الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب العتق
أفضل الرقاب أنفسها ويجوز العتق بشرط الخدمة ونحوها ومن ملك رحمة عتق عليه ومن مثل بمملوكه فعليه أن يعتقه وإلا أعتقه الإمام أو الحاكم ومن أعتق شركا له في عبد ضمن لشركائه نصيبهم بعد التقويم وإلا عتق نصيبه فقط ويستسعى العبد ولا يصح شرط الولاء لغير من أعتق ويجوز التدبير فيعتق بموت مالكه وإذا احتاج المالك جاز له بيعه ويجوز مكاتبة المملوك على مال يؤديه فيصير عند الوفاء حرا ويعتق بقدر ما سلم وإذا عجز عن تسليم مال الكتابة عاد في الرق ومن استولد أمته لم يحل له بيعها وعتقت بموته او تخيره لعتقها.
أقول: الترغيب في العتق قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة كحديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما وعن النبي صلى الله عليه وسلم "من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار حتى فرجه بفرجه" وأخرج الترمذي وصححه من حديث أبي أمامة وغيره من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرئ مسلم أعتق امرءا مسلما كان فكاكة من النار يجزي بكل عضو منها عضوا منه" وفي لفظ وأيما امرأة مسلمة اعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار تجزي بكل عضو من أعضائها عضو من أعضائها وإسناده صحيح وفي الباب أحاديث وفي الصحيحين من حديث أبي ذر قال: قلت يارسول الله أي الأعمال أفضل قال: الإيمان بالله والجهاد في سبيل الله قال: قلت أي الرقاب أفضل قال: أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنا".
وأما كونه يجوز العتق بشرط الخدمة فلحديث سفنية ابن عبد الرحمن قال: أعتقتني أم سلمة وشرطت على أن أخدم النبي صلى الله عليه وسلم ما عاش أخرجه أحمد،
وأبو داود والنسائي وابن ماجه وقال: لا بأس بإسناده وأخرجه الحاكم وفي إسناده سعيد بن جهمان أبو حفص الأسلمي وقد وثقه ابن معين وغيره وقال: أبو حاتم لا يحتج بحديثه ووجه الحجة من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يخفي عليه مثل ذلك وقد قيل إن تعليق العتق بشرط الخدمة يصح إجماعا.
وأما كون من ملك رحمه عتق عليه فلحديث سمرة عند أحمد وأبي داود والترمذي وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ملك ذا رحم محرم فهو حر" ولفظ أحمد "فهو عتيق" وهو من رواية الحسن عن سمرة وفي سماعه منه مقال: معروف وقال: علي بن المدني هو حديث منكر وقال: البخاري لا يصح.
وأخرج النسائي والترمذي وابن ماجه والحاكم من حديث ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ملك ذا رحم محرم فهو حر" وهو في رواية ضمرة عن الثوري عن عبد الله بن دينار عنه قال النسائي: حديث منكر ولا نعلم أحدا رواه عن سيفان غير ضمرة وقال الترمذي: لم يتابع ضمرة بن ربيعة على هذا الحديث ولكنه قد وثقه يحيى بن معين وغيره وحديثه في الصحيحين وقد صحح حديثه هذا ابن حزم وعبد الحق وابن القطان وأخرج أبو داود والنسائي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه موقوفا مثل حديث سمرة وهو من رواية قتادة عنه ولم يسمع منه وقد ذهب إلى أن من ملك ذا رحم محرم عتق عليه أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه وأحمد وقال الشافعي وجماعة من أهل العلم: أنه يعتق عليه الأولاد والآباء والأمهات ولا يعتق عليه غيرهم من قرابته وزاد مالك الإخوة ولا ينافي ماذكرناه حديث أبي هريرة عند مسلم وغيره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يجزى والد عن ولده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه" لأن إيقاع العتق تأكيدا لا ينافي وقوعه بالملك وقد تمسك بحديث أبي هريرة الظاهرية فقالوا: لا يعتق أحد على أحد.
وأما كونه من مثل بمملوكه يعتقه فلحديث ابن عمر عن مسلم رحمه الله
وغيره قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه" وفي مسلم أيضا عن سويد بن مقرن قال: كنا بنى مقرن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لنا إلا خادمة واحدة فلطمها أحدنا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اعتقوها" وفي رواية "إذا استغنوا فليخلوا سبيلها" وفي مسلم أيضا من حديث أبي مسعود البدري قال: كنت أضرب غلاما بالسوط فسمعت صوتا من خلفي إلى أن قال: فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله أقدر منك على هذا الغلام" وفيه قلت يا رسول الله هو حر لوجه الله تعالى فقال: "لو لم تفعل للفحتك النار أو لمستك النار" وأما كونه يعتقه الإمام او الحاكم فلحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في المملوك الذي حب سيده مذاكيره فقال: النبي صلى الله عليه وسلم "علي بالرجل فلم يقدر عليه" فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اذهب فأنت حر" أخرجه أبو داود وابن ماجه وقد أخرجه أحمد وفي إسناده لحجاج بن أرطاة وهو ثقة ولكنه مدلس وبقية رجال أحمد ثقات وأخرج أيضا الطبراني وقد حكى في البحر عن علي والهادي والمؤيد بالله والشافعية والحنفية أنه لا يعتق بمجرد المثلة بل يؤمر سيده بالعتق فإن تمرد فالحاكم وقال: مالك والليث والأوزعي وداود "بل يعتق بمجردها" قال: النووى في شرح مسلم إنه أجمع العلماء على أن ذلك العتق ليس واجبا وإنما هو مندوب رجاء الكفارة وإزالة إثم اللطم ومن أدلتهم إذنه صلى الله عليه وسلم بأن يستخدومها كما تقدم ودعوى الإجماع غير صحيحة وإذنه صلى الله عليه وسلم بالإستخدام لا يدل على عدم الوجوب بل الأمر قد دل على الوجوب والإذن بالإستخدام دل على كونه وجوبا متراخيا إلى وقت الاستغناء عنها وأما كونه من أعتق شركا له في عبد ضمن إلخ فلحديث ابن عمر في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اعتق شركا له في عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم العبد عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق عليه ما عتق" زاد الدراقطني ورق ما بقي وأخرج أحمد والنسائي وابن ماجه من حديث أبي المليح عن أبيه عن جده أن رجلا من قومه
أعتق شقصا له من مملوك فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل خلاصه عليه في ماله وقال: ليس الله عز وجل شريك وفي الصحيحين أيضا من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أعتق شقصا من مملوك فعليه خلاصه في ماله فإن لم يكن له مال قوم المملوك قيمة عدل ثم استسعى في نصيب الذي لم يعتق غير مشقوق عليه" ولا تنافي بين هذا وبين حديث ابن عمر بل الجمع ممكن وهو " أن من أعتق شركا له في عبد ولا مال له لم يعتق إلا نصيبه ويبقى نصيب شريكه مملوكا فإن اختار العبد أن ستسعى بما بقي استسعى وإلا كان بعضه حرا وبعضه عبدا" وأخرج أحمد من حديث إسماعيل بن أمية عن أبيه عن جده قال: كان لهم غلاما يقال: له طهمان أو ذكوان فأعتق جده نصفه فجاء العبد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: النبي صلى تعتق في عتقك وترق في رقك قال: فكان يخدم سيده حتى مات" ورجاله ثقات وأخرجه الطبراني.
وأما كونه لا يصح شرط الولاء لغير من أعتق فلحديث عائشة في الصحيحين وغيرهما أنها جاءت إليها بريرة تستعينها في كتابتها ولم تكن قضت في كتابتها شيئا فقالت: لها عائشة ارجعي إلى أهلك فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك ويكون ولاؤك لى فعلت فذكرت بريرة ذلك لأهلها فأبوا وقالوا إن شاءت أن تتحسب عليك فلتفعل ويكون لنا ولاؤك فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لها رسول الله صلى ابتاعي فأعتقي فإنما الولاء لمن أعتق ثم قام فقال: "ما بال أناس يشترطون شروطا ليست في كتاب الله من اشترط شرط ليس في كتاب الله فليس له وإن شرطه مائة مرة شرط الله أحق وأوثق" وللحديث طرق وألفاظ.
وأما كونه يحوز التدبير فيعتق بموت مالكه، ويحوز له بيعه إذا احتاج" فلحديث جابر في الصحيحين وغيرهما "أن رجلا أعتق غلاما عن دبر فاحتاج فأخذه النبي فقال: من يشتريه منى فاشتراه نعيم بن عبد الله بكذا وكذا فدفعه إليه" وأخرج البيهقي من حديث ابن عمر مرفوعا وموقوفا بلفظ المدبر من الثلث ورواه الدارقطني بلفظ "المدبر لا يباع ولا يوهب وهو حر
من الثلث" وفي إسناده عبيدة بن حسان وهو منكر الحديث وقد ذهب إلى جواز بيع المدبر للحاجة الشافعي وأهل الحديث ونقله البيهقي في المعرفة عن أكثر الفقهاء وبه قال: الهادي والقاسم والمؤيد بالله وأبو طالب كما حكاه صاحب البحر وحكى النووى عن الجمهور أنه لا يجوز بيع المدبر مطلقا.
وأما كونه يجوز مكاتبة المملوك على مال يؤديه فلقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} [النور:33] الآية وقد كانوا يكاتبون في الجاهلية فقرر ذلك الإسلام ولا أعرف خلافا في مشروعيتها.
وأما كونه يصير عند الوفاء حرا أو يعتق منه بقدر ما سلم فلحديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يودى المكاتب بحصة ما أدى دية الحر وما بقي دية العبد" أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وأخرج أحمد وأبوداود نحوه من حديث علي وقد ذهب إلى هذا بعض أهل العلم وذهب آخرون إلى أن حكم المكاتب حكم العبد حتى يوفي مال الكتابة واستدلوا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما عبد كوتب بمائة أوقية فأداها إلا عشرا أوقيات فهو رقيق" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي والحاكم وصححه وفي لفظ لأبي داود "المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبة درهم" ولا يعارض هذا ما تقدم فالجمع ممكن بحمل هذا على مالا يمكن تبعضه من الأحكام وفي حديث أم سلمة أن النبي قال: "إذا كان لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه" أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه فأثبت له ههنا حكم الحر لأن العبد يجوز له أن ينظر إلى مولاته لقوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور:31] .
وأما كونه يرجع في الرق إذا عجز عن مال الكتابة فلكون المالك لم يعتقه إلا بعوض فإذا لم يحصل لم يحصل العتق وقد اشترت عائشة بريرة بعد أن كاتبها أهلها كما تقدم.
وأما كون من استولد أمته لم يحل له بيعها فلحديث ابن عباس عن النبي
صلى الله عليه وسلم: "من وطئ أمته فولدت له فهي معتقة عن دبر منه" أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي وفي إسناده الحسين بن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف وأخرج ابن ماجه من حديث ابن عباس قال: ذكرت أم إبراهيم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أعتقها ولدها" وأخرجه أيضا الدارقطني وفي إسناده الحسين بن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف كما تقدم وأخرج الدارقطني والبيهقي من حديث ابن عباس أيضا أم الولد حرة وإن كان سقطا" وإسناده ضعيف وأخرج البيهقي من حديث ابن لهيعة عن عبيد الله ابن أبي جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأم إبراهيم: "أعتق ولدك" وهو معضل وقال ابن حزم: صح هذا بسند رواته ثقات عن ابن عباس وأخرج الدارقطني عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع أمهات الأولاد وقال: "لايبعن ولا يوهبن ولا يورثن يستمتع بها السيد مادام حيا وإذا مات فهي حرة" وقد أخرج مالك في المؤطأ والدارقطني أيضا من قول ابن عمر وأخرجه البيهقي مرفوعا وموقوفا وهذه الأحاديث وإن كان في إسانيدها ما تقدم فهي تنتهض للاحتجاج بها وقد أخذ بها الجمهور وذهب من عداهم إلى جواز وتمسكوا بحديث جابر قال: "كنا نبيع سرارينا أمهات أولادنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فلما كان عمر نهانا فانتهينا" أخرجه أبوداود وابن ماجه والبيهقي وأخرجه أيضا ابن حبان وليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك والخلاف في المسألة بين الصحابة فمن بعدهم معروف مشهور.
وأما كونها تعتق بموت سيدها الذي أستولدها فلقوله في الحديث المتقدم: "فهي معتقة عن دبر منه" أي من دبرحياته.
وأما كونها تعتق بتخير مستولدها لعتقها فلأن إيقاعه يوجب عتق من لم يوجد لعتقه سبب فمن قد وجد سبب عتقه أولى بذلك ولا سيما بعد قوله صلى الله عليه وسلم: "أعتقها ولدها" فإنه يدل على أنه قد وقع العتق بالولادة ولكن بقي للسيد حق يوجب عليها بعض ما يجب على المملوك حتى يموت فإذا تخير العتق فقد رضي بإسقاط ذلك الحق.