الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الصلح
هو جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا ويجوز عن المعلوم والمجهول بمعلوم ولو عن إنكار وعن الدم كالمال بأقل من الدية أو أكثر.
أقول: أما جوازه فلقوله تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء:114] وأما استثناء الصلح الذي أحل حراما أو حرم حلالا فلحديث عمرو بن عوف عن أبي داود وابن ماجه والترمذي والحاكم وابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما وفي إسناده كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه وهو ضعيف جدا وقد صحح الترمذي فلم يصب وقد اعتذر له ابن حجر فقال: كأنه اعتبر بكثرة طرقه وذلك لأنه رواه أبو داود والحاكم من طريق كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة قال: الحاكم على شرطهما وصححه ابن حبان وحسنه الترمذي وأخرجه أيضا الحاكم من حديث أنس ومن حديث عائشة وكذلك أخرجه الدارقطني.
وأما جواز الصلح عن المعلوم والمجهول بمعلوم فلحديث أم سلمة عند أحمد وأبي داود وابن ماجه قالت: جاء رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواريث بينهما قد درست ليس بينهما بينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم تختصمون إلى رسول الله وإنما أنا بشر ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض وإنما أقضي بينكم على نحو ما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي به سطاما في عنقه يوم القيامة" فبكى الرجلان وقال: كل واحد منهما حقي لأخي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إذا قلتما فاذهبا فاقتسما ثم توخيا الحق ثم استهما ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه وفي
إسناد الحديث أسامة ابن زيد بن أسلم المدني وفيه مقال: ولكن أصل الحديث في الصحيحين وقد استدل به على جواز الصلح والإبراء من المجهول وأخرج البخاري من حديث جابر أن أباه قتل يوم أحد شهيدا وعليه دين فاشتد الغرماء في حقوقهم قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألهم أن يقبلوا ثمر حائطى ويحللوا أبي فأبوا فلم يعطهم النبي صلى الله عليه وسلم حائطي وقال: "سنغدو عليك" فغدا علينا حين أصبح فطاف في النحل ودعا في ثمرها بالبركة فجذذتها فقضيتها وبقي لنا من ثمرها وفيه جواز الصلح عن معلوم بمجهول.
وأما جواز المصالحة عن الدم كالمال فلكون اللازم في الدم مع عدم القصاص هو المال فهو صلح بمال عن مال يدخل تحت عموم قوله تعالى: أو إصلاح بين الناس وتحت قوله صلى الله عليه وسلم: "الصلح جائز" وأخرج أحمد وابن ماجه والترمذي وحسنه من حديث عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من قتل متعمدا دفع إلى أولياء المقتول فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا أخذوا الدية وهي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وذلك عقل العمد وما صولحوا عليه فهو لهم".
وذلك تشديد العقل وفي إسناده على بن زيد بن جدعان وفيه مقال.
وأما جواز الصلح ولو كان عن إنكار فلعموم الأدلة واندراج الصلح عن إنكار تحتها ولم يأت من منعه ببرهان وقد ذهب إلى الجمهور وحكى في البحر عن العترة والشافعي وابن أبي ليلى أنه لا يصح الصلح عن إنكار وقد ثبت في الصحيح عن كعب في قصة المتخاصمين في المسجد في دين فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى صاحب الدين أن يضع شطر دينه ويتعجل الباقي وهو دليل على جواز الصلح مع الخصام ووضع البعض واستيفاء البعض.