الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب اللباس
ستر عورة واجب في الملأ والخفاء ولا يلبس الرجل الخالص من الحرير إذا كان فوق أربع أصابع إلا للتداوي ولا يفترشه ولا المصبوغ بالعصفر ولا ثوب شهرة ولا ما يختص بالنساء ولا العكس ويحرم على الرجل التحلي بالذهب لا بغيره".
أقول: أما وجوب ستر العورة في الملأ والخلا فلحديث حكيم ابن حزام1 عن أبيه عن أحمد وأبي داود وابن ماجه والترمذي وحسنه والحاكم وصححه قال: قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر فقال: "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك" قلت فإذا كان القوم بعضهم في بعض قال: "إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها" فقلت فإن كان أحدنا خاليا قال: "فالله تبارك وتعالى أحق أن يستحيا منه" وقد اختلف أهل العلم في حد العورة وكذلك اختلفت الأدلة وقد استوفيت ذلك في شرح المنتقى.
وأما كونه لا يلبس الرجل الخالص من الحرير إذا كان فوق أربع أصابع فلحديث عمر في الصحيحين قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تلبسوا الحرير فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة" وفيهما نحوه من حديث أنس وفيهما وغيرهما من حديث ابن عمر أنه رأى عمر حلة من إستبرق تباع فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ابتغ هذه فتجمل بها للعيد والوفود فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما هذه لباس من لا خلاق له" وأخرج أحمد والنسائي والترمذي وصححه من حديث أبي موسى "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أحل الذهب والحرير للإناث من أمتى وحرم على ذكورها" وفي إسناده سعيد بن أبي هند عن أبي موسى قال: أبو حاتم إنه لم يلقه وقد صححه أيضا ابن حزم وروى من
1 المحفوظ في هذا الحديث بهز بن حكيم عن أبيه فينظر في نسخة صحيحة! هـ. لمحرره.
حديث علي رضي الله عنه عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان قال: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم حريرا فجعله في يمينه وأخذ ذهبا فجعله في شماله ثم قال: "إن هذين حرام على ذكور أمتي" زاد ابن ماجه "حل لإناثهم" وهو حديث حسن وأخرج البيهقى بإسناد حسن نحوه وأخرج البزار من حديث عمرو بن جرير البجلى نحوه أيضا وفي إسناده قيس ابن أبي حازم وفي الباب أحاديث وقد ذكر المهدي في البحر أنه مجمع على تحريم الحرير للرجال وقال فيه إنه خالف في ذلك ابن علية وانعقد الإجماع بعده على التحريم وقال القاضي عياض: إنه حكى عن قوم إباحته وقال أبو داود: إنه لبس الحرير عشرون نفسا من الصحابة وقد اختلف أهل العلم في الحرير المشوب بغيره واستدل المانعون من لبسه بما ورد من منعه صلى الله عليه وسلم للبس حلة السيراء كما في الصحيحين من حديث علي رضي الله عنه ولكنه قد وقع الخلاف في تفسير حلة السيراء ما هي فقيل إنها ذات الخطوط وقيل المختلفة الألوان وهذان التفسيران لا يدلان على مطلوب من استدل بذلك على المنع من لبس المشوب على أنه قد قيل إنه الحرير المحض واستدل من لم يقل بتحريم المشوب بل حرم الخالص فقط بمثل حديث ابن عباس عند أحمد وأبي داود قال: إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت من قز" وفي إسناده خصيف بن عبد الرحمن وهو ضعيف والمصمت بضم الميم الأولى وفتح الثانية المخففة وهو الذى جميعه حرير لا بخالطه شيء قطن ولا غيره وهذا البحث طويل الذيول.
وأما تقييد التحريم بما كان فوق أربع أصابع فلحديث عمر في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبوس الحرير إلا هكذا ورفع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه الوسطى والسبابة وضمهما" وفي لفظ لمسلم رحمه الله وغيره نهى عن لبس الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاثة أو أربعة".
وأما جواز لبسه للتداوي فلحديث أنس في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير في لبس الحرير لحكة كانت بهما.
وأما كونه لا يحل فراش الحرير فلحديث حذيفة عند البخارى قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها وعن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه وقال: "هو لهم في الدنيا ولنا في الآخرة" وفي معنى ذلك أحاديث وهذا نص في محل النزاع.
وأما الإسترواح بالقياس على جواز افتراش ما فيه تصاوير فقياس في مقابلة النص وهو فاسد الإعتبار وإلى التحريم ذهب الجمهور وروى عن ابن عباس وأنس أنه يجوز افتراش الحرير وإليه ذهب الحنفية والهدوية واستدل لهم بأن افتراش الحرير إهانة وليس هذا مما يستدل به على المسائل الشرعية على فرض عدم المعارض فكيف وقد عارضه الدليل الصحيح الصريح.
وأما المنع من المصبوغ بالعصفر فلحديث عبد الله بن عمرو عند مسلم وغيره قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين فقال: "إن هذه من ثياب أهل الكفر فلا تلبسها" وأخرج مسلم رحمه الله تعالى وغيره أيضا من حديث علي قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التختم بالذهب وعن لباس القسي وعن القراءة في الركوع والسجود وعن لباس المعصفر" وفي الباب أحاديث والعصفر يصبغ الثوب صبفا أحمرا على هيئة مخصوصة فلا يعارضه ما ورد في لبس مطلق الأحمر كما في الصحيحين من حديث البراء قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مربوعا بعيد ما بين المنكبين وله شعر يبلغ شحمة أذنه رأيته في حلة حمراء لم أر شيئا قط أحسن منه" وفي الباب أحاديث يجمع بينها بأن الممنوع منه هو الأحمر الذى صبغ بالعصفر والمباح هو الأحمر الذى لم يصبغ به.
وأما المنع من ثوب الشهرة فلحديث ابن عمر "من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة" أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه ورجال إسناده ثقات والمراد به الثوب الذى يشهر لابسه بين الناس ويلحق بالثوب غيره من الملبوس ونحوه مما يشهر به اللابس له لوجود العلة".
وأما كونه لا يلبس الرجل ما يختص بالنساء ولا العكس فلحديث أبي هريرة عند أحمد وأبي داود والنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الرجل يلبس لبس المرأة والمرأة تلبس لبس الرجل" وفي صحيح البخارى وغيره من حديث ابن عباس قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء" وفي الباب أحاديث.
وأما تحريم التحلي بالذهب على الرجال فلما تقدم من الأحاديث الواردة في تحريم الذهب وهو لا يكون إلا حلية إذ لا يمكن لبسه.
وأما ما يخلط في بعض الثياب بالحرير أو بغيره فهو فضة وإن سماه الناس ذهبا ومن الأدلة على ذلك ما ورد في المنع من خاتم الذهب وما ورد فيمن حلى جيبا له ولو بجر بصيصه1 وقد جمعت رسالة مستقلة في تحريم التحلي بقليل الذهب وكثيره وجمعت أيضا رسالة مستقلة في تحلي النساء بالذهب وهل يجوز ذلك أم لا فليرجع إليهما.
1 في القاموس جر بصيصه شيء من الخلي ونحوه.