الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اسْتِحَالَةُ النَّجَاسَة
(ت)، وَعَنْ أُمِّ وَلَدٍ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَتْ: قُلْتُ لِأُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: إِنِّي امْرَأَةٌ أُطِيلُ ذَيْلِي (1) وَأَمْشِي فِي الْمَكَانِ الْقَذِرِ ، فَقَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ (2) "(3)
(1) الذَّيْلُ: طَرَفُ الثَّوْبِ الَّذِي يَلِي الْأَرْضَ وَإِنْ لَمْ يَمَسَّهَا. تحفة الأحوذي - (ج 1 / ص 171)
(2)
لاحِظ أنه صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بِتَرك الإسبال. ع
(3)
(ت) 143 ، (د) 383 ، (جة) 531 ، (حم) 26531
(عب)، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَحْبِسُ الدَّجَاجَةَ الْجَلَّالَةَ ثَلَاثًا إِذَا أَرَادَ أَن يَأكُلَ بَيْضَهَا. (1)
مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَة:
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ إِذَا تَخَلَّلَتْ بِغَيْرِ عِلاجٍ، بِأَنْ تَغَيَّرَتْ مِنَ الْمَرَارَةِ إِلَى الْحُمُوضَةِ وَزَالَتْ أَوْصَافُهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ الْخَلَّ حَلالٌ طَاهِرٌ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" نِعْمَ الأُدْمُ أَوِ الإِدَامُ الْخَلُّ "، وَلأَنَّ عِلَّةَ النَّجَاسَةِ وَالتَّحْرِيمِ الإِسْكَارُ، وَقَدْ زَالَتْ، وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا. (2)
وَكَذَلِكَ إِذَا تَخَلَّلَتْ بِنَقْلِهَا مِنْ شَمْسٍ إِلَى ظِلٍّ وَعَكْسِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) وَبِهِ قَالَ الْحَنَابِلَةُ إِذَا كَانَ النَّقْلُ لِغَيْرِ قَصْدِ التَّخْلِيلِ. (3)
وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ تَخْلِيلِ الْخَمْرِ بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهَا، كَالْخَلِّ وَالْبَصَلِ وَالْمِلْحِ وَنَحْوِهِ. فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: إِنَّهُ لا يَحِلُّ تَخْلِيلُ الْخَمْرِ بِالْعِلاجِ، وَلا تَطْهُرُ بِذَلِكَ، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ:" سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَمْرِ تُتَّخَذُ خَلا، قَالَ: لا ". (4)
وَلأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِإِهْرَاقِهَا. وَلأَنَّ الْخَمْرَ نَجِسَةٌ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِاجْتِنَابِهَا، وَمَا يُلْقَى فِي الْخَمْرِ يَتَنَجَّسُ بِأَوَّلِ الْمُلاقَاةِ، وَمَا يَكُونُ نَجِسًا لا يُفِيدُ الطَّهَارَةَ. (5)
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ - وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بِجَوَازِ تَخْلِيلِ الْخَمْرِ، فَتَصِيرُ بَعْدَ التَّخْلِيلِ طَاهِرَةً حَلالا عِنْدَهُمْ، لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:" نِعْمَ الإِدَامُ الْخَلُّ " فَيَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِهَا؛
وَلأَنَّ بِالتَّخْلِيلِ إِزَالَةَ الْوَصْفِ الْمُفْسِدِ وَإِثْبَاتَ الصَّلاحِ، وَالإِصْلاحُ مُبَاحٌ كَمَا فِي دَبْغِ الْجِلْدِ، فَإِنَّ الدِّبَاغَ يُطَهِّرُهُ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ ".
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا عَدَا الْخَمْرَ مِنْ نَجِسِ الْعَيْنِ هَلْ يَطْهُرُ بِالاسْتِحَالَةِ أَمْ لا؟
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لا يَطْهُرُ نَجِسُ الْعَيْنِ بِالاسْتِحَالَةِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " نَهَى عَنْ أَكْلِ الْجَلالَةِ وَأَلْبَانِهَا " لأَكْلِهَا النَّجَاسَةَ، وَلَوْ طَهُرَتْ بِالاسْتِحَالَةِ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ.
قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَلا يَطْهُرُ نَجِسُ الْعَيْنِ بِالْغَسْلِ مُطْلَقًا، وَلا بِالاسْتِحَالَةِ، كَمَيْتَةٍ وَقَعَتْ فِي مَلاحَةٍ فَصَارَتْ مِلْحًا، أَوْ أُحْرِقَتْ فَصَارَتْ رَمَادًا. (6)
وَقَالَ الْبُهُوتِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: وَلا تَطْهُرُ نَجَاسَةٌ بِنَارٍ، فَالرَّمَادُ مِنَ الرَّوْثِ النَّجِسِ نَجِسٌ وَصَابُونٌ عُمِلَ مِنْ زَيْتٍ نَجِسٍ نَجِسٌ، وَكَذَا لَوْ وَقَعَ كَلْبٌ فِي مَلاحَةٍ فَصَارَ مِلْحًا، أَوْ فِي صَبَّانَةٍ فَصَارَ صَابُونًا.
لَكِنْ نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَحَوَّلَتِ الْعَلَقَةُ إِلَى مُضْغَةٍ، فَإِنَّهَا تَصِيرُ طَاهِرَةً بَعْدَ أَنْ كَانَتْ نَجِسَةً، وَذَلِكَ لأَنَّ نَجَاسَتَهَا بِصَيْرُورَتِهَا عَلَقَةً، فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ عَادَتْ إِلَى أَصْلِهَا، كَالْمَاءِ الْكَثِيرِ الْمُتَغَيِّرِ بِالنَّجَاسَةِ (7). وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ نَجِسَ الْعَيْنِ يَطْهُرُ بِالاسْتِحَالَةِ؛ لأَنَّ الشَّرْعَ رَتَّبَ وَصْفَ النَّجَاسَةِ عَلَى تِلْكَ الْحَقِيقَةِ، وَتَنْتَفِي الْحَقِيقَةُ بِانْتِفَاءِ بَعْضِ أَجْزَاءِ مَفْهُومِهَا، فَكَيْفَ بِالْكُلِّ؟.
وَنَظِيرُهُ فِي الشَّرْعِ النُّطْفَةُ نَجِسَةٌ، وَتَصِيرُ عَلَقَةً وَهِيَ نَجِسَةٌ، وَتَصِيرُ مُضْغَةً فَتَطْهُرُ، وَالْعَصِيرُ طَاهِرٌ فَيَصِيرُ خَمْرًا فَيَنْجُسُ، وَيَصِيرُ خَلا فَيَطْهُرُ، فَعَرَفْنَا أَنَّ اسْتِحَالَةَ الْعَيْنِ تَسْتَتْبِعُ زَوَالَ الْوَصْفِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهَا.
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ مَا اسْتَحَالَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ بِالنَّارِ، أَوْ زَالَ أَثَرُهَا بِهَا يَطْهُرُ.
كَمَا تَطْهُرُ النَّجَاسَةُ عِنْدَهُمْ بِانْقِلابِ الْعَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ، خِلافًا لأَبِي يُوسُفَ.
وَمِنْ تَفْرِيعَاتِ ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْمُجْتَبَى أَنَّهُ إِنْ جُعِلَ الدُّهْنُ النَّجِسُ فِي صَابُونٍ يُفْتَى بِطَهَارَتِهِ، لأَنَّهُ تَغَيَّرَ، وَالتَّغَيُّرُ يُطَهِّرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَيُفْتَى بِهِ لِلْبَلْوَى، وَعَلَيْهِ يَتَفَرَّعُ مَا لَوْ وَقَعَ إِنْسَانٌ أَوْ كَلْبٌ فِي قِدْرِ الصَّابُونِ فَصَارَ صَابُونًا يَكُونُ طَاهِرًا لِتَبَدُّلِ الْحَقِيقَةِ.
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: الْعِلَّةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ التَّغَيُّرُ وَانْقِلابُ الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّهُ يُفْتَى بِهِ لِلْبَلْوَى، وَمُقْتَضَاهُ: عَدَمُ اخْتِصَاصِ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِالصَّابُونِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَا كَانَ فِيهِ تَغَيُّرٌ وَانْقِلابٌ حَقِيقَةً، وَكَانَ فِيهِ بَلْوَى عَامَّةٌ.
كَمَا نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ إِذَا تَحَجَّرَتْ فَإِنَّهَا تَطْهُرُ، لِزَوَالِ الإِسْكَارِ مِنْهَا، وَأَنَّ رَمَادَ النَّجِسِ طَاهِرٌ؛ لأَنَّ النَّارَ تَطْهُرُ.
قَالَ الدُّسُوقِيُّ: سَوَاءٌ أَكَلَتِ النَّارُ النَّجَاسَةَ أَكْلا قَوِيًّا أَوْ لا، فَالْخُبْزُ الْمَخْبُوزُ بِالرَّوْثِ النَّجِسِ طَاهِرٌ وَلَوْ تَعَلَّقَ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الرَّمَادِ، وَتَصِحُّ الصَّلاةُ قَبْلَ غَسْلِ الْفَمِ مِنْ أَكْلِهِ، وَيَجُوزُ حَمْلُهُ فِي الصَّلاةِ. (8)
(1)(عب) 7817 ، (ش) 24608 ، صححه الألباني في الإرواء: 2505
(2)
ابن عابدين 1/ 209، 5/ 290، وتبيين الحقائق للزيلعي 1/ 48، والدسوقي 1/ 52، والحطاب 1/ 97، 98، ونهاية المحتاج 1/ 230، 231، وكشاف القناع 1/ 187، والمغني 1/ 72.
(3)
ابن عابدين 1/ 209، 5/ 290، وتبيين الحقائق للزيلعي 1/ 48، والدسوقي 1/ 52، والحطاب 1/ 97، 98، ونهاية المحتاج 1/ 230، 231، وكشاف القناع 1/ 187، والمغني 1/ 72.
(4)
حديث: " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر تتخذ خلا؟. . . " أخرجه مسلم (3/ 1573 ـ ط عيسى الحلبي) من حديث أنس.
(5)
نهاية المحتاج 1/ 131، 132، وكشاف القناع 1/ 187، والحطاب 1/ 98.
(6)
نهاية المحتاج 1/ 230.
(7)
كشاف القناع 1/ 186 ـ 187.
(8)
حاشية ابن عابدين 1/ 210، 217، 218، حاشية الدسوقي 1/ 52، 57.