الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الحضانة
…
باب ماجاء في الحضانة
الأولى بالطفل أمه مالم تنكح ثم الخالة ثم الأب ثم يعين الحاكم من القرابة من رأى فيهم صلاحا وبعد بلوغ سن الاستقلال يخير الصبي بين أبيه وأمه فإن لم يوجد أكفله من كان له في كفالته مصلحة.
أقول: أما الأم فلحديث عبد الله بن عمرو أن امرأة قالت: يارسول الله إن ابني هذا كانت بطني له وعاء وحجري له حواء وثديى له سقاء وزعم أبوه أنه ينزعه مني فقال: "أنت أحق به مالم تنكحي" أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي والحاكم وصححه وقد وقع الإجماع على أن الأم أولى من الأب وحكى ابن المنذر الاجماع على أن حقها يبطل بالنكاح وقد روى عن عثمان أنه لا يبطل بالنكاح وإليه ذهب الحسن البصري وابن حزم واحتجوا ببقاء ابن أم سلمة في كفالتها بعد أن تزوجت بالنبي صلى الله عليه وسلم ويجاب عن ذلك بأن مجرد البقاء مع عدم المنازع لا يحتج به لاحتمال أنه لم يبق له قريب غيرها واحتجوا أيضا بما سيأتي في حديث ابنة حمزة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بأن الحق لخالتها وكانت تحت جعفر بن أبي طالب وقد قال: الخالة بمنزلة الأم ويجاب عن هذا بأنه لا يدفع النص الوارد في الأم ويمكن أن يقال: إن هذا يكون دليلا على ماذهبت إليه الحنفية والهادوية من أن النكاح إذا كان بمن هو رحم للصغير فلا يبطل به الحق ويكون حديث ابنة حمزة مقيدا لقوله: صلى الله عليه وسلم: "مالم تنكحي".
وأما كون الخالة أولى بعد الأم ممن عداها فلحديث البراء بن عازب في الصحيحين وغيرهما أن ابنة حمزة اختصم فيها علي وجعفر وزيد فقال علي:
أنا أحق بها هي ابنة عمي وقال: جعفر بنت عمي وخالتها تحتى وقال: زيد ابنة أخي فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال: "الخالة بمنزلة الأم" والمراد بقول زيد ابنة أخي أن حمزة قد كان النبي صلى الله عليه وسلم آخي بينهما ووجه الاستدلال بهذا الحديث أنه قد ثبت بالإجماع أن الأم أقدم الحواضن فمقتضى التشبيه أن الخالة أقدم من غيرها من غير فرق بين الأب وغيره وقد قيل إن الأب أقدم منها إجماعا وليس ذلك بصحيح والخلاف معروف والحديث يحج من خالفه.
وأما إثبات حق الأب في الحضانة فهو وإن لم يرد دليل يخصه لكنه قد استفيد من قوله: صلى الله عليه وسلم للأم "أنت أحق به مالم تنكحي" فإن هذا يدل على ثبوت أصل الحق للأب بعد الأم ومن بمنزلتها وهي الخالة وكذلك إثبات التخيير بينه وبين الأم في الكفالة فإنه يفيد إثبات حق له في الجملة.
وأما كونه يعين الحاكم من القرابة من رأى فيه صلاحا فلأنه إذا عدمت الأم والخالة والأب والصبي محتاج إلى من يحضنه بالضرورة والقرابة أشفق به فيعين الحاكم من يقوم بأمره منهم ممن يرى فيه صلاحا للصبي وقد أخرج عبد الرزاق عن عكرمة قال: "إن امرأة عمر بن الخطاب خاصمته إلى أبي بكر في ولد عليها فقال: أبو بكر هي أعطف وألطف وأرحم وأحنى وهي أحق بولدها مالم تتزوج" فهذه الأوصاف تفيد أن أبا بكر رضي الله عنه جعل العلة العطف واللطف والرحمة والحنو.
وأما كونه يثبت التخيير للصبي بعد بلوغ سن الاستقلال بين الأم والأب فلحديث أبي هريرة رضي الله عنه عند أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم خير غلاما بين أبيه وأمه" وفي لفظ "أن امرأة جاءت فقالت: يارسول الله إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عتبة وقد نفعني فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم استهما عليه قال: زوجها من يحاقني في ولدي فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت" فأخذ بيد أمه فانطلقت به" أخرجه أهل السنن وابن أبي شيبة وصححه الترمذي وابن حبان
وابن القطان وأخرج أحمد وأبوداود والنسائي وابن ماجه والدارقطني من حديث عبد الحميد ابن جعفر الأنصاري عن جده أن جده أسلم وأبت امرأته أن تسلم فجاء بابن صغير له لم يبلغ قال: فأجلس النبي صلى الله عليه وسلم الأب هاهنا والأم ههنا ثم خيره وقال: اللهم اهده فذهب إلى أبيه.
وأما كونه يكلفه من كان له في كفالته مصلحة إذا لم يوجد فلكونه محتاجا إلى ذلك ولم يوجد من له في ذلك حق بنص الشرع فكانت المصلحة معتبرة في مصلحة ابنه كما اعتبرت في ماله وقد دلت على ذلك الأدلة الواردة في أموال اليتامى من الكتاب والسنة.