الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِاسْتِغْنَائِهِ بِكَسْبِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَكْسِبُ كِفَايَةَ يَوْمٍ بِيَوْمٍ لِانْقِطَاعِهِ عَنْ الْكَسْبِ أَيَّامَ الْحَجِّ. وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ السَّابِقِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَتَيَسَّرَ لَهُ الْكَسْبُ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ خُرُوجِهِ، وَالْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَقْدِرُ فِي الْحَضَرِ عَلَى أَنْ يَكْسِبَ فِي يَوْمٍ مَا يَكْفِيهِ لَهُ وَلِلْحَجِّ لَزِمَهُ إنْ قَصُرَ السَّفَرُ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَلْزَمُوهُ بِهِ فِي السَّفَرِ فَفِي الْحَضَرِ أَوْلَى وَكَذَا إنْ طَالَ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ كَسْبَهُ فِي الْحَضَرِ تَحْصِيلٌ لِسَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ كَمَا يَأْتِي فَلَا يُكَلَّفُ الْكَسْبَ فِي الْحَضَرِ مُطْلَقًا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ فِي السَّفَرِ بِأَنَّ ذَلِكَ يُعَدُّ مُسْتَطِيعًا فِي السَّفَرِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ وَلَوْ قَبْلَ تَحْصِيلِ الْكَسْبِ، وَهَذَا لَا يُعَدُّ مُسْتَطِيعًا لَهُ إلَّا بَعْدَ حُصُولِ الْكَسْبِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ فِي السَّفَرِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُهُ لِمَا مَرَّ، وَأَيْضًا؛ فَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْكَسْبُ لِإِيفَاءِ حَقِّ الْآدَمِيِّ فَلَأَنْ لَا يَجِبَ لِإِيفَاءِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْلَى.
وَقَدْ نَقَلَ الْخُوَارِزْمِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ اكْتِسَابِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ، وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا فِيمَا إذَا قَصُرَ السَّفَرُ وَكَانَ يَكْسِبُ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامٍ كَمَا مَرَّ، وَأَيَّامُ الْحَجِّ سِتَّةٌ إذْ هِيَ مِنْ زَوَالِ سَابِعِ الْحِجَّةِ إلَى زَوَالِ ثَالِثَ عَشَرِهِ، وَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ إنَّهَا سَبْعَةٌ مَعَ تَحْدِيدِهِ بِذَلِكَ فِيهِ اعْتِبَارُ الطَّرَفَيْنِ، وَاسْتَنْبَطَ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ التَّعْلِيلِ بِانْقِطَاعِهِ عَنْ الْكَسْبِ أَيَّامَ الْحَجِّ أَنَّهَا مِنْ خُرُوجِ النَّاسِ غَالِبًا وَهُوَ مِنْ أَوَّلِ الثَّامِنِ إلَى آخِرِ الثَّالِثَ عَشَرَ وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَنْفِرْ النَّفْرَ الْأَوَّلَ، وَمَا ادَّعَاهُ فِي الْإِسْعَادِ مِنْ كَوْنِ تَقْدِيرِهَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَ أَعْمَالِ الْحَجِّ تَمَتُّعًا وَإِفْرَادًا مُمْكِنٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَالْمُرَادُ بِالْأَعْمَالِ الْأَرْكَانِ وَرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ؛ لِأَنَّ لَهُ مَدْخَلًا فِي التَّحَلُّلِ مِنْ الْحَجِّ، وَالْقَارِنُ يُمْكِنُهُ تَحْصِيلُ أَعْمَالِهِمَا فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ النَّحْرِ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُكْتَسَبَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ السِّتَّةِ لَا يَجِدُ مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ، وَلِأَنَّ إلْزَامَ الْكَسْبِ لَهُ يَوْمَ الثَّامِنِ يُفَوِّتُ عَلَيْهِ سُنَنًا كَثِيرَةً، وَفِي الْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ إنْ لَمْ يَنْفِرْ يَفُوتُ عَلَيْهِ أَيْضًا الرَّمْيُ فِي الْوَقْتِ الْفَاضِلِ وَتَحْصِيلُ سُنَنِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي يَفُوتُ فِيهَا نَحْوُ ثُلُثِ النَّهَارِ فَكَانَ اعْتِبَارُ السِّتَّةِ أَوْلَى، وَيَظْهَرُ فِي الْعُمْرَةِ الِاكْتِفَاءُ بِمَا يَسَعُ أَفْعَالُهَا غَالِبًا وَهُوَ نَحْوُ ثُلُثَيْ يَوْمٍ.
(الثَّانِي) مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِطَاعَةِ (وُجُودُ الرَّاحِلَةِ) الصَّالِحَةِ لِمِثْلِهِ بِشِرَاءٍ أَوْ اسْتِئْجَارٍ بِثَمَنٍ أَوْ أُجْرَةِ مِثْلٍ لَا بِزِيَادَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ وَقَدَرَ عَلَيْهَا أَوْ رُكُوبِ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ إنْ قَبِلَهُ أَوْ لَمْ يَقْبَلْهُ وَصَحَّحْنَاهُ أَوْ مُوصًى بِمَنْفَعَتِهِ إلَى ذَلِكَ، وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ عَلَى مَنْ حَمَلَهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَأَهْلِ وَظَائِفِ الرَّكْبِ مِنْ الْقُضَاةِ أَوْ غَيْرِهِمْ وَمَحَلُّ ذَلِكَ (لِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ) فَأَكْثَرَ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ. نَعَمْ يُسَنُّ لَهُ الْمَشْيُ حِينَئِذٍ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
اللَّائِقِ بِهِ عَارًا وَذُلًّا شَدِيدًا أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي النَّفَقَاتِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَكْتَسِبُ بِغَيْرِ لَائِقٍ بِهِ كَانَ لِزَوْجَتِهِ الْفَسْخُ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ خُرُوجِهِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ فِي الْحَضَرِ مُطْلَقًا) أَيْ قَصُرَ السَّفَرُ أَوْ طَالَ
(قَوْلُهُ: الصَّالِحَةِ) عِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ: وَإِنْ لَمْ تَلِقْ بِهِ، وَمِثْلُهُ فِي حَجّ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَوْ رُكُوبٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِشِرَاءِ (قَوْلُهُ: إنْ قَبِلَهُ) وَهَلْ يَجِبُ الْقَبُولُ فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ أَوَّلًا لِمَا فِي قَبُولِ الْوَقْفِ مِنْ الْمِنَّةِ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِمَالٍ وَمَاتَ الْمُوصِي هَلْ يَجِبُ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ أَوَّلًا لِمَا تَقَدَّمَ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ فِيهِمَا عَدَمُ الْوُجُوبِ لِمَا ذَكَرَ، وَيَحْتَمِلُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْوَقْفَ يَصِيرُ مِلْكًا لِلَّهِ تَعَالَى وَيَنْتَقِلُ عَنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِمَوْتِهِ وَاخْتِلَالُ شَرْطٍ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِبَيْعٍ وَلَا غَيْرِهِ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ فَتَضْعُفُ الْمِنَّةُ فِيهِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الْمُوصَى بِهِ مِلْكًا مُطْلَقًا فَأَشْبَهَ الْهِبَةَ (قَوْلُهُ: وَصَحَّحْنَاهُ) أَيْ عَلَى الْمَرْجُوحِ (قَوْلُهُ: عَلَى مَنْ حَمَلَهُ الْإِمَامُ) أَيْ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إذَا حَمَلَهُ الْإِمَامُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
[شُرُوط وُجُوب الْحَجّ وَالْعُمْرَة]
قَوْلُهُ أَوْ مُوصًى بِمَنْفَعَتِهِ إلَى ذَلِكَ) الظَّاهِرُ أَنَّ مَرْجِعَ الْإِشَارَةِ سَقَطَ مِنْ الْكَتَبَةِ، فَإِنَّ الْعِبَارَةَ لِلْإِمْدَادِ وَلَفْظُهَا بَعْدَ
وَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ عَدَمُ الْفَرْقِ فِي اسْتِحْبَابِ الْمَشْيِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهُوَ كَذَلِكَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: لَا يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ الْخُرُوجُ مَاشِيَةً لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ، وَرُبَّمَا تَظْهَرُ لِلرِّجَالِ عِنْدَ مَشْيِهَا وَلِوَلِيِّهَا عَلَى الْأَوَّلِ مَنْعُهَا كَمَا قَالَهُ فِي التَّقْرِيبِ.
وَالرُّكُوبُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ لِلِاتِّبَاعِ، وَالْأَفْضَلُ أَيْضًا لِمَنْ قَدَرَ أَنْ يَرْكَبَ عَلَى الْقَتَبِ وَالرَّحْلِ فِعْلَ ذَلِكَ، وَأَصْلُ الرَّاحِلَةِ النَّاقَةُ الصَّالِحَةُ لِلْحَمْلِ وَتُطْلَقُ عَلَى مَا يُرْكَبُ مِنْ الْإِبِلِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُرَادُهُمْ هُنَا، وَأَلْحَقَ الطَّبَرِيُّ بِهَا كُلَّ دَابَّةٍ اُعْتِيدَ الْحَمْلُ عَلَيْهَا مِنْ نَحْوِ بَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَإِنَّمَا يُعْتَادُ ذَلِكَ فِي مَرَاحِلَ يَسِيرَةٍ دُونَ الْمَسَافَةِ الشَّاسِعَةِ إذْ لَا يَقْوَى عَلَيْهَا إلَّا الْإِبِلُ اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَسَافَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدَّوَابِّ فَلْيُعْتَبَرْ قُدْرَتُهُ عَلَى الدَّابَّةِ اللَّائِقَةِ لَهَا، وَإِنَّمَا اعْتَبَرُوا مَسَافَةَ الْقَصْرِ هُنَا مِنْ مَبْدَإِ سَفَرِهِ إلَى مَكَّةَ لَا إلَى الْحَرَمِ عَكْسَ مَا اعْتَبَرُوهُ فِي حَاضِرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الْمُتَمَتِّعِ رِعَايَةً لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فِيهِمَا (فَإِنْ لَحِقَهُ بِالرَّاحِلَةِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ) بِأَنْ تَكُونَ كَالْمَشَقَّةِ بَيْنَ الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْجُوَيْنِيِّ، وَالْأَقْرَبُ ضَبْطُهَا بِمُبِيحِ تَيَمُّمٍ (اُشْتُرِطَ وُجُودُ مَحْمِلٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ وَقِيلَ عَكْسُهُ، وَهُوَ خَشَبٌ وَنَحْوُهُ يُجْعَلُ فِي جَانِبِ الْبَعِيرِ لِلرُّكُوبِ فِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ بِعِوَضِ مِثْلٍ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، فَإِنْ أُلْحِقَ مَنْ ذُكِرَ فِي رُكُوبِ الْمَحْمِلِ الْمَشَقَّةُ الْمَذْكُورَةُ اُعْتُبِرَ فِي حَقِّهِ الْكَنِيسَةُ، وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ الْآنَ بِالْمَحَارَةِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الرُّكُوبِ فِيهَا فَمِحَفَّةٌ، فَإِنْ عَجَزَ فَسَرِيرٌ يَحْمِلُهُ رِجَالٌ وَإِنْ بَعُدَ مَحَلُّهُ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مُؤَنِ ذَلِكَ، وَأَنَّهَا فَاضِلَةٌ عَمَّا يَأْتِي، أَمَّا الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمَا وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُمَا، وَتَقْيِيدُ الْأَذْرَعِيُّ مَا ذَكَرَ فِيهِمَا بِمَنْ لَا يَلِيقُ بِهَا رُكُوبُهَا بِدُونِهِ أَوْ كَانَتْ تَمَشَّى وَإِلَّا فَكَالرِّجْلِ مَحَلُّ نَظَرٍ، إذْ الْأُنْثَى مَأْمُورَةٌ بِالسِّتْرِ مَا أَمْكَنَ فَلَا نَظَرَ لِعَادَتِهَا (وَاشْتُرِطَ) فِي حَقِّ رَاكِبِ الْمَحْمِلِ وَنَحْوِهِ أَيْضًا (شَرِيكٌ يَجْلِسُ فِي الشِّقِّ الْآخَرِ) يَكُونُ عَدْلًا تَلِيقُ بِهِ مُجَالَسَتُهُ لَيْسَ بِهِ نَحْوُ بَرَصٍ وَلَا جُذَامٍ، وَيُوَافِقُهُ عَلَى الرِّضَا بِالرُّكُوبِ بَيْنَ الْمَحْمِلَيْنِ عِنْدَ نُزُولِهِ لِنَحْوِ قَضَاءِ حَاجَةٍ فِيمَا يَظْهَرُ فِي الْكُلِّ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلَا وُجُوبَ وَإِنْ وَجَدَ مُؤْنَةَ الْمَحْمِلِ بِتَمَامِهِ إذْ بَذْلُ الزَّائِدِ خُسْرَانٌ لَا مُقَابِلَ لَهُ كَمَا فِي الْوَسِيطِ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ مَا يَحْتَاجُهُ مِنْ زَادٍ وَغَيْرِهِ إذَا أَمْكَنَتْ الْمُعَادَلَةُ بِهِ، يَقُومُ مَقَامَ الشَّرِيكِ، وَرَجَّحَ ابْنُ الْعِمَادِ تَعَيُّنَ الشَّرِيكِ إذْ الْمُعَادَلَةُ بِغَيْرِهِ لَا تَقُومُ مَقَامَهُ فِي السُّهُولَةِ عِنْدَ النُّزُولِ وَالرُّكُوبِ، وَرَجَّحَ الزَّرْكَشِيُّ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ ظَاهِرُ النَّصِّ وَكَلَامُ الْجُمْهُورِ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ إنْ سَهُلَتْ الْمُعَادَلَةُ بِهِ بِحَيْثُ لَمْ يَخْشَ مَيْلًا وَرَأَى مَنْ يُمْسِكُهُ لَهُ لَوْ مَالَ عِنْدَ نُزُولِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يَنْبَغِي وُجُوبُ السُّؤَالِ إذَا ظَنَّ الْإِجَابَةَ (قَوْلُهُ وَلِوَلِيِّهَا عَلَى الْأَوَّلِ) هُوَ قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: وَأُلْحِقَ الطَّبَرِيُّ بِهَا) أَيْ وَكَانَتْ تَلِيقُ بِهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ (الصَّالِحَةُ لِمِثْلِهِ)(قَوْلُهُ: مِنْ نَحْوِ بَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ) وَإِنْ لَمْ يَلِقْ بِهِ زِيَادِي وَحَجَّ.
أَقُولُ: وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْحَجُّ لَا بَدَّلَ لَهُ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ، وَيُفَرَّقُ بَيْن ذَلِكَ وَبَيْنَ الْعَادِلِ الْآتِي حَيْثُ اُشْتُرِطَتْ فِيهِ اللِّيَاقَةُ بِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الضَّرَرُ بِمُجَالَسَتِهِ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ (قَوْله الشَّاسِعَةِ) هُوَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَة وَالسِّينِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ: أَيْ الْبَعِيدَةِ اهـ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: بِالْمَحَارَةِ) أَيْ وَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ الْآنَ بِالشُّقَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَا جُذَامٍ) قَالَ الزِّيَادِيُّ: وَلَا شَدِيدُ الْعَدَاوَةِ لَهُ فِيمَا يَظْهَرُ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي الْوَلِيمَةِ، بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ هُنَا أَعْظَمُ بِطُولِ مُصَاحَبَتِهِ (قَوْلُهُ: يَقُومُ مَقَامَ الشَّرِيكِ) مُعْتَمَدٌ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلِهِ وَصَحَّحْنَاهُ أَوْ عَلَى الْحَمْلِ إلَى مَكَّةَ أَوْ مُوصًى إلَخْ (قَوْلُهُ: فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ) أَيْ وُجُودُ الْمَحْمَلِ (قَوْلُهُ وَتَقْيِيدُ الْأَذْرَعِيِّ إلَخْ) عِبَارَةُ الْأَذْرَعِيِّ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَنْ لَا يَلِيقُ بِهَا رُكُوبُهَا أَوْ يَشُقُّ عَلَيْهَا، أَمَّا غَيْرُهَا فَالْأَشْبَهُ أَنَّهَا كَالرَّجُلِ
لِنَحْوِ قَضَاءِ حَاجَةٍ اكْتَفَى بِهَا؛ وَإِلَّا فَالْأَقْرَبُ، تَعَيُّنُ الشَّرِيكِ.
(وَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا) أَيْ مَكَّةَ (دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ وَهُوَ قَوِيٌّ عَلَى الْمَشْيِ)(يَلْزَمُهُ الْحَجُّ) لِانْتِفَاءِ الْمَشَقَّةِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ وُجُودُ الرَّاحِلَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، وَأَشْعَرَ تَعْبِيرَهُ بِالْمَشْيِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْحَبْوُ وَالزَّحْفُ وَإِنْ أَطَاقَهُمَا وَهُوَ كَذَلِكَ (فَإِنْ ضَعُفَ) عَنْ الْمَشْيِ بِأَنْ عَجَزَ أَوْ لَحِقَهُ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ (فَكَالْبَعِيدِ) عَنْ مَكَّةَ فَيُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ مَا مَرَّ (وَيُشْتَرَطُ)(كَوْنُ) مَا ذَكَرَ مِنْ (الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ) مَعَ مَا يُعْتَبَرُ مَعَهُمَا (فَاضِلَيْنِ عَنْ دَيْنِهِ) وَلَوْ مُؤَجَّلًا أَوْ أُمْهِلَ بِهِ رَبُّهُ سَوَاءٌ أَكَانَ لِآدَمَ أَمْ لِلَّهِ تَعَالَى كَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ وَأَمْكَنَ تَحْصِيلُهُ فِي الْحَالِ فَكَالْحَاصِلِ عِنْدَهُ وَإِلَّا فَكَالْمَعْدُومِ (وَ) عَنْ (مُؤْنَةِ) أَيْ كُلْفَةِ (مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ مُدَّةُ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ) عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ بِهِ وَبِهِمْ مِنْ كِسْوَةٍ وَمَسْكَنٍ وَخَادِمٍ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ وَإِعْفَافِ الْأَبِ، وَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَثَمَنِ الْأَدْوِيَةِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهَا لِئَلَّا يَضِيعُوا فَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ» وَمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُهُمَا مِنْ جَوَازِ الْحَجِّ عِنْدَ فَقْدِ مُؤْنَةِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ لِجَعْلِهَا ذَلِكَ شَرْطًا لِلْوُجُوبِ لَيْسَ بِمُرَادٍ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ حَتَّى يَتْرُكَ لَهُمْ نَفَقَةَ الذَّهَابِ وَالْإِيَابِ وَإِلَّا فَيَكُونُ مُضَيِّعًا لَهُمْ كَمَا فِي الِاسْتِذْكَارِ وَغَيْرِهِ (وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ) أَيْ جَمِيعِ مَا مَرَّ (فَاضِلًا) أَيْضًا (عَنْ مَسْكَنِهِ) اللَّائِقِ بِهِ الْمُسْتَغْرِقِ لِحَاجَتِهِ (وَ) عَنْ (عَبْدٍ) يَلِيقُ بِهِ وَ (يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِخِدْمَتِهِ) لِمَنْصِبٍ أَوْ، عَجْزٍ كَمَا يَبْقَيَانِ فِي الْكَفَّارَةِ.
وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يُبَاعَانِ قِيَاسًا عَلَى الدَّيْنِ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَأْتِي هُنَا مَا إذَا تَضَيَّقَ عَلَيْهِ الْحَجُّ لِخَوْفِ عَضْبٍ أَوْ قَضَاءٍ عَلَى الْفَوْرِ هَلْ يَبْقَيَانِ كَالْحَجِّ لِلتَّرَاخِي أَوْ لَا كَالدَّيْنِ وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَتْ الدَّارُ مُسْتَغْرِقَةً لِحَاجَتِهِ وَكَانَتْ مَسْكَنَ مِثْلِهِ، وَالْعَبْدُ يَلِيقُ بِهِ، فَلَوْ كَانَا نَفِيسَيْنِ لَا يَلِيقَانِ بِهِ لَزِمَهُ إبْدَالُهَا بِلَائِقٍ إنْ وَفَّى الزَّائِدُ بِمُؤْنَةٍ نُسُكِهِ وَمِثْلُهُمَا الثَّوَابُ النَّفِيسُ، وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ الْمَأْلُوفَيْنِ، وَفَارَقَ نَظِيرَهُ فِي الْكَفَّارَةِ بِأَنَّ لَهَا بَدَلًا فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يُنْتَقَضُ بِالْمَرْتَبَةِ الْأَخِيرَةِ بِخِلَافِ الْحَجِّ، وَلَوْ أَمْكَنَ بَيْعُ بَعْضِ الدَّارِ بِأَنْ كَانَ الْبَاقِي مِنْهَا يَكْفِيهِ وَلَوْ غَيْرُ نَفِيسَةٍ وَوَفَّى ثَمَنَهُ بِمُؤْنَةِ نُسُكِهِ لَزِمَهُ أَيْضًا، وَأَلْحَقَ الْإِسْنَوِيُّ بَحْثًا الْأَمَةَ النَّفِيسَةَ الَّتِي لِلْخِدْمَةِ بِالْعَبْدِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِلْخِدْمَةِ بِأَنْ كَانَتْ لِلِاسْتِمْتَاعِ فَكَالْعَبْدِ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ؛ لِأَنَّ الْعَلَقَةَ فِيهَا كَالْعَلَقَةِ فِيهِ، وَأَيَّدَهُ الشَّيْخُ بِمَا يَأْتِي فِي حَاجَةِ النِّكَاحِ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَكَلَامُهُمْ يَشْمَلُ الْمَرْأَةَ الْمَكْفِيَّةَ بِإِسْكَانِ الزَّوْجِ وَإِخْدَامِهِ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ لِاحْتِمَالِ انْقِطَاعِ الزَّوْجِيَّةِ فَتَحْتَاجُ إلَيْهِمَا، وَكَذَا الْمَسْكَنُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: يَلْزَمُهُ الْحَجُّ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَلِقْ بِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ وَيَنْبَغِي خِلَافُهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُؤَجَّلًا) قَالَ الْمَحَلِّيِّ: لِأَنَّهُ إذَا صَرَفَ مَا مَعَهُ إلَى الْحَجِّ فَقَدْ يَحِلُّ الْأَجَلُ وَلَا يَجِدُ مَا يَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ وَقَدْ تَخْتَرِمُهُ الْمُنْيَةُ فَتَبْقَى ذِمَّتُهُ مَرْهُونَةٌ اهـ.
أَقُولُ: يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ إذَا صَرَفَ إلَخْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ جِهَةٌ يَرْجُو الْوَفَاءَ مِنْهَا عِنْدَ حُلُولِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: حَتَّى يَتْرُكَ لَهُمْ إلَخْ) هَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجِهَادِ مِنْ أَنَّ الْمُتَّجَهَ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ لَهُمْ نَفَقَةَ يَوْمِ الْخُرُوجِ جَازَ سَفَرُهُ وَعِبَارَتُهُ ثُمَّ بَعْدُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا كِفَايَةٌ فِي الْأَصَحِّ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ لَزِمَتْهُ كِفَايَةُ أَصْلِهِ احْتَاجَ لِإِذْنِهِ إنْ لَمْ يُنِبْ مَنْ يُمَوِّنُهُ مِنْ مَالٍ حَاضِرٍ، وَأَخَذَ مِنْهُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ الْفَرْعَ لَوْ لَزِمَتْ أَصْلُهُ مُؤْنَتَهُ اُمْتُنِعَ سَفَرُهُ إلَّا بِإِذْنِ فَرْعِهِ إنْ لَمْ يُنَبْ كَمَا مَرَّ، ثُمَّ بُحِثَ أَنَّهُ لَوْ أَدَّى نَفَقَةَ يَوْمٍ حَلَّ لَهُ السَّفَرُ فِيهِ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ بَعْضُهُمْ اهـ.
وَفِي كَلَامِ الزِّيَادِيِّ أَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، أَمَّا فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ فَلَا يُكَلَّفُ بِدَفْعِهَا لِأَنَّهَا تَجِبُ يَوْمًا بِيَوْمٍ أَوْ فَصْلًا بِفَصْلٍ، وَعَلَيْهِ فَمَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ بَاطِنًا، وَمَا فِي السِّيَرِ عَنْ الْبُلْقِينِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَازِ ظَاهِرًا (قَوْلُهُ: هَلْ يَبْقَيَانِ كَالْحَجِّ إلَخْ) وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمَتْنِ تَبْقِيَّتُهُمَا (قَوْله فَتَحْتَاجُ إلَيْهِمَا)
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ) جَزَمَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ لِلْبَهْجَةِ بِمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَ مَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ.
لِأَهْلِ بُيُوتِ الْمَدَارِسِ وَنَحْوَ الرُّبُطِ اهـ.
وَرَدَّهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّ الْمُتَّجَهَ أَنَّ هَؤُلَاءِ مُسْتَطِيعُونَ لِاسْتِغْنَائِهِمْ فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ الْمُعْتَبَرُ، وَلِهَذَا تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْغَنِيِّ لَيْلَةَ الْعِيدِ فَقَطْ وَمَا ذَكَرَهُ حَسَنٌ كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ فِي غَيْرِ الزَّوْجَةِ، فَجَزَمَ الْجَوْجَرِيُّ بِمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِيهِ نَظَرٌ، وَفِي الْمَجْمُوعِ، لَا يَلْزَمُ الْفَقِيهَ بَيْعُ كُتُبِهِ لِحَاجَتِهِ لَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ كِتَابٍ نُسْخَتَانِ فَيَلْزَمُهُ بَيْعُ إحْدَاهُمَا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَأْتِي هُنَا مَا يَأْتِي فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ فِيمَا لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَبْسَطُ، وَالْأُخْرَى أَوْجَزُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ بَيْعِ كُتُبِ تَارِيخٍ فِيهِ مَحْضُ الْحَوَادِثِ أَوْ شِعْرٌ لَيْسَ فِيهِ وَعْظٌ وَسِلَاحُ الْجُنْدِيِّ وَآلَةُ الْمُحْتَرَفِ كَذَلِكَ كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ، وَثَمَنُ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ مِمَّا ذَكَرَ كَهُوَ فَلَهُ صَرْفُهُ فِيهِ
وَالْحَاجَةُ إلَى النِّكَاحِ لَا تَمْنَعُ الْوُجُوبَ وَلَا الِاسْتِقْرَارَ وَإِنْ خَافَ الْعَنَتَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ الْمَلَاذِّ، نَعَمْ تَقْدِيمُهُ عَلَى النُّسُكِ لِأَجْلِ خَوْفِ الْوُقُوعِ فِي الزِّنَا أَوْلَى، لِأَنَّ حَاجَةَ النِّكَاحِ نَاجِزَةٌ وَالْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي، وَمَعَ ذَلِكَ إذَا مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ يُقْضَى مِنْ تَرِكَتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَأْخِيرٌ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ أَمَّا غَيْرُ خَائِفِ الْعَنَتِ فَتَقْدِيمُ الْحَجِّ لَهُ أَوْلَى (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ يَلْزَمُهُ صَرْفُ مَالِ تِجَارَتِهِ إلَيْهِمَا) أَيْ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا، وَثَمَنُ ضَيْعَتِهِ الَّتِي يَسْتَغِلُّهَا إلَى الْمُؤَنِ وَإِنْ بَطَلَتْ تِجَارَتُهُ وَمُسْتَغِلَّاتُهُ كَمَا يَلْزَمُ صَرْفُهَا فِي دَيْنِهِ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ لِمَا مَرَّ، وَفَارَقَ الْمَسْكَنَ وَالْخَادِمَ بِاحْتِيَاجِهِ لَهُمَا حَالًا وَمَا نَحْنُ فِيهِ يُتَّخَذُ ذَخِيرَةً لِلْمُسْتَقْبَلِ وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ مَا ذُكِرَ لِئَلَّا يَلْتَحِقَ بِالْمَسَاكِينِ، وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ الْمَسْكَنِ وَالْعَبْدِ (قَوْلُهُ: إنَّ هَؤُلَاءِ) أَيْ أَهْلَ بُيُوتِ الْمَدَارِسِ (قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ) أَيْ ابْنُ الْعِمَادِ مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: فِيمَا لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أُبْسَطُ إلَخْ) وَبَقِيَ مَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ نُسْخَةٌ مِنْ كِتَابٍ نَفِيسَةٍ وَكَانَ يُمْكِنُهُ بَيْعُهَا وَتَحْصِيلُ نُسْخَةٍ تَقُومُ مَقَامُهَا بِبَعْضِ ثَمَنِهَا هَلْ يُكَلَّفُ بَيْعُهَا وَالْحَالَةُ مَا ذُكِرَ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ قِيَاسًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِيمَا لَوْ كَانَ الْمَسْكَنُ وَالْعَبْدُ نَفِيسَيْنِ لَا يَلِيقَانِ بِهِ حَيْثُ لَزِمَهُ إبْدَالُهُمَا إلَخْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَلَامَ حَيْثُ اسْتَوَيَا فِي إفَادَةِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْكِتَابِ، فَلَوْ كَانَتْ النَّفِيسَةُ بِخَطِّ مَنْ يُوثَقُ بِهِ أَوْ ضَبْطَهُ أَوْ بِتَصْحِيحَاتٍ مُعْتَمَدَةٍ خَلَتْ عَنْهَا الْأُخْرَى لَمْ يُكَلَّفْ بَيْعُ النَّفِيسَةِ (قَوْلُهُ: وَآلَةُ الْمُحْتَرَفِ كَذَلِكَ) أَيْ فَلَا يُكَلَّفُ؛ بَيْعُهَا، وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَأْتِي فِي مَالِ التِّجَارَةِ بِأَنَّ الْمُحْتَرِفَ مُحْتَاجٌ إلَى الْآلَةِ حَالًا، بِخِلَافِ مَالِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ فِي الْحَالِ
(قَوْلُهُ: وَمَعَ ذَلِكَ إذَا مَاتَ إلَخْ) وَهَلْ يَتَبَيَّنُ عِصْيَانُهُ مِنْ آخَرِ سِنِي الْإِمْكَانِ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ.
ثُمَّ رَأَيْت سم عَلَى حَجّ صَرَّحَ بِمَا قُلْنَاهُ نَقْلًا عَنْ مَرَّ وَعِبَارَتُهُ: لَوْ قَدِمَ النِّكَاحُ وَمَاتَ عَقِبَ سَنَةِ التَّمَكُّنِ عَصَى وَفَسَقَ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ وَإِنَّ كَانَ بِسَبَبِ تَقْدِيمِ النِّكَاحِ الْمَطْلُوبِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ مَرَّ اهـ بِحُرُوفِهِ.
لَكِنْ فِي حَوَاشِي الرَّوْضِ لِوَالِدِ الشَّارِحِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا مَاتَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَأْثَمُ كَمَا فِي قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيّ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَأْذُونًا فِيهِ مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ.
[تَنْبِيهٌ] قِيَاسُ مَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَدِينِ النُّزُولُ عَنْ وَظَائِفِهِ بِعِوَضٍ إذَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ لِغَرَضِ وَفَاءِ الدَّيْنِ وُجُوبُ الْحَجِّ عَلَى مَنْ بِيَدِهِ وَظَائِفُ أَمْكَنَهُ النُّزُولُ عَنْهَا بِمَا يَكْفِيهِ لِلْحَجِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا هِيَ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ الْحَجُّ بِمَوْقُوفٍ لِمَنْ يَحُجُّ وَجَبَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحِلَّهُ حَيْثُ لَا يَلْحَقُهُ مِنْهُ مَشَقَّةٌ فِي تَحْصِيلِهِ مِنْ نَحْوِ نَاظِرِ الْوَقْفِ وَإِلَّا فَلَا وُجُوبَ مَرَّ.
وَفِي فَتَاوَى الْجَلَالِ السُّيُوطِيّ: رَجُلٌ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ وَظَائِفُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ النُّزُولُ عَنْهَا بِمَالٍ لِيَحُجَّ؟ الْجَوَابُ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ هُوَ مِثْلُ بَيْعِ الضَّيْعَةِ الْمُعَدَّةِ لِلنَّفَقَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُعَاوَضَةٌ مَالِيَّةٌ، وَالنُّزُولُ عَنْ الْوَظَائِفِ إنْ صَحَّحْنَاهُ مِثْلَ التَّبَرُّعَاتِ اهـ سم عَلَى حَجّ.
وَالْأَقْرَبُ مَا قَالَهُ مَرَّ.
وَمِثْلُ الْوَظَائِفِ الْجَوَامِكِ وَالْمَحِلَّاتِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَيْهِ إذَا انْحَصَرَ الْوَقْفُ فِيهِ وَكَانَ لَهُ وِلَايَةُ الْإِيجَارِ فَيُكَلَّفُ إيجَارُهُ مُدَّةً تَفِي بِمُؤَنِ الْحَجِّ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي شَرْطِ الْوَاقِفِ مَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ، وَظَاهِرُهُ فِي النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ وَلَوْ تَعَطَّلَتْ الشَّعَائِرُ بِنُزُولِهِ عَنْهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَصْحِيحُ عِبَادَةُ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: يُتَّخَذُ ذَخِيرَةً) الذَّخِيرَةُ بِالْمُعْجَمَةِ وَاحِدَةُ الذَّخَائِرِ وَفِعْلُهُ ذَخَرَ يَذْخَرُ بِالْفَتْحِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَغَيْرِهِ شَامِلٌ لَمَنْ لَا كَسْبَ لَهُ أَيْضًا وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِيهِ بُعْدٌ. قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: مَنْ اسْتَطَاعَ الْحَجَّ وَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى أَفْلَسَ فَعَلَيْهِ الْخُرُوجُ إلَى الْحَجِّ، وَإِنْ عَجَزَ لِلْإِفْلَاسِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَكْتَسِبَ قَدْرَ الزَّادِ، فَإِنْ عَجَزَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ الزَّكَاةَ وَالصَّدَقَةَ وَيَحُجَّ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَمَاتَ مَاتَ عَاصِيًا اهـ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ النُّسُكَ بَاقٍ عَلَى أَصْلِهِ إذْ لَا يَتَضَيَّقُ إلَّا بِوُجُودِ مُسَوِّغِ ذَلِكَ، فَمُرَادُهُمْ بِمَا ذُكِرَ اسْتِقْرَارُ الْوُجُوبِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي، وَحِينَئِذٍ فَالْأَوْفَقُ لِكَلَامِهِمْ فِي الدِّينِ عَدَمُ وُجُوبِ سُؤَالِ الصَّدَقَةِ وَنَحْوِهَا وَعَدَمُ وُجُوبِ الْكَسْبِ عَلَيْهِ لِأَجْلِهِ مَا لَمْ يَتَضَيَّقْ.
(الثَّالِثُ) مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِطَاعَةِ (أَمْنُ الطَّرِيقِ) وَلَوْ ظَنًّا بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ (فَلَوْ خَافَ) فِي طَرِيقِهِ (عَلَى نَفْسِهِ) أَوْ عُضْوٍ أَوْ بَضْعٍ (أَوْ مَالِهِ) وَلَوْ يَسِيرًا. نَعَمْ يَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ بَحْثًا تَقْيِيدُهُ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلنَّفَقَةِ وَالْمُؤَنِ، فَلَوْ أَرَادَ اسْتِصْحَابَ مَالٍ خَطِيرٍ لِلتِّجَارَةِ وَكَانَ الْخَوْفُ لِأَجْلِهِ لَمْ يَكُنْ عُذْرًا وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ أَمِنَ عَلَيْهِ لَوْ تَرَكَهُ فِي بَلَدِهِ (سَبُعًا أَوْ عَدُوًّا أَوْ رَصَدِيًّا) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِهَا وَهُوَ مَنْ يَرْصُدُ: أَيْ يَرْقُبُ مَنْ يَمُرُّ لِيَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا (وَلَا طَرِيقَ) لَهُ (سَوَاءٌ لَمْ يَجِبْ) عَلَيْهِ (الْحَجُّ) أَوْ الْعُمْرَةُ لِحُصُولِ الضَّرَرِ وَلِهَذَا جَازَ التَّحَلُّلُ بِذَلِكَ كَمَا يَأْتِي، وَالْمُرَادُ بِالْخَوْفِ الْخَوْفُ الْعَامُّ، وَكَذَا الْخَاصُّ فِي الْأَرْجَحِ، فَلَوْ اخْتَصَّ الْخَوْفُ بِوَاحِدٍ لَمْ يُقْضَ مِنْ تَرِكَتِهِ، خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ النَّصِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّمِنِ وَالنِّكَاحِ حَيْثُ لَا تَمْنَعُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ الْوُجُوبَ كَمَا يَأْتِي؛ لِأَنَّ الزَّمِنَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْحَجِّ بِنَائِبِهِ بِخِلَافِ هَذَا، وَبِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ النِّكَاحَ مِنْ الْمَلَاذِّ فَلَمْ تَكُنْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ مَانِعَةٌ لِإِمْكَانِ الْحَجِّ مَعَهَا بِخِلَافِ هَذَا، وَسَوَاءٌ فِيمَنْ خَافَ مِنْهُ أَكَانَ مُسْلِمًا أَمْ كَافِرًا. .
نَعَمْ إنْ كَانُوا كُفَّارًا وَأَطَاقَ الْخَائِفُونَ مُقَاوَمَتَهُمْ اُسْتُحِبَّ لَهُمْ الْخُرُوجُ لِلنُّسُكِ وَمُقَاتَلَتُهُمْ لِيَنَالُوا ثَوَابَ النُّسُكِ وَالْجِهَادِ أَوْ مُسْلِمِينَ فَلَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ قِتَالُ الْكُفَّارِ عِنْدَ عَدَمِ زِيَادَتِهِمْ عَلَى مِثْلَيْنَا؛ لِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَهَذَا بِخِلَافِهِ، وَمَحَلُّ عَدَمِ الْوُجُوبِ إذَا كَانَ هُوَ الْمُعْطِي لِلْمَالِ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ وَجَبَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ لِلْمِنَّةِ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ لَكِنْ أَطَالَ ابْنُ الْعِمَادِ فِي رَدِّهِ، وَقَوْلُ الْجَوْجَرِيِّ: بَذْلُهُ عَنْ الْجَمِيعِ يُضَعِّفُ الْمِنَّةَ جِدًّا بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ فَرْدٍ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الْوُجُوبَ وَاضِحٌ وَإِنْ قِيلَ بِمَنْعِهِ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنَّ مَنْ بَذَلَ مَالًا لِرَكْبٍ يَشْتَرُونَ بِهِ مَاءً لِطَهَارَتِهِمْ يَلْزَمُهُمْ الْقَبُولُ وَكَلَامُهُمْ يَأْبَاهُ، وَحِينَئِذٍ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَالَ الْمَبْذُولَ لِلطَّهَارَةِ يَدْخُلُ تَحْتَ يَدِهِمْ وَلَهُمْ التَّصَرُّفُ فِيهِ فَقَوِيَتْ الْمِنَّةُ، وَلَا كَذَلِكَ الْمَبْذُولُ فِي دَفْعِ مَنْ ذَكَرَ عَنْهُمْ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي يَدِهِمْ، وَيُكْرَهُ إعْطَاؤُهُ مَالًا وَلَوْ مُسْلِمًا لَكِنْ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، إذْ لَا حَاجَةَ لِارْتِكَابِ الذُّلِّ حِينَئِذٍ بِخِلَافِهِ بَعْدَهُ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ مِنْ قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ التَّحَلُّلِ، فَعُلِمَ أَنَّ إطْلَاقَ الرَّافِعِيِّ وَالْمُصَنِّفِ الْكَرَاهَةَ هُنَا لَا يُنَافِي تَخْصِيصَهُمَا لَهَا بِالْكَافِرِ فِي بَابِ الْإِحْصَارِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَهَذَا قَبْلَهُ كَمَا تَقَرَّرَ، أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ آمِنٌ لَزِمَهُ سُلُوكُهُ وَلَوْ أَبْعَدَ مِنْ الْأَوَّلِ
(وَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ)(رُكُوبِ الْبَحْرِ) بِسُكُونِ الْحَاءِ وَيَجُوزُ فَتْحَهَا لِمَنْ لَا لَهُ طَرِيقٌ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فِيهِمَا ذُخْرًا بِالضَّمِّ اهـ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَتَضَيَّقْ) أَيْ بِأَنْ خَافَ الْعَضَبُ أَوْ الْمَوْتُ
(قَوْلُهُ إذَا كَانَ هُوَ الْمُعْطِي لِلْمَالِ) إطْلَاقُهُ الْمَالَ يَشْمَلُ الْيَسِيرَ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ أَوْ مَالُهُ وَلَوْ يَسِيرًا (قَوْلُهُ: كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ إعْطَاؤُهُ) أَيْ الرَّصَدِيُّ
(قَوْلُهُ لِمَنْ لَا لَهُ طَرِيقٌ إلَخْ) أَيْ لِمَنْ لَا طَرِيقَ لَهُ يُمَكِّنُهُ التَّوَصُّلُ مِنْهَا إلَى مَكَّةَ بِأَنْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ) عِبَارَةُ الْإِمْدَادِ وَمَعَ أَمْنٍ لَائِقٍ بِالسَّفَرِ وَمِثْلُهُ فِي التُّحْفَةِ
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ قِتَالُ الْكُفَّارِ) أَيْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَكَانَ حَقُّ الْمَقَامِ الْإِضْمَارَ لِأَنَّ الْإِظْهَارَ مُوهِمٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْبُرُوا بِلَادَنَا أَمَّا إذَا عَبَرُوهَا فَتَجِبُ مُقَاتَلَتُهُمْ مُطْلَقًا كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ، لَا جَرَمَ عَلَّلَ ابْنُ حَجَرٍ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْحُجَّاجِ عَدَمُ اجْتِمَاعِ كَلِمَتِهِمْ وَضَعْفُ جَانِبِهِمْ فَلَوْ كُلِّفُوا الْوُقُوفَ لَهُمْ كَانُوا طُعْمَةً لَهُمْ وَذَلِكَ يَبْعُدُ وُجُوبُهُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِهِ بَعْدَهُ لَا يُكْرَهُ)
غَيْرُهُ وَلَوْ عَلَى امْرَأَةٍ وَجَبَانٍ (إنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ) فِي رُكُوبِهِ كَسُلُوكِ طَرِيقِ الْبَرِّ عِنْدَ غَلَبَتِهَا، فَإِنْ غَلَبَ الْهَلَاكُ لِخُصُوصِ ذَلِكَ الْبَحْرِ أَوْ لِهَيَجَانِ الْأَمْوَاجِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ أَوْ اسْتَوَيَا حَرُمَ الرُّكُوبُ لِلْحَجِّ كَغَيْرِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْغَزْوِ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ بِشَرْطِ عَدَمِ عِظَمِ الْخَطَرِ فِيهِ بِحَيْثُ تَنْدُرُ النَّجَاةُ وَإِلَّا حَرُمَ حَتَّى لِلْغَزْوِ، فَإِنْ رَكِبَ لِلْحَجِّ أَيْ فِي غَيْرِ الْحَالَةِ الْأَخِيرَةِ فِيمَا يَظْهَرُ وَمَا بَيْنَ يَدَيْهِ أَكْثَرُ مِمَّا قَطَعَهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ لِقُرْبِهِ مِنْ مَقْصِدِهِ، أَوْ أَقَلَّ أَوْ اسْتَوَيَا وَوَجَدَ بَعْدَ الْحَجِّ طَرِيقًا آخَرَ فِي الْبَرِّ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ وَطَنٌ يُرِيدُ الرُّجُوعَ إلَيْهِ لَزِمَهُ التَّمَادِي لِاسْتِوَاءِ الْجِهَتَيْنِ فِي حَقِّهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْكَثْرَةِ وَالتَّسَاوِي الْمُتَبَادَرِ مِنْهُ النَّظَرُ إلَى الْمَسَافَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْخَوْفِ فِي جَمِيعِ الْمَسَافَةِ، أَمَّا لَوْ اخْتَلَفَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْمَوْضِعِ الْمَخُوفِ وَغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ أَمَامَهُ أَقَلَّ مَسَافَةٍ لَكِنَّهُ أَخْوَفُ أَوْ هُوَ الْمَخُوفُ لَا يَلْزَمُهُ التَّمَادِي وَإِنْ كَانَ أَطْوَلَ مَسَافَةً وَلَكِنَّهُ سَلِيمٌ وَخَلَّفَ الْمَخُوفَ وَرَاءَهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا يُقَالُ: الْخُرُوجُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: عَارَضَهُ مَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ وَهُوَ قَصْدُ النُّسُكِ مَعَ تَضْيِيقِهِ عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي، عَلَى أَنَّا نَمْنَعُ دَوَامَ الْمَعْصِيَةِ إذْ هِيَ فِي ابْتِدَاءِ الرُّكُوبِ فَقَطْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ فِي الْأَوَّلِ لَهُ الرُّجُوعُ، وَفَارَقَ مَا هُنَا جَوَازُ تَحَلُّلِ مُحْصَرٍ أَحَاطَ بِهِ الْعَدُوُّ مُطْلَقًا بِأَنَّ الْمُحْرِمَ مَحْبُوسٌ، وَعَلَيْهِ فِي مُصَابَرَةِ الْإِحْرَامِ مَشَقَّةٌ، بِخِلَافِ رَاكِبِ الْبَحْرِ وَلَوْ مُحْرِمًا فَلَا يَكُونُ كَالْمُحْصَرِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ الرُّجُوعِ مَعَ أَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ فِيمَنْ خَشِيَ الْعَضْبَ أَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَضَاقَ وَقْتُهُ أَوْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ فِي ذَلِكَ الْعَامِ أَوْ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِمَا ذُكِرَ اسْتِقْرَارُ الْوُجُوبِ.
نَعَمْ لَوْ نُذِرَتْ السَّلَامَةُ مِنْهُ فَالْأَوْجَهُ وُجُوبُ الرُّجُوعِ فِي حَالَةِ جَوَازِهِ فِي غَيْرِهَا وَخَرَجَ بِالْبَحْرِ أَيْ الْمِلْحِ إذْ هُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ الْأَنْهَارِ الْعَظِيمَةِ كَسَيْحُونَ وَجَيْحُونَ وَالدِّجْلَةِ فَيَجِبُ رُكُوبُهَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْمُقَامَ فِيهَا لَا يَطُولُ وَخَطَرُهَا لَا يَعْظُمُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَطْعِهَا طُولًا أَوْ عَرْضًا وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ وَتَبِعَهُ فِي الْإِسْعَادِ؛ وَلِأَنَّ جَانِبَهَا قَرِيبٌ يُمْكِنُ الْخُرُوجُ إلَيْهِ سَرِيعًا بِخِلَافِهِ فِي الْبَحْرِ.
نَعَمْ يَظْهَرُ إلْحَاقُهَا بِالْبَحْرِ فِي زَمَنِ زِيَادَتِهَا وَشِدَّةِ هَيَجَانِهَا وَغَلَبَةِ الْهَلَاكِ فِيهَا إذَا رَكِبَهَا طُولًا وَيُمْكِنُ حَمَلَ كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي فِي الْحَجْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانُ أَحْكَامِ إرْكَابِ الصَّبِيِّ وَمَالِهِ وَالْبَهِيمَةِ وَالرَّقِيقِ وَرُكُوبِ الْحَامِلِ الْبَحْرَ، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ يَجِبُ مُطْلَقًا لَا يَجِبُ مُطْلَقًا يَجِبُ فِي الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَإِذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ اُسْتُحِبَّ عَلَى الْأَصَحِّ إنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ تَفْرِيعٌ عَلَى مُقَابِل الْأَظْهَرِ.
(وَ) الْأَظْهَرُ (أَنَّهُ تَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْبَذْرَقَةِ) بِمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَذَالٍ سَاكِنَةٍ وَمُهْمَلَةٍ عَجَمِيَّةٌ مُعَرَّبَةٌ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لَا يَكُونَ لَهُ طَرِيقٌ أَصْلًا غَيْرُ الْبَحْرِ أَوْ لَهُ طَرِيقٌ لَكِنْ تَعَذَّرَ سُلُوكُهُ إمَّا لِعَدُوٍّ أَوْ لِقِلَّةِ مَا يَصْرِفُهُ فِي مُؤَنِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رُكُوبُ الْبَحْرِ الْآنَ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُ غَيْرُهُ، وَهُوَ حِينَئِذٍ نَظِيرُ مَا لَوْ كَانَ لَهُ طَرِيقَانِ خَافَ مِنْ سَلُّوك أَحَدِهِمَا وَأَمْكَنَهُ فِي الْآخِرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ سُلُوكُهُ وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ) أَيْ مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ مَنَعَ مِنْ الذَّهَابِ وَالْعَوْدِ أَوْ الذَّهَابِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ) أَيْ قَوْلُهُ أَوْ عَرَضًا
ــ
[حاشية الرشيدي]
أَيْ لِلْمُسْلِمِ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ وَمَا بَعْدَهُ
(قَوْلُهُ: لِقُرْبِهِ مِنْ مَقْصِدِهِ) هَذَا مُقَدَّمٌ مِنْ تَأْخِيرٍ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ: وَمَا بَيْنَ يَدَيْهِ أَكْثَرُ مِمَّا قَطَعَهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ أَوْ أَقَلُّ أَوْ اسْتَوَيَا، إلَى أَنْ قَالَ: لَزِمَهُ التَّمَادِي لِقُرْبِهِ مِنْ مَقْصِدِهِ فِي الْأَوَّلِ وَاسْتِوَاءِ الْجِهَتَيْنِ فِي حَقِّهِ فِي الثَّانِي (قَوْلُهُ: لِأَنَّا نَقُولُ عَارَضَهُ مَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ إلَخْ) لَعَلَّ الْأَوْلَى الْجَوَابُ بِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْمَعْصِيَةِ يَتَحَقَّقُ بِخُرُوجِهِ مِنْ الْبَحْرِ وَهُوَ كَمَا يَحْصُلُ بِعَوْدِهِ يَحْصُلُ بِمُضِيِّهِ إلَى مَقْصِدِهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُحْرِمًا) غَرَضُهُ مِنْهُ الرَّدُّ عَلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ الَّذِي أَرَادَهُ بِقَوْلِهِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ حَيْثُ قَالَ: نَعَمْ إنْ كَانَ مُحْرِمًا كَانَ كَالْمُحْصَرِ
(قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ تَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْبَذْرَقَةِ) أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجْدَانِهَا فِي وُجُوبِ الْحَجِّ
وَهِيَ الْخِفَارَةُ الَّتِي يَأْمَنُ مَعَهَا؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مَنْ آهَبَ النُّسُكَ فَاشْتُرِطَ فِي وُجُوبِهِ الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا إنْ طُلِبَتْ وَكَانَتْ أُجْرَةُ مِثْلِهِ لَا أَكْثَرَ، وَهَذَا مَا صَحَّحَاهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقَوْلُ أَكْثَرِ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ لَا تَجِبُ أُجْرَتُهُ؛ لِأَنَّهُ خُسْرَانٌ لِدَفْعِ الظُّلْمِ، وَلِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا زَادَ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ وَأُجْرَتِهِ، حَمَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخِفَارَةِ مَا يَأْخُذُهُ الرَّصَدِيُّ قَالَ: فَإِنْ أَرَادُوا الْخِفَارَةَ أَيْضًا كَانَ الْأَصَحُّ خِلَافَ مَا ذَكَرُوهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ أَطَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْأَخْذِ بِإِطْلَاقِهِمْ مِنْ عَدَمِ الْوُجُوبِ.
(وَيُشْتَرَطُ) فِي وُجُوبِ النُّسُكِ (وُجُودُ الْمَاءِ وَالزَّادِ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُعْتَادِ حَمْلُهَا مِنْهَا بِثَمَنِ الْمِثْلِ) فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْهُمَا كَأَنْ كَانَ زَمَنُ جَدْبٍ وَخَلَا بَعْضُ الْمَنَازِلِ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ انْقَطَعَتْ الْمِيَاهُ أَوْ وُجِدَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ النُّسُكُ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَحْمِلْ ذَلِكَ مَعَهُ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ حَمَلَهُ عَظُمَتْ الْمُؤْنَةُ. نَعَمْ تُغْتَفَرُ الزِّيَادَةُ الْيَسِيرَةُ وَلَا يَجْرِي فِيهِ كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيّ الْخِلَافُ فِي شِرَاءِ مَاءِ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّ لَهَا بَدَلًا بِخِلَافِ الْحَجِّ (وَهُوَ) أَيْ ثَمَنُ الْمِثْلِ (الْقَدْرُ اللَّائِقُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ) وَإِنْ غَلَتْ الْأَسْعَارُ، وَيَجِبُ حَمْلُ الْمَاءِ وَالزَّادِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ كَحَمْلِ الزَّادِ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى مَكَّةَ وَحَمْلُ الْمَاءِ مَرْحَلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَانَ هَذَا عَادَةُ طَرِيقِ الْعِرَاقِ، وَإِلَّا فَعَادَةُ الشَّامِ حَمْلُهُ غَالِبًا بِمَفَازَةِ تَبُوكَ وَهِيَ عَلَى ضَعْفِ ذَلِكَ اهـ وَالضَّابِطُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْعُرْفُ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّوَاحِي فِيمَا يَظْهَرُ، وَإِلَّا فَجَرَتْ عَادَةُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ عَلَى حَمْلِهِ إلَى الْعَقَبَةِ (وَ) وُجُودُ (عَلَفِ الدَّابَّةِ) بِفَتْحِ اللَّامِ (فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ) وَلَا يُشْتَرَطُ حَمْلُهُ مَعَهُ لِعِظَمِ تَحَمُّلِ الْمُؤْنَةِ، وَبَحَثَ فِي الْمَجْمُوعِ اعْتِبَارَ الْعَادَةِ فِيهِ كَالْمَاءِ، وَسَبْقُهُ إلَيْهِ سَلِيمٌ، وَاعْتَمَدَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي الْمِنْهَاجِ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَدِمَ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ جَازَ لَهُ الرُّجُوعُ، وَلَوْ جَهِلَ مَانِعَ الْوُجُوبِ مِنْ نَحْوِ وُجُودِ عَدُوٍّ أَوْ عَدَمِ زَادٍ اسْتَصْحَبَ الْأَصْلَ وَعَمِلَ بِهِ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا وَجَبَ الْخُرُوجُ، إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الْمَانِعِ، وَيَتَبَيَّنُ وُجُوبُ الْخُرُوجِ بِتَبَيُّنِ عَدَمِ الْمَانِعِ، فَلَوْ ظَنَّهُ فَتَرَكَ الْخُرُوجَ مِنْ أَجْلِهِ ثُمَّ بَانَ عَدَمُهُ لَزِمَهُ النُّسُكُ.
وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ النُّسُكِ أَيْضًا كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَئِمَّةِ وَصَوَّبَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ تَمَكُّنَهُ مِنْ السَّيْرِ إلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَعْهُودِ بِأَنْ يَبْقَى مِنْ الزَّمَنِ عِنْدَ وُجُودِ الزَّادِ وَنَحْوِهِ مِقْدَارٌ يَفِي بِذَلِكَ، فَلَوْ احْتَاجَ إلَى قَطْعِ أَكْثَرَ مِنْ مَرْحَلَةٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَوْ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ، فَلَوْ مَاتَ لَمْ يُقْضَ مِنْ تَرِكَتِهِ. وَذَهَبَ ابْنُ الصَّلَاحِ إلَى أَنَّهُ شَرْطٌ لِاسْتِقْرَارِهِ فِي ذِمَّتِهِ لَا لِوُجُوبِهِ بَلْ مَتَى وُجِدَتْ الِاسْتِطَاعَةُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهِ لَزِمَهُ فِي الْحَالِ كَالصَّلَاةِ تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنٍ يَسَعُهَا وَتَسْتَقِرُّ فِي الذِّمَّةِ بِمُضِيِّ زَمَنٍ يُمْكِنُ فِعْلُهَا فِيهِ، وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِإِمْكَانِ تَتْمِيمِهَا بَعْدَهُ بِخِلَافِ الْحَجِّ، وَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ رُفْقَةٍ تَخْرُجُ مَعَهُ ذَلِكَ الْوَقْتِ الْمُعْتَادِ، فَإِنْ تَقَدَّمُوا بِحَيْثُ زَادَتْ أَيَّامُ السَّفَرِ أَوْ تَأَخَّرُوا بِحَيْثُ احْتَاجَ أَنْ يَقْطَعَ مَعَهُمْ فِي يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ مَرْحَلَةٍ فَلَا وُجُوبَ لِزِيَادَةِ الْمُؤْنَةِ فِي الْأَوَّلِ وَتَضَرُّرَهُ فِي الثَّانِي وَمَحَلُّ اعْتِبَارِ الرُّفْقَةِ عِنْدَ خَوْفِ الطَّرِيقِ، فَإِنْ كَانَتْ آمِنَةً بِحَيْثُ لَا يَخَافُ فِيهَا الْوَاحِدُ لَزِمَهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَهِيَ الْخِفَارَةُ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: خَفَرْت الرَّجُلَ حَمِيَّتُهُ وَأَجَرْته مِنْ طَالِبِهِ فَأَنَا خَفِيرٌ، وَالِاسْمُ الْخِفَارَةُ بِضَمِّ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا وَالْخِفَارَةُ مُثَلَّثَةٌ الْخَاءِ جُعْلُ الْخَفِيرِ (قَوْلُهُ: لَا أَكْثَرَ) أَيْ وَإِنَّ قُلْت الزِّيَادَةُ
(قَوْلُهُ: وَخَلَا بَعْضُ إلَخْ) أَيْ وَالْحَالُ (قَوْلُهُ نَعَمْ يُغْتَفَرُ الزِّيَادَةُ إلَخْ) اُنْظُرْ مَا ضَابِطُهَا، وَلَعَلَّهُ مَا يُعَدُّ عَدَمِ بَذْلِهِ فِي تَحْصِيلِ مِثْلِ هَذَا الْغَرَضِ بِالنِّسْبَةِ لِدَافِعِهِ رُعُونَةً، وَاغْتِفَارُ الزِّيَادَةِ الْيَسِيرَةِ هُنَا يُشَكِّلُ بِمَا مَرَّ لِلشَّارِحِ فِي ثَمَنِ الرَّاحِلَةِ وَأُجْرَتِهَا إذَا زَادَ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ وَإِنْ قَلَّتْ الزِّيَادَةُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمَاءَ وَالزَّادَ لِكَوْنِهِمَا لَا تَقُومُ الْبِنْيَةُ بِدُونِهِمَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُمَا سَفَرًا وَلَا حَضَرًا لَمْ تَعُدْ الزِّيَادَةُ الْيَسِيرَةُ خُسْرَانًا بِخِلَافِ الرَّاحِلَةِ (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ النُّسُكُ) أَيْ اسْتَقَرَّ فِي ذِمَّتِهِ، وَكَذَا لَوْ افْتَقَرَ بَعْدَ حَجَّتِهِمْ وَقَبْلَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ وَعَمِلَ بِهِ إنْ وُجِدَ) أَيْ الْأَصْلُ مِنْ وُجُودِ الْمَانِعِ أَوْ عَدَمِهِ، وَقَوْلُهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ