الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الوصية
تجب على من له ما يوصي فيه ولا تصح ضرارا ولا لوارث ولا في معصية وهي بالقرب من الثلث ويجب تقديم قضاء الدين ومن لم يترك ما يقضي دينه قضاه السلطان من بيت المال.
أقول: أما وجوب الوصية على من له ما يوصي فلحديث ابن عمر في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ماحق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله شيء يريد أن يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه وقد ذهب إلى الوجوب عطاء والزهري وأبو مجلز وطلحة بن مصرف وآخرون وحكاه البيهقي عن الشافعي في القديم وبه قال: إسحاق وداود وأبو عوانة وابن جرير وذهب الجمهور إلى أن الوصيه مندوبة وليست بواجبة ويجاب عنه بحديث الباب فإنه يفيد الوجوب.
وأما كونها لا تصح ضرارا فلحديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله ستين سنة ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية فتجب لهما النار" ثم قرأ أبو هريرة {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ} [النساء:12] إلى قوله: {وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [النساء:13] أخرجة أبو داود والترمذي وأخرج أحمد وابن ماجه معناه وقالا فيه وقد وثقه أحمد بن حنبل ويحي بن معين وأخرج سعيد ابن منصور موقوفا بإسناد صحيح عن ابن عباس الإضرار في الوصية من الكبائر وأخرجه النسائي مرفوعا بإسناده رجاله ثقات والآيه الكريمة مغنية عن غيرها ففيها تقيد الوصية المأذون بها بعدم الضرار وقد روى جماعة من الأئمة الإجماع على بطلان وصية الضرار.
وأما كونها لا تصلح لوارث فلما روى عن عمر وخارجة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله اعطى كل ذي حق حقة فلا وصية لوارث" وأخرجه
أحمد وابن ماجه والنسائي والترمذي والدارقطني والبهيقي وصححة الترمذي وأخرجه أيضا أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنة من حديث أبي أمامة وفي إسناده إسماعيل بن عياش وهو قوي إذا روى عن الشاميين وهذا الحديث من رواية عنهم لأنه رواه عن شرحبيل ابن مسلم وهو شامي ثقة وقد حسنه الحافظ أيضا وقد أخرجه الدارقطني من حديث ابن عباس قال: ابن حجر رجاله ثقات ولفظه لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة وأخرج الدارقطني من حديث عمرو بن سعد عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة" قال: في التلخيص إسناده ورواه وفي الباب عن أنس عند ابن ماجه وعن جابر عند الدارقطني وعن علي عنده أيضا وقد قال الشافعي إن هذا المتن متوافر فقال: وجدنا أهل الفتيا ومن حفظنا عنهم من أهل العلم بالمغازى من قريش وغيرهم لا يختلفون في أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح: "لا وصية لوارث" ويأثرونه عمن حفظوا عنه ممن لقوه من أهل العلم فكان نقل كافة عن كافة فهو أقوى من نقل واحد انتهى فيكون هذا الحديث مقيدا لقوله تعالى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:12] وقد ذهب إلى ذلك الجمهور.
وأما كونه لا تصح في معصية فلحديث أبي الدرداء عند أحمد والدارقطني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم ليجعلها الله زيادة لكم في أعمالكم" وأخرجه ابن ماجه والبزاز والبهيقي من حديث أبي هريرة وفي إسناده ضعف وأخرجه أيضا الدارقطني والبيهقي من حديث أبي أمامة وإسناده ضعيف وأخرجه العقيلي في الضعفاء من حديث أبي بكر الصديق وفيه متروك وأخرجه ابن السكن وابن قانع وأبو نعيم والطبراني من حديث جابر بن عبد الله السلمي وهو مختلف في صحبته وهي تنتهض بمجموعها وقد دلت على أن الإذن بالوصية بالثلث إنما هو لزيادة الحسنات والوصية في المعصية معصية وقد نهى الله عباده عن معاصيه في كتابه وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو لم يرد ما يدل على تقيد الوصيه بغير المعصية
لكانت الأدلة الداله على المنع من معصية الله تعالى مقيدة للمنع من الوصية في المعصية.
وأما كون الوصية في القرب تكون من الثلث فلحديث ابن عباس في الصحيحين وغيرهما قال: "لو أن الناس غضوا من الثلث فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الثلث والثلث كثير" ومثله حديث سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له "الثلث كثير أو كبير" لما قال: له أأتصدق بثلثى مالى؟ قال: "لا" قال: فالشطر؟ قال: "لا" قال: فالثلث قال: "الثلث والثلث كثير أو كبير إنك لأن تذر ورثتك أغنياء خير لهم من أن تدعهم عالة يتكففون الناس" وهو في الصحيحين وغيرهما وقد ذهب الجمهور إلى المنع من الزيادة على الثلث ولو لم يكن للموصي وارث وجوز الزيادة مع عدم الوارث الحنفية وإسحاق وشريك وأحمد في رواية وهو قول علي وابن مسعود واحتجوا بأن الوصية مطلقة في الآية فقيدتها السنة بمن له وارث فبقي من لا وارث له على الإطلاق وحكاه في البحر عن العترة وقد أخرج أحمد وأبو داود والنسائي من حديث أبي زيد الأنصاري أن رجلا أعتق ستة أعبد عند موته ليس له مال غيرهم فأقرع بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتق اثنين وأرق أربعة وفي لفظ لأبي داود أنه قال صلى الله عليه وسلم لو شهدته قبل أن يدفن لم يدفن في مقابر المسلمين وقد أخرج الحديث مسلم رحمه الله وغيره من حديث عمران بن حصين وفي لفظ لأحمد أنه جاء ورثته من الأعراب فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما صنع فقال: "أو فعل لو علمنا إن شاء الله ما صلينا عليه".
وأما كونه يجب تقديم قضاء الديون فلحديث سعد الأطول عند أحمد وابن ماجه بإسناد رجاله رجال الصحيح أن أخاه مات وترك ثلثمائة درهم وترك عيالا قال: فأردت أن أنفقها على عياله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أخاك محتبس بدينه فاقض عنه" فقال: يا رسول الله قد أديت عنه إلا دينارين ادعتهما امرأة وليس لها بينة قال: "فأعطها فإنها محقة" وليس في ذلك خلاف وقد دل عليه قوله: تعالى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:12]
وأما كون من مات ولم يترك ما يقضي دينه قضاه السلطان من بيت المال فلحديث أبي هريرة في الصحيحين أنه قال صلى الله عليه وسلم في خطبته "من خلف مالا أو حقا فلورثته ومن خلف كلا أو دينا فكله إلي ودينه علي" وأخرج نحوه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والدارقطني من حديث جابر وأخرجه أيضا البيهقي والدارقطني من حديث أبي سعيد وأخرجه الطبراني من حديث سلمان وأخرجه ابن حبان في ثقاته من حديث أبي أمامة.