الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب حد القذف
من قذف غيره بالزنا وجب عليه حد القذف ثمانين جلده ويثبت ذلك بإقراره مرة أو شهادة عدلين وإذا لم يتب لم تقبل شهادته فإن جاء بعد القذف بأربعة شهود سقط عنه الحد وكذلك إذا أقر المقذوف بالزنا.
أقول: الدليل على ثبوت حد القذف قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} وقد أجمع أهل العلم على ذلك وروى مالك عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: أدركت عمر ابن الخطاب وعثمان بن عفان والخلفاء وهلم جرا فما رأيت أحدا جلد عبدا في فرية أكثر من أربعين واختلفوا هل ينصف للعبد أم لا فذهب الأكثر إلى الأول وذهب ابن مسعود والليث والزهري والأوزاعي وعمر بن عبد العزيز وابن حزم إلى أنه لا ينصف لعموم الآية.
وأما كونه يثبت بإقراره مرة فلكون إقرار المرء لازما له ومن ادعى أنه يشترط التكرار مرتين فعليه الدليل ولم يأت في ذلك دليل من كتاب ولا سنة.
وأما اعتبار شهادة العدلين فكسائر ما يعتبر فيه الشهادة كما اطلقه الكتاب العزيز.
وأما كونه يسقط حد القذف إذا جاء القاذف بأربعة شهود يشهدون على المقذوف أنه زنا فلأن القاذف حينئذ لم يكن قاذفا بل قد تقرر صدور الزنا بشهادة الأربعة فيقام الحد على الزاني وهكذا إذا أقر المقذوف بالزنا فلا حد
على من رماه به بل يحد المقر بالزنا وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم إنه جلد أهل الإفك كما في مسند أحمد وأبي داود وابن ماجه والترمذي وحسنة وأشار إلى ذلك البخاري في صحيحه فثبت حد القذف بالسنة كما ثبت بالقرآن ووقع في أيام الصحابة جلد من شهد على المغيرة بالزنا حيث لم تكمل الشهادة وذلك معروف ثابت.
باب حد الشرب
من شرب مسكرا مكلفا مختارا جلد على ما يراه الإمام إما أربعين جلدة أو أقل أو أكثر ولو بالنعال ويكفي إقراره مرة أو شهادة عدلين ولو على القىء وقتله في الرابعة منسوخ
فصل: والتعزير في المعاصي التي لا توجب حدا ثابت بحبس او ضرب أو نحوهما ولا يجاوز عشرة أسواط:
أقول: أما اعتبار التكليف والإختيار فقد تقدم دليله.
وأما كون حد الشرب مفوضا إلى نظر الإمام فلما ثبت في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال وجلد أبو بكر رضي الله عنه أربعين وفي مسلم من حديثه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجل قد شرب الخمر فجلد بجريدتين نحو أربعين قال: وفعله أبو بكر فلما كان عمر استشار الناس فقال: عبد الرحمن أخف الحدود ثمانين جلده فأمر به عمر وفي البخاري وغيره من حديث عقبة بن الحارث قال: جيء بالنعمان شاربا فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان في البيت أن يضربوه فكنت فيمن ضربه بالنعال والجريد وفيه أيضا من حديث السائب بن يزيد قال: كنا نؤتى بالشارب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إمرة أبي بكر وصدرا من إمرة عمر فنقوم نضربه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا حتى كان صدرا من أمرة
عمر فجلد فيها أربعين حتى إذا عتوا فيها وفسقوا جلد ثمانين وفيه أيضا من حديث أبي هريرة نحوه وفي الباب أحاديث يستفاد من مجموعها أن حد السكر لم يثبت تقريره عن الشارع وأنه كان يقام بين يديه على صور مختلفة بحسب ما تقتضيه الحال وفي الصحيحين عن علي رضي الله عنه أنه قال: ما كنت لأقيم حدا على أحد فيموت فأجد في نفسي شيئا إلا صاحب الخمر فإنه لو مات وديته وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنه.
وأما كونه يكفي إقراره مرة أو شهادة عدلين فلما تقدم ولعدم وجود دليل على اعتبار التكرار.
وأما كون الشهادة تصح على القىء فلكون خروجها من جوفه يفيد القطع بأنه شربها والأصل عدم المسقط ولهذا حد الصحابة الوليد بن عقبة لما شهد عليه رجلان أحدهما أنه شربها والآخر أنه تقيأها فقال: عثمان رضي الله عنه إنه لم يتقيأها حتى شربها كما في مسلم وغيره.
وأما كون قتله في الرابعة منسوخ فلما رواه الترمذي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد في الرابعة فاقتلوه" قال: ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك برجل قد شرب في الرابعة فضربه ولم يقتله ومثله أخرج أبو داود والترمذي من حديث قبيصة بن ذؤيب وفيه ثم أتى به يعني في الرابعة فجلده ورفع القتل وفي رواية لأحمد من حديث أبي هريرة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسكران في الرابعة فخلى سبيله.
وأما جواز التعزير في المعاصي وأنه لا يجوز عشرة أسواط فلحديث أبي بردة بن نيار في الصحيحين وغيرهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله" وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وحسنة وقال الحاكم: صحيح الإسناد من حديث بهز بن حكيم أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة ثم خلى عنه وأخرج الحاكم له شاهدا من حديث أبي هريرة وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس في تهمة يوما وليلة وقد ثبت
أن عمر أمر أبا عبيدة بن الجراح أن يربط خالد بن الوليد بعمامته لما عزله عن إمارة الجيش كما في كتب السير وسبب ذلك أنه استنكر منه إعطاء شيء من أموال الله وتقدم في باب السرقة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وضرب النكال.