الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَرُدَّنَا إلَى أَهْلِنَا سَالِمِينَ غَانِمِينَ وَيَنْصَرِفُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَلَا يَمْشِي الْقَهْقَرَى، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ اسْتِصْحَابَ شَيْءٍ مِنْ الْأُكَرِ الْمَعْمُولَةِ مِنْ تُرَابِ الْحَرَمَيْنِ وَلَا مِنْ الْأَبَارِيقِ وَالْكِيزَانِ الْمَعْمُولَةِ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ الْبِدَعِ تَقَرُّبُ الْعَوَامّ بِأَكْلِ التَّمْرِ الصَّيْحَانِيِّ فِي الرَّوْضَةِ. .
فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَبَيَانِ أَوْجُهِ أَدَائِهِمَا مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ
(أَرْكَانُ الْحَجِّ خَمْسَةٌ) بَلْ سِتَّةٌ: أَحَدُهَا (الْإِحْرَامُ بِهِ) أَيْ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِيهِ لِخَبَرِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (وَ) ثَانِيهَا (الْوُقُوفُ) بِعَرَفَةَ إجْمَاعًا لِخَبَرِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» (وَ) ثَالِثُهَا (الطَّوَافُ) بِالْكَعْبَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] وَالْمُرَادُ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ (وَ) رَابِعُهَا (السَّعْيُ) بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِخَبَرِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فِي السَّعْيِ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اسْعَوْا فَإِنَّ السَّعْيَ قَدْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ» (وَ) خَامِسُهَا (الْحَلْقُ) أَوْ التَّقْصِيرُ (إذَا جَعَلْنَاهُ نُسُكًا) وَهُوَ الْمَشْهُورُ لِتَوَقُّفِ التَّحَلُّلِ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ جَبْرِ تَرْكِهِ بِدَمٍ كَالطَّوَافِ وَسَادِسُهَا التَّرْتِيبُ فِي مُعْظَمِ هَذِهِ الْأَرْكَانِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَبَيَانِ أَوْجُهِ أَدَائِهِمَا مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]
َ (قَوْلُهُ أَيْ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِيهِ) ع قَدَّرَهُ فِيمَا سَبَقَ بِالدُّخُولِ فِي النُّسُكِ وَعَدَلَ هُنَا إلَى نِيَّةِ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ الْمُلَائِمُ لِلرُّكْنِيَّةِ، وَفِي سم عَلَى حَجّ: فَرْعٌ: هَلْ يَأْتِي فِيمَنْ لَمْ يُمَيِّزْ الْفُرُوضَ مِنْ السُّنَنِ مَا تَقَرَّرَ فِي نَحْوِ الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ اعْتَقَدَ بِفَرْضٍ مُعَيَّنٍ نَفْلًا لَمْ يَصِحَّ: أَوْ يُفَرِّقُ بِأَنَّ النُّسُكَ شَدِيدُ التَّعَلُّقِ وَلِهَذَا لَوْ نَوَى بِهِ النَّفَلَ وَقَعَ عَنْ نُسُكِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ يَتَّجِهُ الْفَرْقُ فَيَصِحُّ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يُمَيِّزْ وَلَا اعْتَقَدَ بِفَرْضٍ مُعَيَّنٍ نَفْلًا فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.
أَقُولُ: الْأَقْرَبُ عَدَمُ الْفَرْقِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ حَجّ أَوَّلُ الْحَجِّ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَشَرْطُ صِحَّتِهِ الْإِسْلَامُ إلَخْ، عَلَى أَنَّهُ اعْتَرَضَ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَيْضًا الْوَقْتُ وَالنِّيَّةُ وَالْعِلْمُ وَالْكَيْفِيَّةُ حَتَّى لَوْ جَرَتْ أَفْعَالُ النُّسُكِ مِنْهُ اتِّفَاقًا لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا، لَكِنْ رَدَّ ذِكْرَ النِّيَّةِ بِأَنَّهَا رُكْنٌ وَيُرَدُّ ذِكْرُ الْوَقْتِ بِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ صَرِيحِ كَلَامِهِ الْآتِي فِي الْمَوَاقِيتِ، وَذَكَرَ الْعِلْمَ بِأَنَّهُ لَوْ حَصَلَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَقَبْلَ تَعَاطِي الْأَفْعَالِ كَفَى فَلَيْسَ شَرْطًا لِانْعِقَادِ الْإِحْرَامِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ بَلْ يَكْفِي لِانْعِقَادِهِ تَصَوُّرُهُ بِوَجْهٍ اهـ.
وَوَجْهُ التَّأْيِيدِ أَنَّ قَوْلَهُ بِأَنَّهُ لَوْ حَصَلَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَقَبْلَ تَعَاطِي الْأَفْعَالِ كَفَى، صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ إنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْعِلْمُ بِالْكَيْفِيَّةِ لَا قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَلَا بَعْدَهُ لَمْ يَكْفِ، وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ عَيْنُ مَا يُعْتَبَرُ فِي الصَّلَاةِ بِلَا فَرْقٍ غَايَتُهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الصَّلَاةِ حَالُ النِّيَّةِ، وَفِي الْحَجِّ لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فِي السَّعْيِ) ع هَذَا الْحَدِيثُ ضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ: قَالَ السُّبْكِيُّ رحمه الله: فَالدَّلِيلُ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ مَعَ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْحَدِيثِ بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مُبَيِّنٌ لِمَا وَقَعَ فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ إنَّ الصَّفَا إلَخْ، وَبَيَانُ الْمُرَادِ مِنْ الْآيَاتِ يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ بِالْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ (قَوْلُهُ: وَسَادِسُهَا التَّرْتِيبُ) قَالَ سم عَلَى مَنْهَجِ: قَوْلُهُ وَسَادِسُهَا
ــ
[حاشية الرشيدي]
(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (قَوْلُهُ مَعَ عَدَمِ جَبْرِ تَرْكِهِ بِدَمٍ) أَيْ حَتَّى لَا يَرِدَ نَحْوُ الرَّمْيِ.
بَحَثَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَإِنْ عَدَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ شَرْطًا بِأَنْ يُقَدِّمَ الْإِحْرَامَ عَلَى الْجَمِيعِ وَيُؤَخِّرَ السَّعْيَ عَنْ طَوَافِ رُكْنٍ أَوْ قُدُومٍ، وَيُقَدِّمَ الْوُقُوفَ عَلَى طَوَافِ الرُّكْنِ وَالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ لِلِاتِّبَاعِ مَعَ خَبَرِ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (وَلَا تُجْبَرُ) هَذِهِ الْأَرْكَانُ وَلَا شَيْءٌ مِنْهَا (بِدَمٍ) بَلْ يَتَوَقَّفُ الْحَجُّ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمَاهِيَّةَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِجَمِيعِ أَرْكَانِهَا وَأَمَّا وَاجِبَاتُهُ فَخَمْسَةٌ أَيْضًا: الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالرَّمْيُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ وَالْمَبِيتُ بِلَيَالِي مِنًى وَاجْتِنَابُ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ وَأَمَّا طَوَافُ الْوَدَاعِ فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَنَاسِكِ، فَعَلَى هَذَا لَا يُعَدُّ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فَهَذِهِ تُجْبَرُ بِدَمٍ وَتُسَمَّى بَعْضًا وَغَيْرُهَا يُسَمَّى هَيْئَةً (وَمَا سِوَى الْوُقُوفِ) مِنْ هَذِهِ السِّتَّةِ (أَرْكَانٌ فِي الْعُمْرَةِ أَيْضًا) لِشُمُولِ الْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ لَهَا، نَعَمْ التَّرْتِيبُ مُعْتَبَرٌ فِي جَمِيعِ أَرْكَانِهَا فَيَجِبُ تَأْخِيرُ الْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ عَنْ سَعْيِهَا وَوَاجِبُ الْعُمْرَةِ شَيْئَانِ: الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَاجْتِنَابُ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ.
(وَيُؤَدِّي النُّسُكَانِ عَلَى) ثَلَاثَةِ (أَوْجُهٍ) فَقَطْ وَلِهَذَا عَبَّرَ بِجَمْعِ الْقِلَّةِ وَوَجْهُ الْحَصْرِ فِي الثَّلَاثَةِ أَنَّ الْإِحْرَامَ إنْ كَانَ بِالْحَجِّ أَوَّلًا فَالْإِفْرَادُ، أَوْ بِالْعُمْرَةِ فَالتَّمَتُّعُ، أَوْ بِهِمَا مَعًا فَالْقِرَانُ عَلَى تَفْصِيلٍ وَشُرُوطٍ لِبَعْضِهَا سَتَأْتِي، وَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِنُسُكٍ عَلَى حِدَتِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ النُّسُكَانِ بِالتَّثْنِيَةِ، أَمَّا أَدَاءُ النُّسُكِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَعَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَأَنْ يُحْرِمَ بِحَجٍّ فَقَطْ، أَوْ عُمْرَةٍ فَقَطْ (أَحَدُهُمَا الْإِفْرَادُ) الْأَفْضَلُ وَيَحْصُلُ (بِأَنْ يَحُجَّ) أَيْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ مِيقَاتِهِ وَيَفْرُغَ مِنْهُ (ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ) مِنْ عَامِهِ (كَإِحْرَامِ الْمَكِّيِّ) بِأَنْ يَخْرُجَ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ فَيُحْرِمَ بِهَا (وَيَأْتِيَ بِعَمَلِهَا) أَمَّا غَيْرُ الْأَفْضَلِ فَلَهُ صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنْ يَأْتِيَ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ فِي سَنَةٍ، الثَّانِيَةُ أَنْ يَعْتَمِرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ يَحُجَّ مِنْ الْمِيقَاتِ عَلَى مَا يَأْتِي وَأَمَّا الْإِفْرَادُ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ.
(الثَّانِي الْقِرَانُ) الْأَكْمَلُ وَيَحْصُلُ (بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا)
ــ
[حاشية الشبراملسي]
التَّرْتِيبُ إلَخْ، أَقُولُ: لِي هُنَا شُبْهَةٌ وَهِيَ أَنَّ شَأْنَ رُكْنِ الشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ انْعَدَمَ انْعَدَمَ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّهُ إذَا حَلَقَ قَبْلَ الْوُقُوفِ ثُمَّ وَقَفَ وَأَتَى بِبَقِيَّةِ الْأَعْمَالِ حَصَلَ الْحَجُّ وَكَانَ الْحَلْقُ سَاقِطًا لِعَدَمِ إمْكَانِهِ وَإِنْ أَثِمَ بِفِعْلِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَتَفْوِيتِهِ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ الْحَجُّ مَعَ انْتِفَاءِ التَّرْتِيبِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.
أَقُولُ: وَيُمْكِنُ انْدِفَاعُ هَذِهِ الشُّبْهَةِ بِأَنْ يُقَالَ: الْحَلْقُ إنَّمَا سَقَطَ لِعَدَمِ شَعْرٍ بِرَأْسِهِ لَا لِتَقَدُّمِهِ عَلَى الْوُقُوفِ؛ لِأَنَّ حَلْقَهُ قَبْلَهُ لَمْ يَقَعْ رُكْنًا، وَالْإِثْمُ إنَّمَا هُوَ لِتَرَفُّهِهِ بِإِزَالَةِ الشَّعْرِ قَبْلَ الْوُقُوفِ، وَهَذَا كَمَا لَوْ اعْتَمَرَ وَحَلَقَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ عَقِبَهُ.
فَلَمْ يَكُنْ بِرَأْسِهِ شَعْرٌ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْحَلْقِ فَإِنَّ الْحَلْقَ سَاقِطٌ عَنْهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ اكْتِفَاءً بِحَلْقِ الْعُمْرَةِ بَلْ لِعَدَمِ شَعْرٍ يُزِيلُهُ (قَوْلُهُ: الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ) أَيْ كَوْنُ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ، أَمَّا نَفْسُ الْإِحْرَامِ فَرُكْنٌ كَمَا مَرَّ اهـ
(قَوْلُهُ: وَيُؤَدَّى النُّسُكَانِ) أَيْ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِنُسُكٍ) أَيْ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (قَوْلُهُ: أَوْ عُمْرَةٍ) أَيْ وَبِعَدَمِهَا عَلَى الْإِتْيَانِ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ (قَوْلُهُ: أَنْ يَأْتِيَ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ فِي سَنَةٍ) أَيْ ثُمَّ بِالْعُمْرَةِ فِي أُخْرَى (قَوْلُهُ: فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ) قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي قَوْلِهِ أَحَدُهَا الْإِفْرَادُ، فَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنْ يَأْتِيَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ التَّفْصِيلِ وَبَيَانِ أَفْضَلِيَّتِهِ
(قَوْلُهُ: بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مَعًا) أَيْ وَسَوَاءٌ قَدَّمَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ أَمْ لَا كَمَا هُوَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِنُسُكٍ عَلَى حِدَتِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ إلَخْ) أَيْ حَقِيقَةً، وَإِلَّا فَهُوَ إفْرَادٌ مَجَازِيٌّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشِّهَابُ حَجّ كَغَيْرِهِ وَسَيُعْلَمُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ أَمَّا غَيْرُ الْأَفْضَلِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يُحْرِمَ بِحَجٍّ فَقَطْ أَوْ عُمْرَةٍ فَقَطْ) أَيْ وَلَا يَأْتِي بِالْآخَرِ مِنْ عَامِهِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْإِفْرَادُ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ) صَوَابُهُ فَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ، إذْ الْآتِي إنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ ذِكْرِ أَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ، وَأَمَّا بَيَانُهُ فَهُوَ الَّذِي مَرَّ عَلَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا مِنْ أَصْلِهِ
مَعًا (مِنْ الْمِيقَاتِ) لِلْحَجِّ وَغَيْرُ الْأَكْمَل أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُونِ الْمِيقَاتِ وَإِنْ لَزِمَهُ الدَّمُ فَتَقْيِيدُهُ بِالْمِيقَاتِ لِكَوْنِهِ أَكْمَلُ لَا لِكَوْنِ الثَّانِي لَا يُسَمَّى قِرَانًا (وَيَعْمَلُ عَمَلَ الْحَجِّ) فَقَطْ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْحَجِّ أَكْثَرُ (فَيَحْصُلَانِ) وَيَدْخُلُ عَمَلُ الْعُمْرَةِ فِي عَمَلِ الْحَجِّ فَيَكْفِيهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ لِخَبَرِ «مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ عَنْهُمَا حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» وَهَذِهِ الصُّورَةُ الْأَصْلِيَّةُ لِلْقِرَانِ ثُمَّ ذَكَرَ غَيْرَهَا بِقَوْلِهِ (وَإِنْ)(أَحْرَمَ بِعُمْرَةِ) صَحِيحَةٍ (فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ) أَحْرَمَ (بِحَجٍّ قَبْلَ) الشُّرُوعِ فِي (الطَّوَافِ)(كَانَ قَارِنًا) إجْمَاعًا فَيَكْفِيهِ عَمَلُ الْحَجِّ لِخَبَرِ عَائِشَةَ «أَنَّهَا أَحْرَمَتْ بِعُمْرَةٍ فَدَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَهَا تَبْكِي، فَقَالَ: مَا شَأْنُك؟ قَالَتْ: حِضْت وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ وَلَمْ أَحِلَّ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَهِلِّي بِالْحَجِّ، فَفَعَلَتْ وَوَقَفَتْ الْمَوَاقِفَ حَتَّى إذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَدْ حَلَلْت مِنْ حَجِّك وَعُمْرَتِك جَمِيعًا» وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ فِي أَشْهُرِهِ صَحَّ وَكَانَ قَارِنًا كَمَا صَحَّحَهُ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ الطَّوَافِ عَمَّا لَوْ طَافَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوْ شَرَعَ فِيهِ وَلَوْ بِخُطْوَةٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِاتِّصَالِ إحْرَامِهَا بِمَقْصُودِهِ وَهُوَ أَعْظَمُ أَفْعَالِهَا فَلَا يَنْصَرِفُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى غَيْرِهَا؛ وَلِأَنَّهُ أَخَذَ فِي التَّحَلُّلِ الْمُقْتَضِي لِنُقْصَانِ الْإِحْرَامِ فَلَا يَلِيقُ بِهِ إدْخَالُ الْإِحْرَامِ الْمُقْتَضِي لِفَوَاتِهِ، وَلَوْ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ بِنِيَّةِ الطَّوَافِ فَفِي صِحَّةِ الْإِدْخَالِ وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا كَمَا بَحَثَهُ فِي الْمَجْمُوعِ الْجَوَازُ إذْ هُوَ مُقَدِّمَتُهُ لَا بَعْضُهُ، وَعُلِمَ مِنْ تَقْيِيدِ الْعُمْرَةِ بِالصَّحِيحَةِ أَنَّهُ لَوْ أَفْسَدَ الْعُمْرَةَ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ بِهِ فَاسِدًا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ أَوْ بَعْدَهُ صَحَّ إحْرَامُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ حَتَّى يَتَعَيَّنَ الْمَنْعُ فَصَارَ كَمَنْ أَحْرَمَ وَتَزَوَّجَ وَلَمْ يَدْرِ هَلْ كَانَ إحْرَامُهُ قَبْلَ تَزَوُّجِهِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَزَوُّجُهُ (وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ) وَهُوَ إدْخَالُ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ (فِي الْجَدِيدِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِهِ شَيْئًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ يَسْتَفِيدُ بِهِ الْوُقُوفَ وَالرَّمْيَ وَالْمَبِيتَ؛ وَلِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ إدْخَالُ الضَّعِيفِ عَلَى الْقَوِيِّ كَفِرَاشِ النِّكَاحِ مَعَ فِرَاشِ الْمِلْكِ لِقُوَّتِهِ عَلَيْهِ جَازَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ (قَوْلُهُ: الْأَكْمَلُ) احْتَرَزَ بِهِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ فَتَقْيِيدُهُ بِالْمِيقَاتِ (قَوْلُهُ وَاحِدٌ عَنْهُمَا) أَيْ لِحُصُولِهِمَا، قَالَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ: وَهَلْ هُمَا: أَيْ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا أَوْ لِلْحَجِّ فَقَطْ وَالْعُمْرَةُ لَا حُكْمَ لَهَا لِانْغِمَارِهَا أَيْ فِي الْحَجِّ؟ لَمْ يُصَرِّحْ الْأَصْحَابُ بِذَلِكَ، لَكِنَّ الْأَقْرَبَ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ الثَّانِي اهـ سم (قَوْلُهُ: فَقَالَ مَا شَأْنُك) أَيْ أَيُّ شَيْءٍ شَأْنُك؟ فَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ (قَوْلُهُ: وَعُمْرَتُك جَمِيعًا) أَيْ وَعَلَيْهِ فَالْعُمْرَةُ الَّتِي أَمَرَهَا بِالْخُرُوجِ فِيهَا إلَى التَّنْعِيمِ كَانَتْ تَطَوُّعًا (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَوْ أَفْسَدَ) أَيْ بِأَنْ جَامَعَ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ بِهِ فَاسِدًا) أَيْ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِيهِ ثُمَّ قَضَاؤُهُ مِنْ قَابِلٍ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ) أَيْ الطَّوَافِ (قَوْلُهُ: صَحَّ إحْرَامُهُ) أَيْ بِالْحَجِّ وَيَبْرَأُ بِذَلِكَ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَقَدْ يُقَالُ: قِيَاسُ مَا مَرَّ مِنْ أَنْ أَحْرَمَ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ وَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ مَا أَحْرَمَ بِهِ أَنْ يَنْوِيَ الْقِرَانَ وَلَا يَبْرَأَ بِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَيَمْتَنِعُ إدْخَالُهَا عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ شَكَّ فِي إحْرَامِ نَفْسِهِ هَلْ قَرَنَ أَوْ أَحْرَمَ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ حَيْثُ لَا يَبْرَأُ مِنْ الْعُمْرَةِ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ هُنَا مِنْ الْحَجِّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ بَعْدَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ، فَلَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يُقَالَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فَلَا يَنْصَرِفُ) أَيْ الْإِحْرَامُ (قَوْلُهُ وَعُلِمَ مِنْ تَقْيِيدِ الْعُمْرَةِ بِالصَّحِيحَةِ أَنَّهُ لَوْ أَفْسَدَ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ خُصُوصَ الِانْعِقَادِ فَاسِدًا لَمْ يُعْلَمْ مِنْ هَذَا التَّقْيِيدِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ الْأَصْوَبُ عَدَمَ التَّقْيِيدِ لِيَشْمَلَ الْمَتْنُ الْقِرَانَ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ كَمَا صَنَعَ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ) أَيْ فِي الطَّوَافِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ) يَعْنِي أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا أَتَى بِهِ مِنْ إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَقَعَ جَائِزًا (قَوْلُهُ: لِقُوَّتِهِ) أَيْ فِرَاشِ النِّكَاحِ
إدْخَالُهُ عَلَيْهِ دُونَ الْعَكْسِ حَتَّى لَوْ نَكَحَ أُخْتَ أَمَتِهِ جَازَ وَطْؤُهَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَالْقَدِيمُ الْجَوَازُ، وَصَحَّحَهُ الْإِمَامُ كَعَكْسِهِ فَيَجُوزُ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي أَسْبَابِ تَحَلُّلِهِ وَيَجُوزُ الْقِرَانُ بِمَكَّةَ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَى الْحِلِّ تَغْلِيبًا لِلْحَجِّ مَعَ أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ بِوُقُوفِ عَرَفَةَ.
(الثَّالِثُ التَّمَتُّعُ) وَيَحْصُلُ (بِأَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ) فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ (مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ) أَوْ غَيْرِهِ (وَيَفْرُغَ مِنْهَا ثُمَّ يُنْشِئُ حَجًّا مِنْ مَكَّةَ) أَوْ مِنْ الْمِيقَاتِ الَّذِي أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْهُ أَوْ مِنْ مِثْلِ مَسَافَتِهِ أَوْ مِيقَاتٍ أَقْرَبَ مِنْهُ، وَسُمِّيَ مُتَمَتِّعًا لِتَمَتُّعِ صَاحِبِهِ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَيْنَهُمَا أَوْ لِتَمَتُّعِهِ بِسُقُوطِ الْعَوْدِ إلَى الْمِيقَاتِ لِلْحَجِّ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ بَلَدِهِ وَمِنْ مَكَّةَ مِثَالٌ لَا قَيْدٌ (وَأَفْضَلُهَا) أَيْ أَوْجُهُ أَدَاءِ النُّسُكَيْنِ الْمُتَقَدِّمَةِ (الْإِفْرَادُ) إنْ اعْتَمَرَ عَامَهُ فَإِنْ أَخَّرَهَا عَنْهُ كَانَ الْإِفْرَادُ مَكْرُوهًا إذْ تَأْخِيرُهَا عَنْهُ مَكْرُوهٌ، وَالْمُرَادُ بِالْعَامِ مَا بَقِيَ مِنْ الْحِجَّةِ الَّذِي هُوَ شَهْرُ حَجِّهِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ السُّبْكِيّ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ اعْتَمَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَيُسَمَّى إفْرَادًا أَيْضًا وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ، وَكَانَ مُرَادُهُمَا أَنَّهُ يُسَمَّى بِذَلِكَ حَيْثُ إنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ التَّمَتُّعِ الْمُوجِبِ لِلدَّمِ، وَإِلَّا فَمُطْلَقُ التَّمَتُّعِ يَشْمَلُ ذَلِكَ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ، بَلْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى تَمَتُّعًا (وَبَعْدَهُ التَّمَتُّعُ وَبَعْدَ التَّمَتُّعِ الْقِرَانُ) ؛ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ يَأْتِي بِعَمَلَيْنِ كَامِلَيْنِ غَيْرِ أَنَّهُ لَا يُنْشِئُ لَهُمَا مِيقَاتَيْنِ، وَأَمَّا الْقَارِنُ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِعَمَلٍ وَاحِدٍ مِنْ مِيقَاتٍ وَاحِدٍ (وَفِي قَوْلٍ التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ) وَمُنْشَأُ الْخِلَافِ اخْتِلَافُ الرُّوَاةِ فِي إحْرَامِهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهُ صَحَّ عَنْ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَفْرَدَ الْحَجَّ» وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ قَرَنَ» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ تَمَتَّعَ» وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ رُوَاتَهُ أَكْثَرُ وَبِأَنَّ جَابِرًا مِنْهُمْ أَقْدَمُ صُحْبَةً وَأَشَدُّ عِنَايَةً بِضَبْطِ الْمَنَاسِكِ وَأَفْعَالِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ لَدُنْ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى أَنْ تَحَلَّلَ، وَبِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اخْتَارَهُ أَوَّلًا كَمَا يَأْتِي، وَبِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَبِأَنَّ الْمُفْرِدَ لَمْ يَرْبَحْ مِيقَاتًا وَلَا اسْتَبَاحَ الْمَحْظُورَاتِ كَالْمُتَمَتِّعِ، وَلِانْدِرَاجِ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ تَحْتَ الْحَجِّ كَالْقَارِنِ فَهُوَ أَشُقُّ عَمَلًا، وَأَمَّا تَمَنِّيهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ «لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قُوِّيَ جَانِبُ الْبَرَاءَةِ بِكَوْنِ الْأَصْلِ عَدَمُ الطَّوَافِ عَنْ الْعُمْرَةِ فَصَحَّ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ (قَوْلُهُ: جَازَ وَطْؤُهَا) أَيْ أُخْتِ أَمَتِهِ
(قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْعَامِ) أَيْ الَّذِي يُكْرَهُ تَأْخِيرُ الْعُمْرَةِ عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَلِانْدِرَاجِ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ) لَعَلَّهُ وَلَا إدْرَاجَ إلَخْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ) إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ كَلَامَ الْمَتْنِ مَعَ أَنَّ التَّمَتُّعَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي التَّمَتُّعِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ فِي تَأْدِيَةِ النُّسُكَيْنِ، فَهُوَ نَظِيرُ تَقْيِيدِهِ الْإِفْرَادَ بِالْأَفْضَلِ وَالْقِرَانَ بِالْأَكْمَلِ (قَوْلُهُ: وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ اعْتَمَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ إلَخْ) هُوَ تَابِعٌ فِي هَذَا التَّعْبِيرِ لِلْإِمْدَادِ، لَكِنَّ شُمُولَ الْإِرْشَادِ لِمَا ذَكَرَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ صَوَّرَ التَّمَتُّعَ وَالْقِرَانَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ مَا سِوَاهُمَا إفْرَادٌ فَشَمِلَ ذَلِكَ فَصَحَّ لِلْإِمْدَادِ مَا قَالَهُ، بِخِلَافِ مَا فِي الْكِتَابِ فَإِنَّهُ صَوَّرَ الْإِفْرَادَ بِصُورَةٍ خَاصَّةٍ لَا شُمُولَ فِيهَا (قَوْلُهُ: أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ بَلَدِهِ وَمِنْ مَكَّةَ مِثَالٌ لَا قَيْدٌ) هُمَا قَيْدَانِ لِلتَّمَتُّعِ الْمُوجِبِ لِلدَّمِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ فِي تَأْدِيَةِ النُّسُكَيْنِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَأَفْضَلُهَا الْإِفْرَادُ) أَيْ الْمُتَقَدِّمُ فِي كَلَامِهِ الَّذِي هُوَ الْأَفْضَلُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ الشَّارِحِ إنْ اعْتَمَرَ مِنْ عَامِهِ لِأَنَّهُ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ.
(قَوْلُهُ: وَبِأَنَّ الْمُفْرِدَ لَمْ يَرْبَحْ مِيقَاتًا وَلَا اسْتَبَاحَ الْمَحْظُورَاتِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْإِمْدَادِ: وَبِأَنَّ الْمُفْرِدَ لَمْ يَرْبَحْ مِيقَاتًا وَلَا اسْتِبَاحَةَ الْمَحْظُورَاتِ كَالْمُتَمَتِّعِ وَلَا انْدِرَاجَ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ تَحْتَ الْحَجِّ كَالْقَارِنِ انْتَهَتْ. فَلَعَلَّ اسْتَبَاحَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ بِكَسْرِ التَّاءِ مَصْدَرًا مَفْعُولًا لِيَرْبَحْ وَأَسْقَطَتْ الْكَتَبَةُ أَلِفًا بَعْدَ كَلِمَةِ لَا مِنْ قَوْلِهِ وَلَا انْدِرَاجَ: أَيْ وَلَا رَبِحَ اسْتَبَاحَ الْمَحْظُورَاتِ وَلَا رَبِحَ انْدِرَاجَ إلَخْ فَتَرْجِعُ لِكَلَامِ الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ: فَلِتَطْيِيبِ قُلُوبِ أَصْحَابِهِ) أَيْ بَعْضِهِمْ وَهْم الَّذِينَ تَمَتَّعُوا كَمَا يُعْلَمُ
مَا سُقْت الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتهَا عُمْرَةً» فَلِتَطْيِيبِ قُلُوبِ أَصْحَابِهِ لِمَا حَزِنُوا عَلَى عَدَمِ مُوَافَقَتِهِ عِنْدَ أَمْرِهِ لَهُمْ بِالِاعْتِمَارِ لِعَدَمِ الْهَدْيِ وَالْمُوَافَقَةِ لِتَحْصِيلِهَا هَذَا الْمَعْنَى أَهَمُّ عِنْدَهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ فَضِيلَةٍ خَاصَّةٍ بِالنُّسُكِ.
وَلِلْمُصَنَّفِ فِي مَجْمُوعِهِ كَلَامٌ فِي حَجِّهِ صلى الله عليه وسلم وَحَجُّ أَصْحَابِهِ لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ لِنَفَاسَتِهِ وَلَا اعْتِبَارَ بِالْمُنَازَعَةِ فِيهِ حَيْثُ قَالَ: الصَّوَابُ الَّذِي نَعْتَقِدُهُ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ» ، وَخُصَّ بِجَوَازِهِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لِلْحَاجَةِ، وَبِهَذَا يَسْهُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، فَعُمْدَةُ رُوَاةِ الْإِفْرَادِ وَهُمْ الْأَكْثَرُ أَوَّلَ الْإِحْرَامَ وَرُوَاةَ الْقِرَانِ آخِرَهُ، وَمَنْ رَوَى التَّمَتُّعَ أَرَادَ التَّمَتُّعَ اللُّغَوِيَّ وَهُوَ انْتِفَاعٌ وَقَدْ انْتَفَعَ بِالِاكْتِفَاءِ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ.
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَعْتَمِرْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ عُمْرَةً مُفْرَدَةً، وَلَوْ جُعِلَتْ حَجَّتُهُ مُفْرَدَةً لَكَانَ غَيْرَ مُعْتَمِرٍ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ الْحَجَّ وَحْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ فَانْتَظَمَتْ الرِّوَايَاتُ فِي حَجَّتِهِ فِي نَفْسِهِ.
وَأَمَّا الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم فَكَانُوا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ أَحْرَمُوا بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجٍّ وَمَعَهُمْ هَدْيٌ، وَقِسْمٌ بِعُمْرَةٍ وَفَرَغُوا مِنْهَا ثُمَّ أَحْرَمُوا بِحَجٍّ، وَقِسْمٌ بِحَجٍّ مِنْ غَيْرِ هَدْيٍ مَعَهُمْ أَمَرَهُمْ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْلِبُوهُ عُمْرَةً، وَهُوَ مَعْنَى فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ وَهُوَ خَاصٌّ بِالصَّحَابَةِ، أَمَرَهُمْ بِهِ صلى الله عليه وسلم لِبَيَانِ مُخَالَفَةِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ تَحْرِيمِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ إيقَاعَهَا فِيهِ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ، كَمَا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ لِذَلِكَ وَدَلِيلُ التَّخْصِيصِ خَبَرُ أَبِي دَاوُد عَنْ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالٍ عَنْ أَبِيهِ «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت فَسْخَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ لَنَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً؟ فَقَالَ: بَلْ لَكُمْ خَاصَّةً» فَانْتَظَمَتْ فِي إحْرَامِهِمْ أَيْضًا، فَمَنْ رَوَى أَنَّهُمْ كَانُوا قَارِنِينَ أَوْ مُتَمَتِّعِينَ أَوْ مُفْرِدِينَ أَرَادَ بَعْضَهُمْ وَهُمْ الَّذِينَ عُلِمَ مِنْهُمْ ذَلِكَ وَظُنَّ أَنَّ الْبَقِيَّةَ مِثْلُهُمْ، وَكَرِهَ جَمْعٌ تَسْمِيَةَ حَجِّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَّةَ الْوَدَاعِ، وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ غَلَطٌ فَاحِشٌ نَابِذٌ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِنَحْوِ مَا مَرَّ فِي تَسْمِيَةِ الطَّوَافِ شَوْطًا وَبَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ تَبَعًا لِلْبَارِزِيِّ أَنَّ الْقَارِنَ الَّذِي اعْتَمَرَ قَبْلَ قِرَانِهِ أَوْ بَعْدَهُ يَكُونُ قِرَانُهُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى مَقْصُودِهِ مَعَ زِيَادَةِ عُمْرَةٍ أُخْرَى كَمُتَيَمِّمٍ يَرْجُو الْمَاءَ آخِرَ الْوَقْتِ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ أَوَّلَهُ ثُمَّ بِالْوُضُوءِ آخِرَهُ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يُلَاقِي مَا نَحْنُ فِيهِ إذْ الْكَلَامُ فِي الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ كَيْفِيَّاتِ أَدَاء النُّسُكَيْنِ الْمُسْقِطِ لِطَلَبِهِمَا لَا بَيْنَ أَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فَقَطْ وَأَدَائِهِمَا مَعَ زِيَادَةِ نُسُكٍ مُتَطَوِّعٍ بِهِ، وَيُرَدُّ أَيْضًا بِأَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ كَلَامَهُمْ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ نَقُولُ الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ حَتَّى مِنْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: فِي تِلْكَ السَّنَةِ لِلْحَاجَةِ) أَيْ وَهِيَ مُشَارَكَةُ أَصْحَابِهِ فِيمَا أَتَوْا بِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ الْمُنَبَّهِ عَلَى جَوَازِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مَعَ أَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا لَا يُزَاحِمُونَ بِهَا الْحَجَّ فِي وَقْتِ إمْكَانِهِ (قَوْلُهُ فَانْتَظَمَتْ) أَيْ الرَّوِيَّاتُ (قَوْلُهُ: بِنَحْوِ مَا مَرَّ) لَمْ يَتَقَدَّمْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ: عِنْدَ أَمْرِهِ) تَعْلِيلٌ فِي الْمَعْنَى لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ.
يَعْنِي إنَّمَا كَانَ عَدَمُ مُوَافَقَتِهِمْ لَهُ لِأَجْلِ أَمْرِهِ لَهُمْ بِالِاعْتِمَادِ (قَوْلُهُ: وَالْمُوَافَقَةُ لِتَحْصِيلِهَا هَذَا الْمَعْنَى إلَخْ) أَيْ فَمُوَافَقَتُهُ صلى الله عليه وسلم لَهُمْ فِي التَّمَتُّعِ لِمَا فِيهَا مِنْ تَطَيُّبِ قُلُوبِهِمْ أَهَمُّ عِنْدَهُ مِنْ فَضِيلَةٍ خَاصَّةٍ بِالنُّسُكِ وَهِيَ الْإِفْرَادُ الَّذِي أَتَى بِهِ وَلِذَلِكَ تَمَنَّى مُوَافَقَتَهُمْ (قَوْلُهُ: كَمَا «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ» ) صَوَابُهُ أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِنَحْوِ مَا مَرَّ إلَخْ) هُوَ تَابِعٌ فِي هَذَا لِلْإِمْدَادِ، لَكِنَّ ذَاكَ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ فِي كَلَامِهِ ثَمَّ بِخِلَافِ الشَّارِحِ، وَعِبَارَتُهُ ثَمَّ أَعْنِي الْإِمْدَادَ وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ كَرَاهَةُ تَسْمِيَةِ الطَّوْفَةِ شَوْطًا وَدَوْرًا إذْ لَمْ يَرِدْ لِأَنَّ الشَّوْطَ الْهَلَاكُ، ثُمَّ اخْتَارَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِوُرُودِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي، وَلَوْ ثَبَتَ رَفْعُهُ جَازَ حَمْلُهُ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ كَتَسْمِيَةِ الْعِشَاءِ عَتَمَةً مَعَ كَرَاهَتِهِ.
وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ إلَّا لِدَلِيلٍ خَاصٍّ، وَكَوْنُ الشَّوْطِ الْهَلَاكَ لَا يَقْتَضِي بِمُجَرَّدِهِ كَرَاهَةً انْتَهَتْ
الْقِرَانِ مَعَ الْعُمْرَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ فِي فَضِيلَةِ الِاتِّبَاعِ مَا يَرْبُو عَلَى زِيَادَةٍ فِي الْعَمَلِ كَمَا لَا يَخْفَى مِنْ فُرُوعٍ ذَكَرُوهَا، وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ أَنَّ مَنْ اسْتَنَابَ وَاحِدًا لِلْحَجِّ وَآخَرَ لِلْعُمْرَةِ لَا تَحْصُلُ لَهُ كَيْفِيَّةُ الْإِفْرَادِ الْفَاضِلِ؛ لِأَنَّ كَيْفِيَّةَ الْإِفْرَادِ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ.
(وَعَلَى الْمُتَمَتِّعِ دَمٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وَالْمَعْنَى فِي إيجَابِ الدَّمِ كَوْنُهُ رَبِحَ مِيقَاتًا، إذْ لَوْ كَانَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوَّلًا مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ لَكَانَ يَحْتَاجُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ إلَى خُرُوجِهِ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ لِيُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ، وَإِذَا تَمَتَّعَ اسْتَغْنَى عَنْ الْخُرُوجِ لِكَوْنِهِ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ، وَالْوَاجِبُ شَاةٌ مُجْزِئَةٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ سُبْعِ بَدَنَةٍ أَوْ سُبْعِ بَقَرَةٍ، وَكَذَا جَمِيعُ الدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ فِي الْحَجِّ إلَّا جَزَاءَ الصَّيْدِ كَمَا سَيَأْتِي مَبْسُوطًا (بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] إذْ اسْمُ إشَارَةٍ لِلْهَدْيِ وَالصَّوْمِ عِنْدَ فَقْدِهِ، وَلِمَنْ مَعْنَاهُ عَلَى مَنْ (وَحَاضِرُوهُ مِنْ) مَسَاكِنِهِمْ (دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ) ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ لَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَتُهُ اتِّفَاقًا بَلْ الْحَرَمُ عِنْدَ قَوْمٍ وَمَكَّةُ عِنْدَ آخَرِينَ، وَحَمْلُهُ عَلَى مَكَّةَ أَقَلُّ تَجَوُّزًا مِنْ حَمْلِهِ عَلَى جَمِيعِ الْحَرَمِ (قُلْت: الْأَصَحُّ مِنْ الْحَرَمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) إذْ كُلُّ مَوْضِعٍ ذَكَرَ اللَّهُ فِيهِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَهُوَ الْحَرَمُ إلَّا قَوْله تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] فَهُوَ نَفْسُ الْكَعْبَةِ، فَإِلْحَاقُ هَذَا بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ أَوْلَى، وَالْقَرِيبُ مِنْ الشَّيْءِ يُقَالُ إنَّهُ حَاضِرُهُ، قَالَ تَعَالَى {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} [الأعراف: 163] أَيْ قَرِيبَةً مِنْهُ.
وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرْبَحُوا مِيقَاتًا: أَيْ عَامًا لِأَهْلِهِ وَلِمَنْ مَرَّ بِهِ فَلَا يَشْكُلُ بِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ أَوْ الْحَرَمِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ إذَا عَنَّ لَهُ النُّسُكَ ثُمَّ فَاتَهُ وَإِنْ رَبِحَ مِيقَاتًا بِتَمَتُّعِهِ لَكِنَّهُ لَيْسَ مِيقَاتًا عَامًّا لِأَهْلِهِ وَلِمَنْ مَرَّ بِهِ، وَلَا يَشْكُلُ أَيْضًا بِأَنَّهُمْ جَعَلُوا مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَالْمَوْضِعِ الْوَاحِدِ فِي هَذَا وَلَمْ يَجْعَلُوهُ فِي مَسْأَلَةِ الْإِسَاءَةِ وَهُوَ إذَا كَانَ مَسْكَنُهُ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ الْحَرَمِ وَجَاوَزَهُ وَأَحْرَمَ كَالْمَوْضِعِ الْوَاحِدِ حَتَّى لَا يَلْزَمُهُ الدَّمُ كَالْمَكِّيِّ إذَا أَحْرَمَ مِنْ سَائِرِ بِقَاعِ مَكَّةَ بَلْ أَلْزَمُوهُ الدَّمَ وَجَعَلُوهُ مُسِيئًا كَالْآفَاقِيِّ؛ لِأَنَّ مَا خَرَجَ عَنْ مَكَّةَ مِمَّا ذُكِرَ تَابِعٌ لَهَا وَالتَّابِعُ لَا يُعْطَى حُكْمَ الْمَتْبُوعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ وَلِأَنَّهُمْ عَمِلُوا بِمُقْتَضَى الدَّلِيلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، فَهُنَا لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لِعَدَمِ إسَاءَتِهِ لِعَدَمِ عَوْدِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَاضِرِينَ بِمُقْتَضَى الْآيَةِ، وَهُنَاكَ يَلْزَمُهُ دَمٌ لِإِسَاءَتِهِ بِمُجَاوَزَتِهِ مَا عُيِّنَ لَهُ بِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ: وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ، عَلَى أَنَّ الْمَسْكَنَ الْمَذْكُورَ كَالْقَرْيَةِ بِمَنْزِلَةِ مَكَّةَ فِي جَوَازِ الْإِحْرَامِ مِنْ سَائِرِ بِقَاعِهِ وَعَدَمِ جَوَازِ مُجَاوَزَتِهِ بِلَا إحْرَامٍ لِمُرِيدِ النُّسُكِ، فَلَوْ كَانَ لِلْمُتَمَتِّعِ مَسْكَنَانِ بَعِيدٌ وَقَرِيبٌ اُعْتُبِرَ فِي كَوْنِهِ مِنْ الْحَاضِرِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ كَثْرَةُ إقَامَتِهِ بِأَحَدِهِمَا، ثُمَّ إنْ اسْتَوَتْ إقَامَتُهُ بِهِمَا اُعْتُبِرَ بِالْأَهْلِ وَالْمَالِ، فَإِنْ كَانَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لَهُ ثَمَّ جَوَابٌ عَنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَاقِطًا فِي هَذِهِ النُّسْخَةِ (قَوْلُهُ: مَا يَرْبُو) أَيْ يَزِيدُ (قَوْلُهُ: مِنْ فُرُوعٍ ذَكَرُوهَا) مِنْهَا مَنْ صَلَّى لِلْوَتْرِ ثَلَاثًا أَفْضَلُ مِمَّنْ صَلَّى عَشْرًا (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ كَيْفِيَّةَ الْإِفْرَادِ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ) هَذَا ظَاهِرٌ إنْ وَقَعَا مَعًا أَوْ تَقَدَّمَتْ الْعُمْرَةُ عَلَى الْحَجِّ.
أَمَّا لَوْ تَأَخَّرَتْ الْعُمْرَةُ عَنْ الْحَجِّ فَفِي عَدَمِ حُصُولِ الْإِفْرَادِ الْفَاضِلِ لَهُ نَظَرٌ
(قَوْلُهُ: إلَّا جَزَاءُ الصَّيْدِ) أَيْ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ مِثْلُ مَا قَتَلَهُ مِنْ الصَّيْدِ: أَيْ وَإِلَّا دَمُ الْجِمَاعِ الْمُفْسِدِ فَإِنَّهُ بَدَنَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِمَنْ) أَيْ مِنْ قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ} [البقرة: 196] وَقَوْلُهُ وَلِمَنْ مُبْتَدَأٌ؛ لِأَنَّهُ أُرِيدَ لَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ مُبْتَدَأٌ ثَانٍ وَعَلَى مَنْ خَبَرُ الثَّانِي وَالثَّانِي وَخَبَرُهُ خَبَرُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ لِأَنَّ مَا خَرَجَ عَنْ مَكَّةَ مِمَّا ذَكَرَ تَابِعٌ لَهَا إلَخْ) هَذَا لَا يُلَاقِي الْإِشْكَالَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ الْإِشْكَالُ بَيْنَ مَكَّةَ وَمَا هُنَا حَتَّى يُجَابَ عَنْهُ بِمَا ذَكَرَ، بَلْ الْإِشْكَالُ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا مُتَعَلِّقٌ بِخَارِجِ مَكَّةَ.
وَحَاصِلُهُ لِمَ جَعَلُوا إحْدَاهُمَا كَمَكَّةَ فِي أَنَّ سَائِرَ بِقَاعِهَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَلَمْ يَجْعَلُوا الْأُخْرَى كَذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ لِأَنَّ مَا خَرَجَ عَنْ مَكَّةَ مِمَّا ذَكَرَ تَابِعٌ إلَخْ مَوْجُودٌ فِي كِلَا الْمَسْأَلَتَيْنِ فَلَمْ يَنْدَفِعْ الْإِشْكَالُ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُمْ عَمِلُوا بِمُقْتَضَى الدَّلِيلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إلَخْ) حَاصِلُ
أَهْلُهُ بِأَحَدِهِمَا وَمَالُهُ بِالْآخَرِ اُعْتُبِرَ بِمَكَانِ الْأَهْلِ، ذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ.
قَالَ وَالْمُرَادُ بِالْأَهْلِ الزَّوْجَةُ وَالْأَوْلَادُ الَّذِينَ تَحْتَ حِجْرِهِ دُونَ الْآبَاءِ وَالْإِخْوَةِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ اُعْتُبِرَ بِعَزْمِ الرُّجُوعِ إلَى أَحَدِهِمَا لِلْإِقَامَةِ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَزْمٌ فِيمَا خَرَجَ مِنْهُ، قَالَ فِي الذَّخَائِرِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَزْمٌ وَاسْتَوَيَا فِي كُلِّ شَيْءٍ اُعْتُبِرَ بِمَوْضِعِ إحْرَامِهِ، وَلِغَرِيبٍ مُسْتَوْطِنٍ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ حُكْمُ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَيَلْزَمُ الدَّمُ آفَاقِيًّا تَمَتَّعَ نَاوِيًا الِاسْتِيطَانَ بِمَكَّةَ وَلَوْ بَعْدَ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيطَانَ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَعَلَّلَهُ فِي الذَّخَائِرِ بِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ.
أَمَّا الْعَوْدُ أَوْ الدَّمُ فِي إحْرَامِ سُنَّتِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ (وَأَنْ تَقَعَ عُمْرَتُهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ سَنَتِهِ) أَيْ الْحَجِّ فَلَوْ وَقَعَتْ قَبْلَ أَشْهُرِهِ وَأَتَمَّهَا وَلَوْ فِي أَشْهُرِهِ ثُمَّ حَجَّ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ لِعَدَمِ جَمْعِهِ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ الْحَجِّ فَأَشْبَهَ الْمُفْرَدَ وَأَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ، فَمَنْ لَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ الَّذِي اعْتَمَرَ فِيهِ لَا دَمَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَرَّرَ الْمُتَمَتِّعُ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهَلْ يَتَكَرَّرُ الدَّمُ أَمْ لَا؟ أَفْتَى الرِّيمِيُّ صَاحِبُ التَّفْقِيهِ الَّذِي هُوَ شَرْحُ التَّنْبِيهِ بِالتَّكَرُّرِ، وَأَفْتَى بَعْضُ مَشَايِخِ النَّاشِرِيِّ بِعَدَمِهِ قَالَ: وَهُوَ الظَّاهِرُ (وَأَنْ لَا يَعُودَ لِإِحْرَامِ الْحَجِّ إلَى الْمِيقَاتِ) الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ لِلْعُمْرَةِ أَوْ مِيقَاتٍ آخَرَ وَلَوْ أَقْرَبَ إلَى مَكَّةَ مِنْ مِيقَاتِ عُمْرَتِهِ أَوْ إلَى مِثْلِ مَسَافَةِ مِيقَاتِهَا، فَإِذَا عَادَ إلَيْهِ وَأَحْرَمَ مِنْهُ بِالْحَجِّ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ إذْ الْمُقْتَضِي لِلُزُومِهِ رِبْحُ مِيقَاتٍ وَقَدْ زَالَ بِعَوْدِهِ لَهُ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الدَّمِ نِيَّةُ التَّمَتُّعِ وَلَا وُقُوعُ النُّسُكَيْنِ عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَلَا بَقَاؤُهُ حَيًّا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ خَرَجَ الْمُتَمَتِّعُ لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ وَأَحْرَمَ خَارِجَهَا وَلَمْ يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ وَلَا إلَى مَسَافَتِهِ وَلَا إلَى مَكَّةَ لَزِمَهُ دَمٌ أَيْضًا لِلْإِسَاءَةِ الْحَاصِلَةِ بِخُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ مَعَ عَدَمِ عَوْدِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ الْمَذْكُورَةَ مُعْتَبَرَةٌ لِوُجُوبِ الدَّمِ وَالْأَشْهَرُ أَنَّهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي تَسْمِيَتِهِ تَمَتُّعًا.
(وَوَقْتُ وُجُوبِ الدَّمِ) عَلَيْهِ (إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ) ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مُتَمَتِّعًا بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ الْأَصَحُّ جَوَازُ ذَبْحِهِ إذَا فَرَغَ مِنْ الْعُمْرَةِ وَلَا يَتَأَقَّتُ ذَبْحُهُ بِوَقْتٍ كَسَائِرِ دِمَاءِ الْجُبْرَانَاتِ (وَ) لَكِنَّ (الْأَفْضَلَ ذَبْحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ) لِلِاتِّبَاعِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ فِيهِ، وَلَوْلَا هَذَانِ لَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ تَأْخِيرُهُ عَنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ وَالْإِمْكَانِ كَالزَّكَاةِ.
(فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ) حِسًّا بِأَنْ فَقَدَهُ وَثَمَنَهُ أَوْ شَرْعًا بِأَنْ وَجَدَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ أَوْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ أَوْ إلَى ثَمَنِهِ أَوْ غَابَ عَنْهُ مَالُهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ (فِي مَوْضِعِهِ) وَهُوَ الْحَرَمُ سَوَاءٌ أَقَدَرَ عَلَيْهِ بِبَلَدِهِ أَمْ بِغَيْرِهِ أَمْ لَا، بِخِلَافِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ) بَقِيَ مَا لَوْ كَانَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَالٌ بِلَا أَهْلٍ أَوْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَهْلٌ وَلَا مَالَ لَهُ أَوْ لَيْسَ لَهُ أَهْلٌ وَلَا مَالٌ فِي أَحَدِهِمَا، وَالْحُكْمُ فِي الْجَمِيعِ أَنَّهُ كَمَا اسْتَوَيَا فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ إلَخْ (قَوْلُهُ: دُونَ الْآبَاءِ وَالْإِخْوَةِ) أَيْ وَالْأَوْلَادِ الرُّشَدَاءِ عَلَى مَا أَفْهَمَهُ التَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ قَبْلُ: تَحْتَ حِجْرِهِ (قَوْلُهُ: أَفْتَى الرِّيمِيُّ) بِفَتْحِ الرَّاءِ إلَى رَيْمَةَ نَاحِيَةٌ بِالْيَمَنِ اهـ أَنْسَابٌ.
وَعِبَارَةُ الْقَامُوسِ: وَرَيْمَةٌ بِالْفَتْحِ: مِخْلَافٌ بِالْيَمَنِ وَحِصْنٌ بِالْيَمَنِ اهـ (قَوْلُهُ قَالَ) أَيْ النَّاشِرِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: وَلَا وُقُوعُ النُّسُكَيْنِ عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ) أَيْ بَلْ يَجِبُ وَإِنْ كَانَ النُّسُكَانِ عَنْ اثْنَيْنِ غَيْرِ الْمُحْرِمِ أَوْ أَحَدُهُمَا لِلْمُحْرِمِ وَالْآخَرُ لِغَيْرِهِ، وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْفَصْلِ بَيَانُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّمُ (قَوْلُهُ: لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ) أَيْ فَلَا يَسْتَقِرُّ قَبْلَهُ فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلَا إلَى مَسَافَتِهِ) نُسْخَةٌ مُسَامَتِهِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْلَا هَذَانِ) هُمَا قَوْلُهُ لِلِاتِّبَاعِ وَقَوْلُهُ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافٍ إلَخْ
(قَوْلُهُ: بِأَنْ وَجَدَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَلَّ بِحَيْثُ يَتَغَابَنُ بِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ لَكِنْ يَنْبَغِي وُجُوبُهُ بِزِيَادَةٍ لَا يَتَغَابَنُ بِهَا (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ) وَيَظْهَرُ أَنْ يَأْتِيَ هُنَا مَا ذَكَرُوهُ فِي الْكَفَّارَةِ مِنْ ضَابِطِ الْحَاجَةِ وَمِنْ اعْتِبَارِ سِنِّهِ أَوْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ الْحُكْمَ تَعَبُّدِيٌّ عَمَلًا بِالدَّلِيلِ فَلَا يُسْأَلُ عَنْ مَعْنَاهُ (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الذَّخَائِرِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَخْ) هُوَ مُقَابِلٌ لِمَا قَبْلَهُ لَا عَيْنُهُ، لَكِنَّ عِبَارَةَ الشِّهَابِ حَجّ: ثُمَّ مَا خَرَجَ مِنْهُ ثُمَّ مَا أَحْرَمَ مِنْهُ انْتَهَتْ
كَفَّارَةِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ يَخْتَصُّ ذَبْحُهُ بِالْحَرَمِ دُونَ الْكَفَّارَةِ (صَامَ) بَدَلَهُ حَتْمًا (عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثَلَاثَةً فِي الْحَجِّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} [البقرة: 196] أَيْ الْهَدْيَ {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] أَيْ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِهِ فَيَمْتَنِعُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الدَّمِ، إذْ الصَّوْمُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَامْتَنَعَ تَقْدِيمُهَا عَلَى وَقْتِهَا كَالصَّلَاةِ، وَالدَّمُ عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ كَالزَّكَاةِ، وَلَوْ عَدِمَ الْهَدْيُ فِي الْحَالِ وَعُلِمَ وُجُودُهُ قَبْلَ فَرَاغِ الصَّوْمِ فَلَهُ الصَّوْمُ فِي الْأَظْهَرِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَعْجِزْ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَوْ رَجَا وُجُودَهُ جَازَ لَهُ الصَّوْمُ وَفِي اسْتِحْبَابِ انْتِظَارِهِ مَا مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ وَلَكِنْ (تُسْتَحَبُّ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ) ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ فِطْرُهُ كَمَا مَرَّ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ فَيُحْرِمُ قَبْلَ سَادِسِ الْحِجَّةِ وَيَصُومُهُ وَتَالِيَيْهِ، وَإِذَا أَحْرَمَ فِي زَمَنٍ يَسَعُ الثَّلَاثَةَ وَجَبَ عَلَيْهِ تَقْدِيمُهَا عَلَى يَوْمِ النَّحْرِ، فَإِنْ أَخَّرَهَا عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَصَى وَصَارَتْ قَضَاءً، وَإِنْ أَخَّرَ الطَّوَافَ وَصَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي الْحَجِّ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ نَادِرٌ فَلَا يَكُونُ مُرَادًا مِنْ الْآيَةِ، وَلَيْسَ السَّفَرُ عُذْرًا فِي تَأْخِيرِ صَوْمِهَا؛ لِأَنَّ صَوْمَهَا يَتَعَيَّنُ إيقَاعُهُ فِي الْحَجِّ بِالنَّصِّ، وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَلَا يَكُونُ السَّفَرُ عُذْرًا، بِخِلَافِ رَمَضَانَ فَلَا يَجُوزُ صَوْمُهَا فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَالتَّشْرِيقِ كَمَا مَرَّ، وَإِذَا فَاتَهُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ فِي الْحَجِّ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا وَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ بِزَمَنٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ فِيهِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ إذْ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُ سَبَبِ الْوُجُوبِ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَحُجَّ فِي هَذَا الْعَامِ، وَيُسَنُّ لِلْمُوسِرِ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَهُوَ ثَامِنُ الْحِجَّةِ لِلِاتِّبَاعِ، وَهَذَا الصَّوْمُ تَرْكٌ لَا يُتَصَوَّرُ فِي تَرْكِ الرَّمْيِ وَلَا فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ وَلَا فِي الْفَوَاتِ، فَيَجِبُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي الرَّمْيِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْإِمْكَانِ بَعْدَ الْوُجُوبِ (وَ) صَامَ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ (سَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى) وَطَنِهِ وَ (أَهْلِهِ) (فِي الْأَظْهَرِ) إنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ إلَيْهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] وَخَبَرُ «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ» فَلَا يَجُوزُ صَوْمُهَا فِي الطَّرِيقِ لِذَلِكَ، فَلَوْ أَرَادَ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ صَامَهَا بِهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَالثَّانِي إذَا فَرَغَ مِنْ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ بِالرُّجُوعِ فَكَأَنَّهُ بِالْفَرَاغِ رَجَعَ عَمَّا كَانَ مُقْبِلًا عَلَيْهِ (وَيُنْدَبُ تَتَابُعُ) الْأَيَّامِ (الثَّلَاثَةِ) أَدَاءً أَوْ قَضَاءً (وَ) كَذَا (السَّبْعَةُ) بِالرَّفْعِ بِخَطِّهِ، وَيُنْدَبُ تَتَابُعُهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِيهِ مُبَادَرَةً لِأَدَاءِ الْوَاجِبِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ. نَعَمْ لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ سَادِسِ الْحِجَّةِ لَزِمَهُ أَنْ يُتَابِعَ فِي الثَّلَاثَةِ لِضِيقِ الْوَقْتِ لَا لِلتَّتَابُعِ نَفْسِهِ (وَلَوْ)(فَاتَهُ الثَّلَاثَةُ فِي الْحَجِّ) بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ) قَضَاؤُهَا لِمَا مَرَّ (وَأَنْ يُفَرِّقَ فِي قَضَائِهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّبْعَةِ) بِقَدْرِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ يَوْمِ النَّحْرِ، وَالتَّشْرِيقِ، وَمُدَّةُ إمْكَانِ السَّيْرِ إلَى أَهْلِهِ عَلَى الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ كَمَا فِي الْأَدَاءِ، فَلَوْ صَامَ عَشَرَةً وَلَاءً حَصَلَتْ الثَّلَاثَةُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْعُمُرِ الْغَالِبِ وَقْتَ الْأَدَاءِ إلَّا الْوُجُوبُ اهـ حَجّ اهـ زِيَادِيٌّ (قَوْلُهُ: مَا مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ) أَيْ فَإِنْ تَيَقَّنَ وُجُودَهُ فَانْتِظَارُهُ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَالتَّعْجِيلُ أَفْضَلُ (قَوْلُهُ: فَيُحْرِمُ قَبْلَ سَادِسِ الْحِجَّةِ) أَيْ وَالْأَوْلَى لَهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا) أَيْ وَلَوْ مُسَافِرًا كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَيْسَ السَّفَرُ عُذْرًا فِي تَأْخِيرِ صَوْمِهَا (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَحُجَّ فِي هَذَا الْعَامِ) أَيْ يُمْكِنُ (قَوْلُهُ: إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ) أَيْ وَإِنْ بَعُدَ وَطَنُهُ كَالْمَغَارِبَةِ مَثَلًا (قَوْلُهُ: صَامَهَا) أَيْ السَّبْعَةَ وَجَازَ الشُّرُوعُ فِيهَا عَقِبَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ حَيْثُ صَامَ الثَّلَاثَةَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَإِلَّا صَامَ الثَّلَاثَةَ ثُمَّ السَّبْعَةَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ (قَوْلُهُ: وَيُنْدَبُ تَتَابُعُهَا أَيْضًا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَيْ يُنْدَبُ إلَخْ؛ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ تَفْسِيرٌ لِلتَّشْبِيهِ الْمُفَادِ بِقَوْلِهِ وَكَذَا السَّبْعَةُ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ كَمَا يُنْدَبُ تَتَابُعُ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ يُنْدَبُ تَتَابُعُ الْعَشَرَةِ بِأَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ إلَّا بِمُدَّةِ السَّيْرِ إلَى أَهْلِهِ (قَوْلُهُ: بِقَدْرِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) أَيْ فَلَوْ اسْتَوْطَنَ مَكَّةَ وَلَمْ يَصُمْ الثَّلَاثَةَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ فَرَقَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ (قَوْلُهُ: وَمُدَّةُ إمْكَانِ السَّيْرِ إلَى أَهْلِهِ عَلَى الْعَادَةِ) أَقُولُ: وَمِنْ ذَلِكَ إقَامَةُ الْحُجَّاجِ بِمَكَّةَ بَعْدَ أَعْمَالِ الْحَجِّ لِقَضَاءِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا كَمَا مَرَّ) كَذَا فِي النُّسَخِ بِالْكَافِ وَلَعَلَّ صَوَابَهُ لِمَا مَرَّ بِاللَّامِ