الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْإيمَانُ بِالرُّسُل
وُجُوبُ الْإيمَانِ بِالرُّسُل
قَالَ تَعَالَى: {فَآَمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ، وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (1)
(خ م ت حم)، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ:(" كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَجْلِسُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَصْحَابِهِ (4)" ، فَيَجِيءُ الْغَرِيبُ (5) فلَا يَدْرِي أَيُّهُمْ هُوَ حَتَّى يَسْأَلَ، فَطَلَبْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَجْعَلَ لَهُ مَجْلِسًا يَعْرِفُهُ الْغَرِيبُ إِذَا أَتَاهُ، فَبَنَيْنَا لَهُ دُكَّانًا (6) مِنْ طِينٍ ، " فَكَانَ يَجْلِسُ عَلَيْهِ (7)") (8) (وَكُنَّا نَجْلِسُ بِجَنْبَتَيْهِ) (9) (فَبَيْنَمَا نَحْنُ ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم) (10) (إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ (11) يَمْشِي) (12) (شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ) (13) (كَأَنَّ ثِيَابَهُ لَمْ يَمَسَّهَا دَنَسٌ) (14) (شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ) (15) (أَحْسَنُ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَطْيَبُ النَّاسِ رِيحًا) (16) (لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ) (17) (فَسَلَّمَ مِنْ طَرَفِ السِّمَاطِ (18)) (19) (فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ، " فَرَدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم السَّلَامَ ") (20) (قَالَ: أَدْنُو يَا مُحَمَّدُ؟ ، قَالَ: " ادْنُهْ "، فَمَا زَالَ يَقُولُ: أَدْنُو مِرَارًا، وَيُقُولُ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " ادْنُ "، حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رُكْبَتَيْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم) (21) وفي رواية: (فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْه ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ) (22) (فَقَالَ: أَخْبِرْنِي مَا الْإِسْلَامُ (23)؟ ، قَالَ: " الْإِسْلَامُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا (24)) (25) وفي رواية: (أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ)(26)(وَأَنْ تُقِيمَ الصَلَاةَ [الْمَكْتُوبَةَ] (27) وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ [الْمَفْرُوضَةَ](28) وَتَصُومَ رَمَضَانَ) (29)(وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)(30)(وَتَعْتَمِرَ وَتَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ ، وَأَنْ تُتِمَّ الْوُضُوءَ ")(31)(قَالَ: فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَنَا مُسْلِمٌ؟)(32) وفي رواية: (إِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَقَدْ أَسْلَمْتُ؟)(33)(قَالَ: " نَعَمْ " ، قَالَ: صَدَقْتَ، فَلَمَّا سَمِعْنَا قَوْلَ الرَّجُلِ: صَدَقْتَ)(34)(عَجِبْنَا [مِنْهُ] (35) يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ (36)) (37)(ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي مَا الْإِيمَانُ؟ ، قَالَ: " الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ (38) وَمَلَائِكَتِهِ (39) وَكُتُبِهِ (40) وَبِلِقَائِهِ (41) وَرُسُلِهِ (42)
وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الْآخِرِ (43)) (44) وفي رواية: (وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ)(45)[وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ](46)(وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ)(47)(خَيْرِهِ وَشَرِّهِ (48)") (49) (قَالَ: فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَقَدْ آمَنْتُ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " نَعَمْ "، قَالَ: صَدَقْتَ (50)) (51).
(1)[آل عمران/179]
(2)
[البقرة: 285]
(3)
[النساء/150 - 152]
(4)
أَيْ: فِي وَسَطِهِمْ وَمُعْظَمهمْ. عون المعبود - (ج 10 / ص 216)
(5)
أَيْ: الْمُسَافِر. عون المعبود - (ج 10 / ص 216)
(6)
قَالَ فِي الْقَامُوس: الدُّكَّان: بِنَاءٌ يُسَطَّحُ أَعْلَاهُ لِلْمَقْعَدِ. عون المعبود (10/ 216)
(7)
اسْتَنْبَطَ مِنْهُ الْقُرْطُبِيُّ اِسْتِحْبَابَ جُلُوسِ الْعَالِمِ بِمَكَانٍ يَخْتَصُّ بِهِ ، وَيَكُوُن مُرْتَفِعًا إِذَا اِحْتَاجَ لِذَلِكَ لِضَرُورَةِ تَعْلِيمِ وَنَحْوه. (فتح - ح50)
(8)
(س) 4991 ، (د) 4698
(9)
(د) 4698
(10)
(حم) 367 ، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين
(11)
أَيْ: مَلَكٌ فِي صُورَة رَجُل. (فتح - ح50)
(12)
(خ) 4499
(13)
(م) 8 ، (ت) 2610
(14)
(س) 4991
(15)
(م) 8 ، (ت) 2610
(16)
(س) 4991
(17)
(م) 8 ، (ت) 2610
(18)
أَيْ: الْجَمَاعَة ، يَعْنِي الْجَمَاعَة الَّذِينَ كَانُوا جُلُوسًا عَنْ جَانِبَيْهِ. عون (10/ 216)
(19)
(د) 4698
(20)
(س) 4991 ، (د) 4698
(21)
(س) 4991
(22)
(م) 8 ، (س) 4990
(23)
قَدَّمَ السُّؤَالَ عَنْ الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ الْأَصْل، وَثَنَّى بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ يُظْهِرُ مِصْدَاقَ الدَّعْوَى، وَثَلَّثَ بِالْإِحْسَانِ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّق بِهِمَا.
وَفِي رِوَايَة عُمَارَة بْن الْقَعْقَاع: بَدَأَ بِالْإِسْلَامِ ، لِأَنَّهُ بِالْأَمْرِ الظَّاهِر ، وَثَنَّى بِالْإِيمَانِ لِأَنَّهُ بِالْأَمْرِ الْبَاطِن ، وَرَجَّحَ هَذَا الطِّيبِيّ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّرَقِّي.
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقِصَّة وَاحِدَة ، اِخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِي تَادِيَتِهَا، وَلَيْسَ فِي السِّيَاقِ تَرْتِيٌب، وَيَدُلّ عَلَيْهِ رِوَايَة مَطَرٍ الْوَرَّاق ، فَإِنَّهُ بَدَأَ بِالْإِسْلَامِ، وَثَنَّى بِالْإِحْسَانِ، وَثَلَّثَ بِالْإِيمَانِ فَالْحَقُّ أَنَّ الْوَاقِعَ أَمْرٌ وَاحِد، وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّاخِيرُ وَقَعَ مِنْ الرُّوَاة. وَالله أَعْلَم.
(فتح - ح50)
(24)
قَالَ النَّوَوِيّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعِبَادَةِ مَعْرِفَةُ الله ، فَيَكُونُ عَطْفُ الصَّلَاة وَغَيْرِهَا عَلَيْهَا لِإِدْخَالِهَا فِي الْإِسْلَام، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعِبَادَةِ الطَّاعَةُ مُطْلَقًا، فَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ الْوَظَائِف، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عَطْفُ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامّ.
قُلْت: أَمَّا الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ فَبَعِيد؛ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ مِنْ مُتَعَلَّقَاتِ الْإِيمَان، وَأَمَّا الْإِسْلَام ، فَهُوَ أَعْمَالٌ قَوْلِيَّةٌ وَبَدَنِيَّة، وَقَدْ عَبَّرَ فِي حَدِيثِ عُمَر هُنَا بِقَوْلِهِ " أَنْ تَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول الله "، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْعِبَادَةِ فِي حَدِيث الْبَاب: النُّطْق بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ دَفْعُ الِاحْتِمَال الثَّانِي.
وَلَمَّا عَبَّرَ الرَّاوِي بِالْعِبَادَةِ ، اِحْتَاجَ أَنْ يُوَضِّحَهَا بِقَوْلِهِ " وَلَا تُشْرِك بِهِ شَيْئًا " ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهَا فِي رِوَايَة عُمَر ، لِاسْتِلْزَامِهَا ذَلِكَ. (فتح - ح50)
(25)
(س) 4991 ، (خ) 50 ، (م) 9
(26)
(م) 8 ، (س) 4990
(27)
(م) 9 ، (جة) 64
(28)
(م) 9 ، (جة) 64
(29)
(خ) 50 ، (م) 9
(30)
(م) 8 ، (س) 4990
(31)
(خز) 1 ، (حب) 173 ، (د) 4695 ، صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 175 ، 1101 ، وصححها الألباني في الإرواء تحت حديث: 3،
وقال الأرنؤوط في (حب) 173: إسناده صحيح.
(32)
(خز) 1 ، (حب) 173
(33)
(س) 4991
(34)
(س) 4991
(35)
(جة) 63
(36)
قَالَ الْقُرْطُبِيّ: إِنَّمَا عَجِبُوا مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَتِه، وَلَيْسَ هَذَا السَّائِلُ مِمَّنْ عُرِفَ بِلِقَاءِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَلَا بِالسَّمَاعِ مِنْهُ، ثُمَّ هُوَ يَسْأَلُ سُؤَالَ عَارِفٍ بِمَا يَسْأَلُ عَنْهُ ، لِأَنَّهُ يُخْبِرهُ بِأَنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ، فَتَعَجَّبُوا مِنْ ذَلِكَ تَعَجُّبَ الْمُسْتَبْعِد لِذَلِكَ. وَالله أَعْلَم. (فتح - ح50)
(37)
(م) 8 ، (س) 4990
(38)
قَوْله: (قَالَ: الْإِيمَان أَنْ تُؤْمِن بِاللهِ إِلَخْ) دَلَّ الْجَوَابُ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ ، لَا عَنْ مَعْنَى لَفْظه، وَإِلَّا لَكَانَ الْجَوَاب: الْإِيمَان: التَّصْدِيق.
وَقَالَ الطِّيبِيّ: هَذَا يُوهِمُ التَّكْرَار، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ قَوْلَهُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ مُتَضَمِّنٌ مَعْنَى أَنْ تَعْتَرِف بِهِ، وَلِهَذَا عَدَّاهُ بِالْبَاءِ، أَيْ: أَنْ تُصَدِّقَ مُعْتَرِفًا بِكَذَا.
قُلْت: وَالتَّصْدِيقُ أَيْضًا يُعَدَّى بِالْبَاءِ ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى دَعْوَى التَّضْمِين.
وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: لَيْسَ هُوَ تَعْرِيفًا لِلشَّيْءِ بِنَفْسِهِ، بَلْ الْمُرَادُ مِنْ الْمَحْدُودِ: الْإِيمَان الشَّرْعِيّ، وَمِنْ الْحَدِّ: الْإِيمَان اللُّغَوِيّ.
قُلْت: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إِنَّمَا أَعَادَ لَفْظَ الْإِيمَانِ لِلِاعْتِنَاءِ بِشَأْنِهِ تَفْخِيمًا لِأَمْرِهِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّل مَرَّة} فِي جَوَاب {مَنْ يُحْيِي الْعِظَام وَهِيَ رَمِيم} ، يَعْنِي أَنَّ قَوْله (أَنْ تُؤْمِنَ) يَنْحَلُّ مِنْهُ الْإِيمَان ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: الْإِيمَانُ الشَّرْعِيُّ تَصْدِيقٌ مَخْصُوصٌ، وَإِلَّا لَكَانَ الْجَوَاب: الْإِيمَانُ: التَّصْدِيق ، وَالْإِيمَانُ بِاللهِ هُوَ التَّصْدِيق بِوُجُودِهِ ، وَأَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ ، مُنَزَّهٌ عَنْ صِفَاتِ النَّقْص. (فتح - ح50)
(39)
الْإِيمَان بِالْمَلَائِكَةِ: هُوَ التَّصْدِيقُ بِوُجُودِهِمْ ، وَأَنَّهُمْ كَمَا وَصَفَهُمْ الله تَعَالَى {عِبَاد مُكْرَمُونَ} ، وَقَدَّمَ الْمَلَائِكَةَ عَلَى الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ نَظَرًا لِلتَّرْتِيبِ الْوَاقِع؛ لِأَنَّهُ سبحانه وتعالى أَرْسَلَ الْمَلَكَ بِالْكِتَابِ إِلَى الرَّسُولِ ، وَلَيْسَ فِيهِ مُتَمَسَّكٌ لِمَنْ فَضَّلَ الْمَلَكَ عَلَى الرَّسُولِ. (فتح - ح50)
(40)
الْإِيمَانُ بِكُتُبِ الله: التَّصْدِيقُ بِأَنَّهَا كَلَامُ الله ، وَأَنَّ مَا تَضَمَّنَتْهُ حَقّ. (فتح - ح50)
(41)
قَوْله: (وَبِلِقَائِهِ) كَذَا وَقَعَتْ هُنَا بَيْن الْكُتُبِ وَالرُّسُل، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ، وَلَمْ تَقَع فِي بَقِيَّة الرِّوَايَات، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا مُكَرَّرَةٌ ، لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي الْإِيمَان بِالْبَعْثِ.
وَالْحَقُّ أَنَّهَا غَيْرُ مُكَرَّرَة، فَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْبَعْثِ: الْقِيَامُ مِنْ الْقُبُور وَالْمُرَاد بِاللِّقَاءِ: مَا بَعْد ذَلِكَ.
وَقِيلَ: اللِّقَاء يَحْصُلُ بِالِانْتِقَالِ مِنْ دَارِ الدُّنْيَا، وَالْبَعْثُ بَعْد ذَلِكَ ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا رِوَايَة مَطَر الْوَرَّاق ، فَإِنَّ فِيهَا " وَبِالْمَوْتِ ، وَبِالْبَعْثِ بَعْد الْمَوْت "، وَكَذَا فِي حَدِيث أَنَس ، وَابْن عَبَّاس. وَقِيلَ: الْمُرَاد بِاللِّقَاءِ: رُؤْيَة الله، ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ.
وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيّ بِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقْطَعُ لِنَفْسِهِ بِرُؤْيَةِ الله، فَإِنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِمَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا وَالْمَرْءُ لَا يَدْرِي بِمَ يُخْتَمُ لَهُ، فَكَيْف يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ شُرُوط الْإِيمَان؟.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ: الْإِيمَانُ بِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، وَهَذَا مِنْ الْأَدِلَّة الْقَوِيَّة لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ الله تَعَالَى فِي الْآخِرَة ، إِذْ جُعِلَتْ مِنْ قَوَاعِد الْإِيمَان. (فتح - ح50)
(42)
الْإِيمَان بِالرُّسُلِ: التَّصْدِيقُ بِأَنَّهُمْ صَادِقُونَ فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ عَنْ اللهِ، وَدَلَّ الْإِجْمَالُ فِي الْمَلَائِكَةِ وَالْكُتُبِ وَالرُّسُلِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ فِي الْإِيمَانِ بِهِمْ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيل، إِلَّا مَنْ ثَبَتَ تَسْمِيَتُه ، فَيَجِبُ الْإِيمَان بِهِ عَلَى التَّعْيِين. وَهَذَا التَّرْتِيب مُطَابِق لِلْآيَةِ {آمَنَ الرَّسُول بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبّه} وَمُنَاسَبَةُ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُور ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَاو لَا تُرَتِّبُ ، بَلْ الْمُرَادُ مِنْ التَّقَدُّمِ أَنَّ الْخَيْرَ وَالرَّحْمَةَ مِنْ الله، وَمِنْ أَعْظَمِ رَحْمَتِهِ أَنْ أَنْزَلَ كُتُبَهُ إِلَى عِبَادِه، وَالْمُتَلَقِّي لِذَلِكَ مِنْهُمْ الْأَنْبِيَاء، وَالْوَاسِطَةُ بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَهُمْ الْمَلَائِكَة. (فتح - ح50)
(43)
أَمَّا الْبَعْثُ الْآخِر ، فَقِيلَ: ذَكَرَ " الْآخِرَ " تَاكِيدًا ، كَقَوْلِهِمْ أَمْسِ الذَّاهِب،
وَقِيلَ: لِأَنَّ الْبَعْثَ وَقَعَ مَرَّتَيْنِ: الْأُولَى: الْإِخْرَاجُ مِنْ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُود ، أَوْ مِنْ بُطُونِ الْأُمَّهَات بَعْدَ النُّطْفَةِ وَالْعَلَقَةِ إِلَى الْحَيَاة الدُّنْيَا.
وَالثَّانِيَة: الْبَعْثُ مِنْ بُطُونِ الْقُبُورِ إِلَى مَحَلِّ الِاسْتِقْرَار.
وَأَمَّا الْيَوْم الْآخِر ، فَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ ، لِأَنَّهُ آخِرُ أَيَّامِ الدُّنْيَا ، أَوْ آخِرُ الْأَزْمِنَةِ الْمَحْدُودَة وَالْمُرَادُ بِالْإِيمَانِ بِهِ: التَّصْدِيقُ بِمَا يَقَعُ فِيهِ مِنْ الْحِسَاب، وَالْمِيزَان، وَالْجَنَّة وَالنَّار. (فتح - ح50)
(44)
(خ) 50 ، (م) 9
(45)
(حم) 184
(46)
(حم) 184 ، وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(47)
(م) 10 ، (س) 4990
(48)
الْقَدَر مَصْدَر، تَقُول: قَدَرْتُ الشَّيْء ، بِتَخْفِيفِ الدَّالّ وَفَتْحهَا ، أَقْدِرُهُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح ، قَدْرًا ، وَقَدَرًا: إِذَا أَحَطْتَ بِمِقْدَارِهِ.
وَالْمُرَاد أَنَّ الله تَعَالَى عَلِمَ مَقَادِيرَ الْأَشْيَاءِ وَأَزْمَانَهَا قَبْلَ إِيجَادِهَا، ثُمَّ أَوْجَدَ مَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ يُوجَد، فَكُلُّ مُحْدَثٍ صَادِرٌ عَنْ عِلْمِهِ ، وَقُدْرَتِهِ ، وَإِرَادَته، هَذَا هُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ الدِّين بِالْبَرَاهِينِ الْقَطْعِيَّة، وَعَلَيْهِ كَانَ السَّلَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَخِيَارِ التَّابِعِينَ، إِلَى أَنْ حَدَثَتْ بِدْعَةُ الْقَدَرِ فِي أَوَاخِرِ زَمَنِ الصَّحَابَة.
وَقَدْ حَكَى الْمُصَنِّفُونَ فِي الْمَقَالَاتِ عَنْ طَوَائِفَ مِنْ الْقَدَرِيَّة إِنْكَارَ كَوْنِ الْبَارِئ عَالِمًا بِشَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ قَبْلَ وُقُوعِهَا مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا يَعْلَمُهَا بَعْد كَوْنِهَا.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَغَيْره: قَدْ اِنْقَرَضَ هَذَا الْمَذْهَبُ، وَلَا نَعْرِفُ أَحَدًا يُنْسَبُ إِلَيْهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ ، قَالَ: وَالْقَدَرِيَّةُ الْيَوْمَ مُطْبِقُونَ عَلَى أَنَّ اللهَ عَالِمٌ بِأَفْعَالِ الْعِبَادِ قَبْلَ وُقُوعِهَا، وَإِنَّمَا خَالَفُوا السَّلَفَ فِي زَعْمِهِمْ بِأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَقْدُورَةٌ لَهُمْ ، وَوَاقِعَةٌ مِنْهُمْ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِقْلَال، وَهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ، مَعَ كَوْنِهِ أَخَفُّ مِنْ الْمَذْهَبِ الْأَوَّل ، وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ ، فَأَنْكَرُوا تَعَلُّق الْإِرَادَةِ بِأَفْعَالِ الْعِبَاد ، فِرَارًا مِنْ تَعَلُّقِ الْقَدِيِم بِالْمُحْدَثِ، وَهُمْ مَخْصُومُونَ بِمَا قَالَ الشَّافِعِيّ: إِنْ سَلَّمَ الْقَدَرِيُّ بِالْعِلْمِ خُصِمَ. يَعْنِي يُقَال لَهُ: أَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فِي الْوُجُودِ خِلَافُ مَا تَضَمَّنَهُ الْعِلْم؟ ، فَإِنْ مَنَعَ ، وَافَقَ قَوْلَ أَهْلِ السُّنَّة، وَإِنْ أَجَازَ ، لَزِمَهُ نِسْبَة الْجَهْل، تَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ. (فتح - ح50)
(49)
(م) 8 ، (ت) 2610
(50)
ظَاهِرُ السِّيَاق يَقْتَضِي أَنَّ الْإِيمَانَ لَا يُطْلَقُ إِلَّا عَلَى مَنْ صَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ، وَقَدْ اِكْتَفَى الْفُقَهَاءُ بِإِطْلَاقِ الْإِيمَانِ عَلَى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَرَسُولِه، وَلَا اِخْتِلَاف؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ بِرَسُولِ اللهِ الْمُرَادُ بِهِ الْإِيمَانُ بِوُجُودِهِ ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ عَنْ رَبِّه، فَيَدْخُلُ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ تَحْتَ ذَلِكَ. وَالله أَعْلَم. (فتح - ح50)
(51)
(س) 4991 ، (حم) 2926
(م)، وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ (1) يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ (2) ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ "(3)
الشرح (4)
(1) أَيْ: مِمَّنْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي زَمَنِي وَبَعْدِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَكُلُّهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدُّخُولُ فِي طَاعَتِهِ. شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 279)
(2)
ذَكَرَ الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ تَنْبِيهًا عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَهُمْ كِتَابٌ ، فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَهُمْ مَعَ أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا، فَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُ أَوْلَى. شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 279)
(3)
(م) 153
(4)
وقال الألباني في الصَّحِيحَة ح157: والحديث صريح في أن من سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم وما أُرسل به، بلغه ذلك على الوجه الذي أنزله الله عليه، ثم لم يؤمن به صلى الله عليه وسلم أنَّ مصيرَه إلى النار، لَا فرق في ذلك بين يهودي ، أو نصراني ، أو مجوسي ، أو لَا ديني ، واعتقادي أن كثيرا من الكفار لو أُتِيحَ لهم الاطلاعُ على الأصول والعقائد والعبادات التي جاء بها الإسلام ، لسارعوا إلى الدخول فيه أفواجا، كما وقع ذلك في أول الأمر ، فليتَ أن بعض الدول الإسلامية تُرسل إلى بلاد الغرب من يدعو إلى الإسلام، ممن هو على عِلم به على حقيقته ، وعلى معرفة بما أُلصِق به من الخرافات والبدع والافتراءات ، ليُحْسِنَ عرضَه على المَدْعُوِّين إليه، وذلك يستدعي أن يكونَ على علمٍ بالكتاب والسنة الصحيحة، ومعرفةٍ ببعض اللغات الأجنبية الرائجة، وهذا شيءٌ عزيز ، يكاد يكون مفقودا، فالقضية تتطلب استعدادات هامَّة، فلعلهم يفعلون. أ. هـ