الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حُكْمُ التَّطْهِير بِالْمَائِعَاتِ عَدَا الْمَاء
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي رَفْعِ الْمَائِعِ لِلْحَدَثِ وَإِزَالَتِهِ لِلْخَبَثِ عَنِ الْجَسَدِ وَالثِّيَابِ فَقَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: لا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَلا يُزِيلُ الْخَبَثَ إِلا الْمَاءُ الْمُطْلَقُ ، فَالطَّهَارَةُ مِنَ النَّجَاسَةِ لا تَحْصُلُ عِنْدَهُمْ إِلا بِمَا تَحْصُلُ بِهِ الطَّهَارَةُ مِنَ الْحَدَثِ، لِدُخُولِهَا فِي عُمُومِ الطَّهَارَةِ، وَهَذَا قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ (1) وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:} وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا {،} وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ {، قَالَ النَّوَوِيُّ: ذَكَرَهُ سبحانه وتعالى امْتِنَانًا فَلَوْ حَصَلَتِ الطَّهَارَةُ بِغَيْرِهِ لَمْ يَحْصُلِ الامْتِنَانُ بِهِ. (2)
وَلِمَا وَرَدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ فَلْتَقْرُصْهُ، ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بِمَاءٍ ثُمَّ لِتُصَلِّيَ فِيهِ ". وَلَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جَوَازُ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ الْمَاءِ، فَلَوْ جَازَ بِغَيْرِ الْمَاءِ لَبَيَّنَهُ مَرَّةً فَأَكْثَرَ. (3)
قَال النَّوَوِيُّ (م) 110 - 291): وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّ مَنْ غَسَلَ بِالْخَلِّ أَوْ غَيْره مِنْ الْمَائِعَات لَمْ يُجْزِئهُ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْمَأمُور بِهِ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ، وَبِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ قَالِعٍ، كَالْخَلِّ وَمَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ مِمَّا إِذَا عُصِرَ انْعَصَرَ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ:(مَا كَانَ لإِحْدَانَا إِلا ثَوْبٌ وَاحِدٌ تَحِيضُ فِيهِ، فَإِذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ قَالَتْ بِرِيقِهَا، فَقَصَعَتْهُ بِظُفْرِهَا) أَيْ حَكَّتْهُ. وَلأَنَّهُ مُزِيلٌ بِطَبْعِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يُفِيدَ الطَّهَارَةَ كَالْمَاءِ بَلْ أَوْلَى؛ لأَنَّهُ أَقْلَعُ لَهَا، وَلأَنَّا نُشَاهِدُ وَنَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْمَائِعَ يُزِيلُ شَيْئًا مِنَ النَّجَاسَةِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَلِهَذَا يَتَغَيَّرُ لَوْنُ الْمَاءِ بِهِ، وَالنَّجَاسَةُ مُتَنَاهِيَةٌ، لأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ جَوَاهِرَ مُتَنَاهِيَةٍ، فَإِذَا انْتَهَتْ أَجْزَاؤُهَا بَقِيَ الْمَحَلُّ طَاهِرًا لِعَدَمِ الْمُجَاوَرَةِ. (4)
(1) فتح القدير 1/ 133، 177، وابن عابدين 1/ 23، والفتاوى الهندية 1/ 21، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/ 34، والمجموع للنووي 1/ 95 - 97، والمغني 1/ 9.
(2)
المجموع للنووي 1/ 95.
(3)
المجموع للنووي 1/ 95.
(4)
فتح القدير 1/ 133، تبيين الحقائق 1/ 69، 70