الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الخلع
إذا خالع الرجل امرأته كان أمرها إليها لا ترجع إليه بمجرد الرجعة ويجوز بالقليل والكثير مالم يجاوز ماصار إليها منه فلا ولا بد من التراضي بين الزوجين على الخلع أو إلزام الحاكم مع الشقاق بينهما وهو فسخ وعدته حيضة.
أقول: أما كون أمرها إليها بعد الخلع فلحديث ابن عباس عند البخاري وغيره أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكن أكره الكفر في الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتردين عليه حديقته" قالت نعم: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اقبل الحديقة وطلقها" وفي رواية لابن ماجه والنسائي بإسناد رجاله ثقات أنها قالت: "لا أطيقه بغضا فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أتردين عليه حديقته قالت له نعم: فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ الحديقة ولا يزداد" وفي رواية للدارقطني بإسناد صحيح أن أبا الزبير قال: إنه كان أصدقها حديقة فقال: النبي صلى الله عليه وسلم أتردين حديقته التي أعطاك؟ قالت: نعم وزيادة فقال: النبي صلى الله عليه وسلم أما الزيادة فلا ولكن حديقته قالت: نعم" فهذه الفرقة إنما كانت بسبب ماافتدت به المرأة فلو لم يكن أمرها إليها كانت الفدية ضائعة وقد أفاد ماذكرناه أنه لايجوز للزوج أن يأخذ منها اكثر مما صار إليها منه وقد ذهب إلى هذا على وطاوس وعطاء والزهري وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق والهادوية وذهب الجمهور إلى أنه لايجوز أن يأخذ منها زيادة على ما أخذت منه استدلالا بقوله
تعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229] فإنه عام للقليل والكثير ويجاب بأن الروايات المتضمنة للنهي عن الزيادة مخصصة لذلك وأما ما أخرجه البيهقي عن أبي سعيد الخدري قال: كانت أختي تحت رجل من الأنصار فارتفعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها: "أتردين حديقته" قالت: وأزيد عليها فردت عليه حديقته وزادته" ففي إسناده ضعف مع أنه لا حجة فيه لأنه لم يقررها على تسليم الزيادة وأيضا قوله تعال: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة:229] يدل على منع الأخذ مما آتيتموهن إلا مع ذلك الأمر فلا بأس أن تأخذوا مما آتيتموهن لا كله فضلا عن زيادة عليه.
وأما كونه لا بد من التراضي بين الزوجين فلقوله تعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء:128]
وأما اعتبار إلزام الحاكم فلارتفاع ثابت وامرأته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلزامه بإن يقبل الحديقة ويطلق ولقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا} [النساء:35] وهذه الآية كما تدل على بعث حكمين تدل على اعتبار الشقاق في الخلع ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة:229] ويدل عليه قصة امرأة ثابت المذكورة وقولها أكره الكفر بعد الإسلام وقولها لا أطيقه بغضا فلهذا اعتبرنا الشقاق في الخلع.
وأما كونه فسخا فلحديث الربيع بنت معوذ عند النسائي في قصة امرأة ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "خذ الذي لها عليك وخل سبيلها قال: نعم فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعتد بحيضة واحدة وتلحق بأهلها" ورجال إسناد كلهم ثقات ولها حديث آخر عند الترمذي والنسائي وابن ماجه أن النبي صلى أمرها أن تعتد بحيضة" وفي إسناد محمد بن إسحاق قد صرح بالتحديث.