المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أقوال العلماء في جمع أسانيد الأحاديث ومتونها - الجامع الصحيح للسنن والمسانيد - جـ ١

[صهيب عبد الجبار]

فهرس الكتاب

- ‌(1) شَرَف أصحاب الحديث

- ‌(2) مُقَدِّمَة المؤلف

- ‌أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ فِي جَمْعِ أَسَانِيدِ الْأَحَادِيثِ وَمُتُونِهَا

- ‌مُحَاوَلَاتُ الْعُلَمَاءِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا جَمْعَ طُرُقِ الْحَدِيثِ فِي مَتْنٍ وَاحِد

- ‌منهج العمل في هذا الكتاب

- ‌طريقة شرح الحديث في الأجزاء الفقهية:

- ‌ طريقة البحث:

- ‌مَيِّزَاتُ الْجَامِعِ الصَّحِيحِ لِلسُّنَنِ وَالْمَسَانِيد

- ‌أقسام الكتاب

- ‌مفاتيح الرموز

- ‌كِتَابُ الْعَقِيدَة الأول

- ‌(1) الْإسْلَام

- ‌عُلُوُّ الْإسْلَام

- ‌الْمُؤمِنُ عَزِيزٌ عَلَى الله

- ‌أَرْكَانُ الْإِسْلَام

- ‌إسْلَامُ قَائِلِ الشَّهَادَتَيْن

- ‌الْإقْرَارُ بالشَّهَادَتَيْنِ يَعْصِمُ الدَّمَ وَالْمَالَ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَام

- ‌نَجَاةُ الْمُوَحِّدِينَ مِنَ الْخُلُودِ فِي النَّار

- ‌(2) اَلْإيمَان

- ‌أَرْكَانُ الْإيمَان

- ‌الْإِيمَانُ بِالله

- ‌تَنْزِيهُ الرَّبِ سُبْحَانَهُ عَنِ اتِّخَاذِ الشَّرِيكِ وَالْوَلَد

- ‌عَدَدُ أَسْمَاءِ اللهِ عز وجل

- ‌بَعْضُ صِفَاتِ الرَّبِّ عز وجل

- ‌غِنَى الرَّبِ عز وجل عَنْ خَلْقِه

- ‌عَظَمَةُ عَرْشِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَسَعَةُ كُرْسِيِّه

- ‌عُلُوُّ الرَّبِّ عز وجل عَلَى خَلْقِه

- ‌تَفَرُّدُ الرَّبِّ عز وجل بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْخَلْق

- ‌تَفَرُّدُ الرَّبِّ عز وجل بِمَعْرِفَةِ الْغَيْب

- ‌سَعَةُ رَحْمَةِ اللهِ وَمَغْفِرَتِه

- ‌غَيْرَةُ الرَّبِّ عز وجل

- ‌صَبْرُ الرَّبِّ عز وجل

- ‌قُرْبُ الرَّبِّ عز وجل مِنْ عِبَادِه

- ‌الرَّبُّ عز وجل سِتِّيرٌ يُحِبُّ السَّتْر

- ‌مَحَبَّةُ الرَّبِّ عز وجل لِلْمَدْح

- ‌مَحَبَّةُ الرَّبِّ عز وجل لِأَوْلِيَائِهِ ، وَتَايِيدِهِ لَهُمْ بِنُصْرَتِهِ وَمَعِيَّتِه

- ‌استجابةُ اللهِ سَبْحَانَهُ لِدُعَاءِ عِبَادِه

- ‌حُسْنُ الظَّنِّ بِاللهِ تَعَالَى بِالرَّجَاء

- ‌كَرَاهِيَةُ الرَّبِّ لِقُنُوطِ عِبَادِهِ مِنْ رَحْمَتِه

- ‌كَرَاهِيَةُ الرَّبِّ لِلشِّرْك

- ‌كَرَاهِيَةُ الرَّبِّ لِلظُّلم

- ‌رُؤْيَةُ الْمُؤْمِنِينَ لِلهِ يَوْمَ الْقِيَامَة

- ‌بَدْءُ الْخَلْق

- ‌الحِكْمَةُ مِن إِيجَادِ الخَلْق

- ‌كَيْفِيَّةُ بَدْءِ الْخَلْق

- ‌الْإِيمَانُ بِالْمَلَائِكَة

- ‌وُجُوبُ الْإِيمَانِ بِالْمَلَائِكَة

- ‌صِفَةُ خَلْقِ الْمَلَائِكَة

- ‌خَصَائِصُ الْمَلَائِكَة

- ‌طَهَارَةُ الْمَلَائِكَة

- ‌جَمَالُ صُوَرِ بَعْضِهِم

- ‌الْمَلَائِكَةُ لَيْسُوا إنَاثًا

- ‌الْمَلَائِكَةُ لا يَأكُلُونَ الطَّعَامَ

- ‌قُدْرَةُ الْمَلَائِكَةِ عَلَى التَّشَكُّل

- ‌نُزُولُ جِبْرِيلَ فِي صُورَةِ دِحْيَة الْكَلْبِيّ

- ‌بَعْضُ الْمَخْلُوقَاتِ تَرَى الْمَلَائِكَة

- ‌ضَخَامَةُ أَحْجَامِهِم

- ‌الْمَلَائِكَة لَهَا أَجْنِحَة

- ‌قُوَّةُ الْمَلَائِكَة

- ‌الْمَلَائِكَةُ لَا يَعْصُونَ اللهَ مُطْلَقًا

- ‌الْمَلَائِكَةُ يَخَافُونَ كَثِيرًا مِنَ الله

- ‌الْمَلَائِكَةُ لَا يَدْخُلُونَ بَيْتًا فِيهِ كَلْب

- ‌الْمَلَائِكَةُ لَا يَدْخُلُونَ بَيْتًا فِيهِ صُورَة

- ‌الْمَلَائِكَةُ لَا يَدْخُلُونَ بَيْتًا فِيهِ جَرَس

- ‌الْمَلَائِكَةُ لَا يَدْخُلُونَ بَيْتًا فِيهِ بَوْلٌ مُنْتَقِع

- ‌الْمَلَائِكَةُ لَا يَصْحَبُونَ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ وَلَا جَرَسٌ وَلَا جِلْدُ نَمِرٍ

- ‌الْمَلَائِكَةُ لَا يَقْرَبُونَ الْجُنُب

- ‌الْمَلَائِكَةُ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الْإنْسَان

- ‌نُزُولُ الْمَلَائِكَةِ فِي الْعِنَان

- ‌تَكْلِيمُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ لِلْمَلَائِكَة

- ‌جِبْرِيلُ عليه السلام

- ‌صِفَةُ جِبْرِيل

- ‌تَكْلِيمُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ لِجِبْرِيل

- ‌تسميةُ جبريلَ بالرُّوح

- ‌لِقَاءُ جِبْرِيلَ فِي بَدْءِ الْوَحْي

- ‌حُبُّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِقَاءَ جِبْرِيل

- ‌عَرْضُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْقُرْآنَ عَلَى جِبْرِيلَ فِي رَمَضَان

- ‌تَعْلِيمُ جِبْرِيلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُمُورَ الدِّين

- ‌عَدَاوَةُ الْيَهُودِ لِجِبْرِيل

- ‌وَظَائِفُ الْمَلَائِكَة

- ‌مِنْ وَظَائِفِ الْمَلَائِكَةِ تَبْلِيغُ رِسَالَاتِ اللَه

- ‌مِنْ وَظَائِفِ الْمَلَائِكَةِ كِتَابَةُ الْأَعْمَال

- ‌دُعَاءُ الْمَلَائكَةِ لِلْمُسْلِمِين

- ‌مُشَارَكَةُ الْمَلَائكَةِ الْمُؤمِنِينَ فِي الصَّلَوَات

- ‌مُشَارَكَةُ الْمَلَائكَةِ الْمُؤمِنِينَ فِي الْقِتَال

- ‌مِنْ وَظَائِفِ الْمَلَائِكَةِ إرْشَادُ الْمُسْلِمِ إلَى طَرِيقِ الْحَقّ

- ‌مِنْ وَظَائِفِ الْمَلَائِكَةِ التَّسْبِيحُ وَالتَّقْدِيسُ وَالصَّلَاة

- ‌مِنْ وَظَائِفِ الْمَلَائِكَةِ قَبْضُ أَرْوَاحِ الْبَشَرِ ، وَسُؤالِهِمْ فِي الْقَبْرِ ، وَتَعْذِيبِ الْعُصَاةِ والْكَفَرَة مِنْهُم

- ‌مِنْ وَظَائِفِ الْمَلَائِكَةِ تَشْيِيعُ جَنَائِزِ الصَّالِحِينَ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِم

- ‌الْإيمَانُ بِالْجِنّ

- ‌هَل الْجِنُّ يَمُوتُون

- ‌عَدَاوَةُ الشَّيْطَانِ لِلْإنسَان

- ‌وَسْوَسَةُ الشَّيْطَان

- ‌دُخُولُ الْجِنِّ فِي الْإنْسَانِ مِنْ حِينِ وِلَادَتِه

- ‌تَلَبُّس الْجِنّ بِالْآدَمِيِّ

- ‌أَمْرُ الْجِنِّيِّ بِالْخُرُوج

- ‌تَسَلُّطُ الشَّيْطَانِ عَلَى الْإِنْسَانِ عِنْدَ الْمَوْت

- ‌ظُهُورُ الْجِنِّ لِلْإنْسَانِ وَقُدْرَتِهِمْ عَلَى التَّشَكُّل

- ‌اسْتِرَاقُ الْجِنِّ السَّمْعَ مِنَ السَّمَاء

- ‌الْوِقَايَةُ مِنَ الشَّيَاطِين

- ‌الْإِيمَانُ بِالْكُتُبِ السَّمَاوِيَّة

- ‌الْإيمَانُ بِالرُّسُل

- ‌وُجُوبُ الْإيمَانِ بِالرُّسُل

- ‌الأنْبِيَاءُ دِينُهُمْ وَاحِد

- ‌وُجُوبُ اتِّباعِ الرُّسُل

- ‌نَماذِجُ مِن تَمَسُّكِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِإحْسَانٍ بِسُنَّتِه صلى الله عليه وسلم

- ‌رُجُوعُ الصَّحَابَةِ عَنْ آرائِهِمْ لَمَّا عَلِمُوا أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِسُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌عَدَدُ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُل

- ‌صِفَاتٌ خَاصَّةٌ بِالْأَنْبِيَاء

- ‌الْأَنْبِيَاءُ لَا تُورَث

- ‌أَسْمَاؤُهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌صِفَتُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْكُتُبِ السَّابِقَة

- ‌تَفْضِيلُهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاء

- ‌دَلَائِلُ نُبُوَّتِهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الْبِعْثَة

- ‌دَلَائِلُ نُبُوَّتِهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الْبِعْثَة

- ‌انْشِقَاقُ الْقَمَرِ بِدُعَائِه صلى الله عليه وسلم

- ‌قُدُومُ الشَّجَرِ إلَيْه صلى الله عليه وسلم

- ‌إخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم بِمَا سَيَحْدُث

- ‌شِفَاءُ الْمَرْضَى بِبَرَكَتِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌تَكْثِيرُ الطَّعَامِ بِبَرَكَتِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌خُرُوجُ يَنَابِيعِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌تَسْبِيحُ الْحَصَى بَيْنَ يَدَيْهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌تَسْلِيمُ الشَّجَرِ وَالْحَجَرِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌مَعْرِفَةُ الْمَخْلُوقَاتِ بِنُبُوَّتِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌حَنِينُ الْجِذْعِ إلَيْهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌اسْتِجَابَةُ دُعَائِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌إسْرَاعُ الْخَيْلِ والْإِبِلِ بِبَرَكَتِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌حِمَايَةُ اللهِ لَهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَذَى الْخَلْق

- ‌طَيُّ الْأَرْضِ لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌خُرُوجُ النَّخْلِ الَّذِي زَرَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ مِنْ عَامِه

- ‌إخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم بِبَعْضِ الْحَقَائِقِ الْعِلْمِيِّةِ الَّتِي لَمْ تُعْرَف إِلَّا فِي الْعَصْرِ الْحَدِيث

- ‌بَشَرِيَّتُه صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌أقوال العلماء في جمع أسانيد الأحاديث ومتونها

‌أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ فِي جَمْعِ أَسَانِيدِ الْأَحَادِيثِ وَمُتُونِهَا

قال ابن المديني (234هـ): " الباب إذا لم تُجمع طرقه، لم يتبين خطؤه "(مقدمة ابن الصلاح 195/تبصرة العراقي 1: 227).

وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري (244هـ): " كل حديث لا يكون عندي منه مائة وجه؛ فأنا فيه يتيم "(تذكرة الذهبي 516).

وقال أبو حاتم الرازي (277هـ): " لو لم يكتب الحديث من ستين وجهاً، ما عقلناه "(فتح المغيث للسخاوي 2: 327).

وقال الخطيب البغدادي (463هـ): " قلَّ من يَتَمَهَّر في علم الحديث ، ويقف على غوامضه ، ويستثير الخفي من فوائده ، إلا من: جمع متفرقه ، وألف مشتتَه ، وضم بعضه إلى بعضه ، واشتغل بتصنيف أبوابه ، وترتيب أصنافه "(الجامع 2: 280).

وقال ابن حجر العسقلاني (852هـ): " ولقد كان استيعاب الأحاديث سهلاً لو أراد الله تعالى ذلك ، بأن يجمع الأول منهم ما وصل إليه، ثم يذكر من بعده ما اطلع عليه مما فاته من حديث مستقل، أو زيادة في الأحاديث التي ذكرها ، فيكون كالدليل عليه وكذا من بعده، فلا يمضي كثير من الزمان إلا وقد استوعبت، وصارت كالمصنف الواحد ، ولعمري لقد كان هذا في غاية الحسن "(تدريب الراوي؛ للسيوطي 1: 100).

وقال الحافظ أيضا: المُتعين على من يتكلم على الأحاديث أن يَجمع طُرقها، ثم يَجمع ألفاظ المُتون إذا صَحت الطُّرق، ويَشرحها على أنه حديث واحد، فإن الحديث أولى ما فُسِّر بالحديث. «فتح الباري» 6/ 475.

وإذا اتضح هذا؛ فإنه لا يجوز أن يؤخذ نص ، وأن يُطرح نظيره في نفس الباب، أو أن تُعمل مجموعةٌ من النصوص ، وتُهمل الأخرى؛ لأن هذا مظنة الضلال في الفهم، والغلط في التأويل (1) وقال الإمام أحمد رحمه الله: الحديث إذا لم تُجْمَع طُرقه لم تفهمه، والحديث يُفَسِّر بعضه بعضا. (2)

وقال الشاطبي رحمه الله: ومدار الغلط في هذا الفصل إنما هو على حرف واحد، وهو الجهل بمقاصد الشرع، وعدم ضم أطرافه بعضها لبعض، فإن مَاخَذَ الأدلة عند الأئمة الراسخين، إنما هو على أن تؤخذ الشريعة كالصورة الواحدة، بحسب ما ثبت من كُلِّيَاتها وجُزئياتها المرتَّبة عليها. (3)

وقال ابن كثير رحمه الله: " ومما يلتحق بهذا المعنى جمع روايات الحديث الواحد ، والنظر في أسانيده وألفاظه معاً ، وقبول ما ثبت، وطرح ما لم يثبت، وكما قيل: والحديث إذا لم تُجْمع طرقه لم تتبين عِلَلُه، ثم النظر في الحديث بطوله ، وفي الروايات مجتمعة.

وقد كانت لأهل البدع مواقف خالفوا بها إجماع أهل السنة بسبب مخالفتهم لهذا الأصل العظيم، فكانوا يجتزئون من النصوص بطرف، مع إغضاء الطرف عن بقية الأطراف، فصارت كل فرقةٍ منهم من الدين بطرف، وبقي أهل السنة في كل قضية عقدية وسطاً بين طرفين.

فهم - مثلاً - وسط في باب الوعيد بين غلاة المرجئة القائلين بأنه لا يضرُّ مع الإيمان ذنب، وبين الوعيدية من الخوارج والمعتزلة القائلين بتخليد عُصاة الموحدين في النار.

كما أنهم وسط في باب أسماء الإيمان والدين بين المرجئة القائلين بأن مرتكب الكبيرة كامل الإيمان، وبين الوعيدية القائلين بتكفيره - كما هو عند الخوارج - أو يجعله بمنزلة بين المنزلتين- كما هو عند المعتزلة -.

وهم وسط في باب القدر بين القدرية النفاة لمشيئته تعالى وخلقه أفعال العباد، وبين الجبرية النفاة لقدرة العبد واختياره ومشيئته ونسبة فعله إليه حقيقة، والقاعدة الهادية عند اشتباه الأدلة: أن من رد ما اشتبه إلى الواضح منها، وحكَّم مُحْكَمَها على متشابِهِها عنده فقد اهتدى، ومن عكس انعكس" (4)

وقال الشيخ عبد الملك بن بكر قاضي: " ولِجَمْع الطُّرُق، والروايات فوائد يدركها علماء هذا الشأن ، ومن أقربها: تحقيق المعنى الصحيح للحديث ، وتقوية أسانيده ، بانضمام بعضها إلى بعض ، كما أنه سيُفضي إلى الحكم الشرعي الصحيح.

ولا يخلو مصنَّف من فوائد ينفرد ويختص بها، بما لا غنى للباحثين عنها ، وقد تكون زيادة كلمة، أو بيان غامضٍ مبهم.

أضف إلى ما سبق؛ أن هذه المصنفات بعضها في متناول الباحث والبعض الآخر بعيد عنه.

والوصول إلى المراد من هذه المصنفات عسير، إلا على المتخصص ، وحتى المتخصص، فإنه يحتاج إلى زمن طويل أحياناً حتى يتمكن من جمع طرق، وأطراف حديث واحد ، وطالما أعيا مشايخنا المحدثين طلب بعض الأحاديث من مظانها ، بل إنني واحد من الذين ثقفوا المصنفات الحديثية معرفة بمواردها، ومصادرها، ومع تمكُّني من معرفة الأبواب التي ارتكزت عليها هذه المصنفات؛ إلا أنني أجد صعوبة أحياناً في التوصل لحديث ما ، فكيف بالعلماء الذين ليسوا مختصين بهذا العلم، كالفقهاء، والمفسرين، والدعاة، والخطباء، والمؤرخين ، والأدباء، واللغويين، وغيرهم ، ممن تصادفهم أحاديث، ويودُّون الوقوف على حقيقتها من مصادرها للاستشهاد بنصوصها من مصنفات رُواتها.

من تلك الأمثلة: حديث سُئلت عنه، فأنفقت جهداً، ووقتاً، ولم أقف عليه حتى الآن. وهو ما ذكره الماوردي ـ في باب: جامع التيمم، والعذر فيه ـ دليلاً على اشتراط طلب الماء قبل التيمم، بما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال:" أنفذني رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب الماء، ثم تيمم ". (الحاوي الكبير 1: 263).

وإذا كانت الحاجة فيما مضى إلى موسوعة للحديث النبوي أملاً، فقد أصبحت في الوقت الحاضر عملاً واجباً، بعد حملات التشكيك في حُجيّة السنة، والتقليل من شأنها في العديد من مواقع الشبكة العنكبوتية ، وعدد من الدراسات، والندوات، واللقاءات، والأحاديث الإعلامية المشبوهة تلفازاً، وإذاعةً، وصحافةً.

يُضاف إلى هذا احتجاج بعض خطباء الجُمَعِ، وعدد من المؤلفين والمحاضرين، والإعلاميين، وغيرهم، بأحاديث نبوية، بعضها ضعيف السند، وبعضها الآخر موضوع، من غير التزام ببيان الدرجة، أو المصدر.

إلى جانب ما يُلاقيه جمهرة عامة المسلمين من الارتباك عندما تتعارض الآراء والتوجُّهات، كتعارُض الآراء مثلا في قضية الاختلاف في عدد الركعات في قيام رمضان، وغيرها من القضايا وبخاصة إذا ما صَحِب مثلُ هذه القضايا تَعسُّف الإلزام من الذين يلتزمون بظاهر الأحاديث التي وصل إليها حدُّ عِلمهم، وَوَصْفُهُم لِمُخالفيهم بصفات التجريح، والتجريم، والتفسيق، وربما التكفير، الأمر الذي خلَّف في المجتمعات الإسلامية متشدداً مغالياً، وضائعاً يائساً، ومُحتاراً بائساً.

إن صدور موسوعات بهذا المنهاج، أو ذاك، هو وَصْلٌ لمسعى الآباء والأجداد ، ولن يُلغِيَ منهجٌ منهجاً آخر يُغايرُه، بل يزيدُ كل منهما الثاني أَلَقًا وإشراقاً.

ولن تتم الفائدة المرجوَّة، إذا استعجلنا قطف الثمار، وأخرجنا عملاً هزيلاً ، إن التاريخ لا يَسأل عن العمل في كم تمَّ؟ ، ولكن يسأل كيف تمَّ؟ ، ولا بُد لنجاحه من أَنَاةٍ، وصبر، لا يُهْدَر فيها الإتقان استعجالاً للزمن.

إن تاريخنا التصنيفي يُظهِر أن العمل الفردي - وإن شابه شيء من النقص أحياناً - فهو أنفذ عملاً، وأقرب منالاً، وأيسر قصداً في الإنجاز ". انتهى كلام القاضي جزاه الله خيرا.

وقال الشيخ صالح الشامي جزاه الله خيرا: والذي أراه أن الغاية من جمع السنة هو تقريبها من أيدي عامة المسلمين، بحيث يتوفر لكل مسلم ما هو بحاجة إليه من العلم، وإذا كان المسلمون ليسوا في مستوى واحد من حيث حاجتهم ، فحاجة العالم غير حاجة طالب العلم، وحاجة الباحث والمجتهد غير حاجة العالم ، فالواجب مراعاة ذلك.

إن جمع كتابين أو عدة كتب في كتاب واحد، أو استخراج الزائد في كتاب على كتاب آخر، أو عدة كتب ، يسّر على الباحثين عملهم، ووفَّر عليهم بعض أوقاتهم ، وهو في الوقت نفسه خطوة على طريق "جمع السنة" ، إذ غايته تقليص مساحة البحث ". أ. هـ

(1)(مفاتيح للفقه في الدين) ص10 للشيخ مصطفى العدوي

(2)

(الجامع لأخلاق الراوي) للخطيب البغدادي (2/ 212)

(3)

(الموافقات) للشاطبي (1/ 245 - 246)

(4)

(تفسير القرآن العظيم) لابن كثير (1/ 345) بتصرف يسير.

نقلا عن الموسوعة العقدية - الدرر السنية (1/ 74)

ص: 5