الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الجهاد والسير
مدخل
…
كتاب الجهاد والسير
الجهاد فرض كفايه مع كل بر وفاجر أذا أذن الأبوان وهو مع إخلاص النيه يكفر الخطايا الا الدين ويلحق به حقوق الآدمي ولا يستعان فيه بالمشركين إلا لضرورة ويجب على الجيش طاعة أميرهم إلا في معصية الله وعليه مشاورتهم والرفق بهم وكفهم عن الحرام ويشرع للإمام إذا أراد غزوا أن يوري بغير ما يريده وأن يذكي العيون ويستطلع الأخبار ويرتب الجيوش وينخد الرايات والألويه وتجب الدعوه قبل القتال إلى إحدى ثلاث خصال إما الإسلام أو الجزية أو السيف ويحرم قتل النساء والاطفال والشيوخ الا لضرورة والمثلة والإحراق بالنار والفرار من الزحف إلا إلى فئة ويجوز تبييت الكفار والكذب في الحرب والخداع.
أقول: الجهاد قد ورد في فضله والترغيب فيه من الكتاب والسنه ما هو معروف وقد أفرد ذلك بالتأليف جماعة من أهل العلم وقد أمر الله بالجهاد بالأنفس والأموال وأوجب على عباده أن ينفورا إليه وحرم عليهم التثاقل عنه وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها" وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث أنس وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الجنة تحت ظلال السيوف" كما في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي موسى وابن أبي أوفى وثبت في صحيح البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها" كما في الصحيحين من حديث سهل بن سعد وأخرج أهل السنن وصححه الترمذي من حديث معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة" فناهيك بعمل يوجب الله الجنه لصاحبه ويحرمه على النار ويكون مجرد الغدو إليه والرواح منه خير من الدنيا وما فيها.
وأما كونه فرض كفاية فلما أخرجة أبو داود عن ابن عباس قال: {إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} [التوبة:39]{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ} [التوبة:120] إلى قوله: {يَعْلَمُونَ} نسختها الآية التي تلها {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:122] وقد حسنه ابن حجر قال: الطبري يجوز أن يكون {إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} [التوبة:39] خاصا والمراد به من استنفره النبي صلى الله عليه وسلم فامتنع قال: ابن حجر والذي يظهر أنها مخصوصة وليست بمنسوخة وقد وافق ابن عباس على دعوى النسخ عكرمة والحسن البصري كما روى ذلك الطبري عنهما ومن الأدله الدالة على أنه فرض كفاية أنه كان صلى الله عليه وسلم يغزو تارة بنفسه وتارة يرسل غيره ويكتفي ببعض المسلمين وقد كانت سراياه صلى الله عليه وسلم وبعوثه متعاقبة والمسلمون بعضهم في الغزو وبعضهم في أهله وإلى كونه فرض كفاية ذهب الجمهور وقال: الماوردي أنه كان فرض عين على المهاجرين دون غيرهم وقال: السهيلي كان عينا على الأنصار وقال: ابن المسيب أنه فرض عين وقال: قوم أنه فرض عين في زمن الصحابة.
وأما كونه مع كل بر وفاجر فلأن الأدلة الدالة على وجوب الجهاد من الكتاب والسنة وعلى فضيلته والترغيب فيه وردت غير مقيدة بكون السلطان أو أمير الجيش عادلا بل هذه فريضة من فرائض الدين أوجبها الله على عبادة المسلمين من غير تقيد بزمن أو مكان أو شخص أو عدل أو جور فتخصيص وجوب الجهاد يكون السلطان عادلا ليس عليه أثارة من علم وقد يبلي الرجل الفاجر في الجهاد مالا يبليه البار العادل وقد ورد بهذا الشرع كما هو معروف وأخرج أحمد في المسند في روايه ابن عبد الله وأبو داود وسعيد ابن منصور من حديث أنس قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من أصل الايمان الكف عمن قال لا إله إلا الله لا تكفره بذنب ولا تخرجة عن الإسلام بعمل والجهاد ماض مذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل" ولا يعتبر في الجهاد إلا أن يقصد المجاهد بجهاده أن تكون كلمة الله هي العليا كما ثبت في حديث أبي موسى في الصحيحين وغيرهما قال: سئل
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء فأي ذلك في سبيل الله قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله.
وأما اعتبار إذن الأبوين فلحديث عبد الله بن عمر قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال: "أحي والداك"؟ قال: نعم قال: "ففيهما فجاهد" وفي روايه لأحمد وأبي داود وابن ماجه قال: يا رسول الله إني جئت أريد الجهاد معك ولقد أتيت وإن والدي يبكيان قال: "فارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما" وقد أخرج هدا الحديث مسلم رحمه الله تعالى من وجه آخر وأخرج أبو داود من حديث أبي سعيد أن رجلا هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن فقال: "هل لك أحد باليمن"؟ فقال: أبواي فقال: "أذنا لك"؟ قال: لا فقال: "ارجع إليهما فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما" وصححه ابن حبان وأخرج أحمد والنسائي والبيهقي من حديث معاوية ابن جاهمة السلمى أن جاهمة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أردت الغزو وجئتك أستشيرك فقال: "هل لك من أم"؟ قال: نعم قال: "ألزمها فإن الجنة عند رجليها" وقد اختلف في إسناده اختلافا كثيرا وقد ذهب الجمهور إلى أنه يجب استئذان الأبوين في الجهاد ويحرم إذا لم يأذنا أو أحدهما لأن برهما فرض عين والجهاد فرض كفاية قالوا: وإذا تعين الجهاد فلا إذن ويدل على ذلك ما أخرجه ابن حبان من حديث عبد الله بن عمر قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن أفضل الأعمال فقال: "الصلاة" قال: ثم مه قال: "الجهاد" قال: فإن لي والدين قال: "آمرك بوالديك خيرا" قال: والذي بعثك نبيا لأجاهدن ولأتركنهما قال: "فأنت أعلم" قالوا وهو محمول على الجهاد فرض العين أي حيث يتعين على من له أبوان أو أحدهما توفيقا بين الحديثين.
وأما كون الجهاد مع إخلاص النية يكفر الخطايا إلا الدين فلحديث أبي قتادة عند مسلم رحمه الله وغيره أن رجلا قال: يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله هل تكفر عني خطاياي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدين فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك" وأخرج مثله
أحمد والنسائي من حديث أبي هريرة وأخرج مسلم وغيره من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يغفر الله للشهيد كل ذنب إلا الدين فإن جبريل عليه السلام قال: لي ذلك" وأخرج الترمذي نحوه من حديث أنس وحسنه ويلحق بالدين كل حقوق الآدمين من غير فرق بين دم أو عرض أو مال إذا لا فرق بينهما.
وأما كونه لا يستعان في الجهاد بالمشركين إلا لضرورة فلقوله صلى الله عليه وسلم من أراد الجهاد معه من المشركين "ارجع فلن أستعين بمشرك" فلما أسلم استعان به وهو في صحيح مسلم رحمه الله تعالى وغيره من حديث أبي هريرة وأخرج أحمد والشافعي والبيهقي والطبراني نحوه من حديث حبيب ابن عبد الرحمن عن أبيه عن جده ورجال إسناده ثقات وأخرج أحمد والنسائي من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تستضيئوا بنار المشركين" وفي إسناده أزهر بن راشد وهو ضعيف وبقية إسناده ثقات وأخرج الشافعي من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم استعان بناس من اليهود يوم خيبر وأخرجه أبو داود في مراسيله من حديث الزهري وأخرجه أيضا الترمدي مرسلا وقد أخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث ذي مخبر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ستصالحون الروم صلحا وتغزون أنتم وهم عدوا من ورائكم" وقد ذهب جماعة من العلماء إلى عدم جواز الإستعانة بالمشركين وذهب آخرون إلى جوازها وقد استعان النبي صلى الله عليه وسلم بالمنافقين في يوم أحد وانخزل عنه عبد الله بن أبي بأصحابه وكذلك استعان بجماعة منهم في يوم حنين وقد ثبت في السير أن رجلا يقال: له قزمان خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وهو مشرك فقتل ثلاثه من بني عبد الدار حملة لواء المشركين حتى قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليأزر هذا الدين بالرجل الفاجر". وخرجت خزاعة مع النبي صلى الله عليه وسلم على قريش عام الفتح وهم مشركون فيجمع بين الأحاديث بأن الإستعانة بالمشركين لا تجوز إلا لضرورة لا إذا لم تكن ثم ضرورة.
وأما كونه يجب على الجيش طاعة أميرهم إلا في معصية الله فلحديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني وعن ابن عباس في قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] قال: نزلت في عبد الله ابن حذافة بن قيس ابن عدي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية أخرجه أحمد وأبو داود وهو في الصحيحين وفيهما أيضا من حديث علي قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية واستعمل عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا فأغضبوه في شيء فقال: اجمعوا لي حطبا فجمعوا ثم قال: أوقدوا نارا فأوقدوا ثم قال: ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا وتطيعوا فقالوا: بلى قال: فادخلوها فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا إنما فررنا إلى رسل الله من النار فكانوا كذلك حتى سكن غضبه وطفئت النار فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لو دخلوا لم يخرجوا منها أبدا" وقال: "لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعورف" والأحاديث في هذا الباب مثيرة وفيها التصريح بأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وإنما تجب طاعة الأمراء مالم يأمروا بمعصية الله.
وأما كون على الأمير مشاورة الجيش والرفق بهم وكفهم عن الحرام فلدخول ذلك تحت قوله: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:159] وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور الغزاة معه في كل ما ينوبه ووقع منه في غير موطن وأخرج مسلم وغيره من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم شاور أصحابه لما بلغه إقبال أبي سفيان والقصة مشهورة وأجاب عليه سعيد بن عبادة بقوله: والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها وأخرج أحمد والشافعي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: مارأيت أحدا قط كان أكثر مشورة لأصحابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج مسلم رحمه الله وغيره من حديث عائشه قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم من ولى من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به" وأخرج مسلم رحمه الله تعالى أيضا من حديث معقل
ابن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أمير يلي أمور المسلمين ثم لا يجتهد لهم ولا ينصح لهم إلا لم يدخل الجنة" وأخرج أبو داود من حديث جابر قال: كان وسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلف في السير فيزجي الضعيف ويردف ويدعو لهم وأخرج أحمد وأبو داود من حديث سهل معاذ عن أبيه قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة وكذا فضيق الناس الطريق فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا فنادى "من ضيق منزلا أو قطع طريقا فلا جهاد له" وفي إسناده إسمعيل ابن عياش وسهل بن معاذ ضعيف وقد جاءت الأدله المفيدة للقطع بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأحق الناس بذلك الأمراء.
وأما كونه يشرع للإمام إذا أراد غزوا أن يورى بغير ما يريده فلحديث كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد غزوة ورى بغيرها وهو في الصحيحين وغيرهما.
وأما كونه يشرع له أن يذكي العيون فلحديث جابر في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب "من يأتيني بخبر القوم"؟ فقال الزبير: أنا الحديث وثبت في صحيح مسلم رحمه الله وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عينا ينظر عير أبي سفيان وثبت أنه بعث من يأتيه بمقدار جيش المشركين يوم بدر وغيره وكان يأمر من يستطلع أخبار العدو ويقف في المواضع التي بينه وبينهم وذلك مدون في الكتب الموضوعة في السير والغزوات.
وأما كونه يشرع له أن يرتب الجيوش ويتخذ الرايات والألوية فقد وقع منه صلى الله عليه وسلم من ترتيب جيوشه عند ملاقاته للعدو ما هو مشهور فكان يأمر بعضا يقف في هذا المكان وآخرين في المكان الآخر وقال للرماه يوم أحد: أنهم يقفون حيث عينه لهم ولا يفارقون ذلك المكان ولو تخطفه هو ومن معه الطير" وقد كانت رايات كما في حديث ابن عباس عند الترمذي وأبي داود قال كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض وأخرج أبو داود من حديث سماك بن حرب عن رجل من قومه عن آخر منهم قال: رأيت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم صفراء وفي إسناده مجهول وأخرج أهل السنن والحاكم وابن حبان من حديث
جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة ولواؤه أبيض وفي حديث الحارث بن حسان أنه رأى في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم رايات سوداء أخرجه الترمذي وابن ماجه ورجاله رجال الصحيح وفي الباب أحاديث.
وأما كونها تجب الدعوة قبل القتال إلى إحدى الثلاث الخصال المذكورة فلحديث سليمان بن بريدة عن أبيه عند مسلم رحمه الله وغيره قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال: "اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله غزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا ولدا وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فأيتهم ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم وادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وإخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين فإن أبوا أن يتحولوا عنها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجرى عليهم الذي يجرى على المسلمين ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم وإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم" الحديث وقد ذهب الجمهور إلى وجوب تقديم الدعوة لمن لم تبلغهم الدعوة ولا تجب لمن قد بلغتهم وذهب قوم إلى الوجوب مطلقا.
وأما كونه يحرم قتل النساء والأطفال والشيوخ إلا لضرورة فلحديث ابن عمر في الصحيحين وغيرهما قال: وجدت امرأة مقتولة في بعض معازي النبي صلى الله عليه وسلم فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان" وأخرج أبو داود من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقتلوا شيخا فانيا ولا صبيا ولا امرأة" وفي إسناده خالد بن القرز وفيه مقال: وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم والبيهقي من حديث رباح ابن ربيع أنه قال صلى الله عليه وسلم: "لا تقتلوا ذرية ولا عسيفا" والعسيف الأجير وأخرج أحمد من
حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع" وفي إسناده إبراهيم بن إسمعيل بن أبي حبيبة وهو ضعيف وقد وثقه أحمد وأخرج أحمد أيضا والإسماعيلي في مستخرجه من حديث كعب بن مالك عن عمه أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعث إلى ابن أبي الحقيق بخيبر نهى عن قتل النساء والصبيان ورجاله رجال الصحيح وأخرج أحمد والترمذي وصححه من حديث سمرة مرفوعا بلفظ "اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم" وقد قيل أنه وقع الاتفاق على المنع من قتل النساء والصبيان إلا إذا كان ذلك لضرورة كأن يتترس بهم المقاتلة أويقاتلون وقد أخرج أبو داود في المراسيل عن عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بامرأة مقتولة يوم حنين فقال: "من قتل هذه"؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله غنمتها فأردفتها خلفي فلما رأت الهزيمة فينا أهوت إلى قائم سيفي لتقتلني فقتلتها فلم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصله الطبراني في الكبير.
وأما كونها تحرم المثلة فلما تقدم قريبا في حديث سليمان بن بريدة عن أبيه عن جده وفيه "ولا تمثلوا" وأخرج نحو ذلك أحمد وابن ماجه من حديث صفوان بن عسال وأحاديث النهي عن المثله كثيرة.
وأما تحريم الإحراق بالنار فلحديث أبي هريرة عند البخاري وغيره قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقال: "إن وجدتم فلانا وفلانا لرجلين فاحرقوهما بالنار" ثم قال: حين أردنا الخروج إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا وإن النار لا يعذب بها إلا الله فإن وجدتموهما فاقتلوهما".
وأما تحريق الشجر والأصنام والمتاع فقد ثبت الإذن بذلك عن الشارع إذا كان فيه مصلحة.
وأما تحريم الفرار من الزحف فقد نطق بذلك القرآن قال تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ
اللَّهِ} [الأنفال:16] وثبت في الصحيحين وغيرهما إن الفرار من الزحف هو من السبع الموبقات ولا خلاف في الجمله وإن اختلفوا في مسوغات الفرار وقد جوز الله سبحانه الفرار إلى فئه وأما التحرف للقتال فهو وإن كان فيه تولية الدبر لكنه ليس بفرار على الحقيقة.
وأما كونه يجوز تبييت الكفار فلحديث الصعب بن جثامة في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم ثم قال: "هم منهم" وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث سلمة بن الأكوع قال: بيتنا هوازن مع أبي بكر الصديق وكان أمره علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم والبيات هو الغارة بالليل قال: الترمذي وقد رخص قوم من أهل العلم في الغارة بالليل وكرهه بعضهم قال: أحمد وإسحاق لا بأس أن يبيت العدو ليلا.
وأما جواز الكذب في الحرب فلما ثبت عند مسلم رحمه الله من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث محمد بن مسلمة ليقتل كعب بن الأشرف فقال: يا رسول الله فأذن لي فأقول قال: قد فعلت يعني يأذن له أن يخدعه بمقال: ولو كان كذبا كما وقع منه في هذه القصة وهي أيضا في البخاري وأخرج مسلم رحمه الله تعالى أم كلثوم بنت عقبه قالت: لم أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء من الكذب مما يقول الناس إلا في الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها وهكذا الكذب المذكور هنا هو التعريض والتلويح بوجه من الوجوه ليخرج عن الكذب الصراح كما قاله جماعة من أهل العلم.
وأما جواز الخداع في الحرب فلما في الصحيحين من حديث جابر قال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحرب خدعة" وفيهما من حديث أبي هريرة قال: سمى النبي صلى الله عليه وسلم "الحرب خدعة" قال: النووي: واتفقوا على جواز خداع الكفار في الحرب كيفما أمكن إلا أن يكون فيه نقض عهد.