الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما جاء في النفقة
تجب على الزوج للزوجة والمطلقة رجعيا ولا بائنا ولا في عدة الوفاة فلا نفقة ولا سكنى إلا أن يكون حاملين وتجب على الوالد الموسر لولده المعسر والعكس وعلى السيد لمن يملكه ولا تجب على القريب لقربيه إلا من باب صلة الرحم ومن وجبت نفقته وجبت كسوته وسكناه.
أقول: أما وجوبها على الزوج للزوجة فلا أعرف في ذلك خلافا وقد أوجبها القرآن الكريم قال الله تعالى: {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [النساء:5] وقد قرر دلالة هذه الآية على المطلوب الموزعي في تفسيره المسمى ببدر التمام في الآيات والأحكام ولحديث إذنه صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة أن تأخذ من مال زوجها أبي سفيان ما يكفيها وولدها بالمعروف" وهو في الصحيحين وغيرهما ولقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن حق الزوجة على الزوج " أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت" وهو عند أهل السنن وغيرهم.
وأما وجوبها للمطلقة رجعيا فلحديث فاطمة بنت قيس أنه قال لها صلى الله عليه وسلم: "إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة" أخرجه أحمد والنسائي وفي لفظ لأحمد: "فإذا لم يكن عليها رجعة فلا نفقة ولا سكنى" وفي إسناده مجالد بن سعيد وقد توبع وأعل بالوقف ولكن الرفع زيادة مقبولة إذا صح مخرجها أو حسن وقد أثبت لها القرآن السكنى قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق:1] ويستفاد من النهي عن الاخراج
وجوب النفقة مع السكنى ويؤيده قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق:6] ويدل على وجوب النفقة قوله: تعالى {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:241] وقوله تعالى في آخر الآية الأولى: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} [الطلاق:1] وهو الرجعة وكان ذلك في الرجعية.
وأما البائنة فلا نفقة لها ولا سكنى لحديث فاطمة بنت قيس عند مسلم رحمه الله وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم في المطلقة ثلاثا "لا نفقة لها ولا سكنى" وفي الصحيحين وغيرهما عنها أنها قالت: "طلقني زوجي ثلاثا فلم يجعل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم نفقة ولا سكنى" وقد صح حديثها بلا نزاع وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي أنه قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملا " وقد أنكر عليها عمر وعائشة هذا الحديث وقال: عمر لا نترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت وقد قالت: فاطمة حين بلغها ذلك بيني وبينكم كتاب الله قال الله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] حتى قال: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} [الطلاق:1] فأي أمر يحدث بعد الثلاث وقد ذهب إلى عدم وجوب النفقة والسكنى للبائنة أحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وأتباعهم وحكاه في البحر عن ابن عباس والحسن البصري وعطاء والشعبي وابن أبي ليلى والأوزاعي والإمامية والقاسم وذهب الجمهور إلى أنه لا نفقة لها ولها السكنى لقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق:6] وقد تقدم ما يدل على أنها في الرجعية وذهب عمر بن الحطاب وعمر بن عبد العزيز والثورى وأهل الكوفة والناصر والإمام يحيى إلى وجوب النفقة والسكنى.
وأما عدم وجوبها لمن في عدة الوفاة فلعدم وجود دليل يدل على ذلك في غير الحامل ولا سيما بعد قوله: صلى الله عليه وسلم "إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها رجعة فإذا لم يكن عليها رجعة فلا نفقة ولا سكنى" ويؤيده أيضا في تعليل الآية المتقدمة بقوله: تعالى: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً}
[الطلاق:1] وهو الرجعة ولم يبق في عدة الوفاة ذلك الأمر ويفيده أيضا مفهوم الشرط في قوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:6] وهو أيضا يدل على وجوب النفقة للحامل سواء كانت في عدة الرجعي أو البائن أو الوفاة وكذلك يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس "لا نفقة لك إلا تكوني حاملا" وقد روى البيهقي عن جابر يرفعه في الحامل المتوفى عنها قال: "لانفقة لها" قال: ابن حجر ورجاله ثقات لكن قال: البيهقي المحفوظ وقفه ولوصح رفعه لكان نصا في محل النزاع وينبغي أن يقيد عدم وجوب السكنى لمن في عدة الوفاة بما تقدم في وجوب اعتدادها في البيت الذي بلغها موت زوجها وهي فيه فإن ذلك يفيد أنها إذا كانت في بيت الزوج بقيت فيه حتى تنقضي العدة ويكون ذلك جمعا بين الأدلة من باب تقييد المطلق أو تخصيص العام فلا إشكال.
وأما كونها تجب للولد على والده الموسر فلحديث هند بنت عتبة المتقدم ويؤيده ما تقدم في الفطرة من وجوبها على الرجل ومن يمون.
وأما وجوب نفقة الوالد على ولده الموسر فلأن النقفة هي أقل ما يفيده قوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [البقرة:83] وقوله صلى الله عليه وسلم: "أنت ومالك لأبيك" أخرجه أحمد وأبو داود وابن خزيمة وابن الجاورد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وحديث "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه فكلوا من أموالهم" أخرجه أحمد وأهل السنن وابن حبان والحاكم ويؤيد ذلك حديث "من أبر يا رسول الله؟ قال: "أمك" قال: ثم من قال: "أمك" قال: ثم من قال: "أباك" وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة. وأما وجوب النفقة على السيد لمن يملكه فلحديث أبي هريرة عند مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل مالا يطيق" وحديث "فليطعمه مما يأكل ويلسبه مما يلبس" وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي ذر.
وأما كونها لا تجب نفقة سائر القرابة إلا من باب صلة الرحم فلعدم ورود دليل يخص ذلك بل جاءت أحاديث صلة الرحم وهي عامة والرحم المحتاج إلى نفقة أحق الأرحام بالصلة وقد قال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق:7]{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:7]{عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة:236] وأما كون من تجب نفقته تجب كسوته وسكناه فلما يستفاد من الآيات القرانية والأحاديث الصحيحة المتقدم ذكرها.