الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(2) اَلْإيمَان
أَرْكَانُ الْإيمَان
(خ م ت حم)، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ:(" كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَجْلِسُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَصْحَابِهِ (1)" ، فَيَجِيءُ الْغَرِيبُ (2) فلَا يَدْرِي أَيُّهُمْ هُوَ حَتَّى يَسْأَلَ، فَطَلَبْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَجْعَلَ لَهُ مَجْلِسًا يَعْرِفُهُ الْغَرِيبُ إِذَا أَتَاهُ، فَبَنَيْنَا لَهُ دُكَّانًا (3) مِنْ طِينٍ ، " فَكَانَ يَجْلِسُ عَلَيْهِ (4) ") (5)(وَكُنَّا نَجْلِسُ بِجَنْبَتَيْهِ)(6)(فَبَيْنَمَا نَحْنُ ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم)(7)(إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ (8) يَمْشِي) (9)
(شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ)(10)(كَأَنَّ ثِيَابَهُ لَمْ يَمَسَّهَا دَنَسٌ)(11)(شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ)(12)(أَحْسَنُ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَطْيَبُ النَّاسِ رِيحًا)(13)(لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ)(14)(فَسَلَّمَ مِنْ طَرَفِ السِّمَاطِ (15)) (16)(فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ، " فَرَدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم السَّلَامَ ")(17)(قَالَ: أَدْنُو يَا مُحَمَّدُ؟ ، قَالَ: " ادْنُهْ "، فَمَا زَالَ يَقُولُ: أَدْنُو مِرَارًا، وَيُقُولُ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " ادْنُ "، حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رُكْبَتَيْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم)(18) وفي رواية: (فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْه ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ)(19)(فَقَالَ: أَخْبِرْنِي مَا الْإِسْلَامُ (20)؟ ، قَالَ:" الْإِسْلَامُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا (21)) (22) وفي رواية: (أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ) (23) (وَأَنْ تُقِيمَ الصَلَاةَ [الْمَكْتُوبَةَ] (24) وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ [الْمَفْرُوضَةَ] (25) وَتَصُومَ رَمَضَانَ) (26) (وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) (27) (وَتَعْتَمِرَ وَتَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ ، وَأَنْ تُتِمَّ الْوُضُوءَ ") (28)(قَالَ: فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَنَا مُسْلِمٌ؟)(29) وفي رواية: (إِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَقَدْ أَسْلَمْتُ؟)(30)(قَالَ: " نَعَمْ " ، قَالَ: صَدَقْتَ، فَلَمَّا سَمِعْنَا قَوْلَ الرَّجُلِ: صَدَقْتَ)(31)(عَجِبْنَا [مِنْهُ] (32) يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ (33)) (34) (ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي مَا الْإِيمَانُ؟ ،
قَالَ: " الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ (35) وَمَلَائِكَتِهِ (36) وَكُتُبِهِ (37) وَبِلِقَائِهِ (38) وَرُسُلِهِ (39) وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الْآخِرِ (40)) (41) وفي رواية: (وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ) (42) [وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ] (43) (وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ) (44) (خَيْرِهِ وَشَرِّهِ (45) ") (46)(قَالَ: فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَقَدْ آمَنْتُ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " نَعَمْ "، قَالَ: صَدَقْتَ (47)) (48).
(1) أَيْ: فِي وَسَطِهِمْ وَمُعْظَمهمْ. عون المعبود - (ج 10 / ص 216)
(2)
أَيْ: الْمُسَافِر. عون المعبود - (ج 10 / ص 216)
(3)
قَالَ فِي الْقَامُوس: الدُّكَّان: بِنَاءٌ يُسَطَّحُ أَعْلَاهُ لِلْمَقْعَدِ. عون المعبود (10/ 216)
(4)
اسْتَنْبَطَ مِنْهُ الْقُرْطُبِيُّ اِسْتِحْبَابَ جُلُوسِ الْعَالِمِ بِمَكَانٍ يَخْتَصُّ بِهِ ، وَيَكُوُن مُرْتَفِعًا إِذَا اِحْتَاجَ لِذَلِكَ لِضَرُورَةِ تَعْلِيمِ وَنَحْوه. (فتح - ح50)
(5)
(س) 4991 ، (د) 4698
(6)
(د) 4698
(7)
(حم) 367 ، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين
(8)
أَيْ: مَلَكٌ فِي صُورَة رَجُل. (فتح - ح50)
(9)
(خ) 4499
(10)
(م) 8 ، (ت) 2610
(11)
(س) 4991
(12)
(م) 8 ، (ت) 2610
(13)
(س) 4991
(14)
(م) 8 ، (ت) 2610
(15)
أَيْ: الْجَمَاعَة ، يَعْنِي الْجَمَاعَة الَّذِينَ كَانُوا جُلُوسًا عَنْ جَانِبَيْهِ. عون (10/ 216)
(16)
(د) 4698
(17)
(س) 4991 ، (د) 4698
(18)
(س) 4991
(19)
(م) 8 ، (س) 4990
(20)
قَدَّمَ السُّؤَالَ عَنْ الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ الْأَصْل، وَثَنَّى بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ يُظْهِرُ مِصْدَاقَ الدَّعْوَى، وَثَلَّثَ بِالْإِحْسَانِ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّق بِهِمَا.
وَفِي رِوَايَة عُمَارَة بْن الْقَعْقَاع: بَدَأَ بِالْإِسْلَامِ ، لِأَنَّهُ بِالْأَمْرِ الظَّاهِر ، وَثَنَّى بِالْإِيمَانِ لِأَنَّهُ بِالْأَمْرِ الْبَاطِن ، وَرَجَّحَ هَذَا الطِّيبِيّ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّرَقِّي.
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقِصَّة وَاحِدَة ، اِخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِي تَادِيَتِهَا، وَلَيْسَ فِي السِّيَاقِ تَرْتِيٌب، وَيَدُلّ عَلَيْهِ رِوَايَة مَطَرٍ الْوَرَّاق ، فَإِنَّهُ بَدَأَ بِالْإِسْلَامِ، وَثَنَّى بِالْإِحْسَانِ، وَثَلَّثَ بِالْإِيمَانِ فَالْحَقُّ أَنَّ الْوَاقِعَ أَمْرٌ وَاحِد، وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّاخِيرُ وَقَعَ مِنْ الرُّوَاة. وَالله أَعْلَم.
(فتح - ح50)
(21)
قَالَ النَّوَوِيّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعِبَادَةِ مَعْرِفَةُ الله ، فَيَكُونُ عَطْفُ الصَّلَاة وَغَيْرِهَا عَلَيْهَا لِإِدْخَالِهَا فِي الْإِسْلَام، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعِبَادَةِ الطَّاعَةُ مُطْلَقًا، فَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ الْوَظَائِف، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عَطْفُ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامّ.
قُلْت: أَمَّا الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ فَبَعِيد؛ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ مِنْ مُتَعَلَّقَاتِ الْإِيمَان، وَأَمَّا الْإِسْلَام ، فَهُوَ أَعْمَالٌ قَوْلِيَّةٌ وَبَدَنِيَّة، وَقَدْ عَبَّرَ فِي حَدِيثِ عُمَر هُنَا بِقَوْلِهِ " أَنْ تَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول الله "، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْعِبَادَةِ فِي حَدِيث الْبَاب: النُّطْق بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ دَفْعُ الِاحْتِمَال الثَّانِي.
وَلَمَّا عَبَّرَ الرَّاوِي بِالْعِبَادَةِ ، اِحْتَاجَ أَنْ يُوَضِّحَهَا بِقَوْلِهِ " وَلَا تُشْرِك بِهِ شَيْئًا " ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهَا فِي رِوَايَة عُمَر ، لِاسْتِلْزَامِهَا ذَلِكَ. (فتح - ح50)
(22)
(س) 4991 ، (خ) 50 ، (م) 9
(23)
(م) 8 ، (س) 4990
(24)
(م) 9 ، (جة) 64
(25)
(م) 9 ، (جة) 64
(26)
(خ) 50 ، (م) 9
(27)
(م) 8 ، (س) 4990
(28)
(خز) 1 ، (حب) 173 ، (د) 4695 ، صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 175 ، 1101 ، وصححها الألباني في الإرواء تحت حديث: 3،
وقال الأرنؤوط في (حب) 173: إسناده صحيح.
(29)
(خز) 1 ، (حب) 173
(30)
(س) 4991
(31)
(س) 4991
(32)
(جة) 63
(33)
قَالَ الْقُرْطُبِيّ: إِنَّمَا عَجِبُوا مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَتِه، وَلَيْسَ هَذَا السَّائِلُ مِمَّنْ عُرِفَ بِلِقَاءِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَلَا بِالسَّمَاعِ مِنْهُ، ثُمَّ هُوَ يَسْأَلُ سُؤَالَ عَارِفٍ بِمَا يَسْأَلُ عَنْهُ ، لِأَنَّهُ يُخْبِرهُ بِأَنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ، فَتَعَجَّبُوا مِنْ ذَلِكَ تَعَجُّبَ الْمُسْتَبْعِد لِذَلِكَ. وَالله أَعْلَم. (فتح - ح50)
(34)
(م) 8 ، (س) 4990
(35)
قَوْله: (قَالَ: الْإِيمَان أَنْ تُؤْمِن بِاللهِ إِلَخْ) دَلَّ الْجَوَابُ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ ، لَا عَنْ مَعْنَى لَفْظه، وَإِلَّا لَكَانَ الْجَوَاب: الْإِيمَان: التَّصْدِيق.
وَقَالَ الطِّيبِيّ: هَذَا يُوهِمُ التَّكْرَار، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ قَوْلَهُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ مُتَضَمِّنٌ مَعْنَى أَنْ تَعْتَرِف بِهِ، وَلِهَذَا عَدَّاهُ بِالْبَاءِ، أَيْ: أَنْ تُصَدِّقَ مُعْتَرِفًا بِكَذَا.
قُلْت: وَالتَّصْدِيقُ أَيْضًا يُعَدَّى بِالْبَاءِ ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى دَعْوَى التَّضْمِين.
وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: لَيْسَ هُوَ تَعْرِيفًا لِلشَّيْءِ بِنَفْسِهِ، بَلْ الْمُرَادُ مِنْ الْمَحْدُودِ: الْإِيمَان الشَّرْعِيّ، وَمِنْ الْحَدِّ: الْإِيمَان اللُّغَوِيّ.
قُلْت: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إِنَّمَا أَعَادَ لَفْظَ الْإِيمَانِ لِلِاعْتِنَاءِ بِشَأْنِهِ تَفْخِيمًا لِأَمْرِهِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّل مَرَّة} فِي جَوَاب {مَنْ يُحْيِي الْعِظَام وَهِيَ رَمِيم} ، يَعْنِي أَنَّ قَوْله (أَنْ تُؤْمِنَ) يَنْحَلُّ مِنْهُ الْإِيمَان ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: الْإِيمَانُ الشَّرْعِيُّ تَصْدِيقٌ مَخْصُوصٌ، وَإِلَّا لَكَانَ الْجَوَاب: الْإِيمَانُ: التَّصْدِيق ، وَالْإِيمَانُ بِاللهِ هُوَ التَّصْدِيق بِوُجُودِهِ ، وَأَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ ، مُنَزَّهٌ عَنْ صِفَاتِ النَّقْص. (فتح - ح50)
(36)
الْإِيمَان بِالْمَلَائِكَةِ: هُوَ التَّصْدِيقُ بِوُجُودِهِمْ ، وَأَنَّهُمْ كَمَا وَصَفَهُمْ الله تَعَالَى {عِبَاد مُكْرَمُونَ} ، وَقَدَّمَ الْمَلَائِكَةَ عَلَى الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ نَظَرًا لِلتَّرْتِيبِ الْوَاقِع؛ لِأَنَّهُ سبحانه وتعالى أَرْسَلَ الْمَلَكَ بِالْكِتَابِ إِلَى الرَّسُولِ ، وَلَيْسَ فِيهِ مُتَمَسَّكٌ لِمَنْ فَضَّلَ الْمَلَكَ عَلَى الرَّسُولِ. (فتح - ح50)
(37)
الْإِيمَانُ بِكُتُبِ الله: التَّصْدِيقُ بِأَنَّهَا كَلَامُ الله ، وَأَنَّ مَا تَضَمَّنَتْهُ حَقّ. (فتح ح50)
(38)
قَوْله: (وَبِلِقَائِهِ) كَذَا وَقَعَتْ هُنَا بَيْن الْكُتُبِ وَالرُّسُل، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ، وَلَمْ تَقَع فِي بَقِيَّة الرِّوَايَات، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا مُكَرَّرَةٌ ، لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي الْإِيمَان بِالْبَعْثِ.
وَالْحَقُّ أَنَّهَا غَيْرُ مُكَرَّرَة، فَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْبَعْثِ: الْقِيَامُ مِنْ الْقُبُور وَالْمُرَاد بِاللِّقَاءِ: مَا بَعْد ذَلِكَ.
وَقِيلَ: اللِّقَاء يَحْصُلُ بِالِانْتِقَالِ مِنْ دَارِ الدُّنْيَا، وَالْبَعْثُ بَعْد ذَلِكَ ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا رِوَايَة مَطَر الْوَرَّاق ، فَإِنَّ فِيهَا " وَبِالْمَوْتِ ، وَبِالْبَعْثِ بَعْد الْمَوْت "، وَكَذَا فِي حَدِيث أَنَس ، وَابْن عَبَّاس. وَقِيلَ: الْمُرَاد بِاللِّقَاءِ: رُؤْيَة الله، ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ.
وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيّ بِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقْطَعُ لِنَفْسِهِ بِرُؤْيَةِ الله، فَإِنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِمَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا وَالْمَرْءُ لَا يَدْرِي بِمَ يُخْتَمُ لَهُ، فَكَيْف يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ شُرُوط الْإِيمَان؟.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ: الْإِيمَانُ بِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، وَهَذَا مِنْ الْأَدِلَّة الْقَوِيَّة لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ الله تَعَالَى فِي الْآخِرَة ، إِذْ جُعِلَتْ مِنْ قَوَاعِد الْإِيمَان. (فتح - ح50)
(39)
الْإِيمَان بِالرُّسُلِ: التَّصْدِيقُ بِأَنَّهُمْ صَادِقُونَ فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ عَنْ اللهِ، وَدَلَّ الْإِجْمَالُ فِي الْمَلَائِكَةِ وَالْكُتُبِ وَالرُّسُلِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ فِي الْإِيمَانِ بِهِمْ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيل، إِلَّا مَنْ ثَبَتَ تَسْمِيَتُه ، فَيَجِبُ الْإِيمَان بِهِ عَلَى التَّعْيِين. وَهَذَا التَّرْتِيب مُطَابِق لِلْآيَةِ {آمَنَ الرَّسُول بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبّه} وَمُنَاسَبَةُ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُور ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَاو لَا تُرَتِّبُ ، بَلْ الْمُرَادُ مِنْ التَّقَدُّمِ أَنَّ الْخَيْرَ وَالرَّحْمَةَ مِنْ الله، وَمِنْ أَعْظَمِ رَحْمَتِهِ أَنْ أَنْزَلَ كُتُبَهُ إِلَى عِبَادِه، وَالْمُتَلَقِّي لِذَلِكَ مِنْهُمْ الْأَنْبِيَاء، وَالْوَاسِطَةُ بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَهُمْ الْمَلَائِكَة. (فتح - ح50)
(40)
أَمَّا الْبَعْثُ الْآخِر ، فَقِيلَ: ذَكَرَ " الْآخِرَ " تَاكِيدًا ، كَقَوْلِهِمْ أَمْسِ الذَّاهِب،
وَقِيلَ: لِأَنَّ الْبَعْثَ وَقَعَ مَرَّتَيْنِ: الْأُولَى: الْإِخْرَاجُ مِنْ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُود ، أَوْ مِنْ بُطُونِ الْأُمَّهَات بَعْدَ النُّطْفَةِ وَالْعَلَقَةِ إِلَى الْحَيَاة الدُّنْيَا.
وَالثَّانِيَة: الْبَعْثُ مِنْ بُطُونِ الْقُبُورِ إِلَى مَحَلِّ الِاسْتِقْرَار.
وَأَمَّا الْيَوْم الْآخِر ، فَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ ، لِأَنَّهُ آخِرُ أَيَّامِ الدُّنْيَا ، أَوْ آخِرُ الْأَزْمِنَةِ الْمَحْدُودَة وَالْمُرَادُ بِالْإِيمَانِ بِهِ: التَّصْدِيقُ بِمَا يَقَعُ فِيهِ مِنْ الْحِسَاب، وَالْمِيزَان، وَالْجَنَّة وَالنَّار. (فتح - ح50)
(41)
(خ) 50 ، (م) 9
(42)
(حم) 184
(43)
(حم) 184 ، وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(44)
(م) 10 ، (س) 4990
(45)
الْقَدَر مَصْدَر، تَقُول: قَدَرْتُ الشَّيْء ، بِتَخْفِيفِ الدَّالّ وَفَتْحهَا ، أَقْدِرُهُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح ، قَدْرًا ، وَقَدَرًا: إِذَا أَحَطْتَ بِمِقْدَارِهِ.
وَالْمُرَاد أَنَّ الله تَعَالَى عَلِمَ مَقَادِيرَ الْأَشْيَاءِ وَأَزْمَانَهَا قَبْلَ إِيجَادِهَا، ثُمَّ أَوْجَدَ مَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ يُوجَد، فَكُلُّ مُحْدَثٍ صَادِرٌ عَنْ عِلْمِهِ ، وَقُدْرَتِهِ ، وَإِرَادَته، هَذَا هُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ الدِّين بِالْبَرَاهِينِ الْقَطْعِيَّة، وَعَلَيْهِ كَانَ السَّلَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَخِيَارِ التَّابِعِينَ، إِلَى أَنْ حَدَثَتْ بِدْعَةُ الْقَدَرِ فِي أَوَاخِرِ زَمَنِ الصَّحَابَة.
وَقَدْ حَكَى الْمُصَنِّفُونَ فِي الْمَقَالَاتِ عَنْ طَوَائِفَ مِنْ الْقَدَرِيَّة إِنْكَارَ كَوْنِ الْبَارِئ عَالِمًا بِشَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ قَبْلَ وُقُوعِهَا مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا يَعْلَمُهَا بَعْد كَوْنِهَا.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَغَيْره: قَدْ اِنْقَرَضَ هَذَا الْمَذْهَبُ، وَلَا نَعْرِفُ أَحَدًا يُنْسَبُ إِلَيْهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ ، قَالَ: وَالْقَدَرِيَّةُ الْيَوْمَ مُطْبِقُونَ عَلَى أَنَّ اللهَ عَالِمٌ بِأَفْعَالِ الْعِبَادِ قَبْلَ وُقُوعِهَا، وَإِنَّمَا خَالَفُوا السَّلَفَ فِي زَعْمِهِمْ بِأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَقْدُورَةٌ لَهُمْ ، وَوَاقِعَةٌ مِنْهُمْ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِقْلَال، وَهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ، مَعَ كَوْنِهِ أَخَفُّ مِنْ الْمَذْهَبِ الْأَوَّل ، وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ ، فَأَنْكَرُوا تَعَلُّق الْإِرَادَةِ بِأَفْعَالِ الْعِبَاد ، فِرَارًا مِنْ تَعَلُّقِ الْقَدِيِم بِالْمُحْدَثِ، وَهُمْ مَخْصُومُونَ بِمَا قَالَ الشَّافِعِيّ: إِنْ سَلَّمَ الْقَدَرِيُّ بِالْعِلْمِ خُصِمَ. يَعْنِي يُقَال لَهُ: أَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فِي الْوُجُودِ خِلَافُ مَا تَضَمَّنَهُ الْعِلْم؟ ، فَإِنْ مَنَعَ ، وَافَقَ قَوْلَ أَهْلِ السُّنَّة، وَإِنْ أَجَازَ ، لَزِمَهُ نِسْبَة الْجَهْل، تَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ.
(فتح - ح50)
(46)
(م) 8 ، (ت) 2610
(47)
ظَاهِرُ السِّيَاق يَقْتَضِي أَنَّ الْإِيمَانَ لَا يُطْلَقُ إِلَّا عَلَى مَنْ صَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ، وَقَدْ اِكْتَفَى الْفُقَهَاءُ بِإِطْلَاقِ الْإِيمَانِ عَلَى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَرَسُولِه، وَلَا اِخْتِلَاف؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ بِرَسُولِ اللهِ الْمُرَادُ بِهِ الْإِيمَانُ بِوُجُودِهِ ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ عَنْ رَبِّه، فَيَدْخُلُ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ تَحْتَ ذَلِكَ. وَالله أَعْلَم. (فتح - ح50)
(48)
(س) 4991 ، (حم) 2926
(خ م حم)، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:(إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ (1) لَمَّا أَتَوْا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَنْ الْقَوْمُ؟ "، قَالُوا: رَبِيعَةُ (2) قَالَ: " مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ (3) غَيْرَ خَزَايَا (4) وَلَا نَدَامَى (5)) (6) (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ الْقَيْسِ إِذْ أَسْلَمُوا طَائِعِينَ غَيْرَ كَارِهِينَ ، غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَوْتُورِينَ ، إِذْ بَعْضُ قَوْمِنَا لَا يُسْلِمُونَ حَتَّى يُخْزَوْا وَيُوتَرُوا ، قَالَ: وَابْتَهَلَ وَجْهَهُ هَاهُنَا حَتَّى اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَدْعُو لِعَبْدِ الْقَيْسِ ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ خَيْرَ أَهْلِ الْمَشْرِقِ عَبْدُ الْقَيْسِ ") (7)(فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ (8) إِنَّا نَاتِيكَ مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ (9)) (10)(وَإِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَاتِيكَ إِلَّا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ (11) وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَيُّ (12) مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ (13) نَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ [إِذَا نَحْنُ أَخَذْنَا بِهِ](14) وَنُخْبِرْ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا، وَسَأَلُوهُ عَنْ الْأَشْرِبَةِ ، " فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللهِ وَحْدَهُ، قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللهِ وَحْدَهُ؟ "، قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:" شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ (15) وَإِقَامُ الصَلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ (16) وَأَنْ تُعْطُوا مِنْ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ (17) وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ الْحَنْتَمِ، وَالدُّبَّاءِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْمُزَفَّتِ (18) ") (19)
(فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ ، جَعَلَنَا اللهُ فِدَاءَكَ ، أَوَتَدْرِي مَا النَّقِيرُ؟ ، قَالَ: " بَلَى ، جِذْعٌ تَنْقُرُونَهُ ، فَتَقْذِفُونَ فِيهِ مِنْ التَّمْرِ ، ثُمَّ تَصُبُّونَ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ ، حَتَّى إِذَا سَكَنَ غَلَيَانُهُ شَرِبْتُمُوهُ ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَضْرِبُ ابْنَ عَمِّهِ بِالسَّيْفِ " - قَالَ: وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ أَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ كَذَلِكَ ، قَالَ: وَكُنْتُ أَخْبَؤُهَا حَيَاءً مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: فَفِيمَ نَشْرَبُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " فِي أَسْقِيَةِ الْأَدَمِ (20) الَّتِي يُلَاثُ (21) عَلَى أَفْوَاهِهَا " ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَرْضَنَا كَثِيرَةُ الْجِرْذَانِ ، وَلَا تَبْقَى بِهَا أَسْقِيَةُ الْأَدَمِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ ، وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ ، وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ ") (22) (فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ ، فَإِنْ اشْتَدَّ فِي الْأَسْقِيَةِ (23) قَالَ:" فَصُبُّوا عَلَيْهِ الْمَاءَ "، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ ، فَقَالَ لَهُمْ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ (24):" أَهْرِيقُوهُ) (25) (ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْخَمْرَ، وَالْمَيْسِرَ (26) وَالْكُوبَةَ (27) وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ) (28) (وَقَالَ: احْفَظُوهُنَّ ، وَأَخْبِرُوا بِهِنَّ مَنْ وَرَاءَكُمْ ") (29)
(1) الْوَفْد: الْجَمَاعَةُ الْمُخْتَارَةُ لِلتَّقَدُّمِ فِي لُقِيِّ الْعُظَمَاءِ ، وَاحِدُهُمْ: وَافِد ، وَوَفْدُ عَبْدِ الْقَيْس الْمَذْكُورُونَ كَانُوا أَرْبَعَةَ عَشَر رَاكِبًا ، كَبِيرهمْ الْأَشَجّ. (فتح - ح53)
(2)
(رَبِيعَة) فِيهِ التَّعْبِير عَنْ الْبَعْضِ بِالْكُلِّ ، لِأَنَّهُمْ بَعْضُ رَبِيعَة. (فتح - ح53)
(3)
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اِسْتِحْبَابِ تَانِيسِ الْقَادِمِ، وَقَدْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَفِي حَدِيثِ أُمّ هَانِئ:" مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئ "، وَفِي قِصَّة عِكْرِمَة بْن أَبِي جَهْل:" مَرْحَبًا بِالرَّاكِبِ الْمُهَاجِر "، وَفِي قِصَّة فَاطِمَة:" مَرْحَبًا بِابْنَتِي " ، وَكُلّهَا صَحِيحَة.
(فتح - ح53)
(4)
أَيْ: أَنَّهُمْ أَسْلَمُوا طَوْعًا مِنْ غَيْر حَرْبٍ أَوْ سَبْيٍ يُخْزِيهِمْ وَيَفْضَحهُمْ. (فتح ح53)
(5)
قَالَ ابْن أَبِي جَمْرَة: بَشَّرَهُمْ بِالْخَيْرِ عَاجِلًا وَآجِلًا؛ لِأَنَّ النَّدَامَةَ إِنَّمَا تَكُونُ فِي الْعَاقِبَة، فَإِذَا اِنْتَفَتْ ، ثَبَتَ ضِدُّهَا.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الثَّنَاءِ عَلَى الْإِنْسَان فِي وَجْهِهِ إِذَا أُمِنَ عَلَيْهِ الْفِتْنَة (فتح-ح53)
(6)
(خ) 53 ، (م) 17
(7)
(حم) 17863 ، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح.
(8)
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا حِينَ الْمُقَابَلَةِ مُسْلِمِينَ، وَكَذَا فِي قَوْلِهِمْ:" كُفَّارُ مُضَر "، وَفِي قَوْلهمْ:" اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَم ". (فتح - ح53)
(9)
الشُّقَّة: الْمَسَافَة ، سُمِّيَتْ شُقَّةً ، لِأَنَّهَا تَشُقُّ عَلَى الْإِنْسَان. النووي (1/ 87)
وكَانَتْ مَسَاكِنُ عَبْدِ الْقَيْسِ بِالْبَحْرَيْنِ وَمَا وَالَاهَا مِنْ أَطْرَافِ الْعِرَاق، وَلِهَذَا قَالُوا:" إِنَّا نَاتِيك مِنْ شُقَّة بَعِيدَة ".
وَيَدُلُّ عَلَى سَبْقِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ مَا رَوَاهُ الْبخاريُّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ: " إِنَّ أَوَّل جُمُعَة جُمِّعَتْ - بَعْد جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي مَسْجِدِ عَبْدِ الْقَيْسِ ، بِجُوَاثَى مِنْ الْبَحْرَيْنِ "، وَجُوَاثَى: قَرْيَة شَهِيرَة لَهُمْ، وَإِنَّمَا جَمَّعُوا بَعْدَ رُجُوعِ وَفْدِهِمْ إِلَيْهِمْ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ سَبَقُوا جَمِيعَ الْقُرَى إِلَى الْإِسْلَام. (فتح - ح53)
(10)
(خ) 87 ، (م) 17
(11)
الْمُرَاد: شَهْرُ رَجَب، وَكَانَتْ مُضَرُ تُبَالِغُ فِي تَعْظِيمِ شَهْرِ رَجَب، فَلِهَذَا أُضِيفَ إِلَيْهِمْ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَة ، حَيْثُ قَالَ:" رَجَب مُضَر " ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَخُصُّونَهُ بِمَزِيدِ التَّعْظِيم ، مَعَ تَحْرِيمِهِمْ الْقِتَالَ فِي الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ الْأُخْرَى، إِلَّا أَنَّهُمْ رُبَّمَا أَنْسَئُوهَا ، بِخِلَافِهِ. (فتح - ح53)
(12)
الْحَيّ: اِسْمٌ لِمَنْزِلِ الْقَبِيلَة، ثُمَّ سُمِّيَتْ الْقَبِيلَةُ بِهِ ، لِأَنَّ بَعْضهمْ يَحْيَا بِبَعْضٍ.
(فتح - ح53)
(13)
" الْفَصْل " بِمَعْنَى الْمُفَصَّل ، أَيْ: الْمُبَيَّنُ الْمَكْشُوف.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْفَصْل: الْبَيِّن ، وَقِيلَ: الْمُحْكَم. (فتح - ح53)
(14)
(م) 18 ، (حم) 11191
(15)
الْغَرَض مِنْ ذِكْرِ الشَّهَادَتَيْنِ-مَعَ أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا مُؤْمِنِينَ مُقِرِّينَ بِكَلِمَتَيْ الشَّهَادَة- أَنَّهُمْ رُبَّمَا كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ الْإِيمَانَ مَقْصُورٌ عَلَيْهِمَا ، كَمَا كَانَ الْأَمْرُ فِي صَدْرِ الْإِسْلَام. (فتح - ح53)
(16)
بَيَّنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلْوَفْدِ أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْإِسْلَام ، حَيْثُ فَسَّرَهُ فِي قِصَّتهمْ بِمَا فَسَّرَ بِهِ الْإِسْلَامَ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ أَمْرٌ وَاحِد.
وَقَدْ نَقَلَ أَبُو عَوَانَة الْإسْفَرَايِينِيّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ الْمُزَنِيّ صَاحِبِ الشَّافِعِيّ الْجَزْمَ بِأَنَّهُمَا عِبَارَةٌ عَنْ مَعْنًى وَاحِد، وَأَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ.
وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: الْجَزْمُ بِتَغَايُرِهِمَا، وَلِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَدِلَّة مُتَعَارِضَة
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: صَنَّفَ فِي الْمَسْأَلَة إِمَامَانِ كَبِيرَانِ، وَأَكْثَرَا مِنْ الْأَدِلَّة لِلْقَوْلَيْنِ، وَتَبَايَنَا فِي ذَلِكَ ، وَالْحَقُّ أَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا، فَكُلُّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ، وَلَيْسَ كُلّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنًا. اِنْتَهَى كَلَامه مُلَخَّصًا.
وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُطْلَقُ عَلَى الِاعْتِقَادِ وَالْعَمَلِ مَعًا، بِخِلَافِ الْإِيمَان ، فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا مَعًا.
وَيَرِدُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَرَضِيت لَكُمْ الْإِسْلَام دِينًا} ، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ هُنَا يَتَنَاوَلُ الْعَمَلَ وَالِاعْتِقَادَ مَعًا؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ غَيْرُ الْمُعْتَقِدِ ، لَيْسَ بِذِي دِينٍ مَرْضِيٍّ ، وَبِهَذَا اِسْتَدَلَّ الْمُزَنِيّ وَأَبُو مُحَمَّد الْبَغَوِيُّ ، فَقَالَ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ جِبْرِيلَ هَذَا:
جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْإِسْلَامَ هُنَا اِسْمًا لِمَا ظَهَرَ مِنْ الْأَعْمَالِ، وَالْإِيمَانُ اِسْمًا لِمَا بَطَنَ مِنْ الِاعْتِقَاد، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ لَيْسَتْ مِنْ الْإِيمَانِ، وَلَا لِأَنَّ التَّصْدِيقَ لَيْسَ مِنْ الْإِسْلَام ، بَلْ ذَاكَ تَفْصِيلٌ لِجُمْلَةٍ كُلُّهَا شَيْءٌ وَاحِدٌ ، وَجِمَاعُهَا الدِّين، وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم " أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ " ، وَقَالَ سبحانه وتعالى {وَرَضِيت لَكُمْ الْإِسْلَام دِينًا} وَقَالَ {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْر الْإِسْلَام دِينًا فَلَنْ يُقْبَل مِنْهُ} ، وَلَا يَكُون الدِّينُ فِي مَحَلِّ الرِّضَا وَالْقَبُولِ ، إِلَّا بِانْضِمَامِ التَّصْدِيق. اِنْتَهَى كَلَامه.
وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَدِلَّةِ ، أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّة، كَمَا أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّة، لَكِنْ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَلْزِمٌ لِلْآخَرِ ، بِمَعْنَى التَّكْمِيلِ لَهُ، فَكَمَا أَنَّ الْعَامِلَ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا كَامِلًا إِلَّا إِذَا اِعْتَقَدَ، فَكَذَلِكَ الْمُعْتَقِدُ لَا يَكُون مُؤْمِنًا كَامِلًا إِلَّا إِذَا عَمِلَ، وَحَيْثُ يُطْلَقُ الْإِيمَانُ فِي مَوْضِعِ الْإِسْلَامِ أَوْ الْعَكْس، أَوْ يُطْلَقُ أَحَدُهُمَا عَلَى إِرَادَتِهِمَا مَعًا ، فَهُوَ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَاز ، وَيَتَبَيَّن الْمُرَاد بِالسِّيَاقِ ، فَإِنْ وَرَدَا مَعًا فِي مَقَامِ السُّؤَالِ ، حُمِلَا عَلَى الْحَقِيقَة، وَإِنْ لَمْ يَرِدَا مَعًا ، أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مَقَامِ سُؤَالٍ ، أَمْكَنَ الْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْ الْمَجَاز ، بِحَسَبِ مَا يَظْهَر مِنْ الْقَرَائِن.
وَقَدْ حَكَى ذَلِكَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَة ، قَالُوا: إِنَّهُمَا تَخْتَلِفُ دَلَالَتُهُمَا بِالِاقْتِرَانِ، فَإِنْ أُفْرِدَ أَحَدُهُمَا ، دَخَلَ الْآخَرُ فِيهِ.
وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ مَا حَكَاهُ مُحَمَّدُ بْن نَصْر ، وَتَبِعَهُ اِبْنُ عَبْد الْبَرِّ عَنْ الْأَكْثَرِ أَنَّهُمْ سَوَّوْا بَيْنهمَا ، عَلَى مَا فِي حَدِيث عَبْد الْقَيْس، وَمَا حَكَاهُ اللَّالِكَائِيّ وَابْن السَّمْعَانِيّ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنهمَا عَلَى مَا فِي حَدِيثِ جِبْرِيل، وَالله الْمُوَفِّق. (فتح - ج1ص170)
(17)
فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْف قَالَ فِي رِوَايَة حَمَّاد بْن زَيْد عَنْ أَبِي جَمْرَة " آمُركُمْ بِأَرْبَعٍ: الْإِيمَان بِاللهِ: شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا الله. وَعَقَدَ وَاحِدَة " كَذَا لِلْمُؤَلِّفِ فِي الْمَغَازِي، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ إِحْدَى الْأَرْبَع.
وَعَلَى هَذَا فَيُقَال: كَيْف قَالَ (أَرْبَع) وَالْمَذْكُورَات خَمْس؟ ، وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ الْقَاضِي عِيَاض - تَبَعًا لِابْنِ بَطَّال - بِأَنَّ الْأَرْبَعَ مَا عَدَا أَدَاءِ الْخُمُس، قَالَ: كَأَنَّهُ أَرَادَ إِعْلَامَهُمْ بِقَوَاعِدِ الْإِيمَانِ وَفُرُوضِ الْأَعْيَان، ثُمَّ أَعْلَمَهُمْ بِمَا يَلْزَمهُمْ إِخْرَاجُهُ إِذَا وَقَعَ لَهُمْ جِهَادٌ ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا بِصَدَدِ مُحَارَبَةِ كُفَّارِ مُضَر، وَلَمْ يَقْصِدْ ذِكْرَهَا بِعَيْنِهَا ، لِأَنَّهَا مُسَبَّبَةٌ عَنْ الْجِهَاد، وَلَمْ يَكُنْ الْجِهَادُ إِذْ ذَاكَ فَرْضَ عَيْنٍ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ الْحَجَّ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فُرِضَ.
وَقَالَ غَيْره: قَوْله " وَأَنْ تُعْطُوا " مَعْطُوف عَلَى قَوْله " بِأَرْبَعٍ "، أَيْ: آمُركُمْ بِأَرْبَعٍ وَبِأَنْ تُعْطُوا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْعُدُولُ عَنْ سِيَاقِ الْأَرْبَعِ ، وَالْإِتْيَانُ " بِأَنْ " ، وَالْفِعْل ، مَعَ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ إِلَيْهِمْ.
قُلْت: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لَفْظُ رِوَايَة مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ فِي هَذِهِ الْقِصَّة " آمُركُمْ بِأَرْبَعٍ: اُعْبُدُوا الله وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَقِيمُوا الصَّلَاة، وَآتُوا الزَّكَاة، وَصُومُوا رَمَضَان، وَأَعْطُوا الْخُمُس مِنْ الْغَنَائِم ".
وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنْ أَنَّ السَّبَبَ فِي كَوْنِهِ لَمْ يَذْكُرْ الْحَجّ فِي الْحَدِيث لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فُرِضَ هُوَ الْمُعْتَمَد، وَقَدْ قَدَّمْنَا الدَّلِيلَ عَلَى قِدَمِ إِسْلَامِهِمْ، لَكِنْ جَزَمَ الْقَاضِي بِأَنَّ قُدُومَهُمْ كَانَ فِي سَنَةِ ثَمَان ، قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ ، تَبِعَ فِيهِ الْوَاقِدِيّ ، وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْحَجِّ كَانَ سَنَةَ سِتٍّ عَلَى الْأَصَحّ ، وَلَكِنَّ الْقَاضِي يَخْتَارُ أَنَّ فَرْضَ الْحَجِّ كَانَ سَنَةَ تِسْع ، حَتَّى لَا يَرِدَ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْر.
وَقَدْ اِحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ لِكَوْنِهِ عَلَى التَّرَاخِي بِأَنَّ فَرْضَ الْحَجّ كَانَ بَعْد الْهِجْرَة، وَأَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ قَادِرًا عَلَى الْحَجّ فِي سَنَة ثَمَان ، وَفِي سَنَةِ تِسْعٍ ، وَلَمْ يَحُجّ إِلَّا فِي سَنَة عَشْر.
وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ تَرَكَ ذِكْرَ الْحَجِّ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِلَيْهِ سَبِيلٌ ، مِنْ أَجْلِ كُفَّارِ مُضَرَ ، لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ فِي الْحَالِ تَرْكُ الْإِخْبَارِ بِهِ ، لِيُعْمَلَ بِهِ عِنْد الْإِمْكَانِ ، كَمَا فِي الْآيَة.
بَلْ دَعْوَى أَنَّهُمْ كَانُوا لَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَى الْحَجِّ مَمْنُوعَة ، لِأَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُم، وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا يَامَنُونَ فِيهَا.
لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ إِنَّمَا أَخْبَرَهُمْ بِبَعْضِ الْأَوَامِرِ لِكَوْنِهِمْ سَأَلُوهُ أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِمَا يَدْخُلُونَ بِفِعْلِهِ الْجَنَّة، فَاقْتَصَرَ لَهُمْ عَلَى مَا يُمْكِنهُمْ فِعْلُهُ فِي الْحَالِ، وَلَمْ يَقْصِدْ إِعْلَامَهُمْ بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَجِبُ عَلَيْهِمْ فِعْلًا وَتَرْكًا.
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ اِقْتِصَارُهُ فِي الْمَنَاهِي عَلَى الِانْتِبَاذِ فِي الْأَوْعِيَةِ، مَعَ أَنَّ فِي الْمَنَاهِي مَا هُوَ أَشَدُّ فِي التَّحْرِيمِ مِنْ الِانْتِبَاذ، لَكِنْ اِقْتَصَرَ عَلَيْهَا لِكَثْرَةِ تَعَاطِيهمْ لَهَا.
وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي كِتَابِ الصِّيَام مِنْ السُّنَن الْكُبْرَى لِلْبَيْهَقِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ زِيَادَة ذِكْر الْحَجّ ، وَلَفْظه " وَتَحُجُّوا الْبَيْت الْحَرَام " ، وَلَمْ يَتَعَرَّض لِعَدَدٍ ، فَهِيَ رِوَايَة شَاذَّة، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ ، وَمَنْ اِسْتَخْرَجَ عَلَيْهِمَا ، وَالنَّسَائِيُّ ، وَابْن خُزَيْمَةَ ، وَابْن حِبَّان مِنْ طَرِيق قُرَّة ، لَمْ يَذْكُر أَحَدٌ مِنْهُمْ الْحَجّ ، وَأَبُو قِلَابَةَ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ فِي آخِرِ أَمْرِهِ ، فَلَعَلَّ هَذَا مِمَّا حَدَّثَ بِهِ فِي التَّغَيُّر، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِرِوَايَةِ أَبِي جَمْرَة ، وَقَدْ وَرَدَ ذِكْر الْحَجّ أَيْضًا فِي مُسْنَد الْإِمَام أَحْمَد مِنْ رِوَايَة أَبَانَ الْعَطَّار عَنْ قَتَادَة عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب ، وَعَنْ عِكْرِمَة ، عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قِصَّة وَفْد عَبْد قَيْس. وَعَلَى تَقْدِير أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الْحَجّ فِيهِ مَحْفُوظًا ، فَيُجْمَع فِي الْجَوَابِ عَنْهُ بَيْن الْجَوَابَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ ، فَيُقَال: الْمُرَاد بِالْأَرْبَعِ مَا عَدَا الشَّهَادَتَيْنِ وَأَدَاءِ الْخُمُس. وَالله أَعْلَم. (فتح - ح53)
(18)
الْحَنْتَم: هِيَ الْجِرَارُ الْخُضْر، وَالدُّبَّاء: هُوَ الْقَرْع، وَالنَّقِير: أَصْلُ النَّخْلَةِ يُنْقَرُ فَيُتَّخَذُ مِنْهُ وِعَاء ، وَالْمُزَفَّت: مَا طُلِيَ بِالزِّفْتِ ، وَالْمُقَيَّر: مَا طُلِيَ بِالْقَارِ، وَهُوَ نَبْتٌ يُحْرَقُ إِذَا يَبِسَ ، تُطْلَى بِهِ السُّفُن وَغَيْرهَا ، كَمَا تُطْلَى بِالزِّفْتِ، قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحْكَم.
وَفِي مُسْنَد أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ عَنْ أَبِي بَكْرَة قَالَ: أَمَّا الدُّبَّاء ، فَإِنَّ أَهْلَ الطَّائِفِ كَانُوا يَأْخُذُونَ الْقَرْع ، فَيُخَرِّطُونَ فِيهِ الْعِنَب ، ثُمَّ يَدْفِنُونَهُ حَتَّى يُهْدَرَ ثُمَّ يَمُوت. وَأَمَّا النَّقِيرُ ، فَإِنَّ أَهْلَ الْيَمَامَةِ كَانُوا يَنْقُرُونَ أَصْلَ النَّخْلَة ، ثُمَّ يَنْبِذُونَ الرُّطَبَ وَالْبُسْرَ ، ثُمَّ يَدْعُونَهُ حَتَّى يُهْدَرَ ثُمَّ يَمُوت.
وَأَمَّا الْحَنْتَم ، فَجِرَارٌ كَانَتْ تُحْمَلُ إِلَيْنَا فِيهَا الْخَمْر. وَأَمَّا الْمُزَفَّتُ ، فَهَذِهِ الْأَوْعِيَة الَّتِي فِيهَا الزِّفْت. اِنْتَهَى. وَإِسْنَاده حَسَن. وَتَفْسِير الصَّحَابِيّ أَوْلَى أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِه لِأَنَّهُ أَعْلَم بِالْمُرَادِ.
وَمَعْنَى النَّهْيِ عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ بِخُصُوصِهَا ، لِأَنَّهُ يُسْرِعُ فِيهَا الْإِسْكَار، فَرُبَّمَا شَرِبَ مِنْهَا مَنْ لَا يَشْعُر بِذَلِكَ.
ثُمَّ ثَبَتَتْ الرُّخْصَةُ فِي الِانْتِبَاذِ فِي كُلِّ وِعَاءٍ ، مَعَ النَّهْيِ عَنْ شُرْبِ كُلّ مُسْكِرٍ. (فتح - ح53)
(19)
(خ) 53 ، (م) 17
(20)
الأدَم: الجلد المدبوغ.
(21)
أَيْ: يُلَفُّ الْخَيْطُ عَلَى أَفْوَاهِهَا وَيُرْبَطُ بِهِ. عون المعبود - (ج 8 / ص 195)
(22)
(م) 18 ، (د) 3693 ، (حم) 11191
(23)
المراد بالاشتداد: الحُموضة.
(24)
أَيْ: فِي الْمَرَّة الثَّالِثَة أَوْ الرَّابِعَة. عون المعبود - (ج 8 / ص 197)
(25)
(د) 3696 ، انظر الصحيحة: 2425
(26)
المَيْسِر: القِمار.
(27)
قَالَ سُفْيَانُ: قُلْتُ لِعَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ: مَا الْكُوبَةُ؟ ، قَالَ: الطَّبْلُ ، (د) 3696 ، (حم): 2476 ، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح
قَالَ في المُغْرِب: (الْكُوبَةُ): الطَّبْلُ الصَّغِيرُ الْمُخَصَّرُ ، وَقِيلَ: النَّرْدُ.
(28)
(حم) 2625 ، (د) 3696
(29)
(خ) 53 ، (م) 17