الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب القصاص
…
كتاب ماجاء في القصاص
"يجب على المكلف المختار العامد إن اختار ذلك الورثة وإلا فلهم طلب الدية وتقتل المرأة بالرجل والعكس والعبد بالحر والكافر بالمسلم والفرع بالأصل لا العكس ويثبت القصاص في الأعضاء ونحوها والجروح مع الإمكان ويسقط بإبراء أحد الورثة ويلزم نصيب الآخرين من الدية وإذا كان فيهم صغير انتظر في القصاص بلوغه ويهدر ما سببه من المجني عليه وإذا أمسك رجل وقتل آخر قتل القاتل وحبس الممسك وفي قتل الخطا الدية والكفارة وهو ما ليس بعمد أو من صبي أو مجنون وهي على العاقلة وهم العصبة.
أقول: أما وجوبه فبنص الكتاب العزيز {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة:178]{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة:179] وبمتواتر السنة كحديث "لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث منها النفس بالنفس" وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن مسعود وفي مسلم وغيره من حديث عائشة وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يفتدي وإما أن يقتل" وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث أبي شريح الخزاعى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أصيب بدم أو خبل والخبل الجراح فهو بالخيار بين إحدى ثلاث إما أن يقتص أو يأخذ العقل أو يعفو فإن أراد رابعة فخذوا على يده" وفي إسناده سفيان ابن أبي العوجاء السلمي وفيه مقال: وفيه أيضا محمد ابن إسحاق وقد عنعن وقد أخرج البخاري وغيره من حديث ابن عباس قال: كان في بني إسرائيل القصاص ولم يكن فيهم الدية فقال الله تعالى لهذه الأمة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ} [البقرة:178] الآية فمن عفي له من أخيه قال: فالعفو أن يقبل في العمد الدية
والاتباع بالمعروف لأن يتبع الطالب بمعروف ويؤدي إليه المطلوب بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فيما كتب على من كان قبلكم ولا خلاف بين أهل الإسلام في وجوب القصاص عند المقتضي وانتفاء المانع.
وأما اعتبار التكليف والإختيار فقد يقدم وجهه.
وأما اعتبار العمد فلما أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه من حديث عائشة بلفظ "لا يحل قتل امرىء إلا في إحدى ثلاث خصال زان محصن فيرجم ورجل يقتل مسلما متعمدا أو رجل يخرج من الإسلام فيحارب الله ورسوله فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض" وأخرج الترمذي وابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ "من قتل متعمدا سلم إلى أولياء المقتول فإن أحبوا قتلوا" الحديث وهو معلوم بالأدلة والإجماع من أهل الإسلام أن القصاص لا يجب إلا مع العمد ولا بد من أن يكون عدوانا لأن من قتل عمدا مقتولا يستحق القتل شرعا لا يجب عليه القصاص وأما كون القصاص لا يجب إلا مع اختيار الورثة له وإلا فلهم طلب الدية فلما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: "من قتل له قتيل فهو بخير النظرين".
وأما كونها تقتل المرأة بالرجل والعكس فلما أخرجه مالك والشافعي من حديث عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب في كتابه إلى اليمن "أن الذكر يقتل بالأنثى" ورواه أبو داود والنسائي من طريق ابن وهب عن يونس عن الزهري مرسلا ورواه النسائي وابن حبان والحاكم والبيهقي موصولا مطولا من حديث الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده وفي هذا الحديث كلام طويل وقد صححه ابن حبان والحاكم والبيهقي وقال: ابن عبد البر هذا كتاب مشهور عند أهل السير معروف ما فيه عند أهل العلم يستغنى بشهرته عن الإستناد لأنه أشبه التواتر في مجيئه لتلقي الناس له بالقبول وقال: يعقوب بن سفيان لا أعلم في جميع الكتب المنقولة كتابا أصح من كتاب عمرو بن حزم هذا فإن أصحاب رسول الله والتابعين يرجعون إليه ويدعون
رأيهم وقال الحاكم: قد شهد عمر ابن عبد العزيز وإمام عصره الزهري بالصحة لهذا الكتاب ومما استدل به على ذلك ما في الصحيحين وغيرهما من حديث أنس أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين فقيل لها من فعل بك هذا؟ فلان أو فلان حتى سمى اليهودي فأومأت برأسها فجىء به فاعترف فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فرض رأسه بين حجرين وقد استوفيت الحديث في شرح المنتقى وإلى ذلك ذهب الجمهور واختلفوا هل تتوفى ورثة الرجل من ورثة المرأة نصف الدية أم لا؟ وقد حكى ابن المنذر الإجماع على قتل الرجل بالمرأة إلا رواية عن علي والحسن وعطاء ورواه البخاري عن أهل العلم هذا في قتل الرجل بالمرأة وأما قتل المرأة بالرجل فالأمر واضح وهكذا قتل العبد بالحر والكافر بالمسلم والفرع بالأصل وليس في ذلك خلاف.
وأما العكس من هذه الصور الثلاث فقد قيل إنه يقتل الحر بالعبد وهو يحكى عن الحنفية وسعيد بن المسيب والشعبي والنخعي وقتادة والثوري هذا إذا كان العبد مملوكا لغير القاتل وأما إذا كان مملوكا له فقد حكي في البحر الإجماع على أنه لا يقتل السيد بعبده إلا عن النخعي وهكذا حكى الخلاف عن النخعي وبعض التابعين الترمذي واستدل المثبتون بما أخرجه أحمد وأهل السنن وحسنه الترمذي من حديث الحسن عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل عبده قتلناه ومن جدع عبده جدعناه" وفي إسناده ضعف لأنه من رواية الحسن عن سمرة وفي سماعه منه خلاف مشهور واستدل المانعون بقوله تعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة:178] وفي الاستدلال لآية إشكال كالإشكال الذي في استدلال من استدل بقوله: تعالى النفس بالنفس واستدلوا أيضا بما أخرجه الدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا قتل عبده متعمدا فجلده النبي صلى الله عليه وسلم ونفاه سنة ومحا سهمه من المسلمين ولم يقده به وأمره أن يعتق رقبة وفي إسناده إسماعيل بن عياش ولكنه رواه عن الأوزاعي وهو شامي وإسماعيل قوى في الشاميين وفي إسناده أيضا محمد بن عبد العزيز الشامي وهو ضعيف.
وأخرج البيهقي وابن عدى من حديث عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقاد مملوك من مالكه ولا ولد من والده" وفي إسناده عمر ابن عيسى السلمي وهو منكر الحديث كما قال: البخاري وأخرج الدارقطني والبيهقي من حديث ابن عباس مرفوعا: "لا يقتل حر بعبد" وفي إسناده جويبر وغيره من المتروكين وأخرج البيهقي عن علي قال: "من السنه لا يقتل حر بعبد" وفي إسناده جابر الجعفي وهو متروك وأخرج البيهقي من حديث على نحو حديث عمرو بن شعيب وفي الباب أحاديث تشهد لهذه وتقويها.
وأما كونه لا يقتل المسلم بالكافر فلحديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقتل مسلم بكافر" أخرجه أحمد والنسائي وأبو داود والحاكم وصححه وأخرج أحمد وابن ماجه والترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نحوه وأخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث ابن عمر وأخرج البخاري وغيره عن علي أنه قال له أبو جحيفة هل عندكم من الوحي ما ليس في القرآن؟ فقال: لا والذي فلق الحب وبرأ النسمة إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن وما في هذه الصحيفة قلت وما في هذه الصحيفة قال: "المؤمنون تتكافأ دمائهم وفكاك الأسير وأن لا يقتل المسلم بالكافر" وقد أجمع أهل العلم على أنه لا يقتل المسلم بالكافر الحربى وأما الذمي فذهب إلى ذلك الجمهور ولم يات من ذهب إلى قتل المسلم بالذمي بما يصلح للإستدلال به.
وأما كونه لا يقتل الأصل بالفرع فلحديث "لا يقتل الوالد بالولد" أخرجه الترمذي من حديث عمر وفي إسناده الحجاج بن أرطأة ولكن له طريق أخرى عن أحمد والبيهقي والدارقطني ورجال إسنادها ثقات وأخرج نحوه الترمذي أيضا من حديث سراقة وفي إسنادهما ضعف وأخرجه أيضا من حديث ابن عباس وقد أجمع أهل العلم على ذلك لم يخالف فيه إلا البتي ورواية عن مالك.
وأما كونه يثبت القصاص في الأعضاء ونحوها والجروح مع الإمكان
فلقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة:45] إلى آخر الآية وهي وإن كانت حكاية عن بني إسرائيل فقد قرر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أنس في الصحيحين وغيرهما أن الربيع كسرت ثنية جارية فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص وأما تقييد ذلك بالإمكان فلأن بعض الجروح قد يتعذر الاقتصاص فيها كعدم إمكان الاقتصار على مثل ما في المجنى عليه وخطاب الشرع محمول على الإمكان من دون مجاوزة للمقدار الكائن في المجني عليه فإن كان لا يمكن إلا بمجاوزة للمقدار وبمخاطرة أو أضرار فالأدلة الدالة على تحريم دم المسلم وتحريم الإضرار به بما هو خارج عن القصاص مخصصه لدليل الإقتصاص.
وأما كونه يسقط بإبراء أحد الورثه ويلزم نصيب الآخرين من الدية فلما تقدم من كون أمر القصاص إلى الورثة وأنهم بخير النظرين فإذا أبرأوا من القصاص سقط وإن أبرأ أحدهم سقط لأنه لا يتبعض ويستوفي الورثة نصيبهم من الدية وأخرج أبو داود من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وعلى المقتتلين أن ينحجزوا الأول فالأول وإن كانت امرأة" والمراد بالمقتتلين أولياء المقتول وينحجزوا أي ينكفوا عن القود بعفو أحدهم ولو كان امرأة وأما قوله: الأول فالأول أي الأقرب فالأقرب هكذا فسر الحديث أبو داود وفي إسناده حصن بن عبد الرحمن ويقال: ابن محصن أبو حذيفة الدمشقي قال: أبو حاتم الرازي لا أعلم من روى عنه غير الأوزاعي ولا أعلم أحدا نسبه وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن المرأة تعقل عصبتها من كانوا ولا يرثون منها إلا ما فضل عن ورثتها وإن قتلت فعقلها بين ورثتها وهم يقتلون قاتلها وفي إسناده محمد بن راشد الدمشقي المكحولي وقد وثقه غير واحد وتكلم فيه غير واحد فقوله: وهم يقتلون قاتلها يفيد ان ذلك حق لهم يسقط بإسقاطهم أو إسقاط بعضهم وقد ذهب إلى ذلك العترة والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه.
وأما كونه إذا كان صغير انتظر في القصاص بلوغه فدليله ما قدمناه من أن ذلك حق لجميع الورثة ولا اختيار للصبي قبل بلوغه.
وأما كونه يهدر ما سببه من المجني عليه فلحديث عمران بن حصين في الصحيحين وغيرهما أن رجلا عض يد رجل فنزع يده من فيه فوقعت ثنياته فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يعض أحدكم يد أخيه كما يعض الفحل لا دية لك" وفيهما أيضا من حديث يعلى ابن أمية نحوه وإلى ذلك ذهب الجمهور. وأما كونه إذا أمسك رجل وقتل آخر قتل القاتل وحبس الممسك فلحديث ابن عمر عند الدارقطني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أمسك الرجل الرجل وقتله الآخر يقتل الذي قتل ويحبس الذي أمسك" وهو من طريق الثوري عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر ورواه معمر وغيره عن إسماعيل قال: الدارقطني والارسال أكثر وأخرجه أيضا البيهقي ورجح المرسل وقال: إنه غير محفوظ قال: ابن حجر رجاله ثقات وصححه ابن القطان وأخرج الشافعي عن علي أنه قضى في رجل قتل رجلا متعمدا وأمسكه آخر قال: يقتل القاتل ويحبس الآخر في السجن حتى يموت وقد ذهب إلى ذلك العترة والحنفية والشافعية ويؤيدة قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة:194] وبالجملة فقتل القاتل مندرج تحت الأدلة المثبتة للقصاص وأما حبس الممسك فذلك نوع من التعزير استحقه بسبب إمساكه للمقتول وقد روى عن النخعي ومالك والليث انه يقتل الممسك كالمباشر لأنهما شريكان.
وأما كون في قتل الخطأ الدية والكفارة فلنص الكتاب العزيز على ما في النظم القرآني من القيود والتفاصيل وقد وقع الإجماع على وجوب الدية والكفارة في الجمله وإن وقع الخلاف في بعض الصور كوجوب الكفارة من ماله معروف فمن لم
يوجبها جعل إيجابها من باب خطاب التكليف فقال: لا تجب إلا على مكلف ومن أوجبها جعله من باب خطاب الوضع وهكذا المجنون والكفارة هي ما ذكره الله تعالى من تحرير الرقبة وما بعده من الإطعام1 والصوم وأما الدية فسيأتي بيانها وبيان دية الخطأ الذي هو شبه العمد.
وأما كون دية الخطا على العاقلة وهم العصبة فلحدجيث أبي هريرة في الصحيحين قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد او أمة ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبنيها وزوجها وأن العقل على عصبتها وفي لفظ لهما وقضى بدية المرأة على عاقلتها وفي مسلم وغيره من حديث جابر قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل بطن عقولة وأخرج أبو داود وابن ماجه أن امرأتين من هذيل قتلت إحداهما الأخرى ولكل واحدة منهما زوج وولد فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتول على عاقلة القاتلة وبرأ زوجها وولدها فقال: عاقلة المقتولة ميراثها لنا فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم " ميراثها لزوجها وولدها" وصححه النووي وفي إسناده مجالد وهو ضعيف وقد تقدم حديث عمرو بن شعيب قريبا وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن يعقل المرأة عصبتها الحديث وقد أجمع العلماء على ثبوت العقل وإنما اختلفوا في التفاصيل وفي مقدار ما يلزم كل واحد من العاقلة.
1 زيادة الإطعام سبق قلم من شيخنا سلمه الله أهـ. لمحرره.