الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الشفعة
سببها الاشتراك في شيء ولو منقولا فإذا وقعت القسمة فلا شفعة ولايحل للشريك أن يبيع حتى يؤذن شريكه ولاتبطل بالتراخي.
أقول: أما كون سببها الاشتراك ولومنقولا فلعموم الأحاديث الواردة في ذلك كحديث جابر في البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل مالم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق بلا شفعة" أخرجه أيضا بنحو هذا اللفظ أهل السنن وحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قسمت الدار وحدت فلا شفعة فيها" أخرجه أبو داود وابن ماجه بإسناد رجاله ثقات وأخرج مسلم وغيره من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل شركة لم تقسم" وأخرج البيهقي من حديث ابن عباس مرفوعا "الشفعة في كل شيء" ورجاله ثقات إلا أنه أعل بالإرسال وأخرج الطحاوي له شاهدا من حديث جابر بإسناد لا بأس به.
وأما كون القسمة تبطل الشفعة فلما في هذه الأحاديث من التصريح بأنها في الشيء الذي لم يقسم ثم فسر القسمة بقوله: "فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة" فالأحاديث الواردة في مطلق شفعة الجار كأحاديث "الجار أحق بصقبة1" وهي ثابتة في الصحيحين وغيرهما مقيدة بعدم القسمة لأن الجار كما يصدق على الملاصق يصدق على المخالط.
وأما تقييد شفعة الجار باتحاد الطريق كما في حديث جابر عند أحمد وأبي داود وابن ماجه والترمذي وحسنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الجار أحق بشفعة جاره" ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدة فهذا الحديث يؤيد ما قلناه من أنه لا شفعة إلا للخليط" لأن الطريق إذا كانت واحدة فالخلطة كائنة فيها ولم تقع القسمة الموجبة لبطلان الشفعة لعدم تصريف الطريق فالحق
1 الصقب: بالتحريك وفي رواية بالسين القرب.
أن سبب الشفعة هو واحد وهو الشركة قبل القسمة فما قيل من أن من أسبابها الاشتراك في الطريق والإشتراك في قرار النهر أو مجاري الماء هو راجع إلى السبب الذي ذكرناه لأن الإشتراك في طريق الشيء أو في سواقيه هو اشتراك في بعض ذلك الشيء وقد حققت المقام في رسالة مستقلة أو ردت فيها جميع ماورد في الشفعة من الأدلة وجمعت بينها جمعا نفسيا فليرجع إليها وقد حكى في البحر عن علي وعمر وعثمان وسعيد ابن المسيب وسليمان بن يسار وعمر بن عبد العزيز وربيعة ومالك والشافعي والأوزعي وأحمد وإسحاق وعبيد بن المحسن والإمامية أن الشفعة لا تثبت إلا بالخلطة" وحكى عن العترة وأبي حنيفة وأصحابه والثوري وابن أبي ليلى وابن سيرين أن الشفعة تثبت بالجوار" واستدلوا بالأحاديث الواردة في شفعة الجار. وأما كونه لا يحل للشريك أن يبيع حتى يؤذن شريكه فلحديث جابر رضي الله عنه عند مسلم رحمه الله وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعه أو حائط "ولا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك فإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به".
وأما كونها لا تبطل بالتراخي فلما في الأحاديث الصحيحة الواردة في الشفعة من الإطلاق.
وأما ما أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عمر بلفظ "لا شفعة لغائب ولا لصغير والشفعة كحل العقال:" ففي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن السليماني وهو ضعيف جدا وقال: أبو حيان لا أصل للحديث وقال: أبو زرعة منكر وقال: البيهقي ليس بثابت ولا يصح تأييد هذا الحديث الباطل بما روى من قول شريح فإنه لا حجة في ذلك على أن هذا الحديث قد اشتمل على ثلاثة أحكام نفى شفعة الغائب ونفى شفعة الصغير واعتبار الفور وقد هجر ظاهرة في الحكمين الأولين فكان ذلك مفيدا لترك الاحتجاج به في الحكم الثالث على فرض أنه غير باطل.