الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الوقف
من حبس ملكه في سبيل الله صار محبسا وله أن يجعل غلاته لأي مصرف شاء مما فيه قربة وللمتولى عليه أن يأكل بالمعروف منه وللواقف أن يجعل نفسه في وقفه كسائر المسلمين ومن وقف شيئا مضارة لوارثه فهو باطل ومن وضع مالا في مسجد أو مشهد لا ينتفع به أحد جاز صرفه في أهل الحاجات ومصالح المسلمين ومن ذلك ما يوضع في الكعبة وفي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والوقف على القبور لرفع سمكها أو تزيينها أو فعل ما يجلب على من يراها الفتنة باطل.
أقول: قد ذهب إلى مشروعيته الوقف ولزومه جمهور العلماء قال: الترمذي لا نعلم بين الصحابة والمتقدمين من أهل العلم خلافا في جواز وقف الأرضين وجاء عن شريح أنه أنكره وقال: أبو حنيفة لا يلزم وخالفه جميع أصحابه إلا زفر وقد حكى الطحاوى عن أبي يوسف أنه قال: لو بلغ أبا حنيفة يعني الدليل لقاء به وقال: القرطبي راد الوقف مخالف للإجماع فلا يلتفت إليه ومما يدل على صحته ولزومه حديث أبي هريرة عند مسلم رحمه الله وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له" وفي الصحيحين من حديث ابن عمر أن عمر أصاب أرضا بخبير فقال: يارسول الله أصبت أرضا بخبير لم أصب مالا قط أنفس عندي منه فما تأمرني فقال: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها" فتصدق بها عمر على أن لا تباع ولا توهب ولا تورث في الفقراء وذوي القربى والرقاب والضيف وابن السبيل لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول وأخرج النسائي والترمذي وحسنه البخاري تعليقا من حديث عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس فيها ماء مستعذب غير بئر رومة فقال: من يشتري بئر رومة فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين
بخير له منها في الجنة فاشتريتها من صلب مالى" وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أما خالد فقد حبس أدراعه واعتده في سبيل الله".
وأما كون له أن يجعل غلاته لأي مصرف شاء مما فيه قربة فلقوله: لعمر في الحديث السابق "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها" فإطلاق الصدقة يشعر بأن للواقف أن يتصدق بها كيف شاء فيما فيه قربة وقد فعل عمر رضي الله عنه ذلك فتصدق بها على الفقراء وذوي القربى والرقاب والضيف وابن السبيل كما تقدم.
وأما كون للمتولي أن يأكل منه فلما تقدم من وقف عمر رضي الله عنه الذي قرره النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما كونه للواقف أن يجعل نفسه في وقفه كسائر المسلمين فلما تقدم من حديث عثمان رضي الله عنه من قوله صلى الله عليه وسلم: "فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين".
وأما كون من وقف شيئا مضارة لوارثه كان وقفه باطلا فلأن ذلك مما لم يأذن به الله سبحانه بل لم يأذن إلا بما كان بصدقة جارية ينتفع بها صاحبها لا بما كان إثما جاريا وعقابا مستمرا وقد نهى سبحانه وتعالى عن الضرار في كتابه العزيز عموما وخصوصا ونهى رسول الله صلى عموما كحديث "لاضرر ولاضرار في الإسلام" وقد تقدم وخصوصا كما في ضرار الجار وضرار الوصية ونحوهما.
وأما كون من وضع مالا في مسجد أو مشهد لا ينتفع به أحد يجوز صرفه في مصارفه ومن ذلك ما يوضع في الكعبة وفي مسجده صلى فلحديث عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم رحمه الله وغيره قالت: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية أو قال: بكفر لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله" فهذا يدل على جواز إنفاق ما في الكعبة إذا زال المانع وهو حداثة عهد الناس بالكفر وقد زال ذلك واستقر أمر الإسلام وثبت
قدمه في أيام الصحابة رضي الله عنهم فضلا عن زمان من بعدهم وإذا كان هو الحكم في الأموال التي في الكعبة فالأموال التي في غيرها من المساجد أولى بذلك بفحوى الخطاب فمن وقف على مسجده صلى الله عليه وسلم أو على الكعبة أو على سائر المساجد شيئا يبقى فيها لاينتفع به أحد فهو ليس بمقترب ولا وقف ولا متصدق بل كانز يدخل تحت قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة:34] الآية ولا يعارض هذا ما ورى أحمد والبخاري عن أبي وائل قال: "جلست إلى شيبة في هذا المسجد فقال: جلس إلي عمر رضي الله عنه في مجلسك هذا فقال: لقد هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمتها بين المسلمين قلت ما أنت بفاعل قال لم:؟ قلت: لم يفعله صاحباك فقال: هما المرآن اللذان يقتدى بهما لأن هذا من عمر ومن شيبة بن عثمان بن طلحة اقتداء بما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه وقد أبان حديث عائشة السبب الذي لأجله ترك صلى الله عليه وسلم ذلك.
وأما الوقف على القبور فإن كان تلك الأمور فلا شك في بطلانه لأن رفعها قد ورد النهي عنه كما في حديث علي أنه أمره صلى الله عليه وسلم أن لا يدع قبرا مشرفا إلا سواه ولا تمثالا إلا طمسه" وهو في مسلم وغيره وكذلك تزيينها وأشد من ذلك ما يجلب الفتنة على زائرها كوضع الستور الفائقة والأحجار النفيسة ونحو ذلك فإن هذا مما يوجب أن يعظم صاحب ذلك القبر في صدر زائره من العوام فيعتقد فيه ما لا يجوز وهكذا إذا وقف للنحر عند القبور ونحوه ممافيه مخالفة لما جاء عن الشارع أما إذا وقف على إطعام من يفد إلى ذلك القبر أو نحو ذلك فهذا هو وقف على الوافد لا على القبر وما صنع الواقف بوقفه على القبر إلا ما يعرضه للإثم فقد يكون ذلك سببا للإعتقادات الفاسدة وبالجملة فالوقف على القبور مفسدة عظيمة ومنكر كبير إلا أن يقف على القبر مثلا لإصلاح ما تهدم من عمارته التي لا إشراف فيها ولا رفع ولا تزيين فقد يكون هذا وجه الصحة وإن كان غير القبر أحوج إلى ذلك كما قال: الصديق رضي الله عنه الحي أولى بالجديد من الأكفان أو كما قال: