الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما جاء في الرضاع
إنما يثبت حكمه بخمس رضعات من تيقن وجود اللبن وكون الرضيع قبل الفطام ويحرم به ما يحرم من النسب ويقبل قول المرضعة ويجوز إرضاع الكبير ولو كان ذا لحية لتجويز النظر.
أقول: أما كون الرضاع لا يثبت إلا بخمس رضعات فلحديث عائشة عند مسلم وغيره أنها قالت: كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخ بخمس رضعات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي فيما يقرأ من القرآن" وللحديث طرق ثابتة في الصحيح ولا يخالفه حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحرم المصة ولا المصتان" أخرجه مسلم وأحمد وأهل السنن وكذلك حديث أم الفضل عند مسلم رحمه الله وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحرم الرضعة والرضعتان والمصة والمصتان والأملاجة والأملاجتان" وأخرج نحوه أحمد والنسائي والترمذي من حديث عبد الله بن الزبير لأن غاية ما في هذه الأحاديث أن المصة والمصتين والرضعة والرضعتين والإملاجة والأملاجتين لا يحرمن وهذا هو معنى الأحاديث منطوقا وهو لا يخالف حدييث الخمس الرضعات لأنها تدل على أن ما دون الخمس لا يحرمن وأما معنى هذه الأحاديث مفهوما وهو أن يحرم مازاد على الرضعة والرضعتين فهو مدفوع لحديث الخمس وهي مشتملة على زيادة فوجب قبولها والعمل بها ولا سيما عند قول من يقول إن بناء الفعل على المنكر يفيد التخصيص والرضعة هي أن يأخذ الصبي الثدي فيمتص منه ثم يستمر على ذلك حتى يتركه باختياره لغير
عارض وقد ذهب إلى اعتبار الخمس ابن مسعود وعائشة وعبد الله بن الزبير وعطاء وطاوس وسعيد بن جبير وعروة بن الزبير والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق وابن حزم وجماعة من أهل العلم وقد روى ذلك عن علي بن أبي طالب وذهب الجمهور إلى أن الرضاع الواصل إلى الجوف يقتضي التحريم وإن قل. وأما اعتبار تيقن وجود اللبن فلأنه سبب ثبوت حكم الرضاع فلو لم يكن وجوده معلوما وارتضاع الصبي معلوما لم يكن لإثبات حكم الرضاع وجه مسوغ.
وأما اعتبار كون الرضيع قبل الفطام فلحديث أم سلمة عند الترمذي وصححه والحاكم أيضا وصححه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام" وأخرج سعيد بن منصور والدارقطني والبيهقي وابن عدي من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لارضاع إلا ماكان في الحولين" وقد صحح البيهقي وقفه ورحجه ابن عدي وابن كثير وأخرج أبو داود الطيالسي من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا رضاع بعد فصال ولا يتم بعد احتلام" وقد قال المنذري أنه لا يثبت وفي الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة قالت: "لما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي رجل فقال: من هذا قلت أخي من الرضاعة قال: يا عائشة انظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة".
وأما كونه يحرم به ما يحرم من النسب فقد تقدم الاستدلال عليه فيمن يحرم نكاحه من كتاب النكاح.
وأما كونه يقبل قول المرضعة فلما أخرجه البخاري وغيره من حديث عقبة بن الحارث "أنه تزوح أم يحيى بنت أبي إهاب فجاءت أمة سوداء فقالت: قد أرضعتكما قال: فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عنى قال: فتنحيت فذكرت ذلك له فقال: " وكيف وقد زعمت أنها أرضعتكما فنهاه " وفي لفظ "دعها عنك" وهو في الصحيح وفي لفظ آخر "كيف وقد قيل ففارقها عقبة " وقد
ذهب إلى ذلك عثمان وابن عباس والزهري والحسن وإسحاق والأوزعي وأحمد بن حنبل وأبو عبيد وروى عن مالك.
وأما كونه يجوز إرضاع الكبير ولو كان ذا لحية لتجويز النظر فلحديث زينب بنت أم سلمة قالت: قالت أم سلمة لعائشة "إنه يدخل عليك هذا الغلام الأيفع الذي ما أحب أن يدخل علي فقالت: عائشة مالك في رسول الله أسوة حسنه" وقالت: إن امرأة أبي حذيفة قالت: "يارسول الله إن سالما يدخل علي وهو رجل وفي نفس أبي حذيفة منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرضعيه حتى يدخل عليك" أخرجه مسلم وغيره وقد أخرجه مسلم وغيره وقد أخرج نحوه البخاري من حديث عائشة وقد روى هذا الحديث من الصحابة أمهات المؤمنين وسهلة بنت سهيل وزينب بنت أم سلمة ورواه من التابعين جماعة كثيرة ثم رواه عنهم الجمع الجم وقد ذهب إلى ذلك علي وعائشة وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح والليث بن سعد وابن عيينة وداود الظاهري وابن حزم وهو الحق وذهب الجمهور إلى خلاف ذلك.