الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الأشربة
كل مسكر حرام وما أسكر كثيره فقليله حرام ويجوز الإنتباذ في جميع الآنية ولا يجوز انتباذ جنسين مختلطين ويحرم تخليل الخمر ويجوز شرب العصير والنبيذ قبل غليانه ومظنه ذلك بما زاد على ثلاثة أيام وآداب الشرب أن يكون ثلاثة أنفاس وباليمين ومن قعود وتقديم الأيمن فالأيمن ويكون الساقي آخرهم شربا ويسمي في أوله ويحمد في آخره ويكره التنفس في السقاء والنفخ فيه والشرب من فمه وإذا وقعت النجاسة في شيء من المائعات لم يحل شربه وإن كان جامدا ألقيت وما حولها ويحرم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة.
أقول: أما كون كل مسكر حراما فلما أخرجه مسلم رحمه الله تعالى وغيره من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل مسكر خمر وكل مسكر حرام" فشمل ذلك جميع أنواع الخمر من الشجرتين وغيرهما فيتناوله قوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة:90] الآية وفي لفظ لمسلم "كل مسكر خمر وكل خمر حرام" وفي الصحيحين من حديث عائشة قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التبع وهو نبيذ العسل وكان أهل اليمن يشربونه فقال: صلى الله عليه وسلم "كل شراب أسكر فهو حرام" وفيهما نحوه من حديث أبي موسى وفي الباب أحاديث.
وأما كون ما أسكر كثيره فقليله حرام فلحديث عائشة عند أحمد وأبي داود والترمذي وحسنه وابن حبان والدارقطني وأعله بالوقف قالت: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل مسكر حرام وما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام" ورجاله رجال الصحيح إلا عمرو بن سالم الأنصاري مولاهم المدنى قال: المنذرى لم أر أحدا قال: فيه كلاما وقال: الحاكم هو معروف بكنيته يعنى أبا عثمان وأخرج أحمد وابن ماجه والدارقطنى وصححه من حديث ابن عمر عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أسكر كثيره فقليله حرام" وأخرجه أبو داود والترمذي وحسنة وقال: ابن حجر رجاله ثقات من حديث جابر وأخرجه أيضا أحمد والنسائي وابن ماجه ثم حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وفي الباب أحاديث.
وأما جواز الانتباذ في جميع الآنية فلما أخرجه مسلم وغيره من حديث بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كنت نهيتكم عن الأشربة إلا في ظروف الأدم فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكرا" وفي لفظ مسلم رحمه الله تعالى أيضا وغيره "نهيتكم عن الظروف وأن ظرفا لا يحل شيئا ولا يحرمه وكل مسكر حرام" وفي الباب أحاديث مصرحة بنسخ ما قد كان وقع منه صلى الله عليه وسلم من النهي عن الانتباذ في الدباء والنقير والمزفت والحنتم ونحوها كما هو مذكور في الأحاديث المروية في الصحيحين وغيرهما.
وأما كونه لا يجوز انتباذ جنسين مختلطين فلحديث جابر في الصحيحين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن ينبذ التمر والزبيب جميعا ونهى أن ينبذ الرطب والبسر جميعا" وفيهما من حديث أبي قتادة نحوه ولمسلم نحوه من حديث أبي سعيد وله أيضا نحوه من حديث أبي هريرة وفي الباب أحاديث ووجه النهي عن انتباذ الخليطين أن الإسكار يسرع إلى ذلك بسبب الخلط فيظن المنتبذ أنه لم يبلغ حد الإسكار وقد بلغه قال: النووي ومذهب الجمهور أن النهي في ذلك للتنزيه لا التحريم وإنما يحرم إذا صار مسكرا ولا تخفى علامته وقال بعض االمالكية: هو للتحريم وقد ورد ما يدل على منع انتباذ جنسين سواء كانا مما ذكر فى الأحاديث السابقة أم لا وهو ما أخرجه النسائي وأحمد من حديث أنس قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين شيئين فينبذا يبغي أحدهما على صاحبه" ورجال إسناده ثقات.
وأما كونه يحرم تخليل الخمر فلحديث أنس عند أحمد وأبي داود والترمذي وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر تتخذ خلا فقال: لا"
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي من حديثه أيضا أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا فقال: "أهرقها قال: أفلا نجعلها خلا قال: لا" وقد عزاه المنذرى في مختصر السنن إلى مسلم رحمه الله تعالى وله حديث ثالث نحوه أخرجه الدارقطنى وأخرج أحمد من حديث أبي سعيد نحوه.
وأما كونه يجوز شرب العصير والنبيذ قبل غليانه فلحديث أبي هريرة عند أبي داود والنسائي وابن ماجه "قال: علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم فتحينت فطره بنبيذ صنعته في دباء ثم أتيته به فإذا هو ينش فقال: "اضرب بهذا الحائط فإن هذا شراب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر" وأخرج أحمد عن ابن عمر في العصير "قال: "اشربه ما لم يأخذه شيطانه" قيل وفى كم يأخذه شيطانه؟ قال: "في ثلاث" وأخرج مسلم رحمه الله تعالى وغيره من حديث ابن عباس أنه كان ينقع للنبي صلى الله عليه وسلم الزبيب فيشربه اليوم والغد وبعد الغد إلى مساء الثالثة ثم يأمر به فيسقى الخادم أو يهراق" قال: أبو داود معنى يسقى الخادم يبادر به الفساد.
وأما كون مظنة ذلك ما زاد على ثلاثة أيام فلحديث ابن عباس المذكور وقد أخرج مسلم رحمه الله تعالى وغيره من حديث عائشة أنها كانت تنتبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم غدوة فإذا كان من العشى فتعشى شرب على عشائه وإن فضل شيء صبته أو أفرغته ثم تنتبذ له من الليل فإذا أصبح تغذى فشرب على غذائه قالت: نغسل السقاء غدوة وعشية" وهو لا ينافى حديث ابن عباس المتقدم أنه كان يشربه اليوم والغد وبعد الغد إلى مساء الثالثة لأن الثلاث مشتملة على زيادة غير منافية والكل في الصحيح.
وأما كون من آداب الشراب أن يكون ثلاثة أنفاس فلحديث أنس في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنفس في الإناء ثلاثا" وفي لفظ لمسلم رحمه الله تعالى أنه كان يتنفس في الشراب ثلاثا ويقول: "أنه أروى وأمرأ" والمراد أنه كان يتنفس بين كل شربتين في غير الإناء وأما التنفس في الإناء
فمنهى عنه" لحديث أبي قتادة في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء" وأخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه" وأخرج أحمد والترمذي وصححه من حديث أبي سعيد أن النبي نهى عن النفخ في الشراب فقال: رجل القذاة أراها في الشراب؟ فقال: أرقها فقال: إنى لا أروى من نفس واحد قال: أبن القدح إذن عن فيك".
وأما باليمين فلما تقدم في آداب الأكل.
وأما من قعود فلحديث أبي سعيد عند مسلم رحمه الله تعالى وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائما" وأخرج مسلم رحمه الله تعالى أيضا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يشربن أحدكم قائما فمن نسي فليستقيء" ولا يعارض هذا حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب من ماء زمزم قائما" ولا ما أخرج البخاري وغيره من حديث علي رضي الله عنه أنه شرب وهو قائم ثم قال: إن ناسا يكرهون الشرب قائما وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع مثل ما صنعت" ولا ما أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه من حديث ابن عمر قال: كنا نأكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام لأنه يمكن الجمع بأن الكراهة للتنزيه وإن كان قوله: فمن نسى فليستقيء يشعر بعدم الجواز فقد يكون ذلك في حق من قصد مخالفة السنة على أن فعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض القول الخاص بالأمة ويخصص القول الشامل له وللأمة فيكون الفعل خاصا به كما تقرر في الأصول.
وأما كونه يقدم الأيمن فالأيمن فلحديث أنس في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بلبن قد شيب بماء وعن يمينه أعرابي وعن يساره أبو بكر فشرب ثم أعطى الأعرابي وقال: "الأيمن فالأيمن" وفيهما من حديث سهل بن
سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فقال: للغلام أتأذن لي أن أعطى هؤلاء فقال: الغلام والله يا رسول الله لا أوثر نصيبي منك أحدا فتله1 رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده"
وأما كون الساقى آخرهم شربا فلحديث أبى قتادة عند ابن ماجه وأبي داود والترمذي وصححه وقال: المنذرى رجال إسناده ثقات عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ساقي القوم آخرهم شربا" وقد أخرجه أيضا مسلم رحمه الله تعالى بلفظ "قلت لا أشرب حتى يشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الساقي آخرهم شربا".
وأما مشروعية التسمية والحمد فلحديث ابن عباس عند الترمذي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تشربوا نفسا واحدا كشرب البعير ولكن اشربوا مثنى وثلاث وسموا الله إذا أنتم شربتم واحمدوا الله إذا أنتم رفعتم" وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي والبخارى في التاريخ من حديث أبي سعيد قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أكل وشرب قال: "الحمد لله الذى أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين".
وأما كراهة التنفس في السقاء والنفخ فقد تقدم أدلة ذلك في الشرب ثلاثة أنفاس.
وأما كراهة الشرب من فم السقاء فلحديث أبي سعيد في الصحيحين قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اختناث الأسقية أن يشرب من أفواهها" وفي رواية لهما "واختناثها أن يقلب رأسها ثم يشرب منه" وفي البخارى من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يشرب من السقاء" وزاد أحمد قال: أيوب فأنبئت أن رجلا شرب من في السقاء فخرجت حية وفي البخارى وغيره من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من في السقاء" وهذا لا يعارضه ما رواه ابن ماجه والترمذي وصححه من حديث كبشة قالت: "دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب من في قربة معلقة قائما
1 أي وضعه.
فقمت إلى فيها فقطعته" وأخرج أحمد وابن شاهين والترمذي في الشمائل والطبراني والطحاوي من حديث أم سليم نحوه وأخرج أبو داود والترمذي من حديث عبد الله بن بشر نحوه أيضا لأن فعله صلى الله عليه وسلم قد يكون لبيان الجواز فتحمل أحاديث النهي على الكراهة لا على التحريم وقد يكون ما فعله صلى الله عليه وسلم لعذر فتحمل أحاديث النهي على عدم العذر وقد جزم ابن حزم بالتحريم وروى عن أحمد عن أحاديث النهى ناسخة.
وأما كون ما وقعت فيه النجاسة إذا كان مائعا لم يحل شربه وإن كان جامدا ألقيت وما حولها فلحديث ميمونة عند البخارى وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرة وقعت في سمن فماتت فقال: "ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم" وأخرجه أبو داود والنسائي في لفظ لهما من هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الفأرة تقع في السمن فقال:"إن كان جامدا فألقوها وما حولها وإن كان مائعا فلا تقربوه" وصححه ابن حبان وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي من حديث أبي هريرة قال: "سئل رسول الله عن فأرة وقعت في سمن فماتت فقال: "إن كان جامدا فخذوها وما حولها ثم كلوا ما بقي وإن كان مائعا فلا تقربوه" وقد أخرجه النسائي وحكم غير الفأرة مما هو مثلها في النجاسة والاستقذار حكمها إذا وقع في سمن أو نحوه.
وأما تحريم الأكل والشرب من آنية الذهب والفضة فلحديث حذيفة في الصحيحين وغيرهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة" وفيهما أيضا من حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم" وفي لفظ مسلم رحمه الله إن الذي يأكل أو يشرب في إناء الذهب أو الفضة وأخرج مسلم رحمه الله تعالى من حديث البراء بن عازب قال:"نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب في الفضة قال: من شرب فيها في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة" وأخرج أحمد وابن ماجه من حديث عائشة نحو حديث أم سلمة.