الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ دُخُولِهِ أَيْ الْمُحْرِمِ مَكَّةَ زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا وَبِرًّا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ
يُقَالُ مَكَّةَ وَبَكَّةَ بِالْبَاءِ لُغَتَانِ، وَلَهَا نَحْوُ ثَلَاثِينَ اسْمًا وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَا نَعْلَمُ بَلَدًا أَكْثَرُ أَسْمَاءً مِنْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لِكَوْنِهِمَا أَفْضَلُ الْأَرْضِ وَكَثْرَةُ الْأَسْمَاءِ تَدُلُّ عَلَى شَرَفِ الْمُسَمَّى وَمَكَّةُ أَفْضَلُ الْأَرْضِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ النِّزَاعَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرِهِ، وَأَفْضَلُ بِقَاعِهَا الْكَعْبَةُ الْمُشَرَّفَةُ ثُمَّ بَيْتُ خَدِيجَةَ بَعْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. نَعَمْ التُّرْبَةُ الَّتِي ضَمَّتْ أَعْضَاءَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ مَا مَرَّ حَتَّى مِنْ الْعَرْشِ وَتُسْتَحَبُّ الْمُجَاوَرَةُ بِمَكَّةَ كَمَا قَالَهُ رحمه الله الْمُصَنِّفُ رحمه الله فِي الْإِيضَاحِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ وُقُوعَ مَحْذُورٍ مِنْهُ بِهَا (الْأَفْضَلُ) لِلْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ وَلَوْ قَارِنًا (دُخُولُهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ إنْ لَمْ يَخْشَ فَوْتَهُ لِلِاتِّبَاعِ وَلِكَثْرَةِ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ السُّنَنِ الْآتِيَةِ (وَأَنْ يَغْتَسِلَ دَاخِلُهَا) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ يَغْتَسِلُ الْجَائِي (مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ) وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ إذَا كَانَ مُحْرِمًا وَلَوْ بِعُمْرَةٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ اخْتِصَاصَهُ بِالْحَاجِّ، وَظَاهِرُ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ اسْتِحْبَابُهُ لِمُحْرِمٍ وَحَلَالٍ (بِذِي طُوًى) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَهِيَ بِالْقَصْرِ وَتَثْلِيثِ الطَّاءِ وَالْفَتْحِ أَجْوَدُ: وَادٍ بِمَكَّةَ بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ.
سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى بِئْرٍ مَطْوِيَّةٍ بِالْحِجَارَةِ: يَعْنِي مَبْنِيَّةٍ بِهَا، إذْ الطَّيُّ الْبِنَاءُ، وَيَجُوزُ فِيهَا الصَّرْفُ وَعَدَمُهُ عَلَى إرَادَةِ الْمَكَانِ أَوْ الْبُقْعَةِ. أَمَّا الْغُسْلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ فَقَدْ مَرَّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا أَعَادَهُ لِبَيَانِ مَحَلِّهِ وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْ ذِي طُوًى وَأَمَّا الْجَائِي مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ كَالْيَمَنِيِّ فَيَغْتَسِلُ مِنْ نَحْوِ تِلْكَ الْمَسَافَةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ إنَّهُ لَوْ قِيلَ بِاسْتِحْبَابِهِ لِكُلِّ حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ لَمْ يَبْعُدْ، وَإِطْلَاقُهُمْ يَشْمَلُ الرَّجُلَ وَغَيْرَهُ (وَ) أَنْ (يَدْخُلَهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمَدِّ وَالتَّنْوِينِ: وَهِيَ الثَّنِيَّةُ الْعُلْيَا وَهِيَ مَوْضِعٌ بِأَعْلَى مَكَّةَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِطَرِيقِهِ كَمَا صَوَّبَهُ الْمُصَنِّفُ، خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَرَجَ إلَيْهَا قَصْدًا كَمَا قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ، وَفَارَقَ مَا مَرَّ فِي الْغُسْلِ بِذِي طُوًى بِأَنَّ حِكْمَةَ الدُّخُولِ مِنْ كَدَاءٍ غَيْرُ حَاصِلَةٍ بِسُلُوكِ غَيْرِهَا، وَحِكْمَةَ الْغُسْلِ النَّظَافَةُ، وَهِيَ حَاصِلَةٌ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ (وَ) أَنْ (يَخْرُجَ مِنْ ثَنِيَّةِ كُدًى) بِضَمِّ الْكَافِ وَالْقَصْرِ وَالتَّنْوِينِ، وَهِيَ الثَّنِيَّةُ السُّفْلَى، وَالثَّنِيَّةُ: الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ بَيْن الْجَبَلَيْنِ.
وَالْمَعْنَى فِيهِ وَفِي الدُّخُولِ مِمَّا مَرَّ الذَّهَابُ مِنْ طَرِيقٍ وَالْإِيَابُ مِنْ أُخْرَى كَمَا فِي الْعِيدِ وَغَيْرِهِ، وَخُصَّتْ الْعُلْيَا بِالدُّخُولِ لِقَصْدِ الدَّاخِلِ مَوْضِعًا عَالِي الْمِقْدَارِ وَالْخَارِجُ عَكْسُهُ، وَلِأَنَّ الْعُلْيَا مَحَلُّ دُعَاءِ إبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام لِقَوْلِهِ اجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَكَانَ الدُّخُولُ مِنْهَا أَبْلَغُ فِي تَحْقِيقِ اسْتِجَابَةِ دُعَاءِ إبْرَاهِيمَ، وَلِأَنَّ الدَّاخِلَ مِنْهَا يَكُونُ مُوَاجِهًا لِبَابِ الْكَعْبَةِ، وَجِهَتُهُ أَفْضَلُ الْجِهَاتِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَقَضِيَّةُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
[بَابُ دُخُولِ الْمُحْرِمِ مَكَّةَ]
بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ)
(قَوْلُهُ: وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ) كَدُخُولِ الْمَسْجِدِ مِنْ بَابِ بَنَى شَيْبَةَ (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) سَكَتَ عَنْ بَاقِي مَكَّةَ وَقَضِيَّتُهُ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الْفَضْلِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَغْلِبَ) وَظَاهِرُهُ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ فَارَقَهَا وَقَعَ مِنْهُ الْمَحْذُورُ فِي غَيْرِهَا أَيْضًا، بَلْ وَظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ الْمَحْذُورُ فِي غَيْرِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ قِيلَ بِتَضَاعُفِ السَّيِّئَةِ فِيهَا وَهُوَ مَرْجُوحٌ، لَكِنَّا وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِالْمُضَاعَفَةِ فَمُفَارَقَتِهَا فِيهِ صَوْنٌ لَهَا عَنْ انْتِهَاكِهَا بِالْمَعَاصِي مَعَ شَرَفِهَا (قَوْلُهُ دَاخِلُهَا) أَيْ مَرِيدُ دُخُولِهَا (قَوْلُهُ: مُسْتَحَبٌّ مُطْلَقًا) أَيْ لِحَلَالٍ أَوْ مُحَرَّمٍ (قَوْلُهُ: لَوْ قِيلَ بِاسْتِحْبَابِهِ) أَيْ مِنْ ذِي طَوَى
ــ
[حاشية الرشيدي]
بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ)
ذَلِكَ اسْتِحْبَابُ مَا ذُكِرَ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ. قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ، وَالْأَفْضَلُ دُخُولُهَا نَهَارًا وَأَوَّلُهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَمَاشِيًا وَحَافِيًا إنْ لَمْ تَلْحَقْهُ مَشَقَّةٌ وَلَمْ يَخَفْ تَنَجُّسَ رِجْلِهِ وَبِخُضُوعِ قَلْبٍ وَجَوَارِح، وَمَعَ الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَاجْتِنَابِ الْمُزَاحَمَةِ وَالْإِيذَاءِ وَالتَّلَطُّفِ بِمَنْ يُزَاحِمُهُ، وَفَارَقَ الْمَشْيُ هُنَا الْمَشْيَ فِي بَقِيَّةِ الطَّرِيقِ بِأَنَّهُ هُنَا أَشْبَهُ بِالتَّوَاضُعِ وَالْأَدَبِ، وَلَيْسَ فِيهِ فَوَاتُ مُهِمٍّ وَلِأَنَّ الرَّاكِبَ فِي الدُّخُولِ يَتَعَرَّضُ لِلْإِيذَاءِ بِدَابَّتِهِ فِي الزَّحْمَةِ، وَالْأَفْضَلُ لِلْمَرْأَةِ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى دُخُولُهَا فِي هَوْدَجِهَا وَنَحْوِهِ.
(وَ) أَنْ (يَقُولَ) دَاخِلُهَا (إذَا أَبْصَرَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ) أَيْ أَحَسَّ بِهِ وَلَوْ أَعْمَى أَوْ فِي ظُلْمَةٍ بَعْدَ رَفْعِ يَدَيْهِ وَاسْتِحْضَارِ مَا يُمْكِنُهُ مِنْ الْخُضُوعِ وَالذِّلَّةِ وَالْمَهَابَةِ وَالْإِجْلَالِ (اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا) أَيْ تَرَفُّعًا وَعُلُوًّا (وَتَعْظِيمًا) أَيْ تَبْجِيلًا (وَتَكْرِيمًا) أَيْ تَفْضِيلًا (وَمَهَابَةً) أَيْ تَوْقِيرًا وَإِجْلَالًا (وَزِدْ مِنْ شَرَفِهِ وَعِظَمِهِ مِمَّنْ حَجَّهُ أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا) هُوَ الِاتِّسَاعُ فِي الْإِحْسَانِ وَالزِّيَادَةِ فِيهِ لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ
وَقَالَ: إنَّهُ مُنْقَطِعٌ (اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ) أَيْ ذُو السَّلَامَةِ مِنْ النَّقْصِ (وَمِنْك) السَّلَامُ أَيْ ابْتِدَاؤُهُ مِنْك وَمَنْ أَكْرَمْتُهُ بِالسَّلَامِ فَقَدْ سَلِمَ (فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ) أَيْ سَلِّمْنَا بِتَحِيَّتِك مِنْ جَمِيعِ الْآفَاتِ وَيَدْعُو بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا أَحَبَّ مِنْ الْمُهِمَّاتِ وَأَهَمُّهَا الْمَغْفِرَةُ وَأَنْ يَدْعُوَ وَاقِفًا، وَالْبَيْتُ كَأَنَّ الدَّاخِلَ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا يَرَاهُ مِنْ رَأْسِ الرَّدْمِ وَالْآنَ لَا يُرَى إلَّا مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَالسُّنَّةُ الْوُقُوفُ فِيهِ لَا فِي رَأْسِ الرَّدْمِ لِذَلِكَ بَلْ لِكَوْنِهِ مَوْقِفُ الْأَخْيَارِ (ثُمَّ يَدْخُلُ) عَقِبَ ذَلِكَ (الْمَسْجِدَ) الْحَرَامَ وَإِنْ كَانَ حَلَالًا فِيمَا يَظْهَرُ (مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي طَرِيقِهِ لِلِاتِّبَاعِ وَلِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْبَابِ وَهِيَ أَفْضَلُ الْجِهَاتِ وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مِنْهُ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَرِيقِهِ وَإِنَّمَا الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا بَابُ إبْرَاهِيمَ.
كَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ عَرَجَ لِلدُّخُولِ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا فَيَلْزَمُ أَنَّهُ عَلَى طَرِيقِهِ وَرُدَّ بِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بِأَنَّ التَّعْرِيجَ إنَّمَا كَانَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ فَلَا يُنَافِي مَا فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَلِأَنَّ الدَّوَرَانَ إلَيْهِ لَا يَشُقُّ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَجْرِ هُنَا خِلَافٌ بِخِلَافٍ نَظِيرِهِ فِي التَّعْرِيجِ لِلثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا
(وَيَبْدَأُ) اسْتِحْبَابًا أَوَّلُ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ قَبْلَ تَغْيِيرِ ثِيَابِهِ وَاكْتِرَاءِ مَنْزِلِهِ وَنَحْوِهِمَا (بِطَوَافِ الْقُدُومِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الطَّوَافَ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ لَا الْمَسْجِدِ فَلِذَلِكَ يَبْدَأُ بِهِ، إلَّا لِعُذْرٍ كَإِقَامَةِ جَمَاعَةٍ وَضِيقِ وَقْتِ صَلَاةٍ وَتَذَكُّرِ فَائِتَةٍ مَفْرُوضَةٍ وَإِنْ لَمْ يَعْصِ بِتَأْخِيرِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ فَائِتَةَ النَّفْلِ كَذَلِكَ فَتُقَدَّمُ عَلَى الطَّوَافِ وَلَوْ كَانَ فِي أَثْنَائِهِ؛ لِأَنَّ مَا سِوَى الْفَائِتَةِ يَفُوتُ وَالطَّوَافُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَتَعْظِيمًا) كَأَنَّ حُكْمَهُ تَقْدِيمُ التَّعْظِيمِ عَلَى التَّكْرِيمِ فِي الْبَيْتِ وَعَكْسُهُ فِي قَاصِدِهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ فِي الْبَيْتِ إظْهَارُ عَظَمَتِهِ فِي النُّفُوسِ حَتَّى تَخْضَعَ لِشَرَفِهِ وَتَقُومَ بِحُقُوقِهِ ثُمَّ كَرَامَتِهِ بِإِكْرَامِ زَائِرِهِ بِإِعْطَائِهِمْ مَا طَلَبُوهُ وَإِنْجَازِهِمْ مَا أَمْلُوهُ وَفِي زَائِرِهِ وُجُودُ كَرَامَتِهِ عِنْدَ اللَّه تَعَالَى بِإِسْبَاغِ رِضَاهُ عَلَيْهِ وَعَفْوِهِ عَمَّا جَنَاهُ وَاقْتَرَفَهُ ثُمَّ عَظَمَتُهُ بَيْنَ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ بِظُهُورِ تَقْوَاهُ وَهِدَايَتِهِ، وَيُرْشِدُ إلَى هَذَا خَتْمُ دُعَاءِ الْبَيْتِ بِالْمَهَابَةِ النَّاشِئَةِ عَنْ تِلْكَ الْعَظَمَةِ، إذْ هِيَ التَّوْقِيرُ وَالْإِجْلَالُ وَدُعَاءُ الزَّائِرِ بِالْبِرِّ النَّاشِئِ عَنْ ذَلِكَ التَّكْرِيمِ، إذْ هُوَ الْإِتْسَاعُ فِي الْإِحْسَانِ فَتَأَمَّلْهُ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: فِي الْإِحْسَانِ) أَيْ فِي فِعْلِ الْحَسَنِ (قَوْلُهُ وَالزِّيَادَةُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ: بَلْ لِكَوْنِهِ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَقِيلَ لِكَوْنِهِ إلَخْ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَعَلَّ فِي الْعِبَارَةِ سَقْطًا
(قَوْلُهُ: كَإِقَامَةِ جَمَاعَةٍ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لَا فِي رَأْسِ الرَّدْمِ لِذَلِكَ بَلْ لِكَوْنِهِ مَوْقِفَ الْأَخْيَارِ) لَفْظُ لِذَلِكَ عِلَّةٌ لِلْوُقُوفِ الْمُقَدَّرِ الْمَنْفِيِّ: أَيْ لَا الْوُقُوفُ فِي رَأْسِ الرَّدْمِ فَلَا يُسَنُّ لِأَجْلِ الدُّعَاءِ الْمُتَقَدِّمِ لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ مِنْ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ بَلْ إنَّمَا يُسَنُّ لِكَوْنِهِ مَوْقِفَ الْأَخْيَارِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ سَنَّ الْوُقُوفِ بِهِ لِأَمْرَيْنِ الدُّعَاءُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ وَكَوْنُهُ مَوْقِفَ الْأَخْيَارِ فَحَيْثُ زَالَ الْأَوَّلُ بَقِيَ الثَّانِي فَيُسْتَحَبُّ الْوُقُوفُ لَهُ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ مِنْ الْحُكْمِ عَلَى نُسَخِ الشَّارِحِ بِأَنَّ فِيهَا سَقْطًا
لَا يَفُوتُ، وَلَا يَفُوتُ بِالْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ وَتَشْبِيهُ ذَلِكَ بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِ صُوَرِهَا، وَذَهَبَ الْأَذْرَعِيُّ فِي غَنِيَّتِهِ إلَى أَنَّ الْقِيَاسَ فِيمَا لَوْ أَخَّرَهُ بَعْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ بِلَا عُذْرِ الْفَوَاتِ.
قَالَ: وَهَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ أَصْلًا وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ أَوْ يَفْعَلُ قَضَاءً كَالرَّوَاتِبِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِلْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ وَلَا بِالتَّأْخِيرِ.
نَعَمْ يَفُوتُ بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ كَمَا سَيَأْتِي وَكَمَا يُسَمَّى طَوَافَ الْقُدُومِ يُسَمَّى طَوَافَ الْقَادِمِ وَطَوَافَ الْوُرُودِ وَطَوَافَ الْوَارِدِ وَطَوَافَ التَّحِيَّةِ، وَلَوْ قَدِمَتْ امْرَأَةٌ نَهَارًا وَهِيَ ذَاتُ جَمَالٍ أَوْ شَرَفٍ وَهِيَ الَّتِي لَا تَبْرُزُ لِلرِّجَالِ سُنَّ لَهَا أَنْ تُؤَخِّرَهُ إلَى اللَّيْلِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا أَمِنَتْ حَيْضًا يَطُولُ زَمَنُهُ وَالْخُنْثَى كَالْأُنْثَى كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ جَلَسَ بَعْدَ الطَّوَافِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْهِ فَاتَتْ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهَا تَفُوتُ بِالْجُلُوسِ عَمْدًا وَإِنْ قَصُرَ.
(وَيَخْتَصُّ طَوَافُ الْقُدُومِ) فِي الْمُحْرِمِ (بِحَاجٍّ) وَلَوْ قَارِنًا (دَخَلَ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ) فَلَا يُطْلَبُ مِنْ الدَّاخِلِ بَعْدَهُ وَلَا مِنْ الْمُعْتَمِرِ لِدُخُولِ وَقْتِ الطَّوَافِ الْمَفْرُوضِ عَلَيْهِمَا، فَلَا يَصِحُّ قَبْلَ أَدَائِهِ تَطَوُّعَهُمَا بِطَوَافٍ قِيَاسًا عَلَى أَصْلِ النُّسُكِ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَا نَحْنُ فِيهِ الصَّلَاةَ حَيْثُ أُمِرَ بِالتَّحِيَّةِ قَبْلَ الْفَرْضِ، وَاقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْحَاجِّ مِثَالٌ فَالْحَلَالُ مَسْنُونٌ لَهُ أَيْضًا، وَإِدْخَالُهُ الْبَاءَ عَلَى بِحَاجٍّ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ الْأَفْصَحُ خِلَافَهُ إذْ دُخُولُهَا عَلَى الْمَقْصُورِ أَكْثَرِيٌّ لَا كُلِّيٌّ.
(وَمَنْ قَصَدَ مَكَّةَ) أَوْ الْحَرَمَ وَلَوْ مَكِّيًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ أُنْثَى لَمْ يَأْذَنْ لَهُمَا سَيِّدٌ أَوْ زَوْجٌ فِي دُخُولِ الْحَرَمِ، إذْ الْحُرْمَةِ مِنْ جِهَةٍ لَا تُنَافِي النَّدْبَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى (لَا لِنُسُكٍ) بَلْ لِنَحْوِ زِيَارَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ (اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِحَجٍّ) إنْ كَانَ فِي أَشْهُرِهِ وَيُمْكِنُهُ إدْرَاكُهُ (أَوْ عُمْرَةٍ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي أَشْهُرِهِ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِدَاخِلِهِ وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهِ (وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ) لِإِطْبَاقِ النَّاسِ عَلَيْهِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَالسُّنَنُ يَنْدُرُ فِيهَا الِاتِّفَاقُ الْعَمَلِيُّ، مَعْنَاهُ أَنَّ اتِّفَاقَ النَّاسِ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ دَالٌّ عَلَى وُجُوبِهِ لِنُدْرَةِ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى السُّنَنِ (إلَّا أَنْ يَتَكَرَّرَ دُخُولُهُ كَحَطَّابٍ وَصَيَّادٍ) فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا جَزْمًا لِلْمَشَقَّةِ بِالتَّكَرُّرِ، وَلِلْوُجُوبِ فِي غَيْرِهِ شُرُوطٌ: أَنْ يَجِيءَ مِنْ خَارِجِ الْحَرَمِ فَأَهْلُهُ لَا إحْرَامَ عَلَيْهِمْ قَطْعًا، وَأَنْ لَا يَدْخُلَهَا لِقِتَالٍ مُبَاحٍ وَلَا خَائِفًا، فَإِنْ دَخَلَهَا لِقِتَالِ بَاغٍ أَوْ قَاطِعِ طَرِيقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا أَوْ خَائِفًا مِنْ ظَالِمٍ أَوْ غَرِيمٍ يَحْبِسُهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ لَا يُمْكِنُهُ الظُّهُورُ لِأَدَاءِ النُّسُكِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِحْرَامُ قَطْعًا،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ وَلَوْ مَفْضُولَةً (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا سِوَى الْفَائِتَةِ) أَيْ وَعَلَيْهِ فَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَذْكُرَ لِتَقْدِيمِ الْفَائِتَةِ حِكْمَةً (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ) وَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ مَا فُعِلَ لِسَبَبٍ كَالْكُسُوفِ إذَا فَاتَ لَا يُقْضَى، يُرَجِّحُهُ.
(قَوْلُهُ: مِنْ الدَّاخِلِ بَعْدَهُ) أَيْ الْوُقُوفِ (قَوْلُهُ لِدُخُولِ وَقْتِ الطَّوَافِ) وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ مَكَّةَ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَقَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ سُنَّ لَهُ طَوَافُ الْقُدُومِ لِعَدَمِ دُخُولِ طَوَافِهِ الْمَفْرُوضِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، ثُمَّ رَأَيْت حَجّ صَرَّحَ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الْفَرْضِ) أَيْ قَبْلَ فِعْلِ الْفَرْضِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ مَكِّيًّا إلَخْ) أَيْ وَتَكَرَّرَ دُخُولُهُ كَالْحَطَّابِ وَالصَّيَّادِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ إلَّا أَنْ. إلَخْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَذَهَبَ الْأَذْرَعِيُّ فِي غُنْيَتِهِ إلَخْ) أَيْ وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ ضَعِيفٌ بِدَلَالَةِ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: وَلَا بِالتَّأْخِيرِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَفُوتُ بِالْجُلُوسِ (قَوْلُهُ: فَاتَتْ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ) أَيْ فَإِذَا لَمْ يَجْلِسْ وَصَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فَلَا تَفُوتُ بِمَعْنَى أَنَّهَا تَنْدَرِجُ فِيهِمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
(قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي أَشْهُرِهِ) أَيْ أَوْ كَانَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ إدْرَاكُهُ ثُمَّ إنَّ قَضِيَّتَهُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ الْحَجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَإِلَّا لَنَاقَضَ مَا قَدَّمَهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ إكْثَارِ الِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَقَدْ قَدَّمْنَا تَقْيِيدَهُ أَخْذًا مِنْ تَفْضِيلِهِمْ الْإِفْرَادَ عَلَى التَّمَتُّعِ بِمَا إذَا لَمْ يُرِدْ الْحَجَّ مِنْ سَنَتِهِ، فَلْيُحْمَلْ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا أَرَادَ الْحَجَّ مِنْ سَنَتِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُوجَدُ فِي نُسَخٍ وَاوٌ قَبْلَ قَوْلِهِ: إنْ لَمْ يَكُنْ، وَالصَّوَابُ حَذْفُهَا