الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب زكاة النبات
يجب العشر في الحنطة والشعير والذرة والتمر والزبيب وما كان يسقى بالمسنى منها ففيه نصف العشر ونصابها خمسة أوسق ولا شيء فيما عدا ذلك كالخضروات وغيرها ويجب في العسل العشر ويجوز تعجيل الزكاة وعلى الإمام أن يرد صدقات أغنياء كل محل في فقرائهم ويبرأ رب المال بدفعها إلى السلطان وإن كان جائرا.
أقول: أما وجوب الزكاة من هذه الأجناس فلشمول الأدلة الصحيحة لها وللتنصيص عليها في حديث أبي موسى ومعاذ حين بعثهما صلى الله عليه وسلم إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم فقال: "لا تأخذ الصدقة إلا من هذه الأربعة الشعير والحنطة والزبيب والتمر" أخرجه الحاكم والبيهقي والطبراني قال البيهقي: رواته ثقات وهو متصل وأخرج الطبراني عن عمر قال: "إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في هذه الأربعة فذكرها" وأخرج ابن ماجه والدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ "إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب" وزاد ابن ماجه والذرة وفي إسناده محمد بن عبد الله العزرمي وهومتروك وأخرج البيهقي من طريق مجاهد قال: لم تكن الصدقة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا خمسة فذكرها وأخرج أيضا من طريق الحسن فقال: "لم يفرض الصدقة النبي صلى الله عليه وسلم إلا في عشرة فذكر الخمسة المذكورة والإبل والبقر والغنم والذهب والفضة" وأخرج أيضا عن الشعبي أنه قال: "كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن وإنما الصدقة في الحنطة والشعير والتمر
والزبيب" قال البيهقي: هذه المراسيل طرقها مختلفة وهي يؤكد بعضها بعضا ومعها حديث أبي موسى رضي الله عنه ومعها قول عمر وعلي وعائشة رضي الله عنهم "ليس في الخضروات زكاة" انتهى.
وحديث الخضروات أخرجه الدارقطني والحاكم والأثرم في سننه أن عطاء ابن السائب قال: "أراد عبد الله بن المغيرة أن يأخذ صدقة من أرض موسى بن طلحة من الخضروات فقال له موسى بن طلحة ليس لك ذلك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول ليس في ذلك صدقة" وهو مرسل قوي وقد أخرجه الدارقطني والحاكم من حديث إسحاق بن يحيى بن طلحة عن عمه موسى بن طلحة عن معاذ بلفظ "وأما القثاء والبطيخ والرمان والقصب فعفو عفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحافظ: وفيه ضعف وانقطاع وروى الترمذي بعضه من حديث موسى بن طلحة عن معاذ وقد رواه ابن عدي من وجه آخر عن أنس والدارقطني من حديث علي رضي الله عنه ومن حديث محمد بن جحش ومن حديث عائشة رضي الله عنهما ورواه أيضا البيهقي عن علي رضي الله عنه وعمر رضي الله عنه موقوفا وفي طريق حديث الخضروات مقال لكنه روى من طرق كثيرة يشهد بعضها لبعض فينتهض للإحتجاج به وإذا انضم إلى ما تقدم في وجوب الزكاة في تلك الأجناس الأربعة والخمسة انتهض الجميع للاحتجاج بلا شك ولا شبهة وقد رويت تلك الروايات بلفظ الحصر على تلك الأجناس كما سبق فكان ذلك هو البيان منه صلى الله عليه وسلم لما أنزله الله تعالى فلا تجب في غير ذلك من النبانات وقد ذهب إلى ذلك الحسن البصري والحسن بن صالح والثوري والشعبي وأيضا يمكن الجمع بطريق أخرى وهي أن هذه الأدلة المذكورة هنا مخصصة لعمومات القرآن والسنة وذلك واضح ولا يصح جعل ذلك من باب التنصيص على بعض أفراد العام لما في ذلك من الحصر تارة والنفي لما عدا ماذكر أخرى.
وأما كون الواجب العشر إلا في المستثنى فنصف العشر فوجهه حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فيما سقت الأنهار والغيم العشر وفيما سقى بالسانية نصف العشر" رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود وقال: والأنهار والعيون
وأخرج البخاري وأحمد وأهل السنن من حديث ابن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فيماسقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر وفيما سقى بالنضح نصف العشر" والعثرى بفتح المهملة والثاء المثلثة وكسر الراء هو الذي يشرب بعروقه وقيل الذي في سواقي الغيل1 ونحوها.
وأما كون النصاب خمسة أوسق فلحديث أبي سعيد في الصحيحين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة وفي رواية لأحمد وابن ماجه "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الوسق ستون صاعا" وفي رواية لأحمد وأبي داود "والوسق ستون مختوما".
وأما كونه لا شيء فيما عدا ذلك كالخضروات وغيرها فوجهه ماتقدم.
وأما كونه يجب في العسل العشر فوجهه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ من العسل العشر أخرجه ابن ماجه وقال: الدارقطني يروي عن عبد الرحمن بن الحارث وابن لهيعة عن عمرو بن شعيب ورواه يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرو بن شعيب ومثله حديث أبي سيارة عند أحمد وابن ماجه وأبي داود والبيهقي قال: "قلت يارسول الله إن لى نخلا قال: فأد العشور" وهو منقطع وأخرج الترمذي عن ابن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: في العسل في كل عشرة أزقاق زق" وفي إسناده صدقة السمين وهو ضعيف الحفظ وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ أدوا العشر في العسل وفي إسناده منير ابن عبد الله وهو ضعيف والجميع لايقصر عن الصلاحية للاحتجاج به.
وأما كونه يجوز تعجيل الزكاة فلحديث علي "أن العباس بن عبد المطلب سأل النبي صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك" أخرجه أحمد وأبوداود والترمذي وابن ماجه والحاكم والدارقطني والبيهقي وقد قيل إنه مرسل وقد روى عن علي بلفظ آخر من طريق أخرى أخرجها
1 الغيل: الماء الجاري على وجه الأرض.
البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنا كنا احتجنا فأسلفنا العباس صدقة عامين" ورجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعا وهو في الصحيح من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في زكاة العباس "هي علي ومثلها معها لما قيل له إنه منع من الصدقة" وقد قيل أنه كان سلف منه صدقة عامين.
وأما كون على الإمام أن يرد صدقات أغنياء كل محل في فقرائهم فوجهه حديث أبي جحفية قال: "قدم علينا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الصدقة من أغنيائنا فجعلها في فقرائنا فينا وكنت غلاما يتيما فأعطاني منها قلوصا" أخرجه الترمذي وحسنه وحديث عمران بن حصين أنه استعمل على الصدقة فلما رجع قيل له أين المال فقال: له وللمال أرسلتني أخذناه من حديث كنا نأخذه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعناه حيث كنا نضعه" أخرجه أبو داود وابن ماجه وعن طاوس قال: كان في كتاب معاذ "من خرج من مخلاف إلى مخلاف فإن صدقته وعشرة في مخلاف عشيرته" أخرجه الأثرم وسعيد ابن منصور بإسناد صحيح وفي الصحيحين عن معاذ أن النبي لما بعث إلى اليمن قال له: "خذها من أغنيائهم وضعها في فقرائهم".
وأما كونه يبرأ رب المال بدفعها إلى السلطان وإن كان جائرا فلحديث ابن مسعود في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنها ستكون بعدى أثره وأمور تنكروها قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فما تأمرنا قال: "تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم" وأخرج مسلم والترمذي وصححه من حديث وائل بن حجر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل يسأله فقال: أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعونا حقنا ويسألونا حقهم فقال: "اسمعوا وأطعيوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم" وأخرج أبو داود من حديث جابر بن عتيك مرفوعا بلفظ "سيأتكم ركب مبعوضون فإذا أتوكم فرحبوا بهم وخلوا بينهم وبين ما يبتغون فإن عدلوا فلإنفسهم وإن ظلموا فعليها وأرضوهم فإن تمام زكاتهم رضاهم" وأخرج الطبراني عن سعد بن أبي وقاص مرفوعا "ادفعوا
إليهم ما صلوا الخمس" وفي الباب آثار عن الصحابة حتى أخرج البيهقي عن عمر أنه قال: ادفعوها إليهم وإن شربوا الخمر وإسناده صحيح وأخرج أحمد من حديث أنس أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله فقال: "نعم إذا أديتها إلى رسولى فقد برئت منها إلى الله ورسوله فلك أجرها وإثمها على من بدلها" وأخرج البيهقي من حديث أبي هريرة "إذا أتاك المصدق فأعطه صدقتك فإن اعتدى عليك فوله ظهرك ولا تلعنه وقل اللهم إني أحتسب إليك ما أخذ مني" وقد ذهب إلى ما دلت عليه هذه الأدلة الجمهور وأن الدفع إلى السلطان أو بأمره يجزي المالك وإن صرفها في غير مصرفها سواء كان عادلا أو جائرا.