الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نِيَّةُ الْوُضُوء
(خ م د)، عَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى "(1)
مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَة:
لَمْ يَشْتَرِط الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَة وَغَيْرهُمَا فِيهِ النِّيَّة ، وَحُجَّتهمْ أَنَّهُ لَيْسَ عِبَادَة مُسْتَقِلَّة ، بَلْ وَسِيلَة إِلَى عِبَادَة كَالصَّلَاةِ، وَنُوقِضُوا بِالتَّيَمُّمِ ، فَإِنَّهُ وَسِيلَة ، وَقَدْ اِشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّة فِيهِ النِّيَّة، وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُور عَلَى اِشْتِرَاط النِّيَّة فِي الْوُضُوء بِالْأَدِلَّةِ الصَّحِيحَة الْمُصَرِّحَة بِوَعْدِ الثَّوَاب عَلَيْهِ، فَلَا بُدّ مِنْ قَصْدٍ يُمَيِّزهُ عَنْ غَيْره لِيَحْصُل الثَّوَاب الْمَوْعُود. (فتح - ج1ص199)
عَدَّ الْحَنَابِلَةُ مِنْ شُرُوطِ الْوُضُوءِ النِّيَّةَ لِخَبَرِ " إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ " أَيْ لا عَمَلَ جَائِزٌ وَلا فَاضِلٌ إِلا بِالنِّيَّةِ، وَلأَنَّ النَّصَّ دَلَّ عَلَى الثَّوَابِ فِي كُلِّ وُضُوءٍ وَلا ثَوَابَ فِي غَيْرِ مَنْوِيٍّ؛ وَلأَنَّ الْوُضُوءَ عِبَادَةٌ وَمِنْ شُرُوطِ الْعِبَادَةِ النِّيَّةُ؛ لأَنَّ مَا لَمْ يُعْلَمْ إِلا مِنَ الشَّارِعِ فَهُوَ عِبَادَةٌ. (2)
تَحْوِيلُ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ النِّيَّةَ مِنْ فُرُوضِ الْوُضُوءِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهَا شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَلَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْوُضُوءِ، وَإِنَّمَا هِيَ شَرْطٌ فِي وُقُوعِهِ عِبَادَةً.
فَمِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ إِذَا حَوَّلَ النِّيَّةَ فِي الْوُضُوءِ مِنْ نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ إِلَى نِيَّةِ التَّبَرُّدِ أَوِ التَّنَظُّفِ، فَلا أَثَرَ لِذَلِكَ فِي إِفْسَادِ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِمُ النِّيَّةَ فَرْضًا. وَإِنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُ التَّحْوِيلِ فِي عَدَمِ اعْتِبَارِ الْوُضُوءِ عِبَادَةً، وَفِي هَذَا يَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ: الصَّلاةُ تَصِحُّ عِنْدَنَا بِالْوُضُوءِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَنْوِيًّا، وَإِنَّمَا تُسَنُّ النِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ لِيَكُونَ عِبَادَةً، فَإِنَّهُ بِدُونِهَا لا يُسَمَّى عِبَادَةً مَأمُورًا بِهَا. . وَإِنْ صَحَّتْ بِهِ الصَّلاةُ.
فَالْوُضُوءُ مَعَ النِّيَّةِ أَوْ بِدُونِهَا أَوْ مَعَ تَحْوِيلِهَا صَحِيحٌ بِاعْتِبَارِهِ شَرْطًا لِصِحَّةِ الصَّلاةِ، وَإِنْ كَانَ لا يَصِحُّ عِبَادَةً بِدُونِ النِّيَّةِ أَوْ مَعَ تَحْوِيلِهَا.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: فَيَظْهَرُ أَثَرُ تَحْوِيلِ النِّيَّةِ عِنْدَهُمْ فِي إِفْسَادِ الْوُضُوءِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِهِ شَرْعًا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ. (3)
وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:
فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: رَفْضُ النِّيَّةِ فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ لا يَضُرُّ، إِذَا رَجَعَ وَكَمَّلَهُ بِالنِّيَّةِ الأُولَى عَلَى الْفَوْرِ، بِأَنْ يَنْوِيَ رَفْعَ الْحَدَثِ - عَلَى الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ - أَمَّا إِذَا لَمْ يُكَمِّلْهُ أَوْ كَمَّلَهُ بِنِيَّةٍ أُخْرَى كَنِيَّةِ التَّبَرُّدِ أَوِ التَّنْظِيفِ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِلا خِلافٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَكْمَلَهُ بِالنِّيَّةِ الأُولَى، وَلَكِنْ بَعْدَ طُولِ فَصْلٍ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ. (4)
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: مَنْ نَوَى نِيَّةً صَحِيحَةً ثُمَّ نَوَى بِغَسْلِ الرِّجْلِ - مَثَلا - التَّبَرُّدَ أَوِ التَّنَظُّفَ فَلَهُ حَالانِ:
الْحَالَةُ الأُولَى: أَنْ لا تَحْضُرَهُ نِيَّةُ الْوُضُوءِ فِي حَالِ غَسْلِ الرِّجْلِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ:
الْوَجْهُ الأَوَّلُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ: أَنَّهُ لا يَصِحُّ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَصِحُّ لِبَقَاءِ حُكْمِ النِّيَّةِ الأُولَى.
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَحْضُرَهُ نِيَّةُ الْوُضُوءِ مَعَ نِيَّةِ التَّبَرُّدِ - كَمَا لَوْ نَوَى أَوَّلَ الطَّهَارَةِ الْوُضُوءَ مَعَ التَّبَرُّدِ - فَفِيهِ وَجْهَانِ:
الْوَجْهُ الأَوَّلُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ: أَنَّ الْوُضُوءَ صَحِيحٌ؛ لأَنَّ نِيَّةَ رَفْعِ الْحَدَثِ حَاصِلَةٌ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: لا يَصِحُّ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ، وَذَلِكَ لِتَشْرِيكِهِ بَيْنَ قُرْبَةٍ وَغَيْرِهَا. (5)
وَأَمَّا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: فَإِنَّ مَنْ غَسَلَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ، وَغَسَلَ بَعْضَهَا بِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ، فَلا يَصِحُّ إِلا إِذَا أَعَادَ فِعْلُ مَا نَوَى بِهِ التَّبَرُّدَ بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ، بِشَرْطِ أَنْ لا يَفْصِلَ فَصْلا طَوِيلا فَيَكُونُ وُضُوءُهُ صَحِيحًا، وَذَلِكَ لِوُجُودِ النِّيَّةِ مَعَ الْمُوَالاةِ.
فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ بِحَيْثُ تَفُوتُ الْمُوَالاةُ بَطَلَ الْوُضُوءُ لِفَوَاتِهَا. (6)
(1)(د) 2201 ، (خ) 1 ، (م) 1907
(2)
معونة أولي النهى 1/ 277.
(3)
حاشية ابن عابدين 1/ 106، 107، وفتح القدير 1/ 28، وروضة الطالبين 1/ 47، وحاشية الدسوقي 1/ 93، 95، والحطاب 1/ 240، والإنصاف 1/ 142.
(4)
الدسوقي 1/ 95، والحطاب 1/ 240.
(5)
المجموع 1/ 327، 328، ونهاية المحتاج 1/ 147.
(6)
كشاف القناع 1/ 87، ومطالب أولي النهى 1/ 107.