‌(مَنْ أَيْسَرَ) بِبَعْضِ صَاعٍ وَهُوَ فِطْرَةُ الْوَاحِدِ (يَلْزَمُهُ)

- ‌[بَابُ مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ]

- ‌فَصْلٌ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ

- ‌فَصْلٌ فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ

- ‌كِتَابُ الصِّيَامِ

- ‌[إذَا الْهِلَالُ رُئِيَ بِبَلَدٍ لَزِمَ حُكْمُهُ الْبَلَدَ الْقَرِيبَ]

- ‌فَصْلٌ فِي أَرْكَانِ الصَّوْمِ

- ‌[يُسَنُّ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَرْطِ الصَّوْمِ]

- ‌فَصْلٌ شَرْطُ صِحَّةِ الصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ الْفَاعِلِ وَالْوَقْتِ

- ‌فَصْلٌ فِي شُرُوطِ وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَمَا يُبِيحُ تَرْكَ صَوْمِهِ

- ‌فَصْلٌ فِي فِدْيَةِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ

- ‌فَصْلٌ فِي مُوجِبِ كَفَّارَةِ الصَّوْمِ

- ‌[مَصْرِفُ فِدْيَةُ الصَّوْم]

- ‌بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ

- ‌ صَوْمُ يَوْمِ (عَرَفَةَ)

- ‌ صَوْمُ (أَيَّامِ) اللَّيَالِي (الْبِيضِ)

- ‌ صَوْمُ (سِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ)

- ‌[صَوْمُ عَاشُورَاءَ]

- ‌(إفْرَادُ) يَوْمِ (الْجُمُعَةِ) بِالصَّوْمِ

- ‌[وَصَوْمُ الدَّهْرِ غَيْرُ الْعِيدِ]

- ‌كِتَابُ الِاعْتِكَافِ

- ‌[صَوْمُ تَطَوُّعٍ مِنْ غَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَهُوَ حَاضِرٌ]

- ‌[شُرُوطُ الْمُعْتَكِفِ]

- ‌فَصْلٌ فِي حُكْمِ الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ

- ‌[كِتَابُ الْحَجِّ]

- ‌[شُرُوط صِحَّة الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌[شُرُوط وُجُوب الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌[مَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ نُسُكِ الْمَرْأَةِ]

- ‌بَابُ الْمَوَاقِيتِ لِلنُّسُكِ زَمَانًا وَمَكَانًا

- ‌[الْمِيقَات الزَّمَانِيّ]

- ‌الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ

- ‌بَابُ الْإِحْرَامِ

- ‌فَصْلٌ فِي رُكْنِ الْإِحْرَامِ وَمَا يُطْلَبُ لِلْمُحْرِمِ مِنْ الْأُمُورِ الْآتِيَةِ

- ‌[بَابُ دُخُولِ الْمُحْرِمِ مَكَّةَ]

- ‌فَصْلٌ فِيمَا يُطْلَبُ فِي الطَّوَافِ مِنْ وَاجِبَاتٍ وَسُنَنٍ

- ‌[وَاجِبَات الطَّوَاف]

- ‌[سُنَن الطَّوَاف]

- ‌فَصْلٌ فِيمَا يَخْتِمُ بِهِ الطَّوَافَ وَبَيَانُ كَيْفِيَّةِ السَّعْيِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ

- ‌(فَصْلٌ فِي الْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَالدَّفْعِ مِنْهَا وَفِيمَا يُذْكَرُ مَعَهُمَا

- ‌ الْمَبِيتِ بِمِنًى لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ

- ‌فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَبَيَانِ أَوْجُهِ أَدَائِهِمَا مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ

- ‌بَابُ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ

- ‌[مَا يَحِلّ مِنْ شجر الحرم وَمَا يحرم]

- ‌[أَنْوَاعِ الدِّمَاءِ فِي الْحَجّ]

- ‌بَابُ الْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ

- ‌كِتَابُ الْبَيْعِ

- ‌[شُرُوط الْبَيْع] [

- ‌أَلْفَاظ الْبَيْع]

- ‌[يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ]

- ‌[شُرُوط الْعَاقِدِ]

- ‌[شِرَاء الْكَافِر الْمُصْحَف]

- ‌[شُرُوط الْمَبِيع]

- ‌[مِنْ شُرُوط الْمَبِيع طَهَارَة عَيْنه]

- ‌ مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ (النَّفْعُ)

- ‌[مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ إمْكَانُ تَسْلِيمِهِ]

- ‌ مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ (الْمِلْكُ)

- ‌ مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ (الْعِلْمُ بِهِ)

- ‌بَابُ الرِّبَا

- ‌[الْمُمَاثَلَةُ تُعْتَبَرُ فِي الْمَكِيلِ]

- ‌[بَاب الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَمَا يَتْبَعُهَا]

- ‌[الصُّوَر المستثناة مِنْ النَّهْي عَنْ بَيْع وَشَرْط]

- ‌[بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ إعْتَاقِهِ]

- ‌فَصْلٌ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الْمَنْهِيَّاتِ الَّتِي لَا يَقْتَضِي النَّهْيُ فَسَادَهَا كَمَا قَالَ

- ‌[بَيْعُ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ لِعَاصِرِ الْخَمْرِ وَالنَّبِيذِ]

- ‌فَصْلٌ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ

- ‌[بَيْعُ الْعَرَبُونِ]

- ‌[جُمِعَ الْعَاقِدُ أَوْ الْعَقْدُ فِي صَفْقَةٍ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ]

الفصل: ‌[صوم تطوع من غير إذن زوجها وهو حاضر]

‌كِتَابُ الِاعْتِكَافِ

هُوَ لُغَةً: اللُّبْثُ وَالْحَبْسُ وَالْمُلَازَمَةُ عَلَى الشَّيْءِ وَلَوْ شَرًّا، يُقَالُ اعْتَكَفَ وَعَكَفَ يَعْكُفُ بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا عَكْفًا وَعُكُوفًا وَعَكَفْته أَعْكِفُهُ بِكَسْرِ الْكَافِ عَكْفًا لَا غَيْرُ، يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا كَرَجَعَ وَرَجَعْته وَنَقَصَ وَنَقَصْته. وَشَرْعًا: لُبْثٌ فِي مَسْجِدٍ بِقَصْدِ الْقُرْبَةِ مِنْ مُسْلِمٍ مُمَيِّزٍ عَاقِلٍ طَاهِرٍ عَنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ صَاحٍ كَافٍ نَفْسَهُ عَنْ شَهْوَةِ الْفَرْجِ مَعَ الذِّكْرِ وَالْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ، وَأَصْلُهُ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] وَأَخْبَارٌ صَحِيحَةٌ مِنْهَا «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ رَمَضَانَ، ثُمَّ الْأَوْسَطَ، ثُمَّ الْأَخِيرَ وَلَازَمَهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنَّهُ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ» وَفِي رِوَايَةٍ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

[كِتَابُ الِاعْتِكَافِ]

(قَوْلُهُ: وَالْمُلَازَمَةُ عَلَى الشَّيْءِ) رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ: يُقَالُ) أَيْ فِي اللُّغَةِ (قَوْلُهُ: فِي مَسْجِدٍ) أَيْ خَالِصٍ (قَوْلُهُ: مِنْ مُسْلِمٍ مُمَيِّزٍ عَاقِلٍ إلَخْ) ذِكْرُهُ بَعْدَ التَّمْيِيزِ مُجَرَّدُ إيضَاحٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ أَحَدِهِمَا الْآخَرُ وَلِذَلِكَ لَمْ يَجْمَعْ الْمُصَنِّفُ بَيْنَهُمَا فِيمَا يَأْتِي، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمَجْنُونَ إذَا كَانَ لَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ لَا يَصِحُّ اعْتِكَافُهُ لِانْتِفَاءِ الْعَقْلِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَلِلْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ) أَيْ وَعَدَمُ الْإِكْرَاهِ وَكَوْنُهُ وَاضِحًا كَمَا يَأْتِي لِلشَّارِحِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْأَوْسَطَ إلَخْ) قَالَ الدَّمَامِينِيُّ فِي مَصَابِيحِ الْجَامِعِ الصَّحِيحِ مَا نَصُّهُ: الْعَشْرُ الْأَوْسَطُ جَاءَ هُنَا عَلَى لَفْظِ الْعَشْرُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى مُفْرَدَاتِهِ وَلَفْظُهُ مُذَكَّرٌ فَيَصِحُّ وَصْفُهُ بِالْأَوْسَطِ، وَإِلَّا فَلَوْ أُرِيدَ وَصْفُهُ بِاعْتِبَارِ آحَادِهِ لَقِيلَ الْوُسْطَى وَالْوُسَطُ بِضَمِّ الْوَاوِ وَفَتْحِ السِّينِ كَكُبْرَى وَكُبَرٍ وَقَدْ رُوِيَ بِهِ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، وَرُوِيَ أَيْضًا الْوُسُطُ بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ وَاسِطٍ كَبَازِلٍ وَبُزُلٍ كَذَا فِي الزَّرْكَشِيّ. قُلْت: وَأَوْسَطُ هَذَا مُذَكَّرٌ وَوَاحِدُ الْعَشْرِ مُؤَنَّثٌ فَكَانَ قِيَاسُهُ أَوَاسِطُ جَمْعُ وَاسِطَةٍ كَأَوَاخِرَ جَمْعُ آخِرَةٍ اهـ: وَقَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ، كَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النَّسْخِ، وَالْمَشْهُورُ فِي الِاسْتِعْمَالِ تَأْنِيثُ الْعَشْرِ كَمَا قَالَ فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ: وَتَذْكِيرُهُ أَيْضًا لُغَةٌ صَحِيحَةٌ بِاعْتِبَارِ الْأَيَّامِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ الْوَقْتِ وَالزَّمَانِ، وَيَكْفِي فِي صِحَّتِهَا ثُبُوتُ اسْتِعْمَالِهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم انْتَهَى.

وَعِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ: وَالْيَوْمُ الْأَوْسَطُ وَاللَّيْلَةُ الْوُسْطَى، وَبِجَمْعِ الْأَوْسَطِ عَلَى الْأَوَاسِطِ مِثْلُ الْأَفْضَلِ وَالْأَفَاضِلِ تُجْمَعُ الْوُسْطَى عَلَى الْوُسَطِ مِثْلُ الْفُضْلَى وَالْفُضَلِ، وَإِذَا أُرِيدَ اللَّيَالِي قِيلَ الْعَشْرُ الْوُسَطُ، وَإِذَا أُرِيدَ الْأَيَّامُ قِيلَ الْعَشْرُ الْأَوَاسِطُ، وَقَوْلُهُمْ الْعَشْرُ الْأَوْسَطُ عَامِّيٌّ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا فَشَا عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَوَامّ مُخَالِفًا لِمَا نَقَلَهُ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ، فَقَدْ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ وَجَمَاعَةٌ: إنَّ أَلْفَاظَ الْحَدِيثِ تَنَاقَلَتْهُ أَيْدِي الْعَجَمِ حَتَّى فَشَا فِيهِ اللَّحْنُ وَتَلَعَّبَتْ بِهِ الْأَلْسُنُ اللُّكْنُ حَتَّى حَرَّفُوا بَعْضَهُ مِنْ مَوَاضِعِهِ، وَمَا هَذِهِ سَبِيلُهُ فَلَا يُحْتَجُّ بِأَلْفَاظِهِ الْمُخْتَلِفَةِ لِأَنَّ النَّقَلَةَ لَمْ يَنْقُلُوا الْحَدِيثَ بِضَبْطِ الْحُفَّاظِ حَتَّى يُحْتَجَّ بِهَا بَلْ بِمَعَانِيهَا فَإِنَّهُمْ أَجَازُوا نَقْلَ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى، وَلِهَذَا تَخْتَلِفُ أَلْفَاظُ الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا: وَلِأَنَّ الْعَشْرَ جَمْعٌ وَالْأَوْسَطُ مُفْرَدٌ وَلَا يُخْبَرُ عَنْ الْجَمْعِ بِمُفْرَدٍ، عَلَى أَنَّهُ يُحْتَمَلُ غَلَطُ الْكَاتِبِ بِسُقُوطِ الْأَلِفِ مِنْ الْأَوَاسِطِ وَالْهَاءِ مِنْ الْعَشَرَةِ: وَقَوْلُهُ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأُوَلَ إلَخْ: أَيْ فِي بَعْضِ السِّنِينَ ثُمَّ الْأَوْسَطَ فِي بَعْضٍ آخَرَ إلَخْ،

ــ

[حاشية الرشيدي]

[صَوْمُ تَطَوُّعٍ مِنْ غَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَهُوَ حَاضِرٌ]

كِتَابُ الِاعْتِكَافِ

ص: 213

«فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْهُ» وَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} [البقرة: 125] وَسُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لَا تَخْتَصُّ بِزَمَنٍ كَمَا قَالَ (هُوَ مُسْتَحَبٌّ كُلَّ وَقْتٍ) فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ وَيَجِبُ بِالنَّذْرِ.

(وَهُوَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ أَفْضَلُ) مِنْهُ فِي غَيْرِهِ، وَلَيْسَ هَذَا مُكَرَّرًا بِمَا مَرَّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ إذْ ذَاكَ فِي اسْتِحْبَابِهِ فِي رَمَضَانَ وَمَا هُنَا فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ فِيهِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَشَارَ إلَى حِكْمَةِ أَفْضَلِيَّتِهِ هُنَا بِقَوْلِهِ (لِطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ) الَّتِي هِيَ فِيهِ أَيْ فَيُحْيِيهَا بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَكَثْرَةِ الدُّعَاءِ فَإِنَّهَا أَفْضَلُ لَيَالِي السَّنَةِ قَالَ تَعَالَى {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] أَيْ الْعَمَلُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. وَفِي الصَّحِيحِ «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (وَهِيَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ) وَاَلَّتِي يُفْرَقُ فِيهَا كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ وَبَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إجْمَاعًا وَتُرَى حَقِيقَةً فَيَتَأَكَّدُ طَلَبُهَا وَالِاجْتِهَادُ فِي إدْرَاكِهَا كُلَّ عَامٍ وَإِحْيَاءُ لَيْلِهَا كُلِّهِ بِالْعِبَادَةِ وَالدُّعَاءِ، وَالْمُرَادُ بِرَفْعِهَا فِي خَبَرِ «فَرُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ» رُفِعَ عِلْمُ عَيْنِهَا وَإِلَّا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِالْتِمَاسِهَا، وَمَعْنَى «عَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ» : أَيْ لِتَرْغَبُوا فِي طَلَبِهَا وَالِاجْتِهَادِ فِي كُلِّ اللَّيَالِي وَلِيَكْثُرَ فِيهَا وَفِي يَوْمِهَا مِنْ الْعِبَادَةِ بِإِخْلَاصٍ وَصِحَّةِ يَقِينٍ، وَمِنْ قَوْلِهِ:«اللَّهُمَّ إنَّك عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا» ، وَيُسَنُّ لِمَنْ رَآهَا أَنْ يَكْتُمَهَا، وَمَا نُقِلَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يَنَالُ فَضْلَهَا إلَّا مَنْ اطَّلَعَ عَلَيْهَا، فَمَنْ قَامَهَا وَلَمْ يَشْعُرْ بِهَا لَمْ يَنَلْ فَضْلَهَا، رَدَّهُ جَمْعٌ بِتَصْرِيحِ الْمُتَوَلِّي بِخِلَافِهِ وَبِأَنَّ فِي مُسْلِمٍ «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَوَافَقَهَا» وَتَفْسِيرُ الْمُوَافَقَةِ بِالْعِلْمِ غَيْرُ مُسَاعِدٍ عَلَيْهِ مِنْ اللُّغَةِ، وَفِيهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ " مَنْ يَقُمْ الْحَوْلَ يُصِبْهَا " وَبِقَوْلِ أَصْحَابِنَا: يُسَنُّ التَّعَبُّدُ فِي كُلِّ لَيَالِي الشَّهْرِ لِيَحُوزَ الْفَضِيلَةَ بِيَقِينٍ. نَعَمْ يُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ لَمْ يَنَلْ فَضْلَهَا عَلَى الْكَامِلِ فَلَا يُنَافِيهِ مَا ذُكِرَ. وَسُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لِأَنَّهَا لَيْلَةُ الْحُكْمِ وَالْفَصْلِ، وَقِيلَ لِعِظَمِ قَدْرِهَا (وَمَيْلُ الشَّافِعِيِّ) رضي الله عنه (إلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ)

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَهَلْ اعْتِكَافُهُ الْعَشْرَ الْأُوَلَ كَانَ فِي سَنَةٍ أَوْ سِنِينَ وَهَلْ الْأَوْسَطُ كَذَلِكَ أَوْ لَا فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ} [البقرة: 125] أَيْ نَزِّهَاهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ كُلَّ وَقْتٍ) أَيْ حَتَّى أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ وَإِنْ تَحَرَّاهَا (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ بِالنَّذْرِ) ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِمَسَائِلِ النَّذْرِ الْآتِيَةِ وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ مِنْ كَوْنِهِ مُسْتَحَبًّا أَنَّهُ يَصِحُّ نَذْرُهُ

(قَوْلُهُ: مُكَرَّرًا بِمَا مَرَّ) أَيْ مَعَ مَا مَرَّ فَالْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ (قَوْلُهُ: «إيمَانًا وَاحْتِسَابًا» ) أَيْ تَصْدِيقًا بِأَنَّهَا حَقٌّ وَطَاعَةٌ، وَاحْتِسَابًا: أَنَّ طَلَبًا لِرِضَاءِ اللَّهِ وَثَوَابِهِ لَا رِيَاءَ وَسُمْعَةَ وَنَصْبُهُمَا عَلَى الْمَفْعُولِ لَهُ أَوْ التَّمْيِيزِ أَوْ الْحَالِ بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ وَعَلَيْهِ فَهُمَا حَالَانِ مُتَدَاخِلَانِ أَوْ مُتَرَادِفَانِ، وَالنُّكْتَةُ فِي وُقُوعِ الْجَزَاءِ مَاضِيًا مَعَ أَنَّهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَنَّهُ مُتَيَقَّنُ الْوُقُوعِ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ سبحانه وتعالى عَلَى عِبَادِهِ اهـ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ (قَوْلُهُ: وَلِيَكْثُرَ فِيهَا) أَيْ حَيْثُ اطَّلَعَ عَلَيْهَا أَوْ كَانَتْ مِنْ اللَّيَالِي الَّتِي تُرْجَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ كَالْحَادِي وَالْعِشْرِينَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ لِمَنْ رَآهَا إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهَا كَالْكَرَامَةِ وَهِيَ يُسْتَحَبُّ كَتْمُهَا، وَعِبَارَةُ حَجّ فِي الْحَجِّ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَهِيَ نَوْعَانِ مَا نَصُّهُ: تَعْلِيلًا لِكَلَامٍ قَرَّرَهُ وَلِإِطْبَاقِهِمْ كَمَا قَالَ الْيَافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ: أَيْ الْوَلِيِّ التَّنَزُّهُ عَنْ قَصْدِ الْكَرَامَةِ وَفِعْلُهَا مَا أَمْكَنَ اهـ. لَكِنَّهُ لَا يُفِيدُ طَلَبُ كَتْمِهَا إذَا اتَّفَقَ ظُهُورُهَا عَلَى يَدِهِ (قَوْلُهُ: فِي كُلِّ لَيَالِي الشَّهْرِ) فِي نُسْخَةٍ الْعَشْرُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَيْلَةُ الْحُكْمِ) أَيْ وَأَمَّا مَا يَقَعُ لَيْلَةَ نِصْفِ شَعْبَانَ إنْ صَحَّ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ الْكِتَابَةِ فِيهَا وَتَمَامَ الْكِتَابَةِ وَتَسْلِيمَ الصُّحُفِ لِأَرْبَابِهَا إنَّمَا هُوَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (قَوْلُهُ إلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ إلَخْ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ فَيُحْيِيهَا بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ إلَخْ) هَذَا نَتِيجَةُ الطَّلَبِ فَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَإِحْيَاءُ لَيْلِهَا كُلِّهِ بِالْعِبَادَةِ وَالدُّعَاءِ) هَذَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا إلَّا قَوْلَهُ كُلِّهِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ هَذَا هُنَا (قَوْلُهُ: وَلْيُكْثِرْ فِيهَا وَفِي يَوْمِهَا مِنْ الْعِبَادَةِ)

ص: 214

(أَوَالثَّالِثُ وَالْعِشْرِينَ) مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ وَعَلَى الثَّانِي خَبَرُ مُسْلِمٍ وَهَذَا نَصُّ الْمُخْتَصَرِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ مَيْلَهُ إلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ لَا غَيْرُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِهَا وَأَرْجَاهَا بَعْدَ مَا مَرَّ بَقِيَّةٌ أَوْ تَارَةٌ وَفِيهَا لِلْعُلَمَاءِ نَحْوُ ثَلَاثِينَ قَوْلًا، وَعَلَامَتُهَا عَدَمُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ فِيهَا، وَأَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ صَبِيحَتَهَا بَيْضَاءَ بِلَا كَثِيرِ شُعَاعٍ، وَحِكْمَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَلَامَةٌ لَهَا، أَوْ أَنَّ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ اخْتِلَافِ الْمَلَائِكَةِ وَنُزُولِهَا وَصُعُودِهَا فِيهَا فَسَتَرَتْ بِأَجْنِحَتِهَا وَأَجْسَامِهَا اللَّطِيفَةِ ضَوْءَ الشَّمْسِ وَشُعَاعَهَا " وَفَائِدَةُ مَعْرِفَةِ صِفَتِهَا بَعْدَ فَوْتِهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يَكُونَ اجْتِهَادُهُ فِي يَوْمِهَا كَاجْتِهَادِهِ فِيهَا، وَلِيَجْتَهِدَ فِي مِثْلِهَا مِنْ قَابِلٍ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ انْتِقَالِهَا، وَقَدْ نُقِلَ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ أَنَّ مَنْ شَهِدَ الْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظِّهِ مِنْهَا. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَقَدْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ»

وَلِلِاعْتِكَافِ أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ: مَسْجِدٌ وَلُبْثٌ وَنِيَّةٌ وَمُعْتَكِفٌ، وَقَدْ شَرَعَ فِي أَوَّلِهَا فَقَالَ (وَإِنَّمَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ، فِي الْمَسْجِد) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِلْإِجْمَاعِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] إذْ ذِكْرُ الْمَسَاجِدِ لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ لِجَعْلِهَا شَرْطًا فِي مَنْعِ مُبَاشَرَةِ الْمُعْتَكِفِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا تَكُونُ عِنْدَ كُلِّ قَوْمٍ بِحَسَبِ لَيْلِهِمْ، فَإِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ عِنْدَنَا نَهَارًا لِغَيْرِنَا تَأَخَّرَتْ الْإِجَابَةُ وَالثَّوَابُ إلَى أَنْ يَدْخُلَ اللَّيْلُ عِنْدَهُمْ، وَيُحْتَمَلُ لُزُومُهَا لِوَقْتٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ نَهَارًا بِالنِّسْبَةِ لِقَوْمٍ وَلَيْلًا بِالنِّسْبَةِ لِآخَرِينَ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِيَنْطَبِقَ عَلَيْهِ مُسَمَّى اللَّيْلِ عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا أَخْذًا مِمَّا قِيلَ فِي سَاعَةِ الْإِجَابَةِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَوْقَاتِ الْخُطَبِ (قَوْلُهُ: يَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ) مِنْهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «إنِّي أُرِيتهَا اللَّيْلَةَ وَأَرَانِي أَسْجُدُ فِي صَبِيحَتِهَا فِي الطِّينِ وَالْمَاءِ، فَأَصْبِحُوا مِنْ لَيْلَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَقَدْ قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى الصُّبْحِ فَمَطَرَتْ السَّمَاءُ فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ فَخَرَجَ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَجَبِينُهُ وَأَرْنَبَتُهُ أَيْ أَنْفُهُ فِيهِمَا أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ» وَرَوَى مُسْلِمٌ مِثْلَ هَذَا عَنْ لَيْلَةِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ اهـ عَمِيرَةُ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِهَا) أَيْ مِنْ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ (قَوْلُهُ وَأَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ صَبِيحَتَهَا بَيْضَاءَ) أَيْ وَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ إلَى أَنْ تَرْتَفِعَ كَرُمْحٍ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ، ذَكَرَهُ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عِنْدَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «صَبِيحَةَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ تَطْلُعُ الشَّمْسُ لَا شُعَاعَ لَهَا كَأَنَّهَا طَسْتٌ حَتَّى تَرْتَفِعَ» وَقَوْلُهُ كَأَنَّهَا طَسْتٌ أَيْ مِنْ نُحَاسٍ أَبْيَضِ مُنَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَنُزُولُهَا وَصُعُودُهَا فِيهَا) لَا يُقَالُ: اللَّيْلَةَ تَنْقَضِي بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَكَيْفَ تَسْتُرُ بِصُعُودِهَا وَنُزُولِهَا فِي اللَّيْلِ ضَوْءَ الشَّمْسِ. لِأَنَّا نَقُولُ: يَجُوزُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْتَهِي بِطُلُوعِ الْفَجْرِ بَلْ كَمَا يَكُونُ فِي لَيْلَتِهَا يَكُونُ فِي يَوْمِهَا، وَبِتَقْدِيرِ أَنَّهُ يَنْتَهِي نُزُولُهَا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَيَجُوزُ أَنَّ الصُّعُودَ مُتَأَخِّرٌ وَبِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ لَيْلًا فَيَجُوزُ أَنَّهَا إذَا صَعِدَتْ تَكُونُ مُحَاذَاتُهَا لِلشَّمْسِ وَقْتَ مُرُورِهَا فِي مُقَابَلَتِهَا نَهَارًا (قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ اجْتِهَادُهُ فِي يَوْمِهَا إلَخْ) وَهَلْ الْعَمَلُ فِي يَوْمِهَا خَيْرٌ مِنْ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا صَبِيحَةُ يَوْمِ قُدِّرَ قِيَاسًا عَلَى اللَّيْلَةِ ظَاهِرُ التَّشْبِيهِ أَنَّهُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ وَقَدْ نَقَلَ) أَيْ النَّوَوِيُّ وَقَوْلُهُ عَنْ نَصِّهِ: أَيْ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: الْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ) أَيْ وَاتَّفَقَ أَنَّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَلَكِنْ لَا يَتِمُّ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِمُلَازَمَةِ جَمِيعِ الشَّهْرِ، وَعِبَارَةُ حَجّ: وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ خَبَرَ «مَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ حَتَّى يَنْقَضِيَ رَمَضَانُ فَقَدْ أَخَذَ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِحَظٍّ وَافِرٍ»

(قَوْلُهُ: فِي الْمَسْجِدِ) أَيْ وَلَوْ ظَنًّا فِيمَا يَظْهَرُ وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ فِي بَابِ الْغُسْلِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَاللُّبْثُ بِالْمَسْجِدِ لَا عُبُورَهُ نَصُّهَا: وَهَلْ شَرْطُ الْحُرْمَةِ تَحَقُّقُ الْمَسْجِدِيَّةِ أَوْ يُكْتَفَى بِالْقَرِينَةِ؟ فِيهِ احْتِمَالٌ، وَالْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِهِمْ الْأَوَّلُ، وَعَلَيْهِ فَالِاسْتِفَاضَةُ كَافِيَةٌ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَصْلُهُ كَالْمَسَاجِدِ الْمُحْدَثَةِ بِمِنًى اهـ

ــ

[حاشية الرشيدي]

ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ وَإِلَّا فَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَزَادَ هُنَا تَقْيِيدَهُ بِالْإِخْلَاصِ (قَوْلُهُ: بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ) مُتَعَلِّقٌ بِفَوْتٍ

ص: 215

لِمَنْعِهِ مِنْهَا وَلَوْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَلِمَنْعِ غَيْرِهِ مِنْهَا فِيهَا فَتَعَيَّنَ كَوْنُهَا شَرْطًا لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ، (وَلَا يَفْتَقِرُ شَيْءٌ مِنْ الْعِبَادَاتِ إلَى الْمَسْجِدِ إلَّا التَّحِيَّةَ وَالِاعْتِكَافَ وَالطَّوَافَ) ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ سَطْحِهِ وَصَحْنِهِ وَرَحْبَتِهِ الْمَعْدُودَةِ مِنْهُ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ عَدَمَ صِحَّتِهِ فِيمَا وَقَفَ جُزْؤُهُ شَائِعًا مَسْجِدًا أَوْ فِي مَسْجِدٍ أَرْضُهُ مُسْتَأْجَرَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمَا رَجَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ:(لَوْ بَنَى فِيهِ مَسْطَبَةً وَوَقَفَهَا مَسْجِدًا صَحَّ) كَمَا يَصِحُّ عَلَى سَطْحِهِ وَجُدْرَانِهِ ظَاهِرٌ وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بِالصِّحَّةِ وَإِنْ لَمْ يَبْنِهَا بِهِ إذْ الْمَسْجِدُ هُوَ الْبِنَاءُ الَّذِي فِي تِلْكَ الْأَرْضِ لَا الْأَرْضُ وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ (صِحَّةُ وَقْفِ الْعُلُوِّ دُونَ السُّفْلِ) مَسْجِدًا كَعَكْسِهِ وَعَدَمُ صِحَّةِ وَقْفِ الْمَنْقُولِ مَسْجِدًا كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْوَقْفِ. قَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: (لَوْ اعْتَكَفَ فِيمَا ظَنَّهُ مَسْجِدًا) فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فِي الْبَاطِنِ فَلَهُ أَجْرُ قَصْدِهِ وَاعْتِكَافِهِ وَإِلَّا فَقَصْدُهُ فَقَطْ (وَ) الْمَسْجِدُ (الْجَامِعُ) وَهُوَ مَا تُقَامُ الْجُمُعَةُ فِيهِ (أَوْلَى) بِالِاعْتِكَافِ مِنْ غَيْرِهِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ فِي إيجَابِهِ لِكَثْرَةِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: الْمَعْدُودَةِ مِنْهُ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُتَّصِلَةُ بِهِ، فَإِنْ خَرَجَ إلَى رَحْبَتِهِ الْمُنْفَصِلَةِ مِنْهُ انْقَطَعَ اعْتِكَافُهُ أَخْذًا مِمَّا سَيَأْتِي فِي خُرُوجِ الْمُؤَذِّنِ الرَّاتِبِ إلَى مَنَارَةِ بَابِهَا فِيهِ أَوْ فِي رَحْبَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ الْمُنْفَصِلَةَ عَنْهُ يَنْقَطِعُ تَتَابُعُهُ بِالْخُرُوجِ إلَى الْمَنَارَةِ الَّتِي بَابُهَا بِالْمُنْفَصِلَةِ.

[فَرْعٌ] شَجَرَةٌ أَصْلُهَا بِالْمَسْجِدِ وَأَغْصَانُهَا خَارِجُهُ هَلْ يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ عَلَى الْأَغْصَانِ أَوْ لَا؟ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ الصِّحَّةُ وَلَوْ انْعَكَسَ الْحَالُ فَكَانَ أَصْلُ الشَّجَرَةِ خَارِجَهُ وَأَغْصَانُهَا دَاخِلُهُ فَفِيهِ نَظَرٌ، وَيُتَّجَهُ الصِّحَّةُ أَيْضًا أَخْذًا مِنْ صَرِيحِ كَلَامِ سم عَلَى حَجّ فِي بَابِ الْحَجِّ فِي فَصْلِ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَوْ مَنْصُوبِهِ أَنْ يَخْطُبَ بِمَكَّةَ إلَخْ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَوَاجِبُ الْوُقُوفِ حُضُورُهُ بِجُزْءٍ مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ حَيْثُ ذَكَرَ مَا يُفِيدُ التَّسْوِيَةَ، فِي الِاعْتِكَافِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ. وَالتَّفْرِقَةُ فِي الْحَجِّ بَيْنَ مَا أَصْلُهَا فِي الْحَرَمِ وَأَغْصَانُهَا خَارِجُهُ فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ عَلَى الْأَغْصَانِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ، لَكِنْ يُرَاجَعُ قَوْلُهُ فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ إلَخْ وَلَعَلَّهُ فَلَا يَصِحُّ الْوُقُوفُ (قَوْلُهُ: فِيمَا وَقَفَ جُزْؤُهُ شَائِعًا مَسْجِدًا) وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الِاعْتِكَافِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ حَيْثُ صَحَّتْ فِيمَا وَقَفَ جُزْؤُهُ شَائِعًا أَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ التَّعْظِيمُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِذَلِكَ، وَأَيْضًا صِحَّةُ الصَّلَاةِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَسْجِدِيَّةِ بِخِلَافِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ فِي مَسْجِدٍ أَرْضُهُ مُسْتَأْجَرَةٌ) وَمِنْهُ الْأَرْضُ الْمُحْتَكَرَةُ، وَصُورَةُ مَسْأَلَةِ الِاسْتِئْجَارِ أَنْ لَا يُفْرَشَ بِالْبَلَاطِ مَثَلًا ثُمَّ يُوقَفُ مَا فُرِشَ بِأَرْضِهِ مَسْجِدًا (قَوْلُهُ: لَوْ بَنَى فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أَرْضُهُ مُسْتَأْجَرَةٌ (قَوْلُهُ: مَسْطَبَةً) أَيْ أَوْ سَمَّرَ فِيهِ دِكَّةً مِنْ خَشَبٍ أَوْ نَحْوِ سَجَّادَةٍ مَرَّ اهـ سم عَلَى حَجّ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ (قَوْلُهُ: إذْ الْمَسْجِدُ) تَوْجِيهٌ لِقَوْلِهِ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ صِحَّةُ وَقْفِ الْعُلُوِّ إلَخْ) وَمِنْهُ الْخَلَاوِي وَالْبُيُوتُ الَّتِي تُوجَدُ فِي بَعْضِ الْمَسَاجِدِ وَهِيَ مَشْرُوطَةٌ لِلْإِمَامِ أَوْ نَحْوِهِ وَيَسْكُنُونَ فِيهَا بِزَوْجَاتِهِمْ، فَإِنْ عُلِمَ أَنَّ الْوَاقِفَ وَقَفَ مَا عَدَاهَا مَسْجِدًا جَازَ الْمُكْثُ فِيهَا مَعَ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ وَالْجِمَاعِ فِيهَا وَإِلَّا حَرُمَ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمَسْجِدِيَّةُ (قَوْلُهُ مَسْجِدًا) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ لَا الْأَرْضُ نَفْسُهَا (قَوْلُهُ وَعَدَمُ صِحَّتِهِ وَقْفُ الْمَنْقُولِ مَسْجِدًا) ظَاهِرٌ وَإِنْ أَثْبَتَ، وَنُقِلَ عَنْ فَتَاوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ خِلَافُهُ فَلْيُرَاجَعْ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَقَصْدُهُ إلَخْ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ عَدَمَ صِحَّتِهِ فِيمَا وُقِفَ جُزْؤُهُ شَائِعًا) أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَسْجِدًا بِالْإِطْلَاقِ فَهُوَ خَارِجٌ بِإِطْلَاقِهِ الْمَسْجِدَ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بِالصِّحَّةِ) أَيْ اكْتِفَاءً بِكَوْنِهِ فِي هَوَاءِ السَّقْفِ وَالْجُدْرَانِ (قَوْلُهُ: لَوْ اعْتَكَفَ فِيمَا ظَنَّهُ مَسْجِدًا إلَخْ) هَلْ يُقَاسُ بِهِ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ الظَّاهِرُ لَا لِلتَّرَدُّدِ فِي نِيَّةِ الصَّلَاةِ وَبَابُهَا أَضْيَقُ.

ص: 216

لِكَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ وَلِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْخُرُوجِ لِلْجُمُعَةِ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ الْأُولَى مَا لَوْ كَانَ غَيْرُهُ أَكْثَرَ جَمَاعَةٍ مِنْهُ وَكَانَ زَمَانُ الِاعْتِكَافِ دُونَ أُسْبُوعٍ أَوْ كَانَ الْمُعْتَكِفُ مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ، وَإِنْ اقْتَضَى قَوْلُ الرَّافِعِيِّ إنَّ مُرَاعَاةَ الْجُمُعَةِ أَظْهَرَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ خِلَافَهُ إذْ الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ أَوْلَى، (وَالنَّصُّ عَلَى أَنَّ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ يَعْتَكِفُ حَيْثُ شَاءَ مِنْ الْمَسَاجِدِ) لَا يُؤَيِّدُ اعْتِبَارَ مُرَاعَاةِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ مُرَادَ النَّصِّ سَلْبُ وُجُوبِ الْجَامِعِ مُطْلَقًا عَلَى مَنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَقَدْ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَطْلَقَ أَوْلَوِيَّةَ الْجَامِعِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. نَعَمْ قَدْ (يَجِبُ الْجَامِعُ فِي الِاعْتِكَافِ كَأَنْ نَذَرَ زَمَنًا مُتَتَابِعًا فِيهِ يَوْمُ جُمُعَةٍ) وَهُوَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ وَلَمْ يُشْتَرَطْ الْخُرُوجُ لَهَا، إذْ خُرُوجُهُ لَهَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ اعْتِكَافِهِ فِي الْجَامِعِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَدَمُ بُطْلَانِ تَتَابُعِهِ بِالْخُرُوجِ لَهَا فِيمَا لَوْ كَانَتْ الْجُمُعَةُ تُقَامُ بَيْنَ أَبْنِيَةِ الْقَرْيَةِ فِي غَيْرِ جَامِعٍ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِأَهْلِهَا فَأُحْدِثَ بِهَا جَامِعٌ وَجَمَاعَةٌ بَعْدَ نَذْرِهِ وَاعْتِكَافِهِ، (وَلَوْ اُسْتُثْنِيَ الْخُرُوجُ لَهَا وَفِي الْبَلْدَةِ جَامِعَانِ فَمَرَّ عَلَى أَحَدِهِمَا وَذَهَبَ إلَى الْآخَرِ) لَمْ يَضُرَّ إنْ كَانَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ يُصَلِّي فِيهِ أَوَّلًا، فَإِنْ صَلَّى أَهْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بَطَلَ تَتَابُعُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ، أَمَّا إذَا لَمْ يُشْرَطْ التَّتَابُعُ فَلَا يَجِبُ الْجَامِعُ لِصِحَّةِ اعْتِكَافِهِ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ لِمُسَاوَاتِهَا لَهُ فِي الْأَحْكَامِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ أَوْلَوِيَّةِ الْجَامِعِ مَا لَوْ عَيَّنَ غَيْرَهُ فَالْمُعَيَّنُ أَوْلَى إنْ لَمْ يَحْتَجْ لِخُرُوجِهِ لِلْجُمُعَةِ.

(وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ الْمَرْأَةِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا وَهُوَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَمِثْلُ ذَلِكَ كُلُّ عِبَادَةٍ تَلَبَّسَ بِهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ فِيهَا خَلَلٌ يَقْتَضِي فَسَادَهَا (قَوْلُهُ: وَلِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْخُرُوجِ لِلْجُمُعَةِ) بَلْ يَتَعَيَّنُ فِيمَا نَذْرُ اعْتِكَافِ مُدَّةِ مُتَتَابِعَةٍ يَتَخَلَّلُهَا جُمُعَةٌ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا لِأَنَّ الْخُرُوجَ لَهَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ اهـ شَرْحُ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ. ثُمَّ رَأَيْت قَوْلَهُ الْآتِي نَعَمْ قَدْ يَجِبُ الْجَامِعُ إلَخْ (قَوْلُهُ: أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ الْأُولَى) هِيَ قَوْلُهُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ جَمَاعَةٍ إلَخْ وَالْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ هِيَ قَوْلُهُ وَلِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْخُرُوجِ لِلْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ: أَكْثَرَ جَمَاعَةً) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ انْتَفَتْ الْجَمَاعَةُ مِنْهُ بِالْمَرَّةِ كَأَنْ هَجَرَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ أَوْلَى، وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُهُ إذْ الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ أَوْلَى لِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، وَالْجَمَاعَةُ أَقْوَى لِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَالْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ سُنَّةٌ وَإِذَا تَعَارَضَ الْوَاجِبُ وَغَيْرُهُ قُدِّمَ الْوَاجِبُ (قَوْلُهُ: إنَّ مُرَاعَاةَ الْجُمُعَةِ) لَعَلَّهُ الْجَمَاعَةُ (قَوْلُهُ: لِتَقْصِيرِهِ) أَيْ وَعَلَيْهِ فَلَوْ نَوَى اعْتِكَافَ تِلْكَ الْمُدَّةِ هَلْ تَبْطُلُ نِيَّتُهُ أَوْ لَا تَبْطُلُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ لِأَجْلِ الْجُمُعَةِ بَعْدُ وَإِنْ قُطِعَ التَّتَابُعُ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي (قَوْلُهُ: عَدَمُ بُطْلَانِ تَتَابُعِهِ بِالْخُرُوجِ لَهَا إلَخْ) أَيْ وَيَنْبَغِي أَنْ يُغْتَفَرَ لَهُ بَعْدَ فِعْلِهَا مَا وَرَدَ الْحَثُّ عَلَى طَلَبِهِ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ دُونَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ كَالسُّنَّةِ الْبَعْدِيَّةِ وَالتَّسْبِيحَاتِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ التَّتَابُعَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُ مِنْ مَحَلِّ اعْتِكَافِهِ لِلْجُمُعَةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُمْكِنُهُ إدْرَاكُ الْجُمُعَةِ فِيهِ دُونَ مَا زَادَ عَلَيْهَا وَإِنْ فَوَّتَ التَّبْكِيرَ لِأَنَّ فِي الِاعْتِكَافِ جَابِرًا لَهُ (قَوْله إنْ كَانَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ يُصَلِّي فِيهِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ جَازَ التَّعَدُّدُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الْجُمُعَةَ صَحِيحَةٌ فِي السَّابِقَةِ اتِّفَاقًا وَمُخْتَلَفٌ فِيهَا فِي الثَّانِيَةِ وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهَا (قَوْلُهُ: بَطَلَ تَتَابُعُهُ) أَيْ بِمُجَاوَزَتِهِ لِلْأَوَّلِ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ أَخْلَفَ ذَلِكَ بِأَنْ تَقَدَّمَ فِعْلُ أَهْلِ الثَّانِي عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَيَنْبَغِي خِلَافُهُ فَيَتَبَيَّنُ بِهِ عَدَمُ بُطْلَانِ اعْتِكَافِهِ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَحْتَجْ لِخُرُوجِهِ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ تَنْقَضِي قَبْلَ مَجِيءِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: لِكَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ) لَعَلَّهُ سَقَطَ قَبْلَهُ وَاوٌ مِنْ الْكَتَبَةِ وَإِلَّا فَهُوَ لَيْسَ عِلَّةً لِلْإِيجَابِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَمِثْلُهُ فِي الْإِمْدَادِ، لَكِنَّ الَّذِي فِي كَلَامِ غَيْرِهِمَا أَنَّهُ عِلَّةٌ ثَانِيَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ (قَوْلُهُ: مَا لَوْ كَانَ غَيْرُهُ أَكْثَرَ جَمَاعَةً) أَيْ فَقَوْلُهُ قَبْلَهُ لِكَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ بِالنَّظَرِ لِلْغَالِبِ (قَوْلُهُ: سَلَبَ وُجُوبَ الْجَامِعِ مُطْلَقًا عَلَى مَنْ لَا تَلْزَمُهُ) عَلَى فِيهِ بِمَعْنَى عَنْ

ص: 217

الْمُعْتَزَلِ الْمُهَيَّأِ لِلصَّلَاةِ) لِانْتِفَاءِ الْمَسْجِدِيَّةِ بِدَلِيلِ جَوَازِ تَغْيِيرِهِ وَمُكْثِ الْجُنُبِ فِيهِ، وَلِأَنَّ نِسَاءَهُ صلى الله عليه وسلم كُنَّ يَعْتَكِفْنَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَوْ كَفَى بُيُوتُهُنَّ لَكَانَتْ أَسْتَرَ لَهُنَّ، وَالْقَدِيمُ يَصِحُّ لِأَنَّهُ مَكَانُ صَلَاتِهَا كَمَا أَنَّ الْمَسْجِدَ مَكَانُ صَلَاةِ الرَّجُلِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِمَحَلٍّ بِخِلَافِ الِاعْتِكَافِ وَالْخُنْثَى كَالرَّجُلِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ اعْتِكَافِهَا فِي بَيْتِهَا يَكُونُ الْمَسْجِدُ لَهَا أَفْضَلَ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ

(وَلَوْ)(عَيَّنَ) النَّاذِرُ (الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فِي نَذْرِهِ الِاعْتِكَافَ)(تَعَيَّنَ) وَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ لِتَعَلُّقِ النُّسُكِ بِهِ وَزِيَادَةِ فَضْلِهِ لِكَثْرَةِ تَضَاعُفِ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّهُ ثَابِتٌ لَا مَطْعَنَ فِيهِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْكَعْبَةُ وَالْمَسْجِدُ حَوْلَهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، فَعَلَيْهِ لَا يَتَعَيَّنُ جُزْءٌ مِنْ الْمَسْجِدِ بِالتَّعْيِينِ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَجْزَاءِ. فَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافًا فِي الْكَعْبَةِ أَجْزَأَهُ فِي أَطْرَافِ الْمَسْجِدِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ نَذَرَ صَلَاةً فِيهَا فَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ الظَّاهِرُ تَعَيُّنُهَا ضَعِيفٌ، وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَجْمُوعِ بِالْمَسْجِدِ حَوْلَهَا جَمِيعُ الْمَسْجِدِ، وَقَوْلُ الْجَوْجَرِيِّ إنَّهُ الْمَطَافُ لَا جَمِيعُ الْمَسْجِدِ، إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ (حَوْلَهَا) فَائِدَةٌ يُرَدُّ بِأَنَّهُ مُنَافٍ لِكَلَامِهِمْ وَبِأَنَّ فَائِدَةَ قَوْلِهِ (حَوْلَهَا) الِاحْتِرَازُ عَنْ بَقِيَّةِ مَسَاجِدِ الْحَرَمِ لَا عَنْ بَقِيَّةِ أَجْزَاءِ الْمَسْجِدِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْمَطَافِ (وَكَذَا مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى فِي الْأَظْهَرِ) يَتَعَيَّنَانِ بِالنَّذْرِ وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُهُمَا لِأَنَّهُمَا مَسْجِدَانِ تُشَدُّ إلَيْهِمَا الرِّحَالُ فَأَشْبَهَا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا نُسُكٌ فَأَشْبَهَا بَقِيَّةَ الْمَسَاجِدِ، وَإِلْحَاقُ الْبَغَوِيّ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ سَائِرَ مَسَاجِدِهِ صلى الله عليه وسلم مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْخَبَرَ وَكَلَامَ غَيْرِهِ يَأْبَيَانِهِ، وَبِهِ يُعْلَمُ رَدُّ إلْحَاقِ بَعْضِهِمْ مَسْجِدَ قُبَاءَ بِالثَّلَاثَةِ وَإِنْ صَحَّ خَبَرُ «صَلَاةٌ فِيهِ كَعُمْرَةٍ» وَالْمُرَادُ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم، فَالتَّفْصِيلُ وَالتَّضْعِيفُ مُخْتَصٌّ بِهِ دُونَ الْقَدْرِ الَّذِي زِيدَ فِيهِ كَمَا رَآهُ الْمُصَنِّفُ لِلْإِشَارَةِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ مَسْجِدِي هَذَا، وَرَأَى جَمَاعَةٌ عَدَمَ الِاخْتِصَاصِ وَأَنَّهُ لَوْ وُسِّعَ مَهْمَا وُسِّعَ فَهُوَ مَسْجِدُهُ كَمَا فِي مَسْجِدِ مَكَّةِ إذَا وُسِّعَ فَتِلْكَ الْفَضِيلَةُ ثَابِتَةٌ لَهُ، وَلَوْ خَصَّ نَذْرَهُ بِوَاحِدٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ الَّتِي أُلْحِقَتْ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ فَالْأَوْجَهُ قِيَامُ غَيْرِهِ مِنْهَا مَقَامَهُ لِتَسَاوِيهَا فِي فَضِيلَةِ نِسْبَتِهَا لَهُ صلى الله عليه وسلم، وَلَوْ شَرَعَ فِي اعْتِكَافٍ مُتَتَابِعٍ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الْجُمُعَةِ

(قَوْلُهُ: وَزِيَادَةُ فَضْلِهِ) عِبَارَةُ حَجّ لِزِيَادَةِ فَضْلِهِ وَالْمُضَاعَفَةِ فِيهِ، إذْ الصَّلَاةُ فِيهِ بِمِائَةِ أَلْفِ أَلْفِ أَلْفٍ ثَلَاثًا فِيمَا سِوَى الْمَسْجِدَيْنِ الْآتِيَيْنِ كَمَا أَخَذْتُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَبَسَطْته فِي حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ لِكَثْرَةِ تَضَاعُفِ الصَّلَاةِ فِيهِ) ظَاهِرُهُ اخْتِصَاصُ الْمُضَاعَفَةِ بِالصَّلَاةِ فَقَطْ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ شَيْخُنَا الْحَلَبِيُّ فِي سِيرَتِهِ، وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِ عَدَمُ اخْتِصَاصِ الْمُضَاعَفَةِ بِهَا بَلْ تَشْمَلُ جَمِيعَ الطَّاعَاتِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ وَالْمَسْجِدُ حَوْلَهَا) شَامِلٌ لِمَا زِيدَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ عليه الصلاة والسلام كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ الْآتِي كَمَا فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ إذَا وُسِّعَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ) أَيْ الْجُزْءُ الَّذِي عَيَّنَهُ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ. بَقِيَ هَلْ مَحَلُّ تَعَيُّنِ مَسْجِدِهِ صلى الله عليه وسلم مَا إذَا عَيَّنَهُ كَأَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدِهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِهِ، أَوْ أَرَادَ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ ذَلِكَ. بِخِلَافِ مَا لَوْ أَطْلَقَ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ لَفْظًا وَنِيَّةً فَلَا يَتَعَيَّنُ لِصِدْقِهِ بِالزِّيَادَةِ الَّتِي حُكْمُهَا كَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ لِعَدَمِ الْمُضَاعَفَةِ فِيهَا فِيهِ نَظَرٌ اهـ سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ: وَالْأَقْرَبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْفَضْلُ الْمَذْكُورُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لَفْظُ النَّاذِرِ، إذْ الظَّاهِرُ مِنْ تَخْصِيصِهِ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ بِالذِّكْرِ إنَّمَا هُوَ لِإِرَادَةِ زِيَادَةِ الثَّوَابِ (قَوْلُهُ: وَرَأَى جَمَاعَةٌ عَدَمَ الِاخْتِصَاصِ) ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ إذَا وُسِّعَ إلَخْ) أَيْ مَا لَمْ يَصِلْ إلَى الْحِلِّ، وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُ ذَلِكَ بِأَنْ يَقِفَ أَهْلُ أَحَدِ جِهَاتِ دُورِهِمْ وَيَزِيدُونَهَا فِي الْمَسْجِدِ يَتَّصِل ذَلِكَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 218

فِي مَسْجِدٍ غَيْرِ الثَّلَاثَةِ تَعَيَّنَ

لِئَلَّا يَقْطَعَ التَّتَابُعَ. نَعَمْ لَوْ عَدَلَ لَمَّا خَرَجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ مِثْلُ مَسَافَتِهِ فَأَقَلَّ جَازَ الِانْتِفَاءُ الْمَحْذُورُ (وَيَقُومُ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ مَقَامَهَا) لِمَزِيدِ فَضْلِهِ عَلَيْهَا وَتَعَلُّقِ النُّسُكِ بِهِ (وَلَا عَكْسَ) أَيْ لَا يَقُومَانِ مَقَامَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِأَنَّهُمَا دُونَهُ فِي الْفَضْلِ (وَيَقُومُ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ مَقَامَ الْأَقْصَى) لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ فَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ بِأَلْفِ صَلَاةٍ كَمَا مَرَّ وَفِي الْأَقْصَى بِخَمْسِمِائَةٍ، وَرُوِيَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ بِأَلْفٍ وَعَلَيْهِ فَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ (وَلَا عَكْسَ) لِمَا سَبَقَ وَلَوْ عَيَّنَ لِلِاعْتِكَافِ زَمَنًا تَعَيَّنَ فَلَوْ قَدَّمَهُ لَمْ يَصِحَّ أَوْ أَخَّرَهُ فَقَضَاهُ وَأَثِمَ بِتَعَمُّدِهِ الرُّكْنُ الثَّانِي اللُّبْثُ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الِاعْتِكَافِ لُبْثُ قَدْرٍ يُسَمَّى عُكُوفًا) أَيْ إقَامَةٍ وَلَوْ بِلَا سُكُونٍ بِحَيْثُ يَكُونُ زَمَنُهَا فَوْقَ زَمَنِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَكْفِي قَدْرُهَا، وَالْخِلَافُ رَاجِعٌ لِأَصْلِ اللُّبْثِ وَقَدْرِهِ، وَقَدْ ذُكِرَ مُقَابِلُ الْأَوَّلِ، فَقَالَ (وَقِيلَ يَكْفِي الْمُرُورُ بِلَا لُبْثٍ) كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَمُقَابِلُ الثَّانِي بِقَوْلِهِ (وَقِيلَ يُشْتَرَطُ مُكْثُ نَحْوِ يَوْمٍ) أَيْ قَرِيبٍ مِنْهُ إذْ مَا دُونَهُ مُعْتَادٌ لِلْحَاجَةِ الَّتِي تَعِنُّ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي طَرِيقِهِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَلَا تَصْلُحُ لِلْقَرْيَةِ، وَعَلَى الْأَصَحِّ يَصِحُّ نَذْرُ اعْتِكَافِهِ سَاعَةً وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافًا مُطْلَقًا كَفَاهُ لَحْظَةٌ. نَعَمْ يُسَنُّ يَوْمٌ كَمَا يُسَنُّ لَهُ نِيَّةُ الِاعْتِكَافِ كُلَّمَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ

(وَيَبْطُلُ) الِاعْتِكَافُ (بِالْجِمَاعِ) مِنْ عَامِدٍ عَالِمٍ بِتَحْرِيمِهِ وَاضِحٍ مُخْتَارٍ سَوَاءٌ أَجَامَعَ فِي الْمَسْجِدِ أَمْ لَا لِمُنَافَاتِهِ لَهُ وَلِلْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَيَحْرُمُ ذَلِكَ فِي الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ مُطْلَقًا وَفِي الْمُسْتَحَبِّ فِي الْمَسْجِدِ، كَمَا يَحْرُمُ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ لَا خَارِجَهُ لِجَوَازِ قَطْعِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ. أَمَّا الْمَاضِي فَيَبْطُلُ حُكْمُهُ إنْ كَانَ مُتَتَابِعًا وَيَسْتَأْنِفُهُ وَإِلَّا فَلَا سَوَاءٌ أَكَانَ فَرْضًا أَمْ نَفْلًا، وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ بِغِيبَةٍ أَوْ شَتْمٍ أَوْ أَكْلٍ أَوْ حَرَامٍ. نَعَمْ يَبْطُلُ ثَوَابُهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

بِمَا يَلِيهِ إلَى أَنْ يَصِلَ مَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: فَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ) أَيْ وَلَوْ نَفْلًا (قَوْلُهُ: وَرُوِيَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ بِأَلْفٍ) أَيْ الْأَقْصَى (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ فَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ) ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: وَأَثِمَ بِتَعَمُّدِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ فَاتَهُ بِعُذْرٍ لَا إثْمَ فِيهِ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ وَعَلَيْهِ فَلَوْ عَيَّنَ فِي نَذْرِهِ أَحَدَ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَقُمْ غَيْرُهَا مَقَامَهَا بَلْ يَنْتَظِرُ إمْكَانَ الذَّهَابِ إلَيْهَا فَمَتَى أَمْكَنَهُ فِعْلُهُ ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ عَيَّنَ فِي نَذْرِهِ زَمَنًا فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ عَيَّنَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الِاعْتِكَافُ فِيهِ صَارَ قَضَاءً وَيَجِبُ فِعْلُهُ مَتَى أَمْكَنَ (قَوْلُهُ: لَبِثَ قَدْرًا يُسَمَّى عُكُوفًا) وَعَلَيْهِ فَلَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَاصِدًا الْجُلُوسَ فِي مَحَلٍّ مِنْهُ اُشْتُرِطَ لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ تَأْخِيرُ النِّيَّةِ إلَى مَوْضِعِ جُلُوسِهِ أَوْ مُكْثِهِ عَقِبَ دُخُولِهِ قَدْرًا يُسَمَّى عُكُوفًا لِتَكُونَ نِيَّتُهُ مُقَارِنَةً لِلِاعْتِكَافِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى حَالَ دُخُولِهِ وَهُوَ سَائِرٌ لِعَدَمِ مُقَارَنَةِ النِّيَّةِ لِلِاعْتِكَافِ كَذَا بُحِثَ فَلْيُرَاجَعْ. أَقُولُ: وَيَنْبَغِي الصِّحَّةُ مُطْلَقًا لِتَحْرِيمِهِمْ ذَلِكَ عَلَى الْجُنُبِ حَيْثُ جَعَلُوهُ مُكْثًا أَوْ بِمَنْزِلَتِهِ وَتَنْعَطِفُ النِّيَّةُ عَلَى مَا مَضَى فَيُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِهِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْإِيعَابِ لِابْنِ حَجَرٍ مَا نَصُّهُ: وَيُشْتَرَطُ مُقَارَنَتُهَا لِلُّبْثِ فَلَا تَصِحُّ إثْرَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ بِقَصْدِ اللُّبْثِ قَبْلَ وُجُودِهِ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ، لِأَنَّ شَرْطَ النِّيَّةِ أَنَّ تَقْتَرِنَ بِأَوَّلِ الْعِبَادَةِ وَأَوَّلُ الِاعْتِكَافِ اللُّبْثُ أَوْ نَحْوُ التَّرَدُّدِ لَا مَا قَبْلَهُمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْأَوَّلِ، وَفِيهِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي الِاعْتِكَافِ التَّرَدُّدُ وَإِنْ لَمْ يَمْكُثْ فَتَصِحُّ النِّيَّةُ مَعَهُ، فَلَيْسَ فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ قَصَدَ مَحَلًّا مُعَيَّنًا حَيْثُ يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ الْمُرُورُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: يَصِحُّ نَذْرُ اعْتِكَافِهِ سَاعَةً) وَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى السَّاعَةِ الْفَلَكِيَّةِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي فَيَخْرُجُ مِنْ عُهْدَةِ ذَلِكَ بِلَحْظَةٍ فِيمَا يَظْهَرُ حَمْلًا عَلَى السَّاعَةِ اللُّغَوِيَّةِ (قَوْلُهُ: كَفَاهُ لَحْظَةٌ) أَيْ فَلَوْ مَكَثَ زِيَادَةً عَلَيْهَا وَقَعَ كُلُّهُ وَاجِبًا، وَقِيَاسُ مَا قِيلَ فِيمَا لَوْ طَوَّلَ الرُّكُوعَ وَنَحْوُهُ زِيَادَةٌ عَلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ وَهُوَ قَدْرُ الطُّمَأْنِينَةِ أَنَّ مَا زَادَ يَكُونُ مَنْدُوبًا أَنَّهُ هُنَا كَذَلِكَ

(قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ ذَلِكَ فِي الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ مُطْلَقًا) مَسْجِدًا أَمْ لَا (قَوْلُهُ: نَعَمْ يَبْطُلُ ثَوَابُهُ) ظَاهِرُهُ بُطْلَانُ ثَوَابِ الْجَمِيعِ لَا ثَوَابِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَلَوْ بِلَا سُكُونٍ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: بَلْ يَصِحُّ اعْتِكَافُهُ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ مُتَرَدِّدًا فِي أَطْرَافِ الْمَسْجِدِ

ص: 219

كَمَا فِي الْأَنْوَارِ، وَلَوْ أَوْلَجَ فِي دُبُرِ خُنْثَى بَطَلَ اعْتِكَافُهُ أَوْ أَوْلَجَ فِي قُبُلِهِ، أَوْ أَوْلَجَ الْخُنْثَى فِي رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ خُنْثَى فَفِي بُطْلَانِ اعْتِكَافِهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ (وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ أَنَّ)(الْمُبَاشَرَةَ بِشَهْوَةٍ) فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ (كَلَمْسٍ وَقُبْلَةٍ تُبْطِلُهُ) أَيْ الِاعْتِكَافَ (إنْ أَنْزَلَ وَإِلَّا فَلَا) تُبْطِلُهُ لِمَا مَرَّ فِي الصَّوْمِ وَالثَّانِي تُبْطِلُهُ مُطْلَقًا وَالثَّالِثُ لَا مُطْلَقًا، وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ هِيَ حَرَامٌ فِي الْمَسْجِدِ، وَاحْتُرِزَ بِالْمُبَاشَرَةِ عَمَّا إذَا نَظَرَ أَوْ تَفَكَّرَ فَأَنْزَلَ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ، وَبِالشَّهْوَةِ عَمَّا إذَا قَبَّلَ بِقَصْدِ الْإِكْرَامِ وَنَحْوِهِ أَوْ بِلَا قَصْدٍ فَلَا يَبْطُلُ إذَا أَنْزَلَ جَزْمًا، وَالِاسْتِمْنَاءُ كَالْمُبَاشَرَةِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ التَّفْصِيلِ اسْتِثْنَاءُ الْخُنْثَى مِنْ بُطْلَانِ الِاعْتِكَافِ بِالْجِمَاعِ، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِنْزَالُ مِنْ فَرْجَيْهِ (وَلَوْ)(جَامَعَ نَاسِيًا) لِلِاعْتِكَافِ (فَكَجِمَاعِ الصَّائِمِ) نَاسِيًا صَوْمَهُ فَلَا يَضُرُّ كَمَا مَرَّ، وَالْمُبَاشَرَةُ بِشَهْوَةٍ فِي ذَلِكَ كَالْجِمَاعِ.

(وَلَا يَضُرُّ) فِي الِاعْتِكَافِ (الطِّيبُ وَالتَّزَيُّنُ) بِاغْتِسَالٍ وَقَصٍّ نَحْوِ شَارِبٍ وَتَسْرِيحِ شَعْرٍ وَلِبْسِ ثِيَابٍ حَسَنَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ لِعَدَمِ وُرُودِ تَرْكِهِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم وَلَا الْأَمْرِ بِهِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْإِبَاحَةِ، وَلَهُ التَّزَوُّجُ وَالتَّزْوِيجُ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ، وَلَا يُكْرَهُ لِلْمُعْتَكِفِ الصَّنْعَةُ فِي الْمَسْجِدِ كَخِيَاطَةٍ إلَّا إنْ كَثُرَتْ وَلَمْ تَكُنْ كِتَابَةَ عِلْمٍ، وَلَهُ الْأَمْرُ بِإِصْلَاحِ مَعَاشِهِ وَتَعَهُّدِ ضِيَاعِهِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَغَسْلِ الْيَدِ، وَالْأَوْلَى الْأَكْلُ فِي نَحْوِ سُفْرَةٍ وَالْغَسْلِ فِي إنَاءٍ حَيْثُ يَبْعُدُ عَنْ نَظَرِ النَّاسِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَزْرِ بِهِ ذَلِكَ وَإِلَّا حَرُمَ كَالْحِرْفَةِ فِيهِ حِينَئِذٍ، وَتَكْرَهُ الْمُعَاوَضَةُ فِيهِ بِلَا حَاجَةٍ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

زَمَنِ الْغَيْبَةِ خَاصَّةً وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ يَنْتَفِي أَصْلُ الثَّوَابِ بِذَلِكَ لِإِكْمَالِهِ، وَعِبَارَةُ سم عَلَى حَجّ: يُتَأَمَّلُ مَا فِي الْأَنْوَارِ فَإِنَّهُ قَدْ يَعْتَكِفُ شَهْرًا مُتَوَالِيًا مَثَلًا ثُمَّ يَقَعُ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ يَوْمٍ مَثَلًا فَهَلْ يَبْطُلُ جَمِيعُ الْمُدَّةِ أَوْ آخِرُ يَوْمٍ أَوْ وَقْتٌ وَقَعَ فِيهِ ذَلِكَ؟ أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ ثَوَابُ مَا وَقَعَ فِيهِ ذَلِكَ فَقَطْ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ قَارَنَ فِي الْأَفْعَالِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ فِي كَمَالِ الثَّوَابِ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ يَبْطُلُ ثَوَابُهُ لِإِمْكَانِ أَنَّ الْأَصْلَ كَمَالُ ثَوَابِهِ أَوْ ثَوَابُهُ الْكَامِلُ، وَيَكُونُ حِينَئِذٍ كَالصَّلَاةِ فِي الْحَمَّامِ أَوْ الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ الْفَائِتَ فِيهَا كَمَالُ الثَّوَابِ لَا أَصْلُهُ (قَوْلُهُ أَوْ أَوْلَجَ الْخُنْثَى فِي رَجُلٍ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْخُنْثَى إذَا أَوْلَجَ فِي قُبُلِ امْرَأَةٍ أَوْ خُنْثَى وَنَزَلَ مَنِيُّهُ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَفِيهِ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ امْرَأَةً، وَمُجَرَّدُ خُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ أَحَدِ فَرْجَيْهِ لَا يَنْفِي إشْكَالُهُ وَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ إلَخْ مَا يُصَرِّحُ بِعَدَمِ بُطْلَانِ اعْتِكَافِهِ بِنُزُولِ الْمَنِيِّ مِنْ أَحَدِ فَرْجَيْهِ فَيَحْصُلُ مَا هُنَا عَلَى مَا لَوْ أَنْزَلَ مِنْ فَرْجَيْهِ (قَوْلُهُ: هِيَ حَرَامٌ فِي الْمَسْجِدِ) أَيْ أَمَّا خَارِجُهُ فَإِنْ كَانَ فِي اعْتِكَافٍ وَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ وَقَصَدَ الْمُحَافَظَةَ عَلَى الِاعْتِكَافِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا يَحْرُمُ لِجَوَازِ قَطْعِ النَّفْلِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَيَحْرُمُ ذَلِكَ فِي الِاعْتِكَافِ (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِمْنَاءُ كَالْمُبَاشَرَةِ) أَيْ وَلَوْ بِحَائِلٍ (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ بُطْلَانُ اعْتِكَافِهِ

(قَوْلُهُ: وَلَمْ تَكُنْ كِتَابَةَ عِلْمٍ) أَيْ وَلَوْ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ شَرَفُ مَا يُشْغَلُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَالْغُسْلُ فِي إنَاءٍ حَيْثُ يَبْعُدُ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ هَذَا قَيْدٌ لِمَا قَبْلَهُ وَيُصَرِّحُ بِهِ عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحُهُ حَيْثُ قَالَ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَأْكُلَ فِي سُفْرَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَأَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ فِي طَسْتٍ أَوْ نَحْوِهَا لِيَكُونَ أَنْظَفَ لِلْمَسْجِدِ وَأَصْوَنَ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَنْ يَغْسِلَهَا حَيْثُ يَبْعُدُ عَنْ نَظَرِ النَّاسِ اهـ (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَمْ يَزْرِ بِهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ: بِلَا حَاجَةٍ) وَلَيْسَ مِنْهَا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ أَنَّ مَنْ بَيْنَهُمْ تَشَاجُرٌ أَوْ مُعَامَلَةٌ وَيُرِيدُونَ الْحِسَابَ فَيَدْخُلُونَ الْمَسْجِدَ لِفَصْلِ الْأَمْرِ بَيْنَهُمْ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ تَشْوِيشٌ عَلَى مَنْ فِي الْمَسْجِدِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: أَوْ أَوْلَجَ فِي قُبُلِهِ) أَوْ إذَا أَنْزَلَ مِنْ فَرْجَيْهِ جَمِيعًا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَلْيُشْتَرَطْ فِيهِ) يَعْنِي فِي بُطْلَانِ اعْتِكَافِهِ

(قَوْلُهُ وَالْغَسْلُ فِي إنَاءٍ) أَيْ غَسْلُ الْيَدِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَزِرْ بِهِ) أَيْ بِالْمَسْجِدِ

ص: 220

وَإِنْ قُلْت، وَيَحْرُمُ نَضْحُهُ بِمَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فِيهِ وَإِسْقَاطُ مَائِهِ فِي أَرْضِهِ، فَقَدْ فَرَّقَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ التَّوَضُّؤَ وَغَسْلَ الْيَدِ يَحْتَاجُ إلَيْهِمَا، وَمِنْ ثَمَّ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ فِيهِ، بِخِلَافِ النَّضْحِ فَإِنَّهُ يُفْعَلُ قَصْدًا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَالشَّيْءُ يُغْتَفَرُ فِيهِ ضِمْنًا مَا لَا يُغْتَفَرُ قَصْدًا، وَبِأَنَّ مَاءَ الْوُضُوءِ بَعْضُهُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ وَمَاءُ غَسْلِ الْيَدِ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ بِخِلَافِ مَاءِ النَّضْحِ. وَمَا تَقَرَّرَ فِي النَّضْحِ مِنْ الْحُرْمَةِ هُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْبَغَوِيّ، وَاخْتَارَ فِي الْمَجْمُوعِ الْجَوَازَ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى مَا لَوْ أَدَّى إلَى اسْتِقْذَارِهِ بِذَلِكَ، وَالثَّانِي عَلَى خِلَافِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَحْتَجِمَ أَوْ يُفْتَصَدَ فِيهِ فِي إنَاءٍ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَفِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَيُلْحَقُ بِهِمَا سَائِرُ الدِّمَاءِ الْخَارِجَةِ مِنْ الْآدَمِيِّ كَالِاسْتِحَاضَةِ لِلْحَاجَةِ، فَإِنْ لَوَّثَهُ أَوْ بَالَ أَوْ تَغَوَّطَ وَلَوْ فِي إنَاءٍ حَرُمَ وَلَوْ عَلَى نَحْوِ سَلَسٍ لِأَنَّ الْبَوْلَ أَفْحَشُ مِنْ الدَّمِ إذْ لَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ بِحَالٍ بِهِ وَيَحْرُمُ أَيْضًا إدْخَالُ نَجَاسَةٍ فِيهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ فَلَا، بِدَلِيلِ جَوَازِ إدْخَالِ النَّعْلِ الْمُتَنَجِّسَةِ فِيهِ مَعَ أَمْنِ التَّلْوِيثِ، وَالْأَوْلَى بِالْمُعْتَكِفِ: الِاشْتِغَالُ بِالْعِبَادَةِ كَعِلْمٍ وَمُجَالَسَةِ أَهْلِهِ وَقِرَاءَةٍ وَسَمَاعِ نَحْوِ الْأَحَادِيثِ وَالرَّقَائِقِ وَالْمَغَازِي الَّتِي هِيَ غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ وَتَحْتَمِلُهَا أَفْهَامُ الْعَامَّةِ. أَمَّا قَصَصُ الْأَنْبِيَاءِ وَحِكَايَاتُهُمْ الْمَوْضُوعَةُ وَفُتُوحُ الشَّامِ وَنَحْوِهَا الْمَنْسُوبُ لِلْوَاقِدِيِّ فَتَحْرُمُ قِرَاءَتُهَا وَالِاسْتِمَاعُ لَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ.

(وَلَا) يَضُرُّهُ (الْفِطْرُ بَلْ يَصِحُّ اعْتِكَافُ اللَّيْلِ وَحْدَهُ) وَالْعِيدِ وَالتَّشْرِيقِ لِخَبَرِ أَنَسٍ «لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامٌ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ هُوَ فِيهِ صَائِمٌ لَزِمَهُ) الِاعْتِكَافُ يَوْمَ صَوْمِهِ لِأَنَّهُ بِهِ أَفْضَلُ، فَإِذَا الْتَزَمَهُ بِالنَّذْرِ لَزِمَهُ كَالتَّتَابُعِ، وَلَيْسَ لَهُ إفْرَادُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ لِعَدَمِ الْوَفَاءِ بِالْمُلْتَزَمِ سَوَاءٌ كَانَ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ أَمْ غَيْرِهِ وَلَوْ نَذْرًا لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ صَوْمًا بَلْ اعْتِكَافًا بِصِفَةٍ وَقَدْ وُجِدَتْ، فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْجَوْجَرِيِّ: لَا يَكْفِي صَوْمُ النَّفْلِ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ إلَّا بِفِعْلٍ وَاجِبٍ.

(وَلَوْ نَذْرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا أَوْ يَصُومَ مُعْتَكِفًا) أَوْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

لِكَوْنِهِ وَقْتَ صَلَاةٍ وَإِلَّا يَحْرُمُ (قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ نَضْحُهُ) أَيْ رَشُّهُ وَغَسْلُ الْيَدِ: أَيْ الَّذِي عُلِمَ جَوَازُهُ مِنْ قَوْلِهِ وَالْأَوْلَى الْأَكْلُ فِي نَحْوِ سُفْرَةٍ وَالْغَسْلُ فِي إنَاءٍ إلَخْ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ تَقْذِيرٌ لِلْمَسْجِدِ وَإِلَّا حَرُمَ (قَوْلُهُ وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْأَوَّلِ) أَيْ الْقَوْلُ بِالْحُرْمَةِ أَنْ لَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ تَقَدَّمَ فِي الِاسْتِحَاضَةِ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ فَلَا بِدَلِيلٍ إلَخْ) وَمِنْهَا قُرْبُ الطَّرِيقِ لِمَنْ بَيْتُهُ بِجِوَارِ الْمَسْجِدِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ دُخُولُهُ حَامِلًا لِلنَّجِسِ بِقَصْدِ الْمُرُورِ مِنْ الْمَسْجِدِ حَيْثُ أَمِنَ التَّلْوِيثَ، وَكَذَا لَوْ احْتَاجَ لِإِدْخَالِ الْجَمْرِ الْمُتَّخَذِ مِنْ النَّجَاسَةِ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَالرَّقَائِقِ) أَيْ حِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ (قَوْلُهُ: وَتَحْتَمِلُهَا أَفْهَامُ الْعَامَّةِ) أَيْ فَإِنْ لَمْ تَحْتَمِلْهَا حَرُمَ قِرَاءَتُهَا لَهُمْ لِوُقُوعِهِمْ فِي لَبْسٍ أَوْ اعْتِقَادٍ بَاطِلٍ

(قَوْلُهُ: هُوَ فِيهِ صَائِمٌ) بِأَنْ قَالَ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا وَأَنَا فِيهِ صَائِمٌ أَوْ أَنَا فِيهِ صَائِمٌ بِلَا وَاوٍ اهـ حَجّ. ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَالِ إذَا كَانَتْ جُمْلَةً وَبَيْنَهَا إذَا كَانَتْ مُفْرَدَةً بِكَلَامٍ حَسَنٍ فَرَاجِعْهُ، وَعِبَارَتُهُ تَنْبِيهٌ: مَا ذُكِرَ فِي أَنَا صَائِمٌ هُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَيُشْكَلُ عَلَيْهِ مَا مَرَّ فِي صَائِمًا وَإِنْ كَانَ الْحَالُ مُفَادُهَا مُفْرَدَةً أَوْ جُمْلَةً كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ أَنَّ الْمُفْرَدَةَ غَيْرُ مُسْتَقِلَّةٍ فَدَلَّتْ عَلَى الْتِزَامِ إنْشَاءِ صَوْمٍ بِخِلَافِ الْجُمْلَةِ، وَأَيْضًا فَتِلْكَ قَيْدٌ لِلِاعْتِكَافِ فَدَلَّتْ عَلَى إنْشَاءِ صَوْمٍ بِقَيْدِهِ وَهَذِهِ قَيْدٌ لِلْيَوْمِ الظَّرْفِ لَا لِلِاعْتِكَافِ الْمَظْرُوفِ فِيهِ، وَتَقْيِيدُ الْيَوْمِ يَصْدُقُ بِإِيقَاعِ اعْتِكَافٍ فِيهِ وَهُوَ مَصُومٌ عَنْ نَحْوِ رَمَضَانَ اهـ بِحُرُوفِهِ (قَوْلُهُ: يَوْمُ صَوْمِهِ) أَيْ بِتَمَامِهِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ إفْرَادُ أَحَدِهِمَا) الْأَنْسَبُ وَلَيْسَ لَهُ إفْرَادُهُ: أَيْ الِاعْتِكَافِ عَنْ الصَّوْمِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُلْتَزَمُ (قَوْلُهُ: أَمْ مِنْ غَيْرِهِ وَلَوْ نَذْرًا) كَانَ الْأَوْلَى وَلَوْ نَفْلًا لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ مِنْ الرَّدِّ عَلَى الْجَوْجَرِيِّ

ص: 221

بِاعْتِكَافٍ (لَزِمَاهُ) أَيْ الِاعْتِكَافُ وَالصَّوْمُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُمَا لِأَنَّ الْحَالَ قَيْدٌ فِي عَامِلِهَا وَمُبَيِّنَةٌ لِهَيْئَةِ صَاحِبِهَا بِخِلَافِ الصِّفَةِ فَإِنَّهَا مُخَصِّصَةٌ لِمَوْصُوفِهَا (وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ جَمْعِهِمَا) لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ فَلَزِمَ بِالنَّذْرِ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بِسُورَةِ كَذَا وَفَارَقَ مَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ مُصَلِّيًا أَوْ عَكْسُهُ حَيْثُ لَا يَلْزَمُ جَمْعُهُمَا بِأَنَّ الصَّوْمَ يُنَاسِبُ الِاعْتِكَافَ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْكَفِّ وَالصَّلَاةِ أَفْعَالٌ مُبَاشَرَةٌ لَا تُنَاسِبُ الِاعْتِكَافَ، وَلَوْ نَذَرَ الْقِرَانَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلَهُ تَفْرِيقُهُمَا وَهُوَ أَفْضَلُ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا لِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ اعْتَكَفَ صَائِمًا نَفْلًا أَوْ وَاجِبًا بِغَيْرِ هَذَا النَّذْرِ لَمْ يُجْزِهِ لِعَدَمِ الْوَفَاءِ بِالْمُلْتَزَمِ، وَبَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ الِاكْتِفَاءَ بِاعْتِكَافِ لَحْظَةٍ مِنْ الْيَوْمِ فِيمَا ذُكِرَ وَنَحْوُهُ وَلَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُمْ قَدْ يُوهِمُ خِلَافَهُ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَصْدُقُ عَلَى الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ، نَعَمْ يُسَنُّ اسْتِيعَابُهُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ جَعَلَ الْيَوْمَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ، وَقَوْلُ الْجَوْجَرِيِّ:(لُزُومُ اعْتِكَافِ جَمِيعِ الْيَوْمِ فِيمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ مُعْتَكِفًا) وَاضِحٌ، لِأَنَّهُ إذَا خَلَا مِنْهُ جُزْءٌ عَنْ الِاعْتِكَافِ صُدِّقَ أَنَّهُ لَمْ يَصُمْ مُعْتَكِفًا، إذْ الصَّوْمُ إمْسَاكُ جَمِيعِ النَّهَارِ فِيهِ نَظَرٌ، وَمَا عُلِّلَ بِهِ مَمْنُوعٌ، وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ وَلَيَالٍ مُتَتَابِعَةٍ صَائِمًا فَجَامَعَ لَيْلًا اسْتَأْنَفَ لِانْتِفَاءِ الْجَمْعِ، وَلَوْ عَيَّنَ وَقْتًا غَيْرَ قَابِلٍ لِلصَّوْمِ كَالْعِيدِ اعْتَكَفَهُ وَلَا يَقْضِي الصَّوْمَ. قَالَهُ الدَّارِمِيُّ

. الرُّكْنُ الثَّالِثُ: النِّيَّةُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ (وَيُشْتَرَطُ نِيَّةُ الِاعْتِكَافِ) يَعْنِي لَا بُدَّ فِيهِ مِنْهَا ابْتِدَاءً كَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ سَوَاءٌ الْمَنْذُورُ وَغَيْرُهُ تَعَيَّنَ زَمَانُهُ أَمْ لَا (وَيَنْوِي) حَتْمًا (فِي النَّذْرِ الْفَرْضِيَّةِ) لِيَتَمَيَّزَ عَنْ النَّفْلِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ سَبَبِ وُجُوبِهِ وَهُوَ النَّذْرُ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنَّذْرِ بِخِلَافِهِمَا، وَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ الِاكْتِفَاءُ بِذِكْرِ النَّذْرِ عَنْ ذِكْرِ الْفَرْضِ لِأَنَّ الْوَفَاءَ بِهِ وَاجِبٌ فَكَأَنَّهُ نَوَى الِاعْتِكَافَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الذَّخَائِرِ وَلَا يَجِبُ تَعْيِينُ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ، وَلَوْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الِاعْتِكَافِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ لَمْ يَبْطُلْ كَالصَّوْمِ (وَإِذَا)(أَطْلَقَ) نِيَّةَ الِاعْتِكَافِ وَلَمْ يُعَيِّنْ مُدَّةً (كَفَتْهُ نِيَّتُهُ) هَذِهِ (وَإِنْ طَالَ مُكْثُهُ) لِشُمُولِ النِّيَّةِ الْمُطْلَقَةِ لِذَلِكَ (لَكِنْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: حَيْثُ لَا يَلْزَمُ جَمْعُهُمَا) أَيْ فَيَبْرَأُ بِفِعْلِهِمَا وَلَوْ مُنْفَرِدَيْنِ (قَوْلُهُ فَلَهُ تَفْرِيقُهُمَا) أَيْ وَلَا يَلْزَمُهُ دَمٌ (قَوْلُهُ: وَبَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ الِاكْتِفَاءَ) أَيْ فِيمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا إلَخْ (قَوْلُهُ: بِاعْتِكَافِ لَحْظَةٍ) أَيْ فَلَوْ مَكَثَ زِيَادَةً عَلَيْهَا هَلْ تَقَعُ الزِّيَادَةُ وَاجِبَةً أَوْ مَنْدُوبَةً؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ تَحْصِيلَ الِاعْتِكَافِ وَهُوَ كَمَا يَتَحَقَّقُ فِي الزَّمَنِ الْيَسِيرِ يَتَحَقَّقُ فِيمَا زَادَ فَيَقَعُ كُلُّهُ وَاجِيًا وَبِبَعْضِ الْهَوَامِشِ عَنْ بَعْضِهِمْ وَهُوَ الشَّيْخُ سَالِمٌ الشَّبْشِيرِيُّ: أَنَّ مَا زَادَ عَلَى اللَّحْظَةِ يَقَعُ مَنْدُوبًا قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ مَسَحَ جَمِيعَ الرَّأْسِ، أَوْ طُولِ الرُّكُوعِ فَإِنَّ مَا زَادَ عَلَى أَقَلِّ مُجْزِئٍ يَقَعُ مَنْدُوبًا وَكَذَا كُلُّ مَا أَمْكَنَ تَجَزُّؤُهُ وَهُوَ يَزِيدُ عَلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ. اهـ. أَقُولُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ ذَاكَ خُوطِبَ فِيهِ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ كَمِقْدَارِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ، فَمَا زَادَ عَلَى مِقْدَارِهَا مُتَمَيِّزٌ يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ، وَمَا هُنَا خُوطِبَ فِيهِ بِالِاعْتِكَافِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ كَمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْيَسِيرِ يَتَحَقَّقُ فِيمَا زَادَ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ كَمَا قَالَ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ وَمَا عُلِّلَ بِهِ مَمْنُوعٌ) أَيْ بِقَوْلِهِ السَّابِقِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَصْدُقُ عَلَى الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ

(قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ نِيَّةُ الِاعْتِكَافِ) آخِرُ النِّيَّةِ إلَى هُنَا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَصْوِيرِ الْمَنْوِيِّ قَبْلَ تَعْلِيقِ النِّيَّةِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ) أَيْ فَلَا بُدَّ فِيهِمَا مِنْ تَعْيِينِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ النَّذْرُ، فَلَوْ قَالَ فِي نِيَّةِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ لَمْ يَكْفِ، وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنَّذْرِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ الضُّحَى أَوْ الْعِيدَ مَثَلًا ثُمَّ قَالَ فِي نِيَّتِهِ: نَوَيْت صَلَاةَ الْعِيدِ أَوْ الضُّحَى الْمَفْرُوضَةَ كَفَاهُ ذَلِكَ لِأَنَّ فَرْضِيَّةَ الصَّلَاةِ الْمَذْكُورَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِالنَّذْرِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ طَالَ مُكْثُهُ) وَيَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ بِلَحْظَةٍ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا فِي وُقُوعِهِ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا مَا قَدَّمْنَاهُ،

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ لِأَنَّ الْحَالَ قَيْدٌ فِي عَامِلِهَا إلَخْ) فِي التَّعْلِيلِ بِهَذَا هُنَا نَظَرٌ لَا يَخْفَى وَكَأَنَّهُ مُقَدَّمٌ مِنْ تَأْخِيرٍ، وَإِلَّا فَحَقُّهُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ جَمْعِهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَلَهُ تَفْرِيقُهُمَا) شَمِلَ التَّمَتُّعَ فَانْظُرْ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ

ص: 222