الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب
الإجارة
الإجارة
…
كتاب الإجارة
تجوز على كل عمل لم يمنع منه مانع شرعي وتكون الأجرة معلومة عند الاستئجار فإن لم تكن كذلك استحق الأجير مقدار عمله عند أهله ذلك العمل وورد النهي عن كسب الحجام ومهر البغي وحلوان الكاهن وعسب الفحل وأجره المؤذن وقفيز الطحان ويجوز الاستئجار على تلاوة القرآن لا على تعليمه وأن يكرى العين مدة معلومة بأجرة معلومة ومن ذلك الأرض لا بشرط ما يخرج منها ومن أفسد ما استؤجر عليه أو أتلف ما استأجره منه ضمن.
أقول: أما كون الإجارة تجوز على كل عمل لم يمنع منه مانع شرعي فلإطلاق الأدلة الواردة في ذلك كحديث أبي سعيد الخدري قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن استئجار الأجير حتى يبين له أجره" أخرجه أحمد ورجاله رجال الصحيح وأخرجه أيضا البيهقي وعبد الرزاق وإسحاق في مسنده وأبو داود في المراسيل والنسائي في الزراعة غير مرفوع ولفظ بعضهم من استأجر أجيرا فليسم له أجرته ولإطلاق حديث أبي هريرة عند البخاري وأحمد قال: قال رسول الله صلى اببه عليه وسلم: "يقول الله عز وجل ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع جزءا ثم أكل ثمنه ورجل أستأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره" وقد استأجر النبي صلى الله عليه وسلم دليلا عند هجرته إلى المدينة كما في البخاري وغيره وثبت من حديث أبي هريرة عند البخاري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم فقال: أصحابه وأنت قال نعم: "كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة" وأخرج أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي من حديث سويد بن قيس قال: جلبت أنا ومخرمة العبدى بزا من هجر فأتينا به مكة فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي فساومنا سروايل فبعناه وثم رجل يزن بالأجر فقال: له زن وأرجح" وفيه أنه صلى الله عليه وسلم لم يذكر له قدر أجرته بل أعطاه ما يعتاده في مثل ذلك وقد
كان الصحابة يؤجرون أنفسهم في عصره ويعملون الأعمال المختلفة حتى أن عليا رضي الله عنه أجر نفسه من امرأة على أن ينزع لها كل ذنوب بتمرة فنزع ستة عشر ذنوبا حتى مجلت يداه فعدت له ست عشرة تمرة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فأكل معه منها" أخرجه أحمد من حديث علي بإسناد جيد وأخرجه أيضا ابن ماجه وصححه ابن السكن وأخرجه البيهقي وابن ماجه من حديث ابن عباس أن عليا رضي الله عنه أجر نفسه من يهودي يسقي له كل دلو بتمرة" وأما المانع الشرعي فهو مثل الصور التي سيأتي ذكرها. وأما اعتبار كون الأجرة معلومة فلحديث أبي سعيد المتقدم.
وأما كون من لم يكن أجرته معلومة يستحق مقدار عمله عند أهل ذلك العمل فلحديث سويد ابن قيس السابق "ولكون ذلك هو الأقرب إلى العدل".
وأما النهي عن كسب الحجام ومهر البغي وحلوان الكاهن فلحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كسب الحجام ومهر البغي وثمن الكلب" أخرجه أحمد برجال الصحيح وأخرجه أيضا الطبراني في الأوسط ومثله في حديث رافع ابن خديج عند أحمد وأبي داود والنسائي والترمذي وصححه وهو أيضا في صحيح مسلم رحمه الله تعالى وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي مسعود البدري قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب ومهر البغى وحلوان الكاهن وعسب الفحل" وقد تقدم الكلام على ثمن الكلب وعلى عسب الفحل في البيع والمراد بمهر البغي ما تأخذه الزانية على الزنا والمراد بحلوان الكاهن عطية الكاهن لأجل كهانته والحلوان بضم الحاء المهملة مصدر حلوته إذا أعطيته وقد استدل بما تقدم بعض أهل الحديث فقال: إنه يحرم كسب الحجام وقد ورد في معنى ما تقدم أحاديث وفي بعضها التصريح بأنه خبيث وأنه سحت وذهب الجمهور إلى أنه حلال لحديث أنس في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم حجمه أو طيبه واعطاه صاعين من طعام وكلم مواليه فخففوا عنه وفيهما أيضا من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره" ولو كان سحتا لم يعطه والأولى الجمع بين الأحاديث بأن كسب
الحجام مكروه غير حرام إرشاد منه صلى الله عليه وسلم إلى معالى الأمور ويؤيد ذلك حديث محيصة بن مسعود عند أحمد وأبي داود والترمذي وابن ماجه بإسناد رجاله ثقات أنه كان له غلام حجام فزجره النبي صلى الله عليه وسلم عن كسبه فقال: "ألا أطعمه أيتاما لي قال: لا قال: أفلا أتصدق به قال: "لا فرخص له أن يعلفه ناضجة" فلو كان حراما بحتا لم يرخص فيه أن يعلفه ناضحة ويستفاد منه أن إعطاءه صلى الله عليه وسلم للحجام لا يستلزم أن يأكله أهله حتى تتعارض الأحاديث فقد يكون مكروها لهم ويكون وصفه بالسحت والخبث مبالغة في التنفير وقد يمكن الجمع بالمنع عن مثل ما منع منه محيصة والإذن لمثل ما أذن له به رخص له فيه.
وأما أجرة المؤذن: فلحديث عبادة ابن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لعثمان بن أبي العاص وأتخذ مؤذنا لايأخذ على آذانه أجرا" وفي لفظ "لا تتخذوا مؤذنا يأخذ على أذانه أجرا" والحديث في الصحيح.
وأما قفيز الطحان فلحديث أبي سعيد قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قفيز الطحان" أخرجه الدارقطني والبيهقي وفي إسناده هشام أو كليب قيل لا يعرف وقد أورده ابن حبان في الثقات ووثقه مغلطاي وقفيز الطحان هو أن يطحن الطعام يجزئ منه وقيل المنهي عنه طحن الصبرة لا يعلم قدرها بجزء منها.
وأما جواز الإستئجار على تلاوة القرآن لا على تعليمه فلحديث ابن عباس عند البخاري وغيره أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ أو سليم فعرض لهم رجل من أهل الماء فقال: هل فيكم من راق فإن في الماء رجلا لديغا أو سليما فانطلق الرجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فجاء بشاء إلى أصحابه فكرهوا ذلك وقالوا أخذت على كتاب الله أجرا" حتى قدموا المدينة فقالوا: يا رسول الله أخذ على كتاب الله أجرا فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أحق ما أخذنم عليه أجرا كتاب الله" وفي لفظ من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أصبتم أقسموا واضربوا لي معكم سهم اوضحك النبي صلى الله عليه وسلم" والحديث في الصحيحين بألفاظ وفي حديث خارجه بن الصلت عن عمه في رقية المجنون
بفاتحة الكتاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خذها فلمعمري من أكل برقية باطل فقد أكلت برقية حق" أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي.
وأما كونه لا يجوز أخذها على تعليمه فلحديث أبي ابن كعب قال: "علمت رجلا القرآن فأهدى إلى قوسا فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إن أخذتها أخذت قوسا من نار فرددتها" أخرجه ابن ماجه والبيهقي وقد أعل بالإنقطاع وتعقب وأعل أيضا بجهالة بعض رواته وله شاهد عند الطبراني من حديث الطفيل بن عمر الدوسي قال: "أقرأني أبي ابن كعب القرآن فأهديت إليه قوسا فغدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقلدها فقال: له النبي صلى الله عليه وسلم تقلدها من جنهم" وعلى هذا يحمل حديث عبد الرحمن ابن شبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اقرأوا القرآن ولاتغلوا فيه ولاتجفوا عنه ولاتأكلوا به ولاتستكثروا به" أخرجه أحمد برجال الصحيح وأخرجه أيضا البزار وله شواهد وحديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اقرأو القرآن واسألوا الله به فإن من بعدكم قوما يقرأون القرآن يسألون الناس به" أخرجه أحمد والترمذي وحسنه وفي الباب أحاديث ووجه المنع من أخذ الأجرة على تعليمه أن ذلك من تبليغ الأحكام الشرعية وهو واجب وقد ذهب إلى ذلك أحمد بن حنبل وأصحابه وأبو حنيفة والهدوية وبه قال: عطاء والضحاك والزهري وإسحاق وعبد الله بن شقيق1.
وأما كونه يجوز أن تكرى العين مدة معلومة بأجره معلومة فلما ورد من إكراء الأرضي في عصره صلى الله عليه وسلم كحديث رافع بن خديج في الصحيحين قال: "كنا أكثر الأنصار حقلا فكنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه
1حديث تعليم المرأة في مقابلة مهرها يدل على الجواز، وكذلك الحديث العام وهو أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله، فيحمل حديث المنع من أخذ الأجرة على التعليم على تعليم الفرائض من كتاب الله كما أشار إليه الشارح من أنه تبليغ للأحكام الشرعية وهو واجب، ويكون مخصصا للعام المفيد للجواز.
فربما خرجت هذه ولم تخرج هذه فنهانا عن ذلك فأما بالورق فلم ينهنا" وفي لفظ لمسلم رحمه الله وغيره "فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به" وسائر الأعيان لها حكم الأرض.
وأما كونه لا يجوز إكراء الأرض بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع لأن أحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع" وإن كانت ثابتة في الصحيحين وغيرهم فهي منسوخة بمثل حديث رافع المتقدم وما ورد في معناه وفي المسألة مذاهب وأدلة مختلفة واجتهادات مضطربة قد أوضحناها في شرح المنتقى وفي رسالة مستقلة ومن أصرح أحاديث النهي حديث جابر عند مسلم وغيره قال: كنا نخابر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصيب من القصرى ومن كذا ومن كذا فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان له أرض فليزرعها أو ليحثرها أخاه وإلا فليدعها" وفي حديث سعد بن أبي وقاص أنه نهاهم أن يكرو بذلك وقال: أكروا بالذهب والفضة" أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي ورجاله ثقات وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة نحو حديث جابر.
وأما كون من أفسد ما استؤجر عليه أو أتلف ما استأجره ضمن فلمثل حديث "على اليد ما أخذت حتى تؤديه" أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي والحاكم وصححه وهوحديث الحسن عن سمرة وفي سماعه منه كلام مشهور والمراد أن على اليد ضمان ما أخذت حتى تؤديه وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه والبزار من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن" وقد أخرجه النسائي مسندا ومنقطعا ويؤيده حديث عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال: حدثني بعض الوفد الذين قدموا علي أبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما طبيب تطبب على قوم لا يعرف له تطبب قبل ذلك
فأعنت فهو ضامن" أخرجه أبو داود فالمتطبب إنما ضمن لكونه أقدم على بدن المريض غير عالم بما يعلم به أهل هذه الصناعة فكان ضامنا وهكذا من استؤجر على عمل عين فأقدم على العمل فيها غير عالم بالصناعة وأفسدها بتعاطيه ضمن وهكذا من استأجر دابة ليركب عليها إلى مكان فسار بها سيرا غير معتاد فهلكت أو ترك علفها فماتت فإنه ضامن.