الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي الْحَيَاةِ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ.
أَمَّا مَنْ كَانَ يُهَابُ حَالَ حَيَاتِهِ لِكَوْنِهِ جَبَّارًا كَالْوُلَاةِ الظَّلَمَةِ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ
(وَالتَّعْزِيَةُ) لِأَهْلِ الْمَيِّتِ صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ ذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ (سُنَّةٌ) فِي الْجُمْلَةِ مُؤَكَّدَةٌ لِمَا صَحَّ مِنْ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى امْرَأَةٍ تَبْكِي عَلَى صَبِيٍّ لَهَا، فَقَالَ لَهَا اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي، ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا الصَّبْرُ أَيْ الْكَامِلُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى» وَمِنْ قَوْلِهِ «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَتِهِ إلَّا كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَيُكْرَهُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ الِاجْتِمَاعُ بِمَكَانٍ لِتَأْتِيَهُمْ النَّاسُ لِلتَّعْزِيَةِ، وَجُلُوسُهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قُتِلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَجَعْفَرٌ وَابْنُ رَوَاحَةَ رضي الله عنهم يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْحُزْنُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ كَانَ لِأَجْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ النَّاسُ لِيُعَزُّوهُ.
وَيُسَنُّ أَنْ يُعَزَّى بِكُلِّ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ عَلَيْهِ وَجْدٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، فَشَمِلَ ذَلِكَ الزَّوْجَ بِزَوْجَتِهِ وَالصَّدِيقَ بِصَدِيقِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالسَّيِّدَ بِرَقِيقِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ خَيْرَانَ، وَتَعْبِيرُهُمْ بِالْأَهْلِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، بَلْ عُمُومُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُسَنُّ التَّعْزِيَةُ بِالْمُصِيبَةِ يَشْمَلُ التَّعْزِيَةَ بِفَقْدِ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَقِيقًا وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الْفُقَهَاءِ فِي التَّعْزِيَةِ بِالْمَيِّتِ، وَلَا يُعَزِّي الشَّابَّةَ إلَّا مَحَارِمُهَا أَوْ زَوْجُهَا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ، وَكَذَا مَنْ أُلْحِقَ بِهِمْ فِي جَوَازِ النَّظَرِ فِيمَا يَظْهَرُ.
أَمَّا تَعْزِيَتُهَا لِلْأَجْنَبِيِّ فَحَرَامٌ قِيَاسًا عَلَى سَلَامِهَا عَلَيْهِ، وَاحْتَرَزْنَا بِقَوْلِنَا فِي الْجُمْلَةِ عَنْ تَعْزِيَةِ الذِّمِّيِّ بِمِثْلِهِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ لَا مَنْدُوبَةٌ عَلَى مَا يَأْتِي فِيهِ، وَهِيَ لُغَةً التَّسْلِيَةُ عَمَّنْ يُعَزَّى عَلَيْهِ، وَاصْطِلَاحًا الْأَمْرُ بِالصَّبْرِ وَالْحَمْلُ عَلَيْهِ بِوَعْدِ الْأَجْرِ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ الْوِزْرِ بِالْجَزَعِ وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بِالْمَغْفِرَةِ وَلِلْمُصَابِ بِجَبْرِ الْمُصِيبَةِ، وَتُسَنُّ (قَبْلَ دَفْنِهِ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ شِدَّةِ الْجَزَعِ وَالْحُزْنِ (وَ) لَكِنْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ: وَالتَّعْزِيَةُ) أَيْ مِنْ الْأَجَانِبِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُسَنَّ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ (قَوْلُهُ: صَغِيرِهِمْ) أَيْ الَّذِي لَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ (قَوْلُهُ: سُنَّةٌ فِي الْجُمْلَةِ) بِبَعْضِ الْهَوَامِشِ الصَّحِيحَةِ وَتُسَنُّ الْمُصَافَحَةُ هُنَا أَيْضًا اهـ.
وَهُوَ قَرِيبٌ؛ لِأَنَّ فِيهَا جَبْرًا لِأَهْلِ الْمَيِّتِ وَكَسْرًا لِسُورَةِ الْحُزْنِ، بَلْ هَذَا أَوْلَى مِنْ الْمُصَافَحَةِ فِي الْعِيدِ وَنَحْوِهِ، وَتَحْصُلُ سُنَّةُ التَّعْزِيَةِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَوْ كَرَّرَهَا هَلْ يَكُونُ مَكْرُوهًا لِمَا فِيهِ مِنْ تَجْدِيدِ الْحُزْنِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ يُقَالُ مُقْتَضَى الِاقْتِصَارِ فِي الْكَرَاهَةِ عَلَى مَا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ عَدَمُ كَرَاهَةِ التَّكْرِيرِ فِي الثَّلَاثَةِ سِيَّمَا إذَا وَجَدَ عِنْدَ أَهْلُ الْمَيِّتِ جَزَعًا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: تَبْكِي عَلَى صَبِيٍّ) أَيْ مَعَ جَزَعٍ مِنْهَا (قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ إنَّمَا الصَّبْرُ إلَخْ) قَالَ الْعَلْقَمِيُّ عَلَى الْجَامِعِ عِنْدَ شَرْحِهِ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ الصَّبْرُ هُوَ حَبْسُ النَّفْسِ عَلَى كَرِيهٍ تَتَحَمَّلُهُ أَوْ لَذِيذٍ تُفَارِقُهُ وَهُوَ مَمْدُوحٌ وَمَطْلُوبٌ (قَوْلُهُ: عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى) مَعْنَاهُ: أَنَّ كُلَّ ذِي رَزِيَّةٍ قُصَارَاهُ الصَّبْرُ وَلَكِنَّهُ إنَّمَا يَحْمَدُ عِنْدَ حِدَّتِهَا اهـ مُخْتَارُ الصِّحَاحِ (قَوْلُهُ مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَتِهِ) أَيْ وَلَوْ بِغَيْرِ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ: بِمَكَانٍ لِتَأْتِيَهُمْ النَّاسُ) وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى عَدَمِ الْجُلُوسِ ضَرَرٌ كَنِسْبَتِهِمْ الْمُعِزِّي إلَى كَرَاهَتِهِ لَهُمْ حَيْثُ لَمْ يَجْلِسْ لِتَلَقِّيهمْ وَإِلَّا فَتَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ، بَلْ قَدْ يَكُونُ الْجُلُوسُ وَاجِبًا إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ لَوْ لَمْ يَجْلِسْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَابْنُ رَوَاحَةَ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ (قَوْلُهُ: التَّعْزِيَةَ بِفَقْدِ الْمَالِ) أَيْ وَإِنْ قَلَّ بِالنِّسْبَةِ لَنْ يَتَأَثَّرَ لَهُ (قَوْلُهُ وَلَا يُعَزِّي الشَّابَّةَ إلَخْ) أَيْ لَا يُسَنُّ بَلْ تُكْرَهُ التَّعْزِيَةُ لِغَيْرِ الْمَحَارِمِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا مَنْ أُلْحِقَ بِهِمْ) أَيْ كَعَبْدِهَا (قَوْلُهُ: أَمَّا تَعْزِيَتُهَا لِلْأَجْنَبِيِّ فَحَرَامٌ) وَقِيَاسُ حُرْمَةُ رَدِّهَا السَّلَامَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ حُرْمَةُ رَدِّهَا عَلَى الْأَجْنَبِيِّ الْمُعِزِّي (قَوْلُهُ: قِيَاسًا عَلَى سَلَامِهَا) قَضِيَّةُ الْقِيَاسِ عَلَى السَّلَامِ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَعَ جَمْعٍ مِنْ النِّسْوَةِ تُحِيلُ الْعَادَةَ أَنَّ مِثْلَهُ خَلْوَةٌ عَدَمُ الْحُرْمَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ سِيَّمَا إذَا قُطِعَ بِانْتِفَاءِ الرِّيبَةِ (قَوْلُهُ: عَمَّنْ يُعَزَّى عَلَيْهِ) أَيْ عَمَلٌ يُعَزَّى بِهِ، وَعِبَارَةُ الْخَطِيبِ عَمَّنْ يُعَزَّى
ــ
[حاشية الرشيدي]
[التَّعْزِيَةُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ سُنَّةٌ]
قَوْلُهُ: وَاحْتَرَزْنَا بِقَوْلِنَا فِي الْجُمْلَةِ عَنْ تَعْزِيَةِ الذِّمِّيِّ إلَخْ) إنَّمَا لَمْ يُجْعَلْ مَا قِبَلِ هَذَا مِنْ الْمُحْتَرَزِ أَيْضًا لِأَنَّ عَدَمَ السِّنِّ فِيهِ لِأَمْرٍ عَارِضٍ (قَوْلُهُ: وَاصْطِلَاحًا الْأَمْرُ بِالصَّبْرِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ التَّعْزِيَةَ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِمَجْمُوعِ مَا يَأْتِي وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: بِوَعْدِ الْأَجْرِ) أَيْ إنْ كَانَ مُسْلِمًا (قَوْلُهُ: وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بِالْمَغْفِرَةِ) أَيْ إنْ كَانَ مُسْلِمًا كَمَا هُوَ
(بَعْدَهُ) أَوْلَى لِاشْتِغَالِهِمْ قَبْلَهُ بِتَجْهِيزِهِ، وَلِشِدَّةِ حُزْنِهِمْ حِينَئِذٍ بِالْمُفَارَقَةِ.
نَعَمْ إنْ اشْتَدَّ جَزَعُهُمْ اُخْتِيرَ تَقْدِيمُهَا لِيُصَبِّرَهُمْ وَتَمْتَدُّ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) تَقْرِيبًا فَتُكْرَهُ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا تَسْكِينُ قَلْبِ الْمُصَابِ وَالْغَالِبُ سُكُونُهُ فِيهَا فَلَا يُجَدَّدُ حُزْنُهُ، وَقَدْ جَعَلَهَا النَّبِيُّ نِهَايَةَ الْحُزْنِ بِقَوْلِي لَهُ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمِنْ هُنَا كَانَ ابْتِدَاءُ الثَّلَاثِ مِنْ الْمَوْتِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ، وَبِهِ صَرَّحَ جَمْعٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ أَبِي الدَّمِ وَالْغَزَالِيُّ فِي خُلَاصَتِهِ وَالصَّيْمَرِيُّ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ وَصَاحِبُ الْكَافِي وَالْإِقْنَاعِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ مِنْ الدَّفْنِ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ التَّعْزِيَةِ مِنْهُ أَيْضًا لَا مِنْ الْمَوْتِ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي مَجْمُوعِهِ وَغَيْرِهِ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَقْتُهَا مِنْ الْمَوْتِ إلَى الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُرَادُهُ بِهِ مَا قُلْنَا بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعْدُ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُهَا قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ اهـ.
وَاَلَّذِي قُلْنَاهُ هُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرُهُ لِلْحَنَابِلَةِ، هَذَا كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ لِحَاضِرٍ، أَمَّا عِنْدَ غَيْبَةِ الْمُعَزَّى أَوْ الْمُعَزِّي أَوْ مَرَضِهِ أَوْ حَبْسِهِ أَوْ عَدَمِ عِلْمِهِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي تَمْشِيَتِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِهَا كُلُّ مَا يُشْبِهُهَا مِنْ أَعْذَارِ الْجَمَاعَةِ فَتَبْقَى إلَى الْقُدُومِ وَالْعِلْمِ وَزَوَالِ الْمَانِعِ، وَبَحَثَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ امْتِدَادَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَارْتَضَاهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَتَحْصُلُ بِالْمُكَاتَبَةِ مِنْ الْغَائِبِ وَيَلْتَحِقُ بِهِ الْحَاضِرُ الْمَعْذُورُ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ، وَفِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ وَقْفَةٌ (وَيُعَزَّى) بِفَتْحِ الزَّايِ (الْمُسْلِمُ) أَيْ يُقَالُ فِي تَعْزِيَتِهِ (بِالْمُسْلِمِ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ) أَيْ جَعَلَهُ عَظِيمًا، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ دُعَاءٌ بِكَثْرَةِ مَصَائِبِهِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق: 5] (وَأَحْسَنَ عَزَاءَك) بِالْمَدِّ أَيْ جَعَلَهُ حَسَنًا وَزَادَ عَلَى الْمُحَرَّرِ (وَغَفَرَ لِمَيِّتِك) لِكَوْنِهِ لَائِقًا بِالْحَالِ، وَقَدَّمَ الدُّعَاءَ لِلْمُعَزَّى؛ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ قَبْلَهُ بِمَا وَرَدَ مِنْ تَعْزِيَةِ الْخَضِرِ أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَوْتِهِ: إنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ وَخَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِكٍ وَدَرَكًا مِنْ كُلِّ فَائِتٍ، فَبِاَللَّهِ فَثِقُوا وَإِيَّاهُ فَارْجُوا فَإِنَّ الْمُصَابَ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ، وَوَرَدَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَزَّى مُعَاذًا بِابْنٍ لَهُ بِقَوْلِهِ: أَعْظَمَ اللَّهُ لَك الْأَجْرَ وَأَلْهَمَك الصَّبْرَ وَرَزَقَنَا وَإِيَّاكَ الشُّكْرَ» وَمِنْ أَحْسَنِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ «إنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى» وَقَدْ أَرْسَلَ ذَلِكَ صلى الله عليه وسلم لِابْنَتِهِ لَمَّا أَرْسَلَتْ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ ابْنَهَا فِي الْمَوْتِ (وَ) يُعَزَّى الْمُسْلِمُ أَيْ يُقَالُ فِي تَعْزِيَتِهِ (بِالْكَافِرِ) الذِّمِّيِّ (أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك وَصَبْرَك) وَأَخْلَفَ عَلَيْك أَوْ جَبَرَ مُصِيبَتَك أَوْ نَحْوَهُ، ذَلِكَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا لِكَوْنِهِ لَائِقًا بِالْحَالِ.
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: إذَا احْتَمَلَ حُدُوثُ مِثْلِ الْمَيِّتِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ يُقَالُ أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك بِالْهَمْزِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ رَدَّ عَلَيْك مِثْلَ مَا ذَهَبَ مِنْك، وَإِلَّا خَلَفَ عَلَيْك: أَيْ كَانَ اللَّهُ خَلِيفَةً عَلَيْك مِنْ فَقْدِهِ، وَلَا يَقُولُ وَغَفَرَ لِمَيِّتِك؛ لِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ لِلْكَافِرِ حَرَامٌ (وَ) يُعَزَّى (الْكَافِرُ) أَيْ الْمُحْتَرَمُ جَوَازًا مَا لَمْ يُرْجَ إسْلَامُهُ وَإِلَّا فَنَدْبًا بِأَنْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
عَلَيْهِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ (قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ) أَيْ فَإِنْ وَقَعَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ تُمِّمَ مِنْ الرَّابِعِ (قَوْلُهُ: مُرَادُهُ بِهِ مَا قُلْنَا إلَخْ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ وَمِنْ هُنَا كَانَ ابْتِدَاءُ الثَّلَاثِ مِنْ الْمَوْتِ إلَخْ (قَوْلُهُ: هَذَا كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ لِحَاضِرٍ) أَيْ وَلَوْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْبَلَدِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ الْبَلَدِ مَا جَاوَرَهَا (قَوْلُهُ: وَارْتَضَاهُ الْإِسْنَوِيُّ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَيُعَزَّى الْمُسْلِمُ بِالْمُسْلِمِ) وَمِنْهُ الرَّقِيقُ (قَوْلُهُ: إنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً) أَيْ تَسْلِيَةً وَقَوْلُهُ مِنْ كُلُّ مُصِيبَةٍ وَمِنْ بِمَعْنَى عِنْدَ.
(قَوْلُهُ: إنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ) قَدَّمَهُ عَلَى مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَقَامِ التَّسْلِيَةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ لِلْكَافِرِ حَرَامٌ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا، لَكِنْ فِي حَجّ قَبْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَجِبُ غُسْلُ الْكَافِرِ مَا نَصُّهُ: وَيَظْهَرُ حِلُّ الدُّعَاءِ لَهُمْ: أَيْ أَطْفَالِ الْكُفَّارِ بِالْمَغْفِرَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَيُعَزِّي الْكَافِرُ بِالْكَافِرِ جَوَازًا) أَيْ فَالْمُرَادُ بِالْكَافِرِ الْمُعَزِّي هُنَا الْمُحْتَرَمُ، وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى التَّقْيِيدِ بِالْجَوَازِ
يُقَالَ فِي تَعْزِيَتِهِ (بِالْمُسْلِمِ غَفَرَ اللَّهُ لِمَيِّتِك وَأَحْسَنَ عَزَاءَك) وَقَدَّمَ الدُّعَاءَ هُنَا لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْلِمُ فَكَانَ أَوْلَى بِتَقْدِيمِهِ تَعْظِيمًا لِلْإِسْلَامِ وَالْحَيُّ كَافِرٌ، وَلَا يُقَالُ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك؛ لِأَنَّ لَا أَجْرَ لَهُ.
أَمَّا الْكَافِرُ غَيْرُ الْمُحْتَرَمِ مِنْ مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ فَلَا يُعَزَّى كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَالْأَوْجَهُ كَرَاهَتُهُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ فِي الْمُهِمَّاتِ.
نَعَمْ لَوْ كَانَ فِيهَا تَوْقِيرُهُ لَمْ يَبْعُدْ حُرْمَتُهَا وَلَوْ لِذِمِّيٍّ، هَذَا إنْ لَمْ يُرْجَ إسْلَامُهُ، فَإِنْ رُجِيَ اُسْتُحِبَّتْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ وَلَا يُعَزَّى بِهِ أَيْضًا، وَيُعَزَّى الْكَافِرُ بِالْكَافِرِ جَوَازًا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ مَا لَمْ يُرْجَ إسْلَامُهُ، وَإِلَّا فَنَدْبًا بِأَنْ يُقَالَ: أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك وَلَا نَقَصَ عَدَدَك بِنَصْبِهِ وَرَفْعِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُنَا فِي الدُّنْيَا بِتَكْثِيرِ الْجِزْيَةِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالْفِدَاءِ مِنْ النَّارِ، وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِدَوَامِ الْكُفْرِ.
قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: تَرَكَهُ وَمَنَعَهُ ابْنُ النَّقِيبِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْبَقَاءَ عَلَى الْكُفْرِ، قَالَ: وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلِهِ بِتَكْثِيرِ الْجِزْيَةِ اهـ.
وَظَاهِرٌ أَنَّ قَوْلَ الْمَجْمُوعِ إنَّهُ دُعَاءٌ بِدَوَامِ الْكُفْرِ أَنَّهُ دُعَاءٌ بِتَكْثِيرِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَمِنْ لَازِمِ كَثْرَتِهِمْ امْتِدَادُ بَقَائِهِمْ فَامْتِدَادُهُ مَعَ الْكُفْرِ فِيهِ دَوَامٌ لَهُ، وَمَعْنَى قَوْلِ ابْنِ النَّقِيبِ لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْبَقَاءَ عَلَى الْكُفْرِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِمْ أَهْلَ ذِمَّةٍ بَقَاؤُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ، فَهُوَ نَظَرٌ إلَى مَدْلُولِ هَذَا اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ، وَالْمُصَنِّفُ نَظَرَ إلَيْهِ بِقَيْدٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ التَّعْلِيلُ السَّابِقُ، وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا لِذَلِكَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَتَوَهَّمُهُ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ يُرِيدُهُ وَإِنْ دَلَّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ تَعْزِيَةُ مُسْلِمٍ بِمُرْتَدٍّ أَوْ حَرْبِيٍّ، بِخِلَافِ نَحْوِ مُحَارِبٍ وَزَانٍ مُحْصِنٍ وَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَإِنْ قُتِلَ حَدًّا، وَيَنْبَغِي لِلْمُعَزَّى إجَابَةُ التَّعْزِيَةِ بِنَحْوِ جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا وَلَعَلَّهُمْ حَذَفُوهُ لِوُضُوحِهِ
(وَيَجُوزُ)(الْبُكَاءُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَيِّتِ (قَبْلَ الْمَوْتِ) لِمَا صَحَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم بَكَى عَلَى وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ قَبْلَ مَوْتِهِ وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ بِحَضْرَةِ الْمُحْتَضَرِ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَالْبُكَا قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْلَى مِنْهُ بَعْدَهُ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ مَطْلُوبٌ وَإِنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُ الصَّبَّاغِ، بَلْ إنَّهُ أَوْلَى بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَهُ يَكُونُ أَسَفًا عَلَى مَا فَاتَ (وَ) يَجُوزُ (بَعْدَهُ) أَيْضًا «لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم بَكَى عَلَى قَبْرِ بِنْتٍ لَهُ، وَزَارَ قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ» رَوَى الْأَوَّلَ الْبُخَارِيُّ وَالثَّانِيَ مُسْلِمٌ، وَالْبُكَا عَلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ مَكْرُوهٌ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْأَذْكَارِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ لِخَبَرِ «فَإِذَا وَجَبَتْ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ، قَالُوا: وَمَا الْوُجُوبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: قَالَ: الْمَوْتُ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ.
لَكِنْ نُقِلَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَحْكَامِ الْآخِرَةِ بِخِلَافِ صُورَةِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: غَفَرَ اللَّهُ لِمَيِّتِك إلَخْ) وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فِي التَّعْزِيَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا مَشَى لَكُمْ أَحَدٌ فِي مَكْرُوهٍ، وَقَوْلُهُمْ هُوَ قَاطِعُ السُّوءِ عَنْكُمْ هَلْ ذَلِكَ جَائِزٌ أَوْ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ الدُّعَاءَ لَهُمْ بِالْبَقَاءِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ فِيهِ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ الدُّعَاءَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ بِعَدَمِ تَوَالِي الْهُمُومِ وَتَرَادُفِهَا عَلَيْهِمْ بِمَوْتِ غَيْرِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ بَعْدَهُ قَرِيبًا مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَلَا نَقَصَ عَدَدُك بِنَصْبِهِ وَرَفْعِهِ) أَيْ مَعَ تَخْفِيفِ الْقَافِ وَبِتَشْدِيدِهَا مَعَ النَّصْبِ (قَوْلُهُ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ التَّعْلِيلُ) هُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُنَا فِي الدُّنْيَا بِتَكْثِيرِ الْجِزْيَةِ وَفِي الْآخِرَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَا يُسَنُّ تَعْزِيَةُ مُسْلِمٍ بِمُرْتَدٍّ) هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَلَا يُعَزَّى بِهِ
(قَوْلُهُ: بَكَى عَلَى قَبْرِ بِنْتٍ لَهُ) لَعَلَّهَا أُمُّ كُلْثُومٍ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الْمَوَاهِبِ: وَأَمَّا أُمُّ كُلْثُومٍ، وَلَا يُعْرَفُ لَهَا اسْمٌ وَإِنَّمَا تُعْرَفُ بِكُنْيَتِهَا، فَمَاتَتْ سَنَةَ تِسْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَصَلَّى عَلَيْهَا عليه الصلاة والسلام وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهَا عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَفِي الْبُخَارِيِّ «جَلَسَ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْقَبْرِ وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ لَمْ يُقَارِفْ اللَّيْلَةَ» وَقَوْلُهُ عَلَى الْقَبْرِ: أَيْ قَبْرِ أُمِّ كُلْثُومٍ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَالْبُكَا عَلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِي اُلْبُكَا الِاخْتِيَارِيِّ أَمَّا الْقَهْرِيُّ فَلَا يَدْخُلُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ فِي التَّعْزِيَةِ وَلَا نَقَصَ عَدَدُك (قَوْلُهُ: إنَّهُ دُعَاءٌ بِتَكْثِيرِ أَهْلِ الْحَرْبِ) أَيْ وَجْهُهُ ذَلِكَ