الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ فِي الْوُضُوء
(خ س د جة حم)، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ:(قَالَ لَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَتُحِبُّونَ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ؟ ، فَدَعَا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ)(1)(فَجَعَل يَغْرِفُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى الْيُسْرَى)(2) وفي رواية: (فَغَسَلَ يَدَيْهِ ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ)(3)(ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَة مِنْ مَاءٍ فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا ، أَضَافَهَا إلَى يَدِهِ الْأُخْرَى وفي رواية: (أَخَذَ أُخْرَى فَجَمَعَ بِهَا يَدَيْهِ)(4) فَغَسَلَ بِهِمَا وَجْهَهُ) (5)(ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُمْنَى ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُسْرَى)(6) وفي رواية: (غَسَلَ وَجْهَهُ وَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّةً مَرَّةً)(7)(ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ الْمَاءِ ثُمَّ نَفَضَ يَدَهُ ثُمَّ مَسَحَ بِهَا رَأسَهُ وَأُذُنَيْهِ)(8)(- دَاخِلَهُمَا بِالسَّبَّابَتَيْنِ ، وَخَالَفَ إِبْهَامَيْهِ إِلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ - فَمَسَحَ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا)(9)(مَسْحَةً وَاحِدَةً)(10)(ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَرَشّ (11) عَلَى رِجْلِهِ الْيُمْنَى حَتَّى غَسَلَهَا (12) ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً أُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا رِجْلَهُ الْيُسْرَى) (13) وفي رواية: (أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ كُلَّ عُضْوٍ مِنْهُ غَسْلَةً وَاحِدَةً)(14)(ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ ")(15)
(1)(د) 137
(2)
(حم) 3450 ، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح.
(3)
(س) 101 ، (خ) 140 ، (د) 137 ، (جة) 403
(4)
(د) 137
(5)
(خ) 140 ، (س) 102 ، (د) 137 ، (حم) 2416
(6)
(خ) 140 ، (س) 102 ، (د) 137 ، (حم) 2416
(7)
(س) 101 ، (حم) 1889
(8)
(د) 137 ، (خ) 140 ، (ت) 36 ، (س) 102
(9)
(جة) 439 ، (س) 102 ، (ت) 36
(10)
(د) 133 ، (س) 101
(11)
أَيْ: سَكَبَ الْمَاء قَلِيلًا قَلِيلًا إِلَى أَنْ صَدَقَ عَلَيْهِ مُسَمَّى الْغَسْل. فتح الباري (ح140)
(12)
قَوْله: (حَتَّى غَسَلَهَا) صَرِيح فِي أَنَّهُ لَمْ يَكْتَفِ بِالرَّشِّ، وَأَمَّا مَا وَقَعَ عِنْد أَبِي دَاوُدَ وَالْحَاكِم " فَرَشَّ عَلَى رِجْله الْيُمْنَى وَفِيهَا النَّعْل، ثُمَّ مَسَحَهَا بِيَدَيْهِ يَد فَوْق الْقَدَم وَيَد تَحْت النَّعْل " فَالْمُرَاد بِالْمَسْحِ تَسْيِيل الْمَاء حَتَّى يَسْتَوْعِب الْعُضْو، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَوَضَّأ فِي النَّعْل كَمَا عِنْد الْمُصَنِّف مِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر. فتح الباري (ج 1 / ص 226)
(13)
(خ) 140 ، (س) 102 ، (د) 137 ، (حم) 2416
(14)
(حم) 3113 ، (خ) 156 ، (ت) 42 ، (د) 138 ، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح.
(15)
(خ) 140 ، (حم) 2416
(خ م)، وَعَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ الْمَازِنِيِّ قَالَ:(قَالَ رَجَلٌ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه: أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ؟ ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ: نَعَمْ ، " فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ)(1)(فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثًا ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ)(2)(فِي التَّوْرِ (3)) (4)(فَاسْتَخْرَجَهَا فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ)(5)(وَاسْتَنْثَرَ)(6)(مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ - فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا - ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَمَسَحَ)(7)(رَأسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ)(8)(ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا كَانَ وُضُوءُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ")(9)
(1)(خ) 183 ، (م) 18 - (235)
(2)
(م) 18 - (235) ، (خ) 184
(3)
(التَّوْر): إِنَاء صَغِير مِنْ نحاس أَوْ حِجَارَة يُشْرَب مِنْهُ ، وَقَدْ يُتَوَضَّأ مِنْهُ وَيُؤْكَل مِنْهُ الطَّعَام. عون المعبود
(4)
(خ) 184
(5)
(م) 18 - (235) ، (خ) 184
(6)
(خ) 184 ، (م) 235
(7)
(م) 18 - (235) ، (خ) 184 ، (ت) 28
(8)
(خ) 183 ، (س) 97 ، (د) 118 ، (ت) 32
(9)
(م) 18 - (235) ، (خ) 188 ، (حم) 16492
(د حم)، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:(دَخَلَ عَلَيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه بَيْتِي، فَدَعَا بِوَضُوءٍ)(1)(فَأَتَيْنَاهُ بِتَوْرٍ فِيهِ مَاءٌ حَتَّى وَضَعْنَاهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، أَلَا أُرِيكَ كَيْفَ كَانَ يَتَوَضَّأُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ ، قُلْتُ: بَلَى)(2)(فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، قَالَ: " فَوُضِعَ لَهُ إِنَاءٌ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدَيْهِ فَصَكَّ بِهِمَا وَجْهَهُ (3) وَأَلْقَمَ إِبْهَامَهُ مَا أَقْبَلَ مِنْ أُذُنَيْهِ (4) ثُمَّ عَادَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ بِيَدِهِ الْيُمْنَى فَأَفْرَغَهَا عَلَى نَاصِيَتِهِ (5) ثُمَّ أَرْسَلَهَا تَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلَاثًا، ثُمَّ يَدَهُ الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأسِهِ وَأُذُنَيْهِ مِنْ ظُهُورِهِمَا، ثُمَّ أَخَذَ بِكَفَّيْهِ مِنْ الْمَاءِ فَصَكَّ بِهِمَا عَلَى) (6)(رِجْلِهِ قَدَمِهِ وَفِيهِا النَّعْلُ (7) فَفَتَلَهَا بِهَا (8) ثُمَّ الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ (9): فَقُلْتُ: وَفِي النَّعْلَيْنِ (10)؟ قَالَ (11): وَفِي النَّعْلَيْنِ، قُلْتُ: وَفِي النَّعْلَيْنِ؟ ، قَالَ: وَفِي النَّعْلَيْنِ، قُلْتُ: وَفِي النَّعْلَيْنِ؟ قَالَ: وَفِي النَّعْلَيْنِ (12) ") (13)
(1)(حم) 625 ، (د) 117 ، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.
(2)
(د) 117
(3)
وَفِي هَذَا رَدّ عَلَى عُلَمَاء الشَّافِعِيَّة ، فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مِنْ مَنْدُوبَات الْوُضُوء أَنْ لَا يَلْطِم وَجْهه بِالْمَاءِ ، كَمَا نَقَلَهُ الْعِرَاقِيّ فِي شَرْحه ، وَالْخَطِيب الشِّرْبِينِيّ فِي الْإِقْنَاع ، وَقَالُوا: يُمْكِن تَأوِيل الْحَدِيث بِأَنَّ الْمُرَاد صَبّ الْمَاء عَلَى وَجْهه لَا لَطْمه، لَكِنَّ رِوَايَة أحمد تَرُدّ هَذَا التَّأوِيل. عون المعبود - (ج 1 / ص 136)
(4)
قَالَ النَّوَوِيّ: فِيهِ دَلَالَة لِمَا كَانَ اِبْن شُرَيْح يَفْعَلهُ فَإِنَّهُ كَانَ يَغْسِل الْأُذُنَيْنِ مَعَ الْوَجْه وَيَمْسَحهُمَا أَيْضًا مُنْفَرِدَتَيْنِ عَمَلًا بِمَذَاهِب الْعُلَمَاء، وَهَذِهِ الرِّوَايَة فِيهَا تَطْهِيرهمَا مَعَ الْوَجْه وَمَعَ الرَّأس. عون المعبود - (ج 1 / ص 136)
(5)
قَالَ النَّوَوِيّ: هَذِهِ اللَّفْظَة مُشْكِلَة، فَإِنَّهُ ذَكَرَ الصَّبّ عَلَى النَّاصِيَة بَعْد غَسْل الْوَجْه ثَلَاثًا وَقَبْل غَسْل الْيَدَيْنِ، فَظَاهِره أَنَّهَا مَرَّة رَابِعَة فِي غَسْل الْوَجْه ، وَهَذَا خِلَاف إِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ، فَيُتَأَوَّل عَلَى أَنَّهُ كَانَ بَقِيَ مِنْ أَعْلَى الْوَجْه شَيْء وَلَمْ يُكْمِل فِيهِ الثَّلَاث، فَأَكْمَلَهُ بِهَذِهِ الْقَبْضَة ، وقَالَ الشَّيْخ وَلِيّ الدِّين الْعِرَاقِيّ: الظَّاهِر أَنَّهُ إِنَّمَا صَبَّ الْمَاء عَلَى جُزْء مِنْ الرَّأس، وَقَصَدَ بِذَلِكَ تَحَقُّق اِسْتِيعَاب الْوَجْه كَمَا قَالَ الْفُقَهَاء، وَإِنَّمَا يَجِب غَسْل جُزْء مِنْ الرَّأس لَيَتَحَقَّقَ غَسْل الْوَجْه ، قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَعِنْدِي وَجْه ثَالِث فِي تَأوِيله، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَاد بِذَلِكَ مَا يُسَنّ فِعْله بَعْد فَرَاغ غَسْل الْوَجْه مِنْ أَخْذ كَفٍّ مَاءٍ وَإِسَالَته عَلَى جَبْهَته ، قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء: يُسْتَحَبّ لِلْمُتَوَضِّئِ بَعْد غَسْل وَجْهه أَنْ يَضَع كَفًّا مِنْ مَاء عَلَى جَبْهَته لِيَتَحَدَّر عَلَى وَجْهه ، قُلْت: مَا قَالَهُ السُّيُوطِيُّ هُوَ حَسَن جِدًّا ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ تَحْت حَدِيث عَلِيّ: فِيهِ اِسْتِحْبَابُ إِرْسَالِ غَرْفَةٍ مِنْ الْمَاء عَلَى النَّاصِيَة، لَكِنْ بَعْد غَسْل الْوَجْه ، لَا كَمَا يَفْعَلهُ الْعَامَّة عَقِيبَ الْفَرَاغ مِنْ الْوُضُوء. عون المعبود - (ج 1 / ص 136)
(6)
(حم) 625 ، (د) 117 ، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.
(7)
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَدْ يَكُون الْمَسْح فِي كَلَام الْعَرَب بِمَعْنَى الْغَسْل ، أَخْبَرَنِي الْأَزْهَرِيّ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْر بْن عُثْمَان عَنْ أَبِي حَاتِم عَنْ أَبِي زَيْد الْأَنْصَارِيّ قَالَ: الْمَسْح فِي كَلَام الْعَرَب يَكُون غَسْلًا وَيَكُون مَسْحًا، وَمِنْهُ يُقَال لِلرَّجُلِ إِذَا تَوَضَّأَ فَغَسَلَ أَعْضَاءَهُ قَدْ تَمَسَّحَ، وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون تِلْكَ الْحَفْنَة مِنْ الْمَاء قَدْ وَصَلَتْ إِلَى ظَاهِر الْقَدَم وَبَاطِنهَا وَإِنْ كَانَتْ الرِّجْل فِي النَّعْل ، وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله (فَغَسَلَهَا بِهَا). عون المعبود - (ج 1 / ص 136)
(8)
قوله: (فَفَتَلَهَا بِهَا) هَكَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخ ، وَفِي بَعْضهَا فَغَسَلَهَا بِهَا، وَالْفَتْل مِنْ بَاب ضَرَبَ أَيْ: لَوَى.
قَالَ فِي التَّوَسُّط: أَيْ: فَتَلَ رِجْله بِالْحَفْنَةِ الَّتِي صَبَّهَا عَلَيْهَا، وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ أَوْجَبَ الْمَسْح وَهُمْ الرَّوَافِض ، وَمَنْ خَيَّرَ بَيْنه وَبَيْن الْغَسْل ، وَلَا حُجَّة ، لِأَنَّ هَذِهِ الْحَفْنَة وَصَلَتْ إِلَى ظَهْر قَدَمه وَبَطْنه، لِدَلَائِل قَاطِعَة بِالْغَسْلِ، وَلِحَدِيثِ عَلِيّ أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ وَقَالَ: هَذَا وُضُوء مَنْ لَمْ يُحْدِث. عون المعبود - (ج 1 / ص 136)
(9)
أَيْ: عُبَيد اللهِ الْخَوْلَانِيُّ.
(10)
أَيْ: أَضَرَبَ حَفْنَةً مِنْ مَاء عَلَى رِجْلَيْهِ وَكَانَتْ الرِّجْلَانِ فِي النَّعْلَيْنِ. عون المعبود - (ج 1 / ص 136)
(11)
أَيْ: ابْنُ عَبَّاس رضي الله عنه ، وَقَالَ الشَّعْرَانِيّ فِي كَشْف الْغُمَّة عَنْ جَمِيع الْأُمَّة: إِنَّ الْقَائِل لِلَّفْظِ قُلْت هُوَ اِبْن عَبَّاس سَأَلَ عَلِيًّا وَهَذَا لَفْظه: قَالَ ابْن عَبَّاس: فَسَأَلْت عَلِيًّا رضي الله عنه فَقُلْت: وَفِي النَّعْلَيْنِ؟ ، قَالَ: وَفِي النَّعْلَيْنِ. عون المعبود (ج1ص 136)
(12)
قَالَ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الْقَيِّمِ: هَذَا مِنْ الْأَحَادِيث الْمُشْكِلَة جِدًّا، وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ مَسَالِكُ النَّاس فِي دَفْع إِشْكَاله: فَطَائِفَة ضَعَّفَتْهُ، مِنْهُمْ الْبُخَارِيُّ وَالشَّافِعِيُّ، قَالَ: وَالَّذِي خَالَفَهُ أَكْثَر وَأَثْبَت مِنْهُ ، وَأَمَّا الْحَدِيث الْآخَر - يَعْنِي هَذَا -فَلَيْسَ مِمَّا يُثْبِت أَهْل الْعِلْم بِالْحَدِيثِ لَوْ اِنْفَرَدَ ، وَفِي هَذَا الْمَسْلَك نَظَر: فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ رَوَى فِي صَحِيحه حَدِيثَ اِبْنِ عَبَّاسٍ بكَمَا سَيَأتِي، وَقَالَ فِي آخِره:" ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَة مِنْ مَاء فَرَشَّ بِهَا عَلَى رِجْله الْيُمْنَى حَتَّى غَسَلَهَا، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَة أُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا - يَعْنِي رِجْله الْيُسْرَى - ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأ ".
الْمَسْلَك الثَّانِي: أَنَّ هَذَا كَانَ فِي أَوَّل الْإِسْلَام، ثُمَّ نُسِخَ بِأَحَادِيث الْغَسْل ، وَكَانَ اِبْنُ عَبَّاسٍ أَوَّلًا يَذْهَب إِلَيْهِ، بِدَلِيلِ مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ: عن عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ أَرْسَلَهُ إِلَى الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ يَسْأَلهَا عَنْ وُضُوء النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَر الْحَدِيث وَقَالَتْ: " ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ "، قَالَتْ: وَقَدْ أَتَانِي اِبْنُ عَمٍّ لَك تَعْنِي اِبْنَ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرْته فَقَالَ: " مَا أَجِد فِي الْكِتَاب إِلَّا غَسْلَيْنِ وَمَسْحَيْنِ " ، ثُمَّ رَجَعَ اِبْنُ عَبَّاسٍ عَنْ هَذَا لَمَّا بَلَغَهُ غَسْل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم رِجْلَيْهِ، وَأَوْجَبَ الْغَسْل، فَلَعَلَّ حَدِيث عَلِيٍّ وَحَدِيث اِبْنِ عَبَّاسٍ كَانَا فِي أَوَّل الْأَمْر ثُمَّ نُسِخَ ، (قلت: الحديث ضعفه الألباني والأرناءوط) وَالَّذِي يَدُلّ عَلَيْهِ أَنَّ فِيهِ " أَنَّهُ مَسَحَ عَلَيْهِمَا بِدُونِ حَائِل " كَمَا رَوَى هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: قَالَ لَنَا اِبْنُ عَبَّاسٍ: " أَتُحِبُّونَ أَنْ أُحَدِّثكُمْ كَيْف كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأ؟ " فَذَكَرَ الْحَدِيث، قَالَ:" ثُمَّ اِغْتَرَفَ غَرْفَة أُخْرَى فَرَشَّ عَلَى رِجْله وَفِيهَا النَّعْل، وَالْيُسْرَى مِثْل ذَلِكَ، وَمَسَحَ بِأَسْفَل الْكَعْبَيْنِ "، وَرَوَى الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:" تَوَضَّأَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَهُ قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ حَفْنَة مِنْ مَاء فَرَشَّ قَدَمَيْهِ وَهُوَ مُنْتَعِل ".
الْمَسْلَك الثَّالِث: أَنَّ الرِّوَايَة عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ مُخْتَلِفَة، فَرُوِيَ عَنْهُمَا هَذَا، وَرُوِيَ عَنْهُمَا الْغَسْل، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيح عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَ الْحَدِيث ، وَقَالَ فِي آخِره:" أَخَذَ غَرْفَة مِنْ مَاء فَرَشَّ بِهَا عَلَى رِجْله الْيُمْنَى حَتَّى غَسَلَهَا ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَة أُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا رِجْله يَعْنِي الْيُسْرَى " ، فَهَذَا صَرِيح فِي الْغَسْل ، وَرَوَاهُ أَبُو بَكْر بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ بِهِ وَقَالَ: " ثُمَّ غَرَفَ غَرْفَة ثُمَّ غَسَلَ رِجْله الْيُمْنَى، ثُمَّ غَرَفَ غَرْفَة فَغَسَلَ رِجْله الْيُسْرَى "، وَقَالَ وَرْقَاءُ عَنْ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْهُ:" أَلَا أُرِيكُمْ وُضُوء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم؟ فَذَكَرَهُ وَقَالَ فِيهِ: وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ مَرَّة مَرَّة "، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ زَيْدٍ:" وَأَخَذَ حَفْنَة فَغَسَلَ بِهَا رِجْله الْيُمْنَى، وَأَخَذَ حَفْنَة فَغَسَلَ رِجْله الْيُسْرَى "، قَالُوا: وَالَّذِي رَوَى أَنَّهُ رَشَّ عَلَيْهِمَا فِي النَّعْل هُوَ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، وَلَيْسَ بِالْحَافِظِ، فَرِوَايَة الْجَمَاعَة أَوْلَى مِنْ رِوَايَته ، عَلَى أَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَهِشَامًا أَيْضًا رَوَيَا مَا يُوَافِق الْجَمَاعَة، فَرَوَيَا عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: قَالَ لِي اِبْنُ عَبَّاسٍ: " أَلَا أُرِيك وُضُوء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم؟ فَتَوَضَّأَ مَرَّة مَرَّة، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَعَلَيْهِ نَعْله " ، وَأَمَّا حَدِيث عَلِيٍّ ط، فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رُوِّينَا مِنْ أَوْجُه كَثِيرَة عَنْ عَلِيٍّ " أَنَّهُ غَسَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْوُضُوء "، ثُمَّ سَاقَ مِنْهَا حَدِيث عَبْد خَيْر عَنْهُ " أَنَّهُ دَعَا بِوُضُوءٍ " فَذَكَرَ الْحَدِيث وَفِيهِ:" ثُمَّ صَبَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى ثَلَاث مَرَّات عَلَى قَدِمَهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ غَسَلَهَا بِيَدِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ قَالَ: هَذَا طَهُور نَبِيّ الله ط "، وَمِنْهَا حَدِيث زَرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ " سُئِلَ عَنْ وُضُوء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الْحَدِيث، وَفِيهِ: وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا "، وَمِنْهَا: حَدِيث أَبِي حَيَّةَ عَنْهُ: " رَأَيْت عَلِيًّا تَوَضَّأَ " الْحَدِيث، وَفِيهِ " وَغَسَلَ قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ "، ثُمَّ قَالَ:" أَحْبَبْت أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْف كَانَ طَهُور رَسُول الله صلى الله عليه وسلم "، قَالُوا: وَإِذَا اِخْتَلَفَتْ الرِّوَايَات عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَانَ مَعَ أَحَدهمَا رِوَايَة الْجَمَاعَة، فَهِيَ أَوْلَى.
الْمَسْلَك الرَّابِع: أَنَّ أَحَادِيثَ الرَّشِّ وَالْمَسْحِ إِنَّمَا هِيَ وُضُوء تَجْدِيد لِلطَّاهِرِ، لَا طَهَارَة رَفْع حَدَث، بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ عَلِيٍّ:" أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْر، ثُمَّ قَعَدَ فِي حَوَائِج النَّاس فِي رَحْبَة الْكُوفَةِ حَتَّى حَضَرَتْ صَلَاة الْعَصْر، ثُمَّ أُتِيَ بِكُوزٍ مِنْ مَاء، فَأَخَذَ مِنْهُ حَفْنَة وَاحِدَة، فَمَسَحَ بِهَا وَجْهه وَيَدَيْهِ وَرَأسه وَرِجْلَيْهِ، ثُمَّ قَامَ فَشَرِبَ فَضْله وَهُوَ قَائِم، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ أُنَاسًا يَكْرَهُونَ الشُّرْب قَائِمًا، وَإِنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صَنَعَ كَمَا صَنَعْت ، وَقَالَ: هَذَا وُضُوء مَنْ لَمْ يُحْدِث " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فِي هَذَا الْحَدِيث الثَّابِت دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْحَدِيث الَّذِي رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْح عَلَى الرِّجْلَيْنِ إِنْ صَحَّ إِنَّمَا عَنَى بِهِ الطَاهِر غَيْرَ المُحْدِث ، إِلَّا أَنَّ بَعْض الرُّوَاة كَأَنَّهُ اِخْتَصَرَ الْحَدِيث، فَلَمْ يَنْقُل قَوْله " هَذَا وُضُوء مَنْ لَمْ يُحْدِث "، وَروى أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ:" أَنَّهُ دَعَا بِكُوزٍ مِنْ مَاء، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءًا خَفِيفًا وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ يُحْدِث "، وَفِي رِوَايَة:" لِلطَّاهِرِ مَا لَمْ يُحْدِث "، قَالَ: وَفِي هَذَا دَلَالَة عَلَى أَنَّ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فِي الْمَسْحِ عَلَى النَّعْلَيْنِ إِنَّمَا هُوَ فِي وُضُوء مُتَطَوَّع بِهِ، لَا فِي وُضُوء وَاجِب عَلَيْهِ مِنْ حَدَث يُوجِب الْوُضُوء، أَوْ أَرَادَ غَسْل الرِّجْلَيْنِ فِي النَّعْلَيْنِ، أَوْ أَرَادَ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَنَعْلَيْهِ، كَمَا رَوَاهُ عَنْهُ بَعْض الرُّوَاة مُقَيَّدًا بِالْجَوْرَبَيْنِ، وَأَرَادَ بِهِ جَوْرَبَيْنِ مُنْعَلَيْنِ.
قُلْت: هَذَا هُوَ الْمَسْلَك الْخَامِس: أَنَّ مَسْحه رِجْلَيْهِ وَرَشّه عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا كَانَتَا مَسْتُورَتَيْنِ بِالْجَوْرَبَيْنِ فِي النَّعْلَيْنِ ، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ سُفْيَانُ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ:" أَنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّة مَرَّة، وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ " ، لَكِنْ تَفَرَّدَ بِهِ رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ الثَّوْرِيِّ، وَالثِّقَات رَوَوْهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَة ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أُوَيْسِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ الثَّقَفِيُّ قَالَ:" رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ وَقَدَمَيْهِ "، فَقَوْله:" مَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ " كَقَوْلِهِ: " مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ " ، وَالنَّعْل لَا تَكُون سَاتِرَة لِمَحَلِّ الْمَسْح إِلَّا إِذَا كَانَ عَلَيْهَا جَوْرَب، فَلَعَلَّهُ مَسَحَ عَلَى نَعْل الْجَوْرَب ، فَقَالَ:" مَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ ".
الْمَسْلَك السَّادِس: أَنَّ الرِّجْل لَهَا ثَلَاثَة أَحْوَال: حَالٌ تَكُون فِي الْخُفّ ، فَيُجْزِئ مَسْحُ سَاتِرهَا ، وَحَالٌ تَكُونُ حَافِيَة، فَيَجِب غَسْلهَا، فَهَاتَانِ مَرْتَبَتَانِ، وَهُمَا كَشْفهَا وَسَتْرهَا، فَفِي حَال كَشْفِهَا لَهَا أَعْلَى مَرَاتِب الطَّهَارَة، وَهِيَ الْغَسْل التَّامّ وَفِي حَال اِسْتِتَارهَا لَهَا أَدْنَاهَا، وَهِيَ الْمَسْح عَلَى الْحَائِل، وَلَهَا حَالَة ثَالِثَة، وَهِيَ حَالَمَا تَكُون فِي النَّعْل، وَهِيَ حَالَة مُتَوَسِّطَة بَيْن كَشْفهَا وَبَيْن سَتْرهَا بِالْخُفِّ ، فَأُعْطِيَتْ حَالَة مُتَوَسِّطَة مِنْ الطَّهَارَة وَهِيَ الرَّشّ، فَإِنَّهُ بَيْن الْغَسْل وَالْمَسْح ، وَحَيْثُ أُطْلِقَ لَفْظ " الْمَسْح " عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْحَال فَالْمُرَاد بِهِ الرَّشّ، لِأَنَّهُ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى ، وَهَذَا مَذْهَبٌ كَمَا تَرَى لَوْ كَانَ يُعْلَمُ قَائِلٌ مُعَيَّن ، وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ خَيْر مِنْ مَسْلَك الشِّيعَة فِي هَذَا الْحَدِيث ،
وَهُوَ الْمَسْلَك السَّابِع: أَنَّهُ دَلِيل عَلَى أَنَّ فَرْض الرِّجْلَيْنِ الْمَسْح، وَحُكِيَ عَنْ دَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَحُكِيَ عَنْ اِبْنِ جَرِيرٍ أَنَّهُ مُخَيَّر بَيْن الْأَمْرَيْنِ، فَأَمَّا حِكَايَته عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ فَقَدْ تَقَدَّمَتْ، وَأَمَّا حِكَايَتُه عَنْ اِبْنِ جَرِيرٍ فَغَلَط بَيِّن، وَهَذِهِ كُتُبه وَتَفْسِيره كُلّه يُكَذِّب هَذَا النَّقْل عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا دَخَلَتْ الشُّبْهَة لِأَنَّ اِبْنَ جَرِيرٍ الْقَائِلَ بِهَذِهِ الْمَقَالَة رَجُل آخَر مِنْ الشِّيعَة، يُوَافِقهُ فِي اِسْمه وَاسْم أَبِيهِ، وَقَدْ رَأَيْت لَهُ مُؤَلَّفَات فِي أُصُول مَذْهَب الشِّيعَة وَفُرُوعهمْ.
فَهَذِهِ سَبْعَة مَسَالِك لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْحَدِيث ، وَبِالْجُمْلَةِ ، فَاَلَّذِينَ رَوَوْا وُضُوء النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: مِثْل عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَالرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، وَالْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ، وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَجَدِّ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَأَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، وَغَيْرهمْ ش لَمْ يَذْكُر أَحَد مِنْهُمْ مَا ذُكِرَ فِي حَدِيث عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ، مَعَ الِاخْتِلَاف الْمَذْكُور عَلَيْهِمَا ، وَاللهُ أَعْلَم. عون المعبود - (ج 1 / ص 136)
(13)
(د) 117 ، (حم) 625 ، 1014 ، حسنه الألباني في الإرواء: 91، والثمر المستطاب ص20 ، وقال شعيب الأرنؤوط في (حم) 625: إسناده حسن.
(حم)، وَعَنْ عَبْدِ خَيْرِ ابْنِ قَيْسٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا ط تَوَضَّأَ فَغَسَلَ ظُهُورَ قَدَمَيْهِ وَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَغْسِلُ ظُهُورَ قَدَمَيْهِ لَظَنَنْتُ أَنَّ بُطُونَهُمَا أَحَقُّ بِالْغَسْلِ. (1)
مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَة:
قال ابن رشد: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنّ الرِّجْلَيْنِ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَاخْتَلَفُوا فِي نَوْعِ طَهَارَتِهِمَا، فَقَالَ قَوْمٌ: طَهَارَتُهُمَا الْغَسْلُ، وَهُمُ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ قَوْمٌ: فَرْضُهُمَا الْمَسْحُ، وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ طَهَارَتُهُمَا تَجُوزُ بِالنَّوْعَيْنِ: الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ، وَأَنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى اخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِ، وَسَبَبُ اخْتِلافِهِمُ الْقِرَاءَتَانِ الْمَشْهُورَتَانِ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ: أَعْنِي قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ (وَأَرْجُلَكُمْ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْمَغْسُولِ، وَقِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ:(وَأَرْجُلِكُمْ) بِالْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى الْمَمْسُوحِ، وَذَلِكَ أَنَّ قِرَاءَةَ النَّصْبِ ظَاهِرَةٌ فِي الْغَسْلِ، وَقِرَاءَةَ الْخَفْضِ ظَاهِرَةٌ فِي الْمَسْحِ كَظُهُورِ تِلْكَ فِي الْغَسْلِ، فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ فَرْضَهُمَا وَاحِدٌ مِنْ هَاتَيْنِ الطَّهَارَتَيْنِ عَلَى التَّعْيِينِ إِمَّا الْغَسْلُ وَإِمَّا الْمَسْحُ ذَهَبَ إِلَى تَرْجِيحِ ظَاهِرِ إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ عَلَى الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ، وَصَرَفَ بِالتَّأوِيلِ ظَاهِرَ الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى مَعْنَى ظَاهِرِ الْقِرَاءَةِ الَّتِي تَرَجَّحَتْ عِنْدَهُ.
وَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ دَلالَةَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْقِرَاءَتَيْنِ عَلَى ظَاهِرِهَا عَلَى السَّوَاءِ، وَأَنَّهُ لَيْسَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى ظَاهِرِهَا أَدَلَّ مِنَ الثَّانِيَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا أَيْضًا جَعَلَ ذَلِكَ مِنَ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَدَاوُدُ.
وَلِلْجُمْهُورِ تَأوِيلاتٌ فِي قِرَاءَةِ الْخَفْضِ، أَجْوَدُهَا أَنَّ ذَلِكَ عَطْفٌ عَلَى اللَّفْظِ لا عَلَى الْمَعْنَى، إِذْ كَانَ ذَلِكَ مَوْجُودًا فِي كَلامِ الْعَرَبِ مِثْلَ قَوْلِ الشَّاعِرِ: لَعِبَ الزَّمَانُ بِهَا وَغَيَّرَهَا بَعْدِي سَوَافِي الْمُورِ وَالْقَطْرِ بِالْخَفْضِ، وَلَوْ عَطَفَ عَلَى الْمَعْنَى لَرَفَعَ " الْقَطْرِ ".
وَأَمَّا الْفَرِيقُ الثَّانِي، وَهُمُ الَّذِينَ أَوْجَبُوا الْمَسْحَ، فَإِنَّهُمْ تَأَوَّلُوا قِرَاءَةَ النَّصْبِ عَلَى أَنَّهَا عَطْفٌ عَلَى الْمَوْضِعِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: فَلَسْنَا بِالْجِبَالِ وَلا الْحَدِيدَا
وَقَدْ رَجَّحَ الْجُمْهُورُ قِرَاءَتَهُمْ هَذِهِ بِالثَّابِتِ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام إِذْ قَالَ فِي قَوْمٍ لَمْ يَسْتَوْفُوا غَسْلَ أَقْدَامِهِمْ فِي الْوُضُوءِ: " وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ " قَالُوا: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغَسْلَ هُوَ الْفَرْضُ ; لأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِتَرْكِهِ الْعِقَابُ، وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ ; لأَنَّهُ إِنَّمَا وَقَعَ الْوَعِيدُ عَلَى أَنَّهُمْ تَرَكُوا أَعْقَابَهُمْ دُونَ غَسْلٍ، وَلا شَكَّ أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي الْغَسْلِ فَفَرْضُهُ الْغَسْلُ فِي جَمِيعِ الْقَدَمِ، كَمَا أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي الْمَسْحِ فَفَرْضُهُ الْمَسْحُ عِنْدَ مَنْ يُخَيِّرُ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ، وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا جَاءَ فِي أَثَرٍ آخَرَ خَرَّجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ أَنَّهُ قَالَ: فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا فَنَادَى: " وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ " وَهَذَا الأَثَرُ وَإِنْ كَانَتِ الْعَادَةُ قَدْ جَرَتْ بِالاحْتِجَاجِ بِهِ فِي مَنْعِ الْمَسْحِ، فَهُوَ أَدَلُّ عَلَى جَوَازِهِ مِنْهُ عَلَى مَنْعِهِ ; لأَنَّ الْوَعِيدَ إِنَّمَا تَعَلَّقَ فِيهِ بِتَرْكِ التَّعْمِيمِ لا بِنَوْعِ الطَّهَارَةِ، بَلْ سَكَتَ عَنْ نَوْعِهَا، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهَا.
وَجَوَازُ الْمَسْحِ هُوَ أَيْضًا مَرْوِيٌّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَلَكِنْ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى، وَالْغَسْلُ أَشَدُّ مُنَاسَبَةً لِلْقَدَمَيْنِ مِنَ الْمَسْحِ كَمَا أَنَّ الْمَسْحَ أَشَدُّ مُنَاسَبَةً لِلرَّأسِ مِنَ الْغَسْلِ، إِذْ كَانَتِ الْقَدَمَانِ لا يُنْفَى دَنَسُهُمَا غَالِبًا إِلا بِالْغَسْلِ، وَيُنْفَى دَنَسُ الرَّأسِ بِالْمَسْحِ وَذَلِكَ أَيْضًا غَالِبٌ، وَالْمَصَالِحُ الْمَعْقُولَةُ لا يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ أَسْبَابًا لِلْعِبَادَاتِ الْمَفْرُوضَةِ حَتَّى يَكُونَ الشَّرْعُ لاحَظَ فِيهِمَا مَعْنَيَيْنِ: مَعْنًى مَصْلَحِيًّا، وَمَعْنًى عِبَادِيًّا (وَأَعْنِي بِالْمَصْلَحِيِّ: مَا رَجَعَ إِلَى الأُمُورِ الْمَحْسُوسَةِ، وَبِالْعِبَادِيِّ: مَا رَجَعَ إِلَى زَكَاةِ النَّفْسِ).
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي الْكَعْبَيْنِ هَلْ يَدْخُلانِ فِي الْمَسْحِ أَوْ فِي الْغَسْلِ عِنْدَ مَنْ أَجَازَ الْمَسْحَ؟ وَأَصْلُ اخْتِلافِهِمْ الاشْتِرَاكُ الَّذِي فِي حَرْفِ (إِلَى) أَعْنِي: فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي اشْتِرَاكِ هَذَا الْحَرْفِ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِلَى الْمَرَافِقِ} لَكِنَّ الاشْتِرَاكَ وَقَعَ هُنَالِكَ مِنْ جِهَتَيْنِ مَنِ اشْتَرَاكِ اسْمِ الْيَدِ، وَمِنِ اشْتَرَاكِ حَرْفِ (إِلَى) وَهُنَا مِنْ قِبَلِ اشْتِرَاكِ حَرْفِ (إِلَى) فَقَطْ.
وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْكَعْبِ مَا هُوَ، وَذَلِكَ لاشْتِرَاكِ اسْمِ الْكَعْبِ وَاخْتِلافِ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي دَلالَتِهِ، فَقِيلَ: هُمَا الْعَظْمَانِ اللَّذَانِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ، وَقِيلَ: هُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ فِي طَرَفِ السَّاقِ، وَلا خِلافَ فِيمَا أَحْسَبُ فِي دُخُولِهِمَا فِي الْغَسْلِ عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّهُمَا عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ إِذَا كَانَا جُزْءًا مِنَ الْقَدَمِ، لِذَلِكَ قَالَ قَوْمٌ: إِنَّهُ إِذَا كَانَ الْحَدُّ مِنْ جِنْسِ الْمَحْدُودِ دَخَلَتِ الْغَايَةُ فِيهِ: (أَعْنِي الشَّيْءَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ حَرْفُ " إِلَى ")، وإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الْمَحْدُودِ لا يَدْخُلْ فِيهِ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (2). (3)
قال القرطبي في جامع الأحكام (6/ 91 - 96): قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَأَرْجُلَكُمْ" قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ" وَأَرْجُلَكُمْ" بِالنَّصْبِ، وَرَوَى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ نافع أنه قسرأ" وَأَرْجُلُكُمْ" بِالرَّفْعِ وَهِيَ قِرَاءَةُ الْحَسَنِ وَالْأَعْمَشُ سُلَيْمَانُ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ" وَأَرْجُلِكُمْ" بِالْخَفْضِ وَبِحَسَبِ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ، فمن قرأ بالنصب جعل العامل" فَاغْسِلُوا" وَبَنَى عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ فِي الرِّجْلَيْنِ الْغَسْلُ دُونَ الْمَسْحِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَالْكَافَّةِ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ الثَّابِتُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَاللَّازِمُ مِنْ قَوْلِهِ فِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ، وَقَدْ رَأَى قَوْمًا يَتَوَضَّئُونَ وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ (وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ). ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ حَدَّهُمَا فَقَالَ:" إِلَى الْكَعْبَيْنِ" كَمَا قَالَ فِي الْيَدَيْنِ" إِلَى الْمَرافِقِ" فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِهِمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَنْ قَرَأَ بِالْخَفْضِ جَعَلَ الْعَامِلَ الْبَاءَ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: اتَّفَقَتِ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِهِمَا، وَمَا عَلِمْتُ مَنْ رَدَّ ذَلِكَ سِوَى الطَّبَرِيِّ مِنْ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَالرَّافِضَةِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَتَعَلَّقَ الطَّبَرِيُّ بِقِرَاءَةِ الْخَفْضِ.
قُلْتُ: قَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْوُضُوءُ غَسْلَتَانِ وَمَسْحَتَانِ. وَرُوِيَ أَنَّ الْحَجَّاجَ خَطَبَ بِالْأَهْوَازِ فَذَكَرَ الْوُضُوءَ فَقَالَ: اغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيديكم وامسحوا برءوسكم وأرجلكم، فإنه ليس شي مِنِ ابْنِ آدَمَ أَقْرَبَ مِنْ خَبَثِهِ مِنْ قَدَمَيْهِ، فَاغْسِلُوا بُطُونَهُمَا وَظُهُورَهُمَا وَعَرَاقِيبَهُمَا. فَسَمِعَ ذَلِكَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَقَالَ: صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ الحجاج، قال الله وتعالى" وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ". قَالَ: وَكَانَ إِذَا مَسَحَ رِجْلَيْهِ بَلَّهُمَا، وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: نَزَلَ الْقُرْآنُ بِالْمَسْحِ وَالسُّنَّةُ بِالْغَسْلِ. وَكَانَ عِكْرِمَةُ يَمْسَحُ رِجْلَيْهِ وَقَالَ: لَيْسَ فِي الرِّجْلَيْنِ غَسْلٌ إِنَّمَا نَزَلَ فِيهِمَا الْمَسْحُ. وَقَالَ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ: نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالْمَسْحِ، أَلَا تَرَى أَنَّ التَّيَمُّمَ يُمْسَحُ فِيهِ مَا كَانَ غُسْلًا، وَيُلْغَى مَا كَانَ مَسْحًا. وَقَالَ قَتَادَةُ: افْتَرَضَ اللَّهُ غَسْلَتَيْنِ وَمَسْحَتَيْنِ. وَذَهَبَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ إِلَى أَنَّ فَرْضَهُمَا التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ، وَجَعَلَ الْقِرَاءَتَيْنِ كَالرِّوَايَتَيْنِ (4)
، قَالَ النَّحَّاسُ: وَمِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِيهِ، أَنَّ الْمَسْحَ وَالْغَسْلَ وَاجِبَانِ جَمِيعًا، فَالْمَسْحُ وَاجِبٌ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِالْخَفْضِ، وَالْغَسْلُ وَاجِبٌ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِالنَّصْبِ، وَالْقِرَاءَتَانِ بِمَنْزِلَةِ آيَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَذَهَبَ قَوْمٌ مِمَّنْ يَقْرَأُ بِالْكَسْرِ إِلَى أَنَّ الْمَسْحَ فِي الرِّجْلَيْنِ هُوَ الْغَسْلُ. قُلْتُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنَّ لَفْظَ الْمَسْحِ مُشْتَرَكٌ، يُطْلَقُ بِمَعْنَى الْمَسْحِ وَيُطْلَقُ بِمَعْنَى الْغَسْلِ، قَالَ الْهَرَوِيُّ: أَخْبَرَنَا الْأَزْهَرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِيُّ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: الْمَسْحُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يَكُونُ غَسْلًا وَيَكُونُ مَسْحًا، وَمِنْهُ يُقَالُ:] لِلرَّجُلِ [«2» إِذَا تَوَضَّأَ فَغَسَلَ أَعْضَاءَهُ: قَدْ تَمَسَّحَ، وَيُقَالُ: مَسَحَ اللَّهُ مَا بِكَ إِذَا غَسَلَكَ وَطَهَّرَكَ مِنَ الذُّنُوبِ، فَإِذَا ثَبَتَ بِالنَّقْلِ عَنِ الْعَرَبِ أَنَّ الْمَسْحَ يَكُونُ بِمَعْنَى الْغَسْلِ فَتَرَجَّحَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِقِرَاءَةِ الْخَفْضِ الْغَسْلُ، بِقِرَاءَةِ النَّصْبِ الَّتِي لَا احْتِمَالَ فِيهَا، وَبِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ بِالْغَسْلِ، وَالتَّوَعُّدِ عَلَى تَرْكِ غَسْلِهَا فِي أَخْبَارٍ صِحَاحٍ لَا تُحْصَى كَثْرَةً أَخْرَجَهَا الْأَئِمَّةُ، ثُمَّ إِنَّ الْمَسْحَ فِي الرَّأسِ إِنَّمَا دَخَلَ بَيْنَ مَا يُغْسَلُ لِبَيَانِ التَّرْتِيبِ عَلَى] أَنَّهُ [«3» مَفْعُولٌ قَبْلَ الرِّجْلَيْنِ، التَّقْدِيرُ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ، فَلَمَّا كان الرأس مفعولا قبل الرِّجْلَيْنِ قُدِّمَ عَلَيْهِمَا فِي التِّلَاوَةِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- لَا أَنَّهُمَا مُشْتَرِكَانَ مَعَ الرَّأسِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِمَا فِي صِفَةِ التَّطْهِيرِ. وَقَدْ رَوَى عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ: قَرَأَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ- رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا- عَلَيَّ (وَأَرْجُلِكُمْ) فَسَمِعَ عَلِيٌّ ذَلِكَ وَكَانَ يَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ فَقَالَ: (وَأَرْجُلَكُمْ) هَذَا مِنَ الْمُقَدَّمِ وَالْمُؤَخَّرِ مِنَ الْكَلَامِ. وَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: اغْسِلُوا الْأَقْدَامَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ. وَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مسعود وابن عباس أنهما قرءا (وَأَرْجُلَكُمْ) بِالنَّصْبِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْخَفْضَ فِي الرِّجْلَيْنِ إِنَّمَا جَاءَ مُقَيَّدًا لِمَسْحِهِمَا لَكِنْ إِذَا كَانَ عَلَيْهِمَا خُفَّانِ، وَتَلَقَّيْنَا هَذَا الْقَيْدَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذْ لَمْ يَصِحْ عَنْهُ أَنَّهُ مَسَحَ رِجْلَيْهِ إِلَّا وَعَلَيْهِمَا خُفَّانِ، فَبَيَّنَ صلى الله عليه وسلم بِفِعْلِهِ الْحَالَ الَّتِي تُغْسَلُ فِيهِ الرِّجْلُ وَالْحَالَ الَّتِي تُمْسَحُ فِيهِ، وَهَذَا حَسَنٌ. فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ مَنْسُوخٌ بِسُورَةِ (الْمَائِدَةِ) - وَقَدْ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَرَدَّ الْمَسْحَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ، وَأَنْكَرَهُ مَالِكٌ] فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ [«1» - فَالْجَوَابُ أَنَّ مَنْ نَفَى شَيْئًا وَأَثْبَتَهُ غَيْرُهُ فَلَا حُجَّةَ لِلنَّافِي، وَقَدْ أَثْبَتَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَدَدٌ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ قَالَ الْحَسَنُ: حَدَّثَنِي سَبْعُونَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمْ مَسَحُوا عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَقَدْ ثَبَتَ بِالنَّقْلِ الصَّحِيحِ عَنْ هَمَّامٍ قَالَ: بَالَ جَرِيرٌ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: كَانَ يُعْجِبُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ، لِأَنَّ إِسْلَامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ (الْمَائِدَةِ) وَهَذَا نَصٌّ يَرُدُّ مَا ذَكَرُوهُ وَمَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ رِوَايَةِ الواقدي عن عبد الحميد ابن جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ جَرِيرًا أَسْلَمَ فِي سِتَّةَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأَنَّ (الْمَائِدَةَ) نَزَلَتْ فِي ذِي الْحِجَّةِ يَوْمَ عَرَفَاتٍ، وَهَذَا حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ لِوَهَاهُ، وَإِنَّمَا نَزَلَ مِنْهَا يَوْمَ عَرَفَةَ" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ" عَلَى مَا تَقَدَّمَ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: أَنَا أَسْتَحْسِنُ حَدِيثَ جَرِيرٍ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، لِأَنَّ إِسْلَامَهُ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ (الْمَائِدَةِ) وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهما فَلَا يَصِحُّ، أَمَّا عَائِشَةُ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا بِذَلِكَ عِلْمٌ، وَلِذَلِكَ رَدَّتِ السَّائِلَ إِلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه وَأَحَالَتْهُ عَلَيْهِ فَقَالَتْ: سَلْهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، الحديث.
وَأَمَّا مَالِكٌ فَمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنَ الْإِنْكَارِ فَهُوَ مُنْكَرٌ لَا يَصِحُّ، وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لِابْنِ نَافِعٍ قَالَ: إِنِّي كُنْتُ آخُذَ فِي خَاصَّةِ نَفْسِي بِالطُّهُورِ وَلَا أَرَى من مسح مقصرا فيما بجب عَلَيْهِ. وَعَلَى هَذَا حَمَلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَمْسَحُ فِي حَضَرٍ وَلَا سَفَرٍ. قَالَ أَحْمَدُ: كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا خِفَافَهُمْ وَخَلَعَ هُوَ وَتَوَضَّأَ وَقَالَ: حُبِّبَ إِلَيَّ الْوُضُوءُ، وَنَحْوَهُ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ. وَقَالَ أَحْمَدُ رضي الله عنه: فَمَنْ تَرَكَ ذَلِكَ عَلَى نَحْوِ مَا تَرَكَهُ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو أَيُّوبَ وَمَالِكٌ لَمْ أُنْكِرْهُ عَلَيْهِ، وَصَلَّيْنَا خَلْفَهُ وَلَمْ نَعِبْهُ، إِلَّا أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ وَلَا يَرَاهُ كَمَا صَنَعَ أَهْلُ الْبِدَعِ، فَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُ.] وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ" وَأَرْجُلَكُمْ" مَعْطُوفٌ عَلَى اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى، وَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى الْغَسْلِ فَإِنَّ الْمُرَاعَى الْمَعْنَى لَا اللَّفْظُ، وَإِنَّمَا خُفِضَ لِلْجِوَارِ كَمَا تَفْعَلُ الْعَرَبُ، وَقَدْ جَاءَ هَذَا فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ"[الرحمن: 35] بِالْجَرِّ لِأَنَّ النُّحَاسَ الدُّخَانُ. وَقَالَ:" بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ. فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ"«3» [البروج: 22 - 21] بالجر. قال امرؤ القيس:
كَبِيرُ أُنَاسٍ فِي بِجَادٍ مُزَمَّلِ (5)
فَخَفَضَ مُزَمَّلَ بِالْجِوَارِ، وَإِنَّ الْمُزَّمِّلَ الرَّجُلُ وَإِعْرَابُهُ الرَّفْعُ، قَالَ زُهَيْرٌ:
لَعِبَ الزَّمَانُ بِهَا وَغَيَّرَهَا
…
بَعْدِي سَوَافِي الْمُورِ وَالْقَطْرِ
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ الْوَجْهُ الْقَطْرُ بِالرَّفْعِ وَلَكِنَّهُ جَرَّهُ عَلَى جِوَارِ الْمُورِ، كَمَا قَالَتِ الْعَرَبُ: هَذَا جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ، فَجَرُّوهُ وَإِنَّمَا هُوَ رَفْعٌ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَخْفَشِ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَرَدَّهُ النَّحَّاسُ وَقَالَ: هَذَا الْقَوْلُ غَلَطٌ عَظِيمٌ، لِأَنَّ الْجِوَارَ لَا يَكُونُ فِي الْكَلَامِ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ غَلَطٌ وَنَظِيرُهُ الْإِقْوَاءُ. قُلْتُ: وَالْقَاطِعُ فِي الْبَابِ مِنْ أَنَّ فَرْضَ الرِّجْلَيْنِ الْغَسْلُ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَمَا ثَبَتَ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام (وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ وَبُطُونِ الْأَقْدَامِ مِنَ النَّارِ) فَخَوَّفَنَا بِذِكْرِ النار على مُخَالَفَةِ مُرَادِ اللَّهِ عز وجل، وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّارَ لَا يُعَذَّبُ بِهَا إِلَّا مَنْ تَرَكَ الْوَاجِبَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَسْحَ لَيْسَ شَأنَهُ الِاسْتِيعَابُ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِالْمَسْحِ عَلَى الرِّجْلَيْنِ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى ظُهُورِهِمَا لَا عَلَى بُطُونِهِمَا، فَتَبَيَّنَ بِهَذَا الْحَدِيثِ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالْمَسْحِ، إِذْ لَا مَدْخَلَ لِمَسْحِ بُطُونِهِمَا عِنْدَهُمْ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ يُدْرَكُ بِالْغَسْلِ لَا بِالْمَسْحِ. وَدَلِيلٌ آخر من وجهة الْإِجْمَاعِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ غَسَلَ قَدَمَيْهِ فَقَدْ أَدَّى الْوَاجِبَ عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ مَسَحَ قَدَمَيْهِ، فَالْيَقِينُ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ دُونَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ. وَنَقَلَ الْجُمْهُورُ كَافَّةً عَنْ كَافَّةٍ عَنْ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ فِي وُضُوئِهِ مَرَّةً وَاثْنَتَيْنِ وَثَلَاثًا حَتَّى يُنْقِّيَهُمَا، وَحَسْبُكَ بِهَذَا حُجَّةٌ فِي الْغَسْلِ مَعَ مَا بَيَّنَّاهُ، فَقَدْ وَضَحَ وَظَهَرَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْخَفْضِ الْمَعْنِيُّ فِيهَا الْغَسْلُ لَا الْمَسْحُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَأَنَّ الْعَامِلَ فِي قَوْلِهِ" وَأَرْجُلَكُمْ" قَوْلَهُ:" فَاغْسِلُوا" وَالْعَرَبُ قَدْ تَعْطِفُ الشَّيْءَ عَلَى الشَّيْءِ بِفِعْلٍ يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا تَقُولُ: أَكَلْتُ الْخُبْزَ وَاللَّبَنَ أَيْ وَشَرِبْتُ اللَّبَنَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا
وَقَالَ آخَرُ:
وَرَأَيْتُ زَوْجَكِ فِي الْوَغَى
…
مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا
وَقَالَ آخَرُ:
وَأَطْفَلَتْ
…
بِالْجَلْهَتَيْنِ ظِبَاؤُهَا وَنَعَامُهَا
وَقَالَ آخَرُ:
شَرَّابُ أَلْبَانٍ وَتَمْرٍ وَأَقِطٍ
التَّقْدِيرُ: عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَسَقَيْتُهَا مَاءً. وَمُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَحَامِلًا رُمْحًا. وَأَطْفَلَتْ بِالْجَلْهَتَيْنِ ظِبَاؤُهَا وَفَرَّخَتْ نَعَامُهَا، وَالنَّعَامُ لَا يَطْفُلُ إِنَّمَا يُفْرِخُ. وَأَطْفَلَتْ كان لها أطفال، والجلهتان جَنْبَتَا الْوَادِي. وَشَرَّابُ أَلْبَانٍ وَآكِلُ تَمْرٍ، فَيَكُونُ قوله:" وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ" عَطْفٌ بِالْغَسْلِ عَلَى الْمَسْحِ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى وَالْمُرَادُ الْغَسْلُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. . أ. هـ
قال ابن دقيق العيد: قَوْلُهُ " ثُمَّ غَسَلَ كِلْتَا رِجْلَيْهِ " صَرِيحٌ فِي الرَّدِّ عَلَى الرَّوَافِضِ فِي أَنَّ وَاجِبَ الرِّجْلَيْنِ: الْمَسْحُ.
وَقَدْ تَبَيَّنَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ، وَجَمَاعَةٍ وَصَفُوا وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَمِنْ أَحْسَنِ مَا جَاءَ فِيهِ: حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْبَاءِ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ - إلَى أَنْ قَالَ - ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ، كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عز وجل " فَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ: انْضَمَّ الْقَوْلُ إلَى الْفِعْلِ.
وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَأمُورَ بِهِ: الْغَسْلُ فِي الرِّجْلَيْنِ. (6)
(1)(حم) 1014 ، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح.
(2)
سورة البقرة الآية: 187.
(3)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد (دار الحديث - القاهرة-د. ط-1425هـ- 2004 م) ج1 ص21 - 23
(4)
أَيْ: كالروايتين في الخبر، يُعمل بهما إذا لم يتناقضا. ابن العربي
(5)
البجاد: الكساء المخطط، والمزمل: المدثر في الثياب.
(6)
إحكام الأحكام (عالم الكتب-د. ط-د. ت) ج1 ص86