الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما جاء حد السرقة
من سرق مكلفا مختارا من حرز ربع دينار فصاعدا قطعت كفه اليمنى ن ويكفي الإقرار مرة واحدة أو شهادة عدلين ويندب تلقين المسقط ويحسم موضع القطع وتعليق اليد في عنق السارق ويسقط بعفو المسروق عليه قبل البلوغ إلى السلطان لا بعده فقد وجب ولا قطع في ثمر ولا كثر مالم يؤوه الجرين إذا أكل ولم يتخذ خبنة وإلا كان عليه ثمن ما حمله مرتين وضرب نكال وليس على الخائن والمنتهب والمختلس قطع وقد اثبت القطع في جحد العارية.
أقول أما اشتراط التكليف والإختيار فقد تقدم وجهه.
وأما قطع السارق فلقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة:38] الآية وأما اعتبار الحوز فقد استدل على ذلك بما أخرجه أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سأله رجل عن الحريسة التي تؤخذ من مراتعها قال: فيها ثمنها مرتين وضرب نكال وما أخذ من عطنه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن قال: يا رسول الله فالثمار وما أخذ منها في أكمامها قال: من أخذ بفمه ولم يتخذ خبنة فليس عليه شيء ومن احتمل فعليه ثمنه مرتين وضرب نكال وما أخذ من أجرانه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن وقد أخرجه أيضا أحمد والنسائي والحاكم وصححه وحسنه الترمذي والحريسة التي ترعى وعليها
حرس. وكذا حديث لا قطع في ثمر ولا كثر عند أحمد وأهل السنن، والحاكم وصححه ابن حبان والبيهقي من حديث رافع بن خديج وقد ذهب إلى اعتبار لحرز الأكثر وذهب أحمد إسحاق والظاهرية وطائفة من أهل الحديث إلى عدم اعتباره واستدلوا على عدم الإعتبار وإن كان قيامهم مقام المنع يكفيهم بما أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي ومالك في الموطأ والشافعي والحاكم وصححه من حديث صفوان بن أمية قال: كنت نائما في المسجد على خميصة لي فسرقت فاخذنا السارق فرفعناه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بقطعه فقلت يا رسول الله أفي خميصة ثمن ثلاثين درهما إنا أهبها له قال: فهلا كان قبل أن تأتيني به وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي من حديث ابن عمر أن رسول الله قطع يد سارق سرق برنسا من صفة النساء ثمنه ثلاثة دراهم وقد أخرج مسلم رحمه الله تعالى معناه وقد روى نحوه حديث صفوان من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وضعف إسناده ابن حجر ويجاب عن الاستدلال بهذه الأحاديث على عدم اعتبار الحرز بأن المساجد حرز لما دخل إليها ولو كان على صاحبه فيكون الحرز أعم مما وقع تبينه في كتب الفقه ولكنه يشكل على من اعتبر الحرز حديث قطع جاحد العارية وسيأتي ويمكن أن يكون ذلك خاصا بما ورد فيه فلا يعارض ما ورد في اعتبار الحرز في غيره.
وأما كون نصاب القطع ربع دينار فصاعدا فلحديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين وغيرهما قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا وفي رواية لمسلم رحمه الله وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا" وفي لفظ لأحمد اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم والدينار اثنى عشر درهما وفي رواية للنسائي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن" قيل لعائشة ما ثمن المجن قالت: ربع دينار وفي الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر قال: قطع النبي صلى الله عليه وسلم في مجن ثمنه
ثلاثة دراهم" وقد عرفت أن الثلاثة الدراهم هي صرف ربع الدينار كما تقدم في رواية أحمد قال: الشافعي وربع الدينار موافق لرواية ثلاثة دراهم وذلك أن الصرف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر درهما بدينار وهو موافق لما في تقدير الديات من الذهب بألف دينار ومن الفضة باثني عشر ألف درهم وقد ذهب إلى كون نصاب القطع ربع دينار أو ثلاثة دراهم الجمهور من السلف والخلف ومنهم الخلفاء الأربعة وفي المسألة اثنا عشر مذهبا قد أوضحتها في شرح المنتقي وأما ما روي من حديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده" فقد قال: الأعمش كانوا يرون أنها بيض الحديد والحبل كانوا يرون أن منها ما يساوي ثلاثة دراهم كذا في البخاري وغيره.
وأما كونه يكفي الإقرار مرة واحدة فلما قدمناه في الباب الأول وقد قطع النبي صلى الله عليه وسلم سارق المجن وسارق رداء صفوان ولم ينقل أنه أمره بتكرار الإقرار وأما ما وقع منه صلى الله عليه وسلم من قوله صلى الله عليه وسلم للسارق الذي اعترف بالسرق: " ما أخالك سرقت" قال: بلى مرتين أو ثلاثا فهذا هو من باب الإستثبات كما تقدم وقد ذهب إلى أنه يكفي الإقرار مرة واحدة مالك والشافعية والحنفية وذهبت العترة وابن أبي ليلى وأحمد وإسحاق إلى اعتبار المرتين.
وأما اعتبار شهادة عدلين فلكون السرقة مندرجة تحت ما ورد من أدلة الكتاب والسنة في اعتبار الشاهدين. وأما كونه يندب تلقين المسقط فلحديث أبي أمية المخزومي عند أحمد وأبي داود والنسائي بإسناد رجاله ثقات أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بلص اعترف اعترافا ولم يوجد معه متاع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أخالك سرقت" قال: بلى مرتين أو ثلاثا وقد روى عن عطاء أنه قال: كان من مضى يؤتى إليهم بالسارق فيقول: أسرقت قل: لا، وسمي أبا بكر وعمر رضي الله عنهما أخرجه عبد الرزاق وفي الباب عن جماعة من الصحابة.
وأما حسم موضع القطع وتعليق اليد في عنق السارق فلما أخرجه الدارقطني والحاكم والبيهقي وصححه ابن القطان من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بسارق قد سرق شملة فقال: قالوا يا رسول الله إن هذا سرق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أخاله سرق" فقال: السارق بلى يا رسول الله فقال: "اذهبوا به فاقطعوه ثم احسموه ثم ائتوني به فقطع فأتي به فقال: تب إلى الله فقال: قد تبت إلى الله فقال: تاب الله عليك" وأخرج أهل السنن وحسنه الترمذي من حديث فضالة بن عبيد قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق فقطعت يده ثم أمر بها فعلقت في عنقه وفي إسناد الحجاج ابن أرطاه قال: النسائي ضعيف لا يحتج.
وأما كونه يسقط بعفو المسروق عليه قبل البلوغ إلى السلطان لا بعده فلحديث صفوان المتقدم وأخرج النسائي وأبو داود وصححه من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب"
وأما كونه لا قطع في ثمر ولا كثر إلخ فلحديث عمرو بن شعيب ورافع بن خديج المتقدمين في أول الباب والكثر جمار النخل أو طلعها وإلزامه بالثمن مرتين تأديب له بالمال ولم يكتف صلى الله عليه وسلم بذلك بل قال: وضرب نكال ليجمع له بين عقوبة المال والبدن والخبنة ما يحمله الإنسان في حضنه وقد تقدم ضبطها وتفسيرها.
وأما كونه ليس على الخائن والمنتهب والمختلس قطع فلحديث جابر عند أحمد وأهل السنن والحاكم والبيهقي وصححه الترمذي وابن حبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع" وأخرج ابن ماجه بإسناد صحيح من حديث عبد الرحمن بن عوف بنحو حديث جابر وأخرجه ابن ماجه أيضا والطبراني من حديث أنس نحوه.
وأما كونه قد ثبت القطع في جحد العارية فلما أخرج مسلم رحمه الله تعالى
وغيره من حديث عائشة قالت: كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها وأخرج أحمد والنسائي وأبو داود وأبو عوانة في صحيحه من حديث ابن عمر مثل حديث عائشة وقد ذهب إلى قطع جاحد العارية من لا يشترط الحرز وهم من تقدم وذهب الجمهور إلى أنه لا يقطع جاحد العارية قالوا لأن الجاحد للعارية ليس بسارق وإنما ورد الكتاب والسنة بقطع السارق ويرد بأن الجاحد إذا لم يكن سارقا لغة فهو سارق شرعا والشرع مقدم على اللغة وقد ثبت الحديث من طريق عائشة وابن عمر كما تقدم وكذا من حديث جابر وابن مسعود وغير هؤلاء وقد وقع في رواية من حديث ابن مسعود عند ابن ماجه والحاكم وصححه أنها سرقت قطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع في مراسيل حبيب بن أبي ثابت أنها سرقت حليا فيمكن أن تكون هذه المخزومية قد جمعت بين السرقة وجحد العارية"