الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَلِيلُ الْبَوْل
(حم)، عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: أَرَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنْ يَنْهَى عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ، فَقَالَ لَهُ أُبَيٌّ: لَيْسَ ذَاكَ لَكَ، قَدْ تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَنْهَنَا عَنْ ذَلِكَ، فَأَضْرَبَ عَنْ ذَلِكَ عُمَرُ (1) وَأَرَادَ أَنْ يَنْهَى عَنْ حُلَلِ الْحِبَرَةِ لَأَنَّهَا تُصْبَغُ بِالْبَوْلِ، فَقَالَ لَهُ أُبَيٌّ: لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ، قَدْ لَبِسَهُنَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلَبِسْنَاهُنَّ فِي عَهْدِهِ " (2)
(1) قوله: " فأضرب عن ذلك " أي: أعرض عن قول أُبي ولم يسمعه، فما امتنع عن النهي ، بل نهى عن المتعة. مسند أحمد ط الرسالة (35/ 206)
(2)
(حم) 21321 ، (عب) 1495 ، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده رجاله ثقات رجال الشيخين ، لكن الحسن البصري لم يلق عمر ولا أُبيًّا، لكن قد صح نَهْيُ عمر عن متعة الحج ، وأما شطره الثاني فقد جاء من طُرُق عن عمر ، وهي وإن كانت منقطعة ، لكنها بمجموعها تدل على أن لها أصلا عن عمر. أ. هـ
قَال الْبُخَارِيُّ ج1ص81: وَقَالَ مَعْمَرٌ: «رَأَيْتُ الزُّهْرِيَّ يَلْبَسُ مِنْ ثِيَابِ اليَمَنِ مَا صُبِغَ بِالْبَوْلِ»
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مَعْمَرٌ) وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْهُ.
وَقَوْلُهُ (بِالْبَوْلِ) إِنْ كَانَ لِلْجِنْسِ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَغْسِلُهُ قَبْلَ لُبْسِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلْعَهْدِ فَالْمُرَادُ بَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِطَهَارَتِهِ. فتح (1/ 474)
مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَة:
اخْتَلَفَتْ آرَاءُ الْفُقَهَاءِ فِيمَا يُعْفَى عَنْهُ مِنَ النَّجَاسَاتِ، كَمَا اخْتَلَفَتْ آرَاؤُهُمْ فِي التَّقْدِيرَاتِ الَّتِي تُعْتَبَرُ فِي الْعَفْوِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ النَّجَاسَةِ الْمُخَفَّفَةِ وَالنَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ (1) وَقَالُوا: إِنَّهُ يُعْفَى عَنِ الْمُغَلَّظَةِ إِذَا أَصَابَتِ الثَّوْبَ أَوِ الْبَدَنَ بِشَرْطِ أَنْ لا تَزِيدَ عَنِ الدِّرْهَمِ، قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ: وَقَدْرُ الدِّرْهَمِ وَمَا دُونَهُ مِنَ النَّجَسِ الْمُغَلَّظِ كَالدَّمِ وَالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ وَخُرْءِ الدَّجَاجِ وَبَوْلِ الْحِمَارِ، جَازَتِ الصَّلاةُ مَعَهُ. (2)
أَمَّا النَّجَاسَةُ الْمُخَفَّفَةُ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْقَدْرِ الَّذِي يُعْفَى عَنْهُ مِنْهَا عَلَى رِوَايَاتٍ: قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ: إِنْ كَانَتْ كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ جَازَتِ الصَّلاةُ مَعَهَا حَتَّى يَبْلُغَ رُبُعَ الثَّوْبِ. (3)
وَقَالَ الْكَاسَانِيُّ: حَدُّ الْكَثِيرِ الَّذِي لا يُعْفَى عَنْهُ مِنَ النَّجَاسَةِ الْخَفِيفَةِ هُوَ: الْكَثِيرُ الْفَاحِشُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. (4)
وَفَرَّقَ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ الدَّمِ - وَمَا مَعَهُ مِنْ قَيْحٍ وَصَدِيدٍ - وَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ، فَيَقُولُونَ بِالْعَفْوِ عَنْ قَدْرِ دِرْهَمٍ مِنْ دَمٍ وَقَيْحٍ وَصَدِيدٍ، وَالْمُرَادُ بِالدِّرْهَمِ الدِّرْهَمُ الْبَغْلِيُّ وَهُوَ الدَّائِرَةُ السَّوْدَاءُ الْكَائِنَةُ فِي ذِرَاعِ الْبَغْلِ، قَالَ الصَّاوِيُّ: إِنَّمَا اخْتَصَّ الْعَفْوُ بِالدَّمِ وَمَا مَعَهُ؛ لأَنَّ الإِنْسَانَ لا يَخْلُو عَنْهُ، فَالاحْتِرَازُ عَنْ يَسِيرِهِ عَسِرٌ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ النَّجَاسَاتِ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالْمَنِيِّ وَالْمَذْيِ. (5)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى الْعَفْوِ عَنِ الْيَسِيرِ مِنَ الدَّمِ وَالْقَيْحِ وَمَا يَعْسُرُ الاحْتِرَازُ عَنْهُ وَتَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، كَدَمِ الْقُرُوحِ وَالدَّمَامِلِ وَالْبَرَاغِيثِ وَمَا لا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ، وَمَا لا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَالضَّابِطُ فِي الْيَسِيرِ وَالْكَثِيرِ الْعُرْفُ. (6)
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ نَجَاسَةٍ وَلَوْ لَمْ يُدْرِكْهَا الطَّرْفُ كَالَّذِي يَعْلَقُ بِأَرْجُلِ ذُبَابٍ وَنَحْوِهِ، وَإِنَّمَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ الدَّمِ وَمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ مِنَ الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ إِلا دَمَ الْحَيَوَانَاتِ النَّجِسَةِ فَلا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ دَمِهَا كَسَائِرِ فَضَلاتِهَا، وَلا يُعْفَى عَنِ الدِّمَاءِ الَّتِي تَخْرُجُ مِنَ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ؛ لأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْبَوْلِ أَوِ الْغَائِطِ.
وَظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ أَنَّ الْيَسِيرَ مَا لا يَفْحُشُ فِي الْقَلْبِ. (7)
(1) بدائع الصنائع 1/ 80.
(2)
البناية شرح الهداية 1/ 733 ـ 734.
(3)
البناية مع الهداية 1/ 739.
(4)
بدائع الصنائع 1/ 80.
(5)
القوانين الفقهية ص 39 نشر الدار العربية للكتاب، الشرح الصغير 1/ 74، حاشية الصاوي على الشرح الصغير 1/ 75.
(6)
حاشية البيجوري على ابن قاسم 1/ 107، وروضة الطالبين 1/ 280.
(7)
كشاف القناع 1/ 190 ـ 191، والمغني 2/ 78 ـ 79.