الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خُرُوجُ الرِّيحِ مِنْ الْقُبُل
قَالَ ابن الْمُبَارَكِ: " إِذَا خَرَجَ مِنْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ الرِّيحُ ، وَجَبَ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ " ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، وَإِسْحَاقَ.
وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: خُرُوجُ الرِّيحِ مِنَ القُبُل لا يُوجِب الوضوء.
قال القاري فِي الْمِرْقَاةِ: تَوْجِيهُ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ نَادِرٌ ، فَلَا يَشْمَلُهُ النَّصُّ ، كَذَا قِيلَ.
وَالصَّحِيحُ مَا قالَهُ ابنُ الْهُمَامِ مِنْ أَنَّ الرِّيحَ الْخَارِجَ مِنَ الذَّكَرِ ، اخْتِلَاجٌ لَا رِيحٌ ، فَلَا يَنْقُضُ ، كَالرِّيحِ الْخَارِجَةِ مِنْ جِرَاحَةٍ فِي الْبَطْنِ. انْتَهَى
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ فِي شَرْحِهِ لِشَرْحِ الْوِقَايَةِ: اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الرِّيحَ الْخَارِجَةَ مِنَ الدُّبُرِ نَاقِضَةٌ ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْخَارِجَةِ مِنَ الذَّكَرِ وَقُبُلِ الْمَرْأَةِ ،
فَرَوَى الْقُدُورِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ ، وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ.
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: لَا وُضُوءَ فِيهِمَا ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُفْضَاةً ، وَالْمُفْضَاةُ: هِيَ الَّتِي اخْتَلَطَ سَبِيلَاهَا ، الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ ، وَقِيلَ: مَسْلَكُ الْبَوْلِ وَالْحَيْضِ ، فَيُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ ، وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ يَقُولُ: إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مُفْضَاةً يَجِبُ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُفْضَاةً لَا يَجِبُ ، وَهَكَذَا ذَكَرَ هِشَامٌ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ.
وَمِنَ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ فِي الْمُفْضَاةِ: إِذَا كَانَ الرِّيحُ مُنْتِنًا يَجِبُ الْوُضُوءُ ، وَمَا لَا فَلَا ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَبِهِ عَلِمْتَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الرِّيحِ الْخَارِجَةِ مِنْهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ ، الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ ، وَدَلِيلُهُ عُمُومُ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: إِنَّ الْحَدَثَ مَا خَرَجَ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ ، فَإِنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ ، لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ، كَذَا فِي الْبِنَايَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُوجِبُ ، وَإِلَيْهِ مَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ ، وَعَلَّلَ بِأَنَّهَا لَا تَنْبَعِثُ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ عَيْنَ الرِّيحِ لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ ، وَإِنَّمَا يَتَنَجَّسُ بِمُرُورِهَا عَلَى مَحَلِّ النَّجَاسَةِ ، وَهَذَا لَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنَ الْمَشَايِخِ بِتَنَجُّسِ عَيْنِ الرِّيحِ.
وَالْأَوْلَى فِي التَّعْلِيلِ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ ، أَنَّهَا اخْتِلَاجٌ لَا رِيحٌ ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ خَارِجٍ.
لَكِنَّ هَذَا أَيْضًا قَاصِرٌ ، فَإِنَّهُ لَا يَتَمَشَّى فِي مَا إِذَا وَجَدَتِ النَّتَنَ ، أَوْ سَمِعَتِ الصَّوْتَ مِنَ الْقُبُلِ أَوْ الذَّكَرِ ، فَإِنَّ هُنَاكَ لَا شَكَّ فِي خُرُوجِ شَيْءٍ.
وَمِمَّنْ اخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ: قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ ، وَصَاحِبُ مَرَاقِي الْفَلَاحِ ، وَقَالَ: هُوَ الْأَصَحُّ ، لِأَنَّهُ اخْتِلَاجٌ لَا رِيحٌ ، وَإِنْ كَانَ رِيحًا فَلَا نَجَاسَةَ فِيهِ ، وَرِيحُ الدُّبُرِ نَاقِضَةٌ لِمُرُورِهَا بِالنَّجَاسَةِ ، وَصَاحِبُ التَّنْوِيرِ ، وَصَاحِبُ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ.
وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّ الْمُوَافِقَ لِلْأَحَادِيثِ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ ، فَلْيَكُنْ هُوَ الْمُعَوَّلُ. انتهى. تحفة76