الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الأطعمة
مدخل
…
كتاب الأطعمة
الأصل في كل شيء الحل ولا يحرم إلا ما حرم الله تعالى ورسوله وما سكتا عنه فهو عفو فيحرم ما في الكتاب العزيز وكل ذى ناب من السباع وكل ذى مخلب من الطير والحمر الإنسية والجلالة قبل الإستحالة والكلاب والهر وما كان مستخبثا وما عدا ذلك فهوحلال.
أقول: أما كون الأصل الحل فلمثل قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} الآية فإن النكرة في سياق النفي تدل على العموم ولمثل حديث سلمان الفارسي قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السمن والجبن والفرا فقال: "الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفى لكم" أخرجه ابن ماجه والترمذي وفي إسناد ابن ماجه سيف بن هرون البرجمى وهو ضعيف وفي الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم على الناس فحرم من أجل مسألته" وفيهما من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" وأخرج البزار وقال: سنده صالح والحاكم وصححه من حديث أبي الدرداء رفعه بلفظ "ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئا وتلا {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} [مريم:64] " وأخرج الدار قطنى من حديث أبي ثعلبة رفعه: "إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وسكت عن أشياء رحمة لكم،
لا عن نسيان فلا تبحثوا عنها" وفي الكتاب والسنة مما يتقرر به هذا الأصل الكثير الطيب فيتوجه الاقتصار في رفع الحل على ما ورد فيه دليل يخصه ومن التخصيص قوله تعالى: في آخر تلك الآية {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام:145] وكذا قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة:3] إلى آخر الآية.
ومن ذلك كل ذى ناب من السباع وكل ذى مخلب من الطير لحديث ابن عباس عند مسلم رحمه الله وغيره قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذى ناب من السباع وكل ذى مخلب من الطير" ولحديث أبي ثعلبة الخشنى عند مسلم رحمه الله أيضا وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كل ذى ناب من السباع فأكله حرام" وفي الباب أحاديث في الصحيحين وغيرهما والمراد بالناب السن الذى خلف الرباعية جمعه أنياب وذلك كالأسد والنمر والذئب وكل ذى ناب يتقوى به ويصاد وقال: في النهاية وهو ما يفترس الحيوان به ويأكل قسرا كالأسد والذئب والنمر ونحوها قال: في القاموس والسبع بضم الباء المفترس من الحيوان انتهى والمخلب بكسر الميم وفتح اللام قال: أهل اللغة والمراد به ما هو في الطير بمنزلة الظفر للإنسان.
ومن ذلك الحمر الأنسية لحديث البراء ابن عازب في الصحيحين وغيرهما "أنه صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأنسية" وفيهما من حديث ابن عمر نحوه وفيهما أيضا من حديث أبي ثعلبة الخشنى نحوه وفي الباب غير ذلك وقد ذهب إلى ذلك جمهور العلماء.
ومن ذلك الجلالة قبل الإستحالة وألبانها لحديث ابن عمر عند أحمد وأبي داود وابن ماجه والترمذي وحسنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها" وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وابن حبان والحاكم والبيهقى وصححه الترمذى وابن دقيق العيد من حديث ابن عباس "النهى عن أكل الجلالة وشرب ألبانها" وأخرج أحمد والنسائي والحاكم والدارقطنى والبيهقى من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نحو ذلك.
وفي الباب غير ذلك وقد ذهب إلى ذلك أحمد بن حنبل والثورى والشافعية وذهب بعض أهل العلم إلى الكراهة فقط وظاهر النهي التحريم والعلة تغير لحمها ولبنها فإذا زالت العلة بمنعها عن ذلك حتى يزول الأثر فلا وجه للتحريم لأنها حلال بيقين إنما حرمت لمانع وقد زال.
ومن ذلك الكلاب ولا خلاف في ذلك يعتد به وهو مستخبث وقد وقع الأمر بقتله عموما وخصوصا وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل ثمنه كما تقدم وسيأتي وتقدم إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه وقد جعله بعضهم داخلا في ذوات الناب من السباع.
ومن ذلك الهر لحديث جابر عن أبي داود وابن ماجه والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل الهر وأكل ثمنها" وفي إسناده عمر بن يزيد الصنعاني وهو ضعيف لكن يشد من عضده ما ثبت من النهي عن أكل ثمن الكلب والسنور وهو في الصحيح وقد تقدم ولا فرق بين الوحشى والأهلى وللشافعية وجه في حل الوحشي.
ومن ذلك ما كان مستخبثا لقوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [لأعراف:157] فما استخبثه الناس من الحيوانات لا لعلة ولا لعدم اعتياد بل لمجرد الاستخباث فهو حرام وإن استخبثه البعض دون البعض كان الاعتبار بالأكثر كحشرات الأرض وكثير من الحيوانات التي ترك الناس أكلها ولم ينهض على تحريمها دليل يخصها فإن تركها لا يكون في الغالب إلا لكونها مستخبثة فتندرج تحت قوله: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} وقد أخرج أبو داود عن ملقام بن تلب قال: "صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فلم أسمع لحشرات الأرض تحريما" وقد قال: البيهقى إن إسناده غير قوي وقال: النسائي ينبغى أن يكون ملقام بن تلب ليس بالمشهور وهذا الحديث ليس فيه ما يخالف الآية وغايته عدم سماعه لشيء من النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يدل على العدم وقد أخرج ابن عدى والبيهقى من حديث ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل الرخمة" وفي
إسناده خارجة بن مصعب وهو ضعيف جدا فلا ينتهض الاحتجاج به وأخرج أحمد وأبو داود من حديث عيسى بن نملية الفزارى عن أبيه قال: "كنت عند ابن عمر رضي الله عنه فسئل عن أكل القنفذ فتلا هذة الآية {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام:145] الآية فقال: شيخ عنده سمعت أبا هريرة يقول ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "خبيث من الخبائث" فقال: ابن عمر إن كان قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كما قال" وعيسى بن نملية ضعيف فلا يصح الحديث لتخصيص القنفذ من أدلة الحل العامة وقد قيل إن من أسباب التحريم الأمر بقتل شيء كالخمس الفواسق والوزغ ونحو ذلك والنهى عن قتله كالنملة والنحلة والهدهد والصرد والضفدع ونحو ذلك ولم يأت عن الشارع ما يفيد تحريم أكل ما أمر بقتله أو نهي عن قتله حتى يكون الأمر والنهى دليلين على ذلك ولا لازمة عقلية ولا عرفية فلا وجه لجعل ذلك أصلا من أصول التحريم بل إن كان المأمور بقتله أو المنهي عن قتله مما يدخل في الخبائث كان تحريمه بالآية الكريمة وإن لم يكن من ذلك كان حلالا عملا بما أسلفنا من أصالة الحل وقيام الأدلة الكافية على ذلك ولهذا قلنا وما عدا ذلك فهو حلالا.