الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما جاء في الضيافة
.
يجب على من وجد ما يقرى به من نزل من الضيوف أن يفعل ذلك وحد الضيافة إلى ثلاثة أيام وما كان وراء ذلك فصدقة ولا يحل للضيف أن يثوي عنده حتى يخرجه وإذا لم يفعل القادر على الضيافة ما يجب عليه كان للضيف أن يأخذ من ماله بقدر قراه ويحرم أكل طعام الغير بغير إذنه ومن ذلك حلب ماشيته وأخذ ثمرته وزرعه لا يجوز إلا بإذنه إلا أن يكون محتاجا إلى ذلك فليناد صاحب الإبل أو الحائط فإن أجابه وإلا فليشرب وليأكل غير متخذ خبنة.
أقول: أما وجوب الضيافة على من وجد القرى إلخ فلحديث عقبة ابن عامر في الصحيحين قال: قلت يا رسول الله إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يقرونا فما ترى فقال: "إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فأقبلوا وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذى ينبغي لهم" وفيهما من حديث أبي شريح الخزاعى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته قالوا: وما جائزته يا رسول الله قال: يوم وليلة والضيافة ثلاثة أيام فما كان وراء ذلك فهو صدقة ولا يحل له أن يثوى عنده حتى يحرجه" وأخرج أحمد وأبو داود من حديث المقدام أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ليلة الضيف واجبة على كل مسلم فإن أصبح بفنائه محروما كان دينا له عليه إن شاء اقتضاه وإن شاء تركه" وإسناده صحيح وأخرج أحمد وأبو داود والحاكم من حديث أبي هريرة نحوه وإسناده صحيح أيضا وفي الباب أحاديث وقد ذهب الجمهور إلى ان الضيافة مندوبة لا واجبة واستدلوا بقوله: "فليكرم
ضيفه جائزته" قالوا: والجائزة هي العطية والصلة وأصلها الندب ولا يخفى أن هذا اللفظ لا ينافي الوجوب وأدلة الباب مقتضيه لذلك لأن التغريم لا يكون للإخلال بأمر مندوب وكذلك قوله: واجبة فإنه نص في محل النزاع وكذلك قوله: "فما كان وراء ذلك فهو صدقة".
وأما كونه يحرم طعام الغير بغير إذنه فلقوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة:188] وكل ما دل على تحريم مال الغير دل على ذلك لأنه مال وإنما خص منه ما ورد فيه دليل يخصه كالضيف إذا حرمه من تجب عليه ضيافته كما مر.
ومن ذلك حلب ماشيته وأخذ ثمرته وزرعه للآدلة العامة والخاصة أما العامة فظاهر كالآية الكريمة وحديث خطبة الوداع ونحو ذلك وأما الأدلة الخاصة فمثل حديث ابن عمرفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يجلبن أحدكم ماشية أحد إلا بإذنه أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فينثل طعامه وإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم فلا يحلبن أحد ما شية أحد إلا بإذنه" وأخرج أحمد من حديث عمير مولى أبي اللحم قال: أقبلت مع سادتي نريد الهجرة حتى إذا دنونا من المدينة قال: فدخلوا وخلفوني في أظهرهم فأصابتني مجاعة شديد وقال: فمر بي بعض من يخرج من المدينة فقالوا: لو دخلت المدينة فأصبت من ثمر حوائطها قال: فدخلت حائطا فقطعت منه قنوين فاتى صاحب الحائط وأتى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبري وعلي ثوبان فقال لي: "أيهما أفضل فأشرت إلى أحدهما فقال: خذه وأعط صاحب الحائط الآخر، فخلى سبيلي" وفي إسناده ابن لهيعة وله طريق أخرى عند أحمد وفي إسناده أيضا أبو بكر بن يزيد بن المهاجر غير معروف الحال وقد أعل هذا الحديث بأن في إسناده عبد الرحمن بن إسحاق عن محمد بن يزيد وهو ضعيف وأخرج أحمد والترمذي وابن ما جه من حديث ابن عمر قال: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يدخل الحائط فقال: "يأكل غير متخذ خبنة".
وأخرج أبو داود والترمذي من حديث سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه فإن أذن له فليحتلب وليشرب وإن لم يكن فيها أحد فليصوت ثلاثا فإن أجابه أحد فليستأذن وإن لم يجبه أحد فليحتلب وليشرب ولا يحمل" وهو من سماع الحسن عن سمرة وفيه مقال معروف.
وأخرج أحمد وابن ماجه وأبو يعلى وابن حبان والحاكم من حديث أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتى أحدكم حائطا فأراد أن يأكل فليناد صاحب الحائط ثلاثا فإن أجابه وإلا فليأكل وإذا مر أحدكم بإبل فأراد أن يشرب من ألبانها فليناد يا صاحب الإبل أو ياراعى الغنم فإن أجابه وإلا فليشرب". وأخرج الترمذي وأبو داود من حديث رافع قال: كنت أرمي نخل الأنصار فأخذوني فذهبوا بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رافع لم ترم نخلهم"؟ قال: قلت يا رسول الله الجوع قال: "لا ترم وكل ما وقع أشبعك الله وأرواك".
وأخرج أبو داود والنسائي من حديث شرحبيل بن عباد في قصة مثل قصة رافع وفيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب الحائط: "ما علمت إذا كان جاهلا ولا أطعمت إذا كان جائعا" والمراد بالخبنة ما يحمله الإنسان في حضنه وهو بضم الخاء المعجمة وسكون الباء الموحدة وبعدها نون ويمكن الجمع بين الأحاديث بأن تغريم النبي صلى الله عليه وسلم لأبي اللحم لعدم المناداة منه ولو فرضنا عدم صحة الجمع بهذا كانت أحاديث الإذن عند الحاجة مع المناداة أرجح.